الصين... وحجز الدور في أوكرانيا

وزير الخارجية الصيني تحدث عن مبادرة صينية لحل الأزمة الأوكرانية في مؤتمر ميونيخ للأمن (أ.ب)
وزير الخارجية الصيني تحدث عن مبادرة صينية لحل الأزمة الأوكرانية في مؤتمر ميونيخ للأمن (أ.ب)
TT

الصين... وحجز الدور في أوكرانيا

وزير الخارجية الصيني تحدث عن مبادرة صينية لحل الأزمة الأوكرانية في مؤتمر ميونيخ للأمن (أ.ب)
وزير الخارجية الصيني تحدث عن مبادرة صينية لحل الأزمة الأوكرانية في مؤتمر ميونيخ للأمن (أ.ب)

تعد الأزمات والحروب محطّات تغيير جذريّة لسلوك الدول بشكل عام؛ فالأزمة أو الحرب، تدخل في الوعي والذاكرة الجماعيّة. وبذلك، لا يمكن تخطّيها عن وضع الاستراتيجيات المستقبليّة؛ فلا تزال فيتنام ماثلة في الذاكرة الجماعيّة الأميركيّة، حتى لو صرّح الرئيس بوش الأب بُعيد حرب الخليج الأولى بأن أميركا قد خرجت من هذا الهاجس.
تُغيّر الحروب الكبرى تركيبة النظام العالميّ، كما موازين القوى في العالم؛ فبعد هذه الحروب، تسقط إمبراطوريات، وتصعد أخرى، حسب المفكّر الإنجليزي بول كينيدي؛ فالإمبراطوريات، حسب كينيدي، تقوم على بُعدَيْ القوة والثروة؛ القوّة لتحمي الثروة، والثروة لتنفق على القوّة، لكن، ومع الوقت وتكرار التجارب الدمويّة، تتآكل الثروة كما القوة، لتسقط الإمبراطوريّة، وتحلّ مكانها إمبراطوريّة أخرى.
وبين سقوط قوة عظمى وصعود أخرى، يتشكّل النمط التالي: تتقاتل الإمبراطوريات المتجاورة جغرافياً حتى الاستنزاف والإنهاك، لتقوم إمبراطوريّة كبرى من الأطراف. ففي الحرب العالمية الثانية، تقاتلت ألمانيا وبريطانيا، فقامت الولايات المتحدة الأميركيّة من أطراف العالم الجديد. واليوم الغرب يقاتل الغرب في أوكرانيا، وها هي الصين تسعى لحجز دور طليعيّ، فماذا عنها؟
المبادرة الصينيّة
لا يمكن للمبادرة أن تُرضي الطرفين؛ فالموقف الصيني معروف من الفرقاء خصوصاً أميركا، ومن روسيا أيضاً. لكن المبادرة، وحسب القانون الدوليّ، تناقض نفسها بنفسها. فكيف يمكن الحديث عن سيادة الدول على أراضيها، وعدم تغيير الحدود بالقوّة، والأخذ بعين الاعتبار الهواجس الأمنيّة لروسيا في أوكرانيا؟ ألا تعاني الصين نفسها من حركات انفصاليّة في إقليميْ التبت وجينجيانغ؟ وهي لن تتخلّى عنهما؛ لأنهما يشكّلان العمود الفقري لمرور طريقيْ الحرير من البرّ والبحر من الصين وباتجاه الغرب. إذن لماذا المبادرة؟
*بعد الوصول إلى طريق مسدودة، كانت الصين قد عدّتها مفتوحة أمام بوتين، لا بد للصين من أن تعيد تموضعها وحسب الواقع الجديد:
*إذا اصطفّت الصين وراء أميركا وضدّ روسيا، فهي ستكون في المرتبة الثانية كلاعب «جونيور» في منظومة العم سام، لكن الاصطفاف مع روسيا، ستكون الصين اللاعب الأساسيّ وروسيا اللاعب الـ«جونيور».
*تعد الصين نفسها في موقف الـ«رابح-رابح»، إن كان قبيل الحرب، وخلالها وبعدها. وقبل الحرب راهنت على بوتين، فإن ربح تربح معه، وإن خسر يخسر وحده. وخلال الحرب وبسبب تعثّره، لا بديل لبوتين عن الصين في عدّة مجالات، إن كان في التوازن السياسيّ، الاقتصاديّ وحتى الدعم العسكريّ المدروس. وأخيراً وليس آخراً، وفي حال حدوث السيناريو الأسوأ، أي وبكلام آخر، تفتّتت روسيا، فستكون الصين المستفيد الأكبر، خصوصاً على حدودها الشرقيّة مع روسيا.
*تساعد الجغرافيا الصين في قربها مع روسيا؛ فالبقاء إلى الجهّة الروسيّة في الحرب، يعطي الصين الأمان في عدةّ مجالات منها: أمن الطاقة، الأمن الغذائيّ، وحتى الأمن النوويّ، وذلك عكس أيام الاتحاد السوفياتي، عندما سعى الاتحاد إلى حلف مع فيتنام لتطويق الصين.
*ترى الصين أن حلفها مع روسيا، سيُشكّل كتلة أوراسيّة ضخمة، تمتدّ من بكين إلى موسكو، الأمر الذي يذكّرنا بنظريّة هالفورد ماكندر العالم الجغرافيّ الإنجليزي، والتي تقوم على مفهوم الهارتلاند - أي المدى الجغرافيّ الأوراسيّ. هذه الكتلة، قد تواجه التكتلّ الغربي والمؤلف من أميركا وأوروبا، واليابان وأستراليا بالحد الأدنى.
*أخيراً وليس آخراً، تراقب الصين حالياً كيف يقاتل الغربُ الغربَ، وكيف يستنزف الغربُ الغربَ، وهي قادرة على أن تكون بيضة القبان في المعادلة. وإذا كان الغرب يقاتل الغرب، فهو حتماً، أي الغرب، سيضع ثقله في أوكرانيا، الأمر الذي يؤجّل الصراع المباشر معها. ومن يدري ما قد يحدث في خفايا المستقبل؟


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، فيما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.