نموذج لرصد طرق انتشار الأمراض المعدية بدقة عالية

طوره باحثو «كاوست»

تعزز النماذج المتنبئة بطرق انتشار الأمراض المعدية أنظمة المراقبة الوطنية
تعزز النماذج المتنبئة بطرق انتشار الأمراض المعدية أنظمة المراقبة الوطنية
TT
20

نموذج لرصد طرق انتشار الأمراض المعدية بدقة عالية

تعزز النماذج المتنبئة بطرق انتشار الأمراض المعدية أنظمة المراقبة الوطنية
تعزز النماذج المتنبئة بطرق انتشار الأمراض المعدية أنظمة المراقبة الوطنية

ألقت جائحة «كوفيد-19» الضوء على أهمية تطوير النماذج لفهم انتشار الأمراض، وتقديم أرقام ومعلومات تفصيلية عن الوقاية منها ومكافحتها. ومن هذا المنطلق استعان باحثون من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست» ببيانات جائحة «كوفيد-19»، ودمجوا مِنهاجين تقليديين من أجل خلق نموذج جديد بغرض تحسين توقعات انتشار المرض.
ومما لا شك فيه أن جائحة «كوفيد-19» أحدثت تغييرات جوهرية على الطريقة التي يعيش بها الناس حياتهم، مما حدا بالحكومات والعلماء لتحديد أفضل السبل اللازمة للحد من تأثيرات الجائحة عبر الاستعانة بنماذج رياضية تتنبأ بانتشار الأمراض المعدية.

طريقة نمذجة جديدة
النموذج الرياضي عبارة عن وصف مبسط لشيءٍ ما باستخدام قواعد الرياضيات ولغتها، ويُعدّ «نموذج SIR» إحدى طرق النمذجة الشائعة التي تقسّم السكان إلى 3 أقسام: القسم الأول «المعرَّضون للإصابة» (S)، والثاني «المصابون» (I)، والثالث «المتعافون» (R)، ثم صياغة معدلات التغيير التي تتبع انتقال الأفراد من قسم إلى آخر.
بمعنى آخر، ومن أجل تحسين فهمنا لطريقة انتشار مرض ما، يستخدم العلماء مزيجاً من الرياضيات والبيانات لتطبيق النمذجة الرياضية. توفر تلك النماذج طريقة لصياغة القواعد البسيطة لتقديم تخمين تقريبي لكيفية انتشار فيروس ما، ومن ثم تقديم تخمين تقريبي لانتشار المرض المصاحب له.
قام باحثو «كاوست»، بقيادة الباحثة الدكتورة باولا موراغا، الأستاذة المساعِدة في علوم الإحصاء، بدمج «نموذج SIR» يتناول الوقت فقط مع نموذج آخر يتناول الوقت والمكان معاً، مع أخذ أنماط التلامس العُمرية في الاعتبار أيضاً. ولتحقيق هذا الدمج، استخدم الفريق إطار عمل يتكوّن من خطوتين، يمكّنهم من نمذجة بيانات المواقع المعدية لعدد من الفئات العمرية المختلفة خلال فترة زمنية طويلة.
يقول الباحث الرئيسي للدراسة أندريه أمارال، القادم من البرازيل الذي تشمل اهتماماته البحثية النمذجة الإحصائية وطرق حساب الاستدلال، إن «النموذج يقدم تنبؤات أدقَّ من الأساليب المستخدمة سابقاً في رصد وقت ومكان التنبؤات على المدى القصير أو المتوسط. كما أن هذا النموذج يُراعي الفئات العمرية المختلفة حتى نتمكن من معالجتها بشكل منفصل، فينتج عنه التحكم في عدد الحالات المعدية على نحو أفضل».

تحديد المناطق الخطرة
ولحسن الحظ، فقد نجحت طريقة الفريق؛ إذ أُجريت دراسة محاكاة لتقييم أداء النموذج، وأيضاً أُجريت دراسة حالة لمصابي «كوفيد-19» في مدينة كالي بكولومبيا، نتج عنها تحسُّن ملحوظ في أداء النموذج عند رصد التنبؤات، وقدَّم نتائج مماثلة للفترات الزمنية الماضية، مقارنةً بالنماذج التي يشيع استخدامها في عمليات إعداد النماذج التنبؤية.
يقول أمارال إن «مميزات هذا النموذج ستساعد المسؤولين ومُتخذي القرار في تحديد المناطق الخطرة والسكَّان الأكثر عرضة للإصابة وتطوير استراتيجيات أكثر تطوراً لمكافحة الأمراض».
يمكن تطبيق النموذج أيضاً على أي مرض مُعدٍ يناسب تقديرات النموذج، مثل: مرض الأنفلونزا. كذلك لأن النموذج يأخذ في اعتباره مختلف الفئات العمرية وأنماط التلامس بينها، فإنه يقدّم استنتاجات أكثر تفصيلاً عن مكان ووقت وأي مجموعة بالتحديد يجب على متخذي القرار توجيه الموارد إليها للحدّ من المرض. يشير أمارال إلى أنه «مستقبلاً ربما نتوسع في هذا الأسلوب ونستخدم نماذج زمنية مختلفة لتحل محل «نموذج SIR»؛ سنتمكَّن من رصد دينامية الأوبئة المختلفة وزيادة السياقات التي قد نوظِّف النموذج فيها». ويضيف: «لكن في النهاية، إن أردنا تحسين قدرات النموذج التنبؤية، علينا العمل على تطوير أساليب المجموعات التي تدمج عدداً من التنبؤات من عددٍ من النماذج المختلفة وترصد أي تأخير زمني محتمل في عملية جمع البيانات».
تقول موراغا إن أداء النموذج يوضح أهمية الجودة والبيانات التفصيلية المتعلقة بالمكان والوقت والمجموعة السكانية؛ لفهم ديناميكيات الأمراض المعدية، مع تأكيد الحاجة الملحّة لتعزيز أنظمة المراقبة الوطنية من أجل تطوير عمليات اتخاذ القرارات المتعلقة بالصحة العامة.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الصين تصمم طائرة «صامتة» أسرع من الصوت

الصين تصمم طائرة «صامتة» أسرع من الصوت
TT
20

الصين تصمم طائرة «صامتة» أسرع من الصوت

الصين تصمم طائرة «صامتة» أسرع من الصوت

تدرك بكين أنه يتعين عليها الهيمنة على مجال الطيران التجاري ـ والطائرات الأسرع من الصوت المفتاح لتحقيق ذلك.

مشروعات صينية مستقبلية

وقد كشفت شركة «كوماك» الصينية العملاقة العاملة بمجال الطيران، خططها للطائرة «سي 949»، التي تفوق في سرعتها سرعة الصوت، ومصممة لتحلق لمسافة أبعد من الطائرة «كونكورد» بنسبة 50 في المائة، بينما تصدر دوياً صوتياً أقل صخباً عن صوت مجفف الشعر.

ومن المقرر إطلاق هذه الطائرة للمرة الأولى عام 2049، بالتزامن مع الذكرى المئوية لقيام جمهورية الصين الشعبية - مما يضع بكين في موقع يُمكّنها من منافسة مشروعات الطائرات الأسرع من الصوت الأميركية، مثل طائرة «ناسا إكس ـ 59» و«أوفرتشر» من شركة «بوم سوبرسونيك»، في خضم سباق لإعادة رسم ملامح مجال السفر الجوي العالمي.

في هذا الصدد، شرح بليك شول، الرئيس التنفيذي ومؤسس «بوم سوبرسونيك» أن: «أهم ما بالأمر أنه يكشف أن مجال الطيران الأسرع من الصوت تحول إلى سباق قائم بالفعل، وأن الصين مهتمةٌ به. وترمز الطائرات المتقدمة إلى التفوق التكنولوجي، وليس من قبيل الصدفة أن تسعى الصين إلى الفوز بهذا التاج».

وفي إطار ورقة علمية نشرت الشهر الماضي في دورية «Acta Aeronautica Sinica»، التي تخضع لمراجعة النظراء، طرح مهندسون من «كوماك» تفاصيل طائرة بسرعة 1.6 ماخ، قادرة على الطيران لمسافة 4225 ميلاً، مما يتجاوز المسافة التي تقطعها الطائرة «كونكورد» البالغة 2796 ميلاً.

تصميم ديناميكي فريد

ويكمن السر في تصميمها في بدن الطائرة ذي «الانحناء المعكوس». في علم الديناميكا الهوائية، يشير هذا المصطلح إلى شكل منحنى غير تقليدي في جسم الطائرة أو الأجنحة، وجرى عكس الشكل التقليدي لجناح الطائرة (الذي عادةً ما ينحني للأسفل من الأمام إلى الخلف).

وفيما يخص طائرة «سي 949»، من شركة «كوماك»، يصف هذا المصطلح بشكل محدد الجزء الأوسط المقعر من جسم الطائرة ـ أي المنحني إلى الداخل بدلاً من الخارج. وأفادت الشركة بأن هذا الانحناء يُضعف من شدة الموجات الصدمية. ويتكامل هذا الشكل الفريد مع مقدمة طويلة حادة تُقسم موجات الضغط، بالإضافة إلى انتفاخات ديناميكية هوائية قريبة من المحركات، لتقليل الاضطرابات الناتجة عن خروج العادم. واللافت أن الطائرة لا تحتوي على قمرة قيادة تقليدية.

التشابه مع «إكس ـ 59»

وإذا بدا لك شكلها الطويل المشابه للسهم مألوفاً، فربما شاهدت طائرة «ناسا إكس ـ 59»، التي تتسم بتصميم مشابه للغاية. وبحسب دراسة بحثية نقلتها صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست»، أجرى الفريق بقيادة كبير خبراء الديناميكا الهوائية لدى شركة «كوماك»، وو داوي، بإجراء محاكاة أظهرت أن خصائص «سي 949» الديناميكية ستخفض ضوضاء الانفجار الصوتي إلى 83.9 وحدة ديسيبل (وحدة تقيس الصوت المدرك)، ما يعادل صوت مجفف شعر. وتمثل هذه النسبة 5 في المائة فقط من ضجيج الـ105 ديسيبل، الذي تُحدثه طائرة الكونكورد. أما طائرة «ناسا»، فسجلت 75 ديسيبل، ما يقارب صوت غسالة أطباق ـ مما يعني أن «سي 949» أعلى صوتاً قليلاً. من جهتها، تأمل «كوماك»، كما تأمل «ناسا»، في أن يُسهم تقليل الضوضاء في رفع الحظر المفروض على الطيران فوق الصوتي فوق اليابسة منذ عام 1971. وأعلنت الشركة أن ضجيج الإقلاع، سيكون ضمن الحدود الدولية المسموح بها للمطارات القريبة من المدن. وتسعى الشركة الحكومية لأن تصبح منافساً عالمياً لـ«بوينغ» و«إيرباص»، وهي تدرك أن النجاح التجاري يعتمد على ذلك.

نظم ذكاء اصطناعي

وعلى غرار «إكس 59»، تتميز «سي 949» بأنف طويل للغاية وهياكل معدلة لتفتيت الموجات الصدمية، لكنها تضيف أنظمة ذكاء اصطناعي لا تتوفر في طائرة «ناسا». وتُشير الدراسة إلى أن نظام التحكم بالطيران المدعوم بالذكاء الاصطناعي (fly-by-wire) يتولى ضبط الأسطح الهوائية للطائرة 100 مرة في الثانية، لمواجهة عدم الاستقرار الناتج عن السرعة العالية.

وتعتمد «سي 949» على محركين نفاثين من نوع الدورة التكيفية أي المحركات النفاثة التي توفر الدفع، وبإمكانهما التبديل بين وضعين: أحدهما اقتصادي في استهلاك الوقود، عند ارتفاع 52 ألف قدم بسرعة 1.7 ماخ، والآخر عند الارتفاعات المنخفضة بسرعة 1.6 ماخ ضمن نمط «الضجيج المنخفض».

ومثل «إكس ـ 59»، يبلغ طول أنف الطائرة 30 متراً ـ ما يقارب نصف طول الطائرة ـ لتوزيع وتشتيت الموجات الصدمية، بينما يوجد محركها فوق هيكل الطائرة لتوجيه الصوت نحو الأعلى.

من جهته، قال مدير برنامج «إكس ـ 59» لدى شركة «لوكهيد»، ديف ريتشاردسون: «يتعلق الأمر برمته بالهندسة الدقيقة، وليس التكنولوجيا الخارقة. إنها طريقة مدروسة لتحويل صوت الانفجار إلى خفقة مكتومة».

وتأمل «لوكهيد» في أن يثمر تصميمها عن طائرة تجارية تحمل 44 راكباً، بطول 61 متراً. وفي هذا الصدد، أقر ريتشاردسون بوجود عقبات بالطريق، موضحاً أن «توسيع (إكس ـ 59) يتطلب محركات يمكنها التحليق بسرعة 1.8 ماخ، دون الحاجة إلى حراقات لاحقة ـ مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة».

وسيتعين على المهندسين الصينيين كذلك تطوير محركات جديدة، مثلما تفعل شركة «بوم سوبرسونيك».

من جهتها، تستخدم طائرة «كويست»، التابعة لـ«ناسا» نظام قمرة قيادة افتراضي، عبر عرض كاميرات عالية الدقة الرؤية الأمامية على شاشات داخلية، بدلاً من النوافذ الزجاجية التقليدية التي يرى منها الطيار، وهو ما يُلغي أي بروز قد يضخم صوت الانفجار. وفي الوقت الذي لم تُصرّح «كوماك» بعد إذا ما كانت «سي 949» ستستخدم هذا النوع من القمرة، فإنه يبدو الخيار الوحيد الممكن بالنظر إلى التصميم. ومن المقرر أن تعتمد طائرة «أوفرتشر»، من «بوم سوبرسونيك» الأسلوب ذاته، مثلما فعلت مع نموذجها الأولي «بوم سوبرسونيك إكس بي ـ 1»، الذي استخدمه شول والفريق المعاون له في اختبار «أوفرتشر»، وفكرتهم حول الطيران الأسرع من الصوت دون دوي. وتحرص «أوفرتشر» على تجنب هذه الأشكال الديناميكية الهوائية المتطرفة، وتعتمد في سبيل ذلك على ظاهرة جوية تُعرف بقطع ماخ (Mach Cutoff). على ارتفاع 18 ألف متر، يعتمد أسلوب «التحليق دون دوي» على درجات الحرارة واتجاهات الرياح لدفع الموجات الصدمية للانحناء نحو الأعلى، ما يمنعها من الوصول إلى الأرض. ومع أن الصوت يحدث، فإنه لا يصل حتى مستوى «خفقة باهتة»، كما في «سي 949» أو «أطس ـ 59». واستعرضت الشركة ذلك بالفعل عبر رحلتين فوق صوتيتين، فوق صحراء موهافي في كاليفورنيا، قبل شهور قلائل. عن ذلك، أكد شول أن الأمر: «ليس سحراً، بل حسابات رياضية فحسب»، ويسعى شول إلى تقديم رحلات بسرعة 1.7 ماخ بأسعار مماثلة لدرجة رجال الأعمال بحلول عام 2029. وأضاف: «لا نحتاج إلى مواد جديدة، بل إلى هندسة أذكى».

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»