تطوير القطاع العدلي بالذكاء الصناعي في السعودية

تسليم أول رخص لمكاتب محاماة قانونية أجنبية في البلاد

وزيرا العدل والاستثمار خلال تسليم أول رخصة مزاولة مهنة المحاماة لمكتب أجنبي في السعودية (الشرق الأوسط)
وزيرا العدل والاستثمار خلال تسليم أول رخصة مزاولة مهنة المحاماة لمكتب أجنبي في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

تطوير القطاع العدلي بالذكاء الصناعي في السعودية

وزيرا العدل والاستثمار خلال تسليم أول رخصة مزاولة مهنة المحاماة لمكتب أجنبي في السعودية (الشرق الأوسط)
وزيرا العدل والاستثمار خلال تسليم أول رخصة مزاولة مهنة المحاماة لمكتب أجنبي في السعودية (الشرق الأوسط)

في حين سلَّمت الحكومة السعودية تراخيص لـ3 شركات أجنبية لممارسة المحاماة في البلاد، لأول مرة في تاريخها، تسعى المملكة إلى تطوير القطاع العدلي واستشراف مستقبل التقنيات والذكاء الاصطناعي في المحاكم، بعد أن جمعت، أمس الأحد، عدداً من الوزراء والمسؤولين ونخبة من الخبراء والقانونيين والمتخصصين الدوليين تحت سقف واحد؛ لمناقشة أهمية التحول الرقمي وفق أعلى الضمانات الحقوقية.

جلسات افتراضية
وأفصح الدكتور وليد الصمعاني، وزير العدل، عن تجارب المملكة الرقمية في القضاء من خلال عقد أكثر من 6 ملايين جلسة مرئية موثَّقة، وإصدار ما يتجاوز مليونيْ حكم من محاكم الدرجة الأولى والاستئناف والمحكمة العليا، تحققت فيها جميع الضمانات والشفافية بأعلى صورها. وقال وزير العدل، خلال المؤتمر العدلي الدولي، أمس، في الرياض، إن السعودية عملت في ظل الرؤية بقيادة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، على تطوير جميع القطاعات؛ ومنها العدالة، من خلال دعم الابتكارات الرقمية وإطلاق مشروعات تطويرية تعزز قيم العدالة والشفافية وتحسين تجربة المستخدمين وتسريع العمليات القضائية.
وبيّن الدكتور الصمعاني أن المؤتمر يستهدف تحقيق الإثراء المعرفي حول مستقبل التقنيات وفق أعلى الضمانات الحقوقية، ويسعى لبناء الشراكات العدلية وتبادل الخبرات وتطوير ممكنات العدالة حول العالم.

تطوير التقنيات
وأضاف أن القطاع العدلي لديه فرص كبيرة للتعاون والمشاركة لتحقيق العدالة وترسيخ أركانها لرفع جودة المخرجات والمنفعة المتبادلة، وأن هناك فرصاً كبيرة لتطوير التقنيات المساندة والمعزِّزة للضمانات القضائية.
وتابع أن التحول الرقمي سيكون واقعاً، خلال الأعوام القليلة المقبلة، ويجب أن يجري التعامل معه كمسار وليس كخيار، ولا يزاحم العمل البشري، وإنما هو تبادل أدوار بحيث تكون التقنية هي الممكن والبناء الرئيس للعمليات القضائية ليتحول الفرد إلى دور الإشراف والمراقب لتحقيق الضمانات القضائية.
يأتي المؤتمر تحت شعار «نيسر الوصول للعدالة بتقنيات رقمية»، في سبيل تطوير القطاع العدلي، وتنمية الخبرات وتبادل المعرفة لتيسير الوصول للعدالة وطرح رؤى قيّمة حول أفضل السبل للاستفادة من التكنولوجيا لتحسين أداء المحاكم والقطاعات العدلية، ومناقشة التحديات التي تواجهها، وإيجاد حلول تحسّن جودة الخدمات المقدَّمة للمستفيدين.

جودة الخدمات
وناقشت جلسة «مستقبل القضاء في ظل التحول الرقمي» مدى أهمية استخدام التقنيات في القطاع العدلي، وتأثيراته على العملية القضائية وأهمية وجودها لتحسين جودة الخدمات المقدَّمة وتسريعها، تحدَّث خلالها وزير العدل السعودي، وليلى جفال وزيرة العدل التونسية، وكذلك بشتيان شكرلك نائب رئيس الوكالة الأوروبية للتعاون القضائي، وكاسيفيسوانثان شانموقام وزير الداخلية ووزير القانون في جمهورية سنغافورة.
وقال الصمعاني، في مستهلّ الجلسة، إن التحول الرقمي سيصبح واقعاً في جميع القطاعات، وهو لا يمثل تحدياً بل أساساً لا بد منه، خصوصاً في القطاع العدلي، حيث إنه مستقبل القضاء ويسهِّل الوصول إلى العدالة ويسهم في تحقيق نتائج أفضل.
من ناحيتها، أكدت ليلى جفال، وزيرة العدل التونسية، أهمية التحول الرقمي في تسهيل العمل القضائي واختصار الوقت الزمني، مع ضرورة تطوير البنية التحتية، مضيفة أن القاضي الإنسان يظل هو الأصل ولا يمكن الاستغناء عن خدماته.
وأبانت أن مهنة القاضي لن تندثر حتى مع تطور التقنيات؛ كون البعد الإنساني مهماً في العملية القضائية، لكن من المهم أن يُستغل الذكاء الاصطناعي بشكل كامل لتحسين القطاع وتطويره، مع الاحتفاظ بالعناصر البشرية التي تساعد في اتخاذ القرار بشكل أدقّ.

القوانين والتشريعات
وفي الجلسة التالية من المؤتمر ركز المتحدثون على البعد القانوني للذكاء الاصطناعي، بحضور عدد من القانونيين الدوليين؛ وهم: البروفيسور لورنس ليسج، أستاذ القانون والقيادة بكلية الحقوق بجامعة هارفارد، والبروفيسور راين أبوت، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة سري بالمملكة المتحدة، إلى جانب البروفيسور آنوبام تشاندر، عضو هيئة تدريس في مشروع مجتمع المعلومات بجامعة بيل في الولايات المتحدة، وأيضاً الدكتور كريستوفر ماركو، مُحاضر بكلية الحقوق وباحث مشارك أول في جامعة كامبريدج.
وأشار المتحدثون إلى أهمية التعايش مع التحول الرقمي الكبير وصنع المزيد من الفرص التي يجب استغلالها من قِبل البلدان في وضع القوانين المناسبة لهذه التقنيات، داعين الحكومة السعودية إلى ضرورة وضع التشريعيات للذكاء الاصطناعي مع المحافظة على القيم البشرية.
وتوقّع لورنس ليسج أتمتة 75 % من خدمات المحاماة في الأعوام الـ10 المقبلة واستبدال التقنيات الحديثة بها، بما فيها الذكاء الاصطناعي، ومن ثم يجب أن يتمسك البشر بزمام الأمور في التحكم بهذه التقنيات، مشيراً إلى أهمية اتخاذ القرارات بالصورة المناسبة وعدم الاعتماد على عملية النسخ واللصق فقط.

أتمتة القضاء
من جانبه، أوضح الدكتور كريستوفر ماركو أن أتمتة العدالة أو القضاء الآلي تفتقد روح القانون لتجعلها منطقة رمادية، مما يستدعي التدخل البشري للاطلاع على مقاصد القانون، مؤكداً أن التقنيات الجديدة قد تكون مُربكة في البداية.
من ناحيته، ذكر آنوبام تشاندر أن الطابع البشري ما زال حاضراً في الشؤون القانونية، ويجب السماح في استخدام الذكاء الاصطناعي بالحدود المعقولة وعدم التخلص منها، مع تطوير التقنيات بطريقة ملائمة لا تعمل على النسخ واللصق وتظهر عملية تحيز دون عدالة.
وبيّن أن الذكاء الاصطناعي لديه ميزة مهمة؛ وهي استخدام المعلومات وجمعها في آن واحد، ومن ثم فإن العامل البشري سيحتاج إلى هذه الأساليب لتطوير الخدمات القانونية والقضائية.
أما البروفيسور راين أبوت فأفاد بأن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يتصرف بالنيابة عن البشر ويمكن أن يتأهل وينجح كمحامٍ ولكن بالطرق التي تتناسب معه، وقد شُوهدت الأعمال الإبداعية لهذه التقنيات في جميع المجالات.
وواصل أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة سري بالمملكة المتحدة أنه يجب التركيز على مهامّ ومسؤولية الذكاء الاصطناعي ومحدوديتها، وأن يقوم بوضع وتسهيل الإجراءات والحفاظ على الجهود والأوقات في الوقت نفسه وعدم منحه كل الأعمال؛ كونه جهازاً لا يقدّر الصعوبة وأثر هذه القرارات.

تحسين بيئة الاستثمار
إلى ذلك، سلّم الدكتور وليد الصمعاني، والمهندس خالد الفالح، وزير الاستثمار، شركات محاماة أجنبية رخصها لمزاولة المهنة في المملكة، وذلك ضمن أعمال المؤتمر العدلي الدولي المُقام في الرياض. وحصل على الرخص شركات هيربيرت سميث فريهيلز، وليثم آند واتكنز، وكليفورد تشانس.
وتأتي الرخص المُصدرة كأول الرخص لمكاتب المحاماة العالمية التي تعمل في المملكة بعد موافقة مجلس الوزراء على تعديلات نظام المحاماة، بشأن الترخيص لمزاولة المهنة.
وكان وزير العدل قد أقر اللائحة التنفيذية لتنظيم الترخيص لمكاتب المحاماة الأجنبية، التي تهدف إلى تطوير المهنة ورفع كفاءة مزاوليها، وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار في المملكة.

إنشاء مكتب تسوية ودية بين مقدمي خدمات الاتصالات والتقنية

> وجرى، خلال المؤتمر العدلي الدولي، أمس، توقيع هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية مذكرة تعاون مع وزارة العدل لإنشاء مكتب التسوية الودية بين مقدمي خدمات الاتصالات والتقنية، وإطلاق خدمات التسوية عبر مختصين معتمَدين لأداء أعمال الوساطة وتقريب وجهات النظر في النزاعات بين مقدِّمي الخدمات؛ وذلك بهدف الإسهام في تعزيز النضج بالقطاع، وتشجيع الاستثمار فيه عبر إتاحة آليات بديلة لفض النزاعات، حيث تُعدّ محاضر الصلح الودية الصادرة من المكتب ذات صفة تنفيذية قضائية، وذلك بالتنسيق مع مركز المصالحة، التابع لوزارة العدل. وقّع المذكرة؛ ممثلًا عن الهيئة، محافظ هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية الدكتور محمد التميمي، في حين مثّل وزارة العدل نائب وزير العدل الدكتور نجم بن عبد الله الزيد، حيث جَرَت مراسم التوقيع على هامش المؤتمر العدلي الدولي القائم في مدينة الرياض.
وكشفت الهيئة أن إدارة خدمات التسوية الودية تتسق مع التحول الرقمي الذي تشهده المملكة؛ حيث ستكون عبر مسار إلكتروني متكامل، يجري من خلاله إنجاز كل عمليات التسوية الودية، مشيرة إلى أن تسوية النزاعات بين مقدِّمي الخدمة ستكون في مدة أقصاها 30 يوماً من قبول طلب التسوية من قِبل المكتب، بما يتمشى مع أفضل الممارسات الدولية، ووفقاً لما ورد في نظام الاتصالات وتقنية المعلومات.
وأوضحت الهيئة أن إنشاء المكتب سيسهم في توفير الذراع التنفيذية للدور التنظيمي المسنَد للهيئة في القيام بأعمال التسوية الودية بين مقدمي الخدمات، بالإضافة إلى تأهيل عدد من موظفيها للوساطة في التسوية الودية. يُذكر أن ذلك يأتي ذلك في إطار تفعيل أدوار الهيئة التنظيمية الساعية إلى تمكين ودعم قطاع الاتصالات والتقنية في المملكة، بالمواءمة مع التوجهات الحكومية بما يحقق رؤية واستراتيجية الهيئة.


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

أطلقت السعودية خدمة التأشيرة الإلكترونية كمرحلة أولى في 7 دول من خلال إلغاء لاصق التأشيرة على جواز سفر المستفيد والتحول إلى التأشيرة الإلكترونية وقراءة بياناتها عبر رمز الاستجابة السريعة «QR». وذكرت وزارة الخارجية السعودية أن المبادرة الجديدة تأتي في إطار استكمال إجراءات أتمتة ورفع جودة الخدمات القنصلية المقدمة من الوزارة بتطوير آلية منح تأشيرات «العمل والإقامة والزيارة». وأشارت الخارجية السعودية إلى تفعيل هذا الإجراء باعتباره مرحلة أولى في عددٍ من بعثات المملكة في الدول التالية: «الإمارات والأردن ومصر وبنغلاديش والهند وإندونيسيا والفلبين».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

«ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

تُنظم هيئة الأفلام السعودية، في مدينة الظهران، الجمعة، الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي تحت شعار «السينما الوطنية»، بالشراكة مع مهرجان الأفلام السعودية ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء). ويأتي الملتقى في فضاءٍ واسع من الحوارات والتبادلات السينمائية؛ ليحل منصة عالمية تُعزز مفهوم النقد السينمائي بجميع أشكاله المختلفة بين النقاد والأكاديميين المتخصصين بالدراسات السينمائية، وصُناع الأفلام، والكُتَّاب، والفنانين، ومحبي السينما. وشدد المهندس عبد الله آل عياف، الرئيس التنفيذي للهيئة، على أهمية الملتقى في تسليط الضوء على مفهوم السينما الوطنية، والمفاهيم المرتبطة بها، في وقت تأخذ في

«الشرق الأوسط» (الظهران)
الاقتصاد مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

تجاوز عدد المسافرين من مطارات السعودية وإليها منذ بداية شهر رمضان وحتى التاسع من شوال لهذا العام، 11.5 مليون مسافر، بزيادة تجاوزت 25% عن العام الماضي في نفس الفترة، وسط انسيابية ملحوظة وتكامل تشغيلي بين الجهات الحكومية والخاصة. وذكرت «هيئة الطيران المدني» أن العدد توزع على جميع مطارات السعودية عبر أكثر من 80 ألف رحلة و55 ناقلاً جوياً، حيث خدم مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة النسبة الأعلى من المسافرين بـ4,4 مليون، تلاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض بـ3 ملايين، فيما خدم مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة قرابة المليون، بينما تم تجاوز هذا الرقم في شركة مطارات الدمام، وتوز

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
TT

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)
بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن الرئيس المنتخب دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه الاقتصادي بنجاح، دون الانجرار إلى حرب تجارية شاملة أو تفاقم العجز الفيدرالي.

وحقق مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» زيادة تفوق 24 في المائة في عام 2024، مما جعله في الصدارة بين مؤشرات الأسهم في أوروبا وآسيا والأسواق الناشئة. وبمعدل 22 ضعفاً للأرباح المستقبلية المتوقعة، فإن علاوته مقارنة بمؤشر «إم إس سي آي» للأسواق من أكثر من 40 دولة، تعد الأعلى منذ أكثر من عقدين، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وعلى الرغم من أن الأسهم الأميركية قد تفوقت على نظيراتها العالمية لأكثر من عقد من الزمان، فإن الفجوة في التقييم قد اتسعت هذا العام بفضل النمو الاقتصادي المتين والأرباح القوية للشركات، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، حيث ساعدت التطورات المثيرة في مجال الذكاء الاصطناعي على تعزيز أسهم شركات رائدة مثل «إنفيديا».

ويعتقد بعض المشاركين في السوق أن أجندة ترمب الاقتصادية، التي تشمل تخفيض الضرائب، وتخفيف القيود التنظيمية، وحتى فرض الرسوم الجمركية، قد تعزز من تفوق الولايات المتحدة، متفوقة على المخاوف المتعلقة بتأثيراتها المزعزعة المحتملة على الأسواق وزيادة التضخم.

وقال رئيس استراتيجية الأسهم الأميركية في بنك «باركليز»، فينو كريشنا: «نظراً للتوجهات المؤيدة للنمو في هذه الإدارة الجديدة، أعتقد أنه سيكون من الصعب مواجهة الأسهم الأميركية، على الأقل في عام 2025». وكانت هناك مؤشرات على تزايد تفضيل المستثمرين للأسهم الأميركية مباشرة بعد الانتخابات التي جرت في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما استقبلت صناديق الأسهم الأميركية أكثر من 80 مليار دولار في الأسبوع الذي تلا الانتخابات، في حين شهدت صناديق الأسهم الأوروبية والأسواق الناشئة تدفقات خارجة، وفقاً لبنك «دويتشه».

ويعد «مورغان ستانلي»، و«يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية، ومعهد الاستثمار «ويلز فارغو» من بين المؤسسات التي توصي بزيادة الوزن للأسهم الأميركية في المحافظ الاستثمارية أو تتوقع تفوقها في العام المقبل.

محرك الأرباح

أحد المحركات الرئيسية لقوة الأسهم الأميركية هو ميزة أرباح الشركات الأميركية، حيث من المتوقع أن ترتفع أرباح شركات «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 9.9 في المائة هذا العام وبنسبة 14.2 في المائة في 2025، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي». وفي المقابل، من المتوقع أن ترتفع أرباح الشركات في مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة 1.8 في المائة هذا العام وبنسبة 8.1 في المائة في 2025.

وقال كبير الاستراتيجيين الاستثماريين في «ستيت ستريت غلوبال أدفايزر»، مايكل أرون: «الولايات المتحدة تظل المنطقة الجغرافية التي تحقق أعلى نمو في الأرباح وأكبر قدر من الربحية على مستوى العالم».

ويسهم الدور المهيمن للشركات التكنولوجية العملاقة في الاقتصاد الأميركي، وأوزانها الكبيرة في مؤشرات مثل «ستاندرد آند بورز 500»، في تعزيز هذا النمو. إذ تبلغ القيمة السوقية لأكبر خمس شركات أميركية («إنفيديا» و«أبل» و«مايكروسوفت» و«أمازون دوت كوم» وألفابت) أكثر من 14 تريليون دولار، مقارنة بحوالي 11 تريليون دولار لجميع شركات «ستوكس 600»، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وعلى نطاق أوسع، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.8 في المائة في 2024 وبنسبة 2.2 في المائة في 2025، مقارنة بنسبة 0.8 في المائة هذا العام و1.2 في المائة في العام المقبل لمجموعة من حوالي 20 دولة تستخدم اليورو، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.

وقد تساعد خطط ترمب لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الولايات المتحدة في تعزيز هذا التفوق، رغم المخاطر التي قد تترتب على ذلك، وفقاً لما قاله مايك مولاني، مدير أبحاث الأسواق العالمية في «بوسطن بارتنرز»، الذي يفضل الأسهم الأميركية. وقال مولاني: «إذا فرض ترمب رسوماً جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على السلع الأوروبية، فإنهم سيتأثرون أكثر منا بشكل نسبي».

وقد دفع تحكم الجمهوريين في السلطة في واشنطن، ما يسهل على ترمب تنفيذ أجندته، اقتصاديي «دويتشه بنك» إلى رفع توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأميركي في 2025 إلى 2.5 في المائة مقارنة بـ 2.2 في المائة.

وبينما من المتوقع أن تعزز تخفيضات الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية النمو الاقتصادي، فإن الهوامش الضيقة نسبياً في الكونغرس الأميركي وحساسية الإدارة تجاه ردود الفعل السوقية قد تحدان من نطاق بعض السياسات «المتطرفة»، مثل الرسوم الجمركية، كما ذكر البنك في تقريره الأخير.

من جانبه، يتوقع «يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية أن يصل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 6600 في العام المقبل، مدفوعاً بالتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وانخفاض أسعار الفائدة، وتخفيضات الضرائب، وإلغاء القيود التنظيمية. وأغلق المؤشر عند 5948.71 يوم الخميس. مع ذلك، قد تؤدي حرب تجارية شاملة مع الصين ودول أخرى إلى التأثير سلباً على نمو الاقتصاد الأميركي وزيادة التضخم. وفي سيناريو يتم فيه فرض دول ردود فعل على الرسوم الجمركية الأميركية الواسعة، قد ينخفض مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى 5100، رغم أن الأسهم العالمية ستتراجع أيضاً، وفقاً لتوقعات «يو بي إس».

ويمكن أن تكون بعض القطاعات في السوق أكثر عرضة لتأثيرات سياسات ترمب، حيث أدت المخاوف بشأن خطط تقليص الفائض البيروقراطي إلى تراجع أسهم شركات المقاولات الحكومية الأسبوع الماضي، بينما تراجعت أسهم شركات الأدوية بعد اختيار ترمب للمشكك في اللقاحات روبرت ف. كينيدي جونيور لقيادة وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.

كما قد تثير التخفيضات الضريبية الواسعة القلق بشأن زيادة الدين الأميركي. وقد أسهمت المخاوف المتعلقة بالعجز في تراجع بيع السندات الحكومية الأميركية مؤخراً، مما دفع عائد سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات إلى أعلى مستوى له في خمسة أشهر الأسبوع الماضي.

وفي الوقت نفسه، قد تصبح الفجوة في التقييم بين الولايات المتحدة وبقية العالم واسعة لدرجة تجعل الأسهم الأميركية تبدو باهظة الثمن، أو قد تصبح الأسهم الدولية رخيصة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، في الوقت الراهن، تظل الاتجاهات طويلة المدى لصالح الولايات المتحدة، مع ارتفاع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بأكثر من 180 في المائة مقارنة بارتفاع بنسبة 50 في المائة تقريباً لمؤشر «ستوكس» في أوروبا على مدار العقد الماضي. وقال رئيس استراتيجيات الأصول المتعددة في «روبيكو»، كولين غراهام: «الزخم شيء رائع. إذا كان لديك شيء يستمر في التفوق، فإن المستثمرين سيتبعون الأموال».