«شريك» يكشف محوريّة القطاع الخاص في توجهات الاقتصاد السعودي

البرنامج يسهم في دفع الناتج المحلي إلى مستهدفاته التريليونية

لحظة إطلاق الحزمة الأولى من مشاريع الشركات الكبرى لبرنامج «شريك» بحضور ولي العهد السعودي (واس)
لحظة إطلاق الحزمة الأولى من مشاريع الشركات الكبرى لبرنامج «شريك» بحضور ولي العهد السعودي (واس)
TT

«شريك» يكشف محوريّة القطاع الخاص في توجهات الاقتصاد السعودي

لحظة إطلاق الحزمة الأولى من مشاريع الشركات الكبرى لبرنامج «شريك» بحضور ولي العهد السعودي (واس)
لحظة إطلاق الحزمة الأولى من مشاريع الشركات الكبرى لبرنامج «شريك» بحضور ولي العهد السعودي (واس)

سلّط الإعلان الأخير عن الحزمة الأولى من مشاريع الشركات الكبرى المنضمة إلى مركز برنامج تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص (شريك) في السعودية، الضوء على مساهمة القطاع الخاص، خصوصاً الشركات الكبرى، في تعزيز تنمية ومرونة الاقتصاد السعودي في ضوء خطّتها التنموية «رؤية 2030».
وكشف حضورُ ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رئيس لجنة استثمارات الشركات الكبرى، حفل الإعلان عن الحزمة الأولى من المشاريع بمشاركة عدد من كبار المسؤولين الحكوميّين والوزراء، ورؤساء مجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات المحلية، أهميّةَ ملف الاستثمار المحلّي بالنسبة للبلاد.

ليس استجابة لـ«كورونا»
ووفقاً لمسؤولين في البرنامج، فإنه لا يأتي بوصفه استجابةً مباشرة للآثار الاقتصادية الناجمة عن جائحة (كوفيد - 19)، بالنظر لتاريخ إطلاقه الذي جاء في وقتٍ كانت البلاد تتعافى فيه من آثار الجائحة في 30 مارس (آذار) من عام 2021، لكنه في المقابل يحقق عدداً من الأهداف، خصوصاً بعد تحويله، الثلاثاء الماضي، بقرار من مجلس الوزراء إلى مركز، أبرزها دعم النمو المستدام لاقتصاد البلاد، وتسريع نمو فرص الأعمال.

مساهمة القطاع الخاص
وحسب إحصاءات رسمية فقد نمت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغ في العام المنصرم 2022 ما يقارب 1.2 تريليون ريال (320 مليار دولار) بما يعادل 43 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، ومن خلال زيادة الاستثمارات المحلية لشركات القطاع الخاص، حيث الهدف هو إضافة ما يصل إلى 2 تريليون ريال (533 مليار دولار) إلى الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025، والوصول بالنتيجة في عام 2030 إلى ارتفاع نسبة مساهمة القطاع لتصل إلى 65 في المائة بما يعادل 5 تريليونات ريال (1.3 تريليون دولار) من خلال دعم وإطلاق الحوافز الحكوميّة المعتمدة.

تستهدف السعودية دعم القطاع الخاص للاستثمار المحلي عبر مبادرات منها برنامج «شريك» (واس)

مرونة وتأثير عالٍ
ويعد «شريك» الذي يقوده مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، برنامجاً مرناً وعالي التأثير، حسب وصف عدد من الرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات السعودية التي انضوت تحت مظلة البرنامج، أو تلك التي تستهدف الانضمام إليه، خصوصاً أنه حتى اللحظة ما زال يفتح الباب أمام انضمام كبرى الشركات السعودية إلى الاستثمار في السوق المحلية، بما يعود بالأثر على الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، واقتصادها الآخذ في التوسع.

تحسّن بيئة الاستثمار
وعلى الرغم من تأثيرات الجائحة في الاقتصاد العالمي، فإن اهتمامات السعودية لم تتزحزح عن الالتزام بتحقيق مستهدفات الرؤية التي قارب عددها 100 مستهدف، بل زادت السعودية وفقاً لمشاريعها وخططها المعلنة في هذا الإطار إصراراً على الوصول للمستهدفات وفق خط النهاية المحدد وهو عام 2030، ومن ضمن اهتمامات السعودية تحفيز استثمارات الشركات السعودية الكبرى.
ويؤكّد ذلك الخبير الاقتصادي ورئيس مركز «جواثا» الاستشاري الدكتور إحسان بوحليقة، في حديثٍ لـ «الشرق الأوسط» بإشارته إلى أن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حدّد في كلمته بمناسبة إطلاق برنامج «شريك» في مارس 2021، أن مكونات الضخ الاستثماري للبلاد حتى عام 2030 ستناهز «27 تريليون ريال، موزعة كالتالي: 3 تريليونات تنفيذاً لاستراتيجية صندوق الاستثمارات العامة، و4 تريليونات تنفيذاً للاستراتيجية الوطنية للاستثمار، و5 تريليونات برنامج (شريك)، و10 تريليونات للإنفاق الحكومي، و5 تريليونات للاستهلاك الخاص».
وبناءً على ذلك يلاحظ بوحليقة أن الضخ الاستثماري الذي سيجلبه البرنامج هو «من بين الأكبر في العناصر السابق ذكرها»، مضيفاً أن ما يميزه هو أنه يعتمد على التنسيق اللصيق مع الشركات الكبرى التي نمت وترعرعت، وحققت نجاحات متواصلة، وأنها نَبتاتٌ سعوديةُ بامتياز، وبوسعها أن تحقق المزيد لصالح (رؤية 2030)، بالاستفادة من التحسن في بيئة الاستثمار من جانب، والحوافز التي توفرها برامج الرؤية ومبادراتها لاستثمارات القطاع الخاص، ولشريحة الشركات الكبرى، حيث يشترط البرنامج استثمارات 20 مليار للشركة كحد أدنى حتى عام 2030، وألا يقل الاستثمار للمشروع الواحد عن 400 مليون ريال سعودي، كل ذلك يأتي في ظل حوكمة صارمة للبرنامج من قبل لجنة عالية المستوى يرأسها ولي العهد».

تعزيز روح الشراكة
وتدير الحكومة السعودية برنامج الشركات الكبرى، بتوجيه من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، فيما يشرف مجلس استثمارات الشركات الكبرى على تنفيذ البرنامج، ويضم أعضاء المجلس كلاً من وزراء الاستثمار والسياحة والمالية والاتصالات وتقنية المعلومات والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ومحافظ صندوق الاستثمارات العامة، وأمين لجنة مجلس الشؤون الاقتصادية، ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط، وطبقاً للقائمين على البرنامج فقد جاء إطلاق اسم «شريك» على البرنامج؛ لما يجسده من تعزيز روح الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بصفتها الفلسفة الموجهة للبرنامج، الذي تأسس لتحقيق فوائد ضخمة للشركات الخاصة الكبرى في السعودية.

إعلان تفاصيل تنظيمية
ونشرت جريدة «أم القرى» – الجريدة الرسمية للبلاد - تفاصيل الترتيبات التنظيمية لمركز «شريك»، حيث أشارت إلى أن المركز يتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة، وبالاستقلال المالي والإداري، ويرتبط تنظيمياً باللجنة الاستراتيجية، حيث سيكون مقره الرئيسي في مدينة الرياض، وله إمكانية إنشاء فروع ومكاتب حسب الحاجة بقرار من اللجنة.
وجاء من بين مهام المركز، اقتراح آلية استرجاع الحوافز الممنوحة للشركات الكبرى، في حال عدم التزامها بشروط الاتفاقيات التي يبرمها المركز معها، ورفعها إلى اللجنة لاعتمادها، وكذلك عرض الفرص الاستثمارية على الشركات الكبرى، وتحديد التحديات المؤثرة في استثمارات الشركات الكبرى لاعتماد إحالتها إلى الجهات المختصة، تمهيداً لاستكمال الإجراءات النظامية اللازمة بشأنها.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد الجولة الأولى من المفاوضات التي قادتها السعودية بين دول الخليج واليابان (واس)

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

ناقشت الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان عدداً من المواضيع في مجالات السلع، والخدمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».