باتت تركيا على بعد حوالي شهرين ونصف شهر من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 14 مايو (أيار)، التي توصف بـ«الحاسمة». وبعدما كان الرئيس رجب طيب إردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم يكافحان من أجل رفع مؤشرات الاقتصاد التي انطبعت سلباً على شعبيتهما، جاءت كارثة زلزالي 6 فبراير (شباط) الماضي لتضيف متغيراً مختلفاً ضغط مجدداً على طموحات إردوغان في فترة رئاسية جديدة، وأجبره على إعادة ترتيب أوراقه وتغيير تكتيكات حملته الانتخابية لتركز على أجندة الزلزال.
وبالتزامن مع إعلانه تأكيد موعد 14 مايو لإجراء الانتخابات خلال اجتماع المجموعة البرلمانية لحزبه، الأربعاء، كشف إردوغان عما سماه نموذج «درع المخاطر الوطني التركي»، قائلاً إنه سيعقد الاجتماع الأول اليوم (الجمعة). وعشية هذا الاجتماع، أعلن وزير البيئة والتحضر والتغير المناخي، مراد كوروم، أنه سيتم وضع حجر الأساس للدفعة الأولى من الوحدات السكنية، البالغ عددها 21 ألفاً و244 وحدة، موزعة على 11 ولاية منكوبة (الجمعة)، وسيتم وضع أساسات لـ244 ألف وحدة سكنية في هذه الولايات في غضون شهرين.
بالتزامن، وبينما كانت «طاولة الستة» لأحزاب المعارضة تعقد اجتماعاً تركزت عليه جميع الأنظار بمقر حزب السعادة في أنقرة، الخميس، لمناقشة اسم المرشح المشترك للرئاسة الذي سينافس إردوغان، نشرت مؤسسة «أو آر جي» لاستطلاعات الرأي نتائج أحدث استطلاع حول تأثير الزلزال على التصويت في الانتخابات المقبلة، أجرته وجهاً لوجه مع 4720 مشاركاً في 45 ولاية في الفترة بين 22 و27 فبراير. وكان السؤال الرئيس فيه: «أي حزب ستصوت له إذا كانت هناك انتخابات عامة يوم الأحد المقبل؟» وظهر أن معدل التصويت لحزب العدالة والتنمية انخفض إلى أقل من 30 في المائة، وأن نسبة أصوات «تحالف الشعب»، المؤلف من الحزب الحاكم وحزب الحركة القومية، بلغ 34.5 في المائة فقط، وهو أقل بـ7 نقاط عما حصل عليه حزب العدالة والتنمية منفرداً في انتخابات 2018، وأقل بنحو 14 في المائة عما حصل عليه التحالف في الانتخابات ذاتها، بينما ارتفع معدل التصويت لـ«تحالف الأمة» المعارض، المؤلف من حزبي الشعب الجمهوري والجيد، إلى 48.6 في المائة.
وحصل حزب العدالة والتنمية على 29.1 في المائة، وحزب الشعب الجمهوري على 23.5 في المائة، وحزب «الجيد» على 19.5 في المائة، وحزب الحركة القومية على 5.4 في المائة، أي أنه بقي تحت الحد النسبي لدخول البرلمان، الذي تم تخفيضه في مايو الماضي من 10 إلى 7 في المائة، بينما حصل حزب الشعوب الديمقراطية (مؤيد للأكراد) على 8.1 في المائة، وحزب المستقبل على 2.5 في المائة، وحزب الديمقراطية والتقدم على 2.3 في المائة.
واتفق محللون وباحثون على أن كارثة الزلزال التي هزت تركيا وأزهقت أرواح أكثر من 45 ألف شخص، أجبرت إردوغان على تغيير تكتيكاته الانتخابية. وبحسب الأكاديمي المتخصص في العلوم السياسية أحمد داغجي، تشير التحركات في دائرة الحكم وأسلوب إردوغان خلال جولاته في المناطق المنكوبة إلى أن الرئيس يستعد لتحويل جهود إعادة الإعمار التي قامت بها الدولة إلى حملة انتخابية لحزب العدالة والتنمية. وأضاف داغجي لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التكتيك يعتمد بالكامل تقريباً على أساليب الاتصال والدعاية التي تهدف إلى مواجهة رد الفعل العنيف ضد المشكلات التي سبّبتها كارثة الزلزال بشعارات مثل «سأصلحها، وسأبني في غضون عام»، وهي شعارات يريد أن يسمعها الأشخاص اليائسون المتضررون من الكارثة، على حد قوله.
وأشار إلى أن أجندة تركيا الآن هي الزلزال، وما لم تكن هناك بعض التطورات الأخرى، فإن أجندة تركيا السياسية حتى الانتخابات ستكون كذلك، حيث تم تحميل الحكومة المسؤولية عن القصور في الاستجابة السريعة للكارثة في الأيام الأولى، وتأخر مشاركة الجيش في جهود البحث والإنقاذ، رغم استعداده. وقد اعتذر إردوغان أكثر من مرة عن البطء في الاستجابة للكارثة، لكنه أرجعه إلى الظروف الجوية وأسباب متعلقة بتدمير بعض الطرق.
لكن الأكاديمي التركي لفت إلى أن كارثة الزلزال نزعت من يد إردوغان ورقة مهمة كان يعول عليها في تبرير الوضع الاقتصادي في البلاد، عبر الحديث عن مؤامرة أو محاولات من القوى الخارجية لعرقلة مسيرة تركيا. وقد سقطت هذه الرواية التي يتفاعل معها ناخبو «العدالة والتنمية» خلال الزلزال، وفق الأكاديمي، وأدت المساعدات من دول مثل اليونان وأرمينيا وإسرائيل وأميركا والدول الأوروبية إلى القضاء على إمكانية الاعتماد على عداء السياسة الخارجية.
من جانبه، نبّه المحلل السياسي أحمد صاري يلديز إلى أن حسابات إردوغان في التمسك بموعد 14 مايو بُني على حسابات معالجة آثار الزلزال، لكنه أوضح أن «حالة الاقتصاد لم تتحسن بعد بشكل كافٍ للفوز في الانتخابات بالنسبة لإردوغان». وأضاف أنه رغم الهيمنة الإعلامية للحكومة، فإن «أزمة المساعدات الإنسانية لمنكوبي الزلزال، التي عانى منها الناخبون بشكل مباشر في منطقة الزلزال، ستكون معياراً مهماً للتصويت مع اقتراب الانتخابات». وسيعتمد الأمر أيضاً على كيفية تعامل المعارضة مع هذه القضية. وأشار إلى أن هناك نحو 18 رئيس مقاطعة من حزب العدالة والتنمية استقالوا بسبب كارثة الزلزال، كما يتردد نواب الحزب في الخروج علناً بسبب خوفهم من ردود الفعل من جانب المواطنين الغاضبين، التي ظهرت في جولات وزراء من الحكومة حتى حليف إردوغان، رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهشلي. وأضاف أنه قبل الزلزال «كانت زيادة الأجور أو الوعود بالتقاعد المبكر، على سبيل المثال، استثماراً انتخابياً جيداً، لكن الآن هناك ميزانية يجب تخصيصها لإصلاح آثار الزلزال وإعادة الإعمار، ويبدو أنه يجري النظر في فكرة استخدام هذه الميزانية كميزانية للدعاية الانتخابية».
ولفت الكاتب مراد تو صاري إلى أنه من واجب الدولة بناء مساكن لضحايا الزلزال، «ومع ذلك، قدّم إردوغان هذا على أنه مشروع لا يمكن إكماله قبل عام، ولا يمكن إنجازه إلا إذا كان هو المسؤول عن التنفيذ. لكن إزالة ما يقدر بنحو 230 مليون طن من الحطام، وبناء مساكن دائمة لمئات الآلاف من المواطنين في غضون عام هو وعد طموح جداً، لكن إردوغان يشير إلى أن الدولة لا يمكنها القيام بذلك إلا إذا ظل في حكمه، وليس خلاف ذلك، لأنه لم تبقَ في يده ورقة رابحة أخرى». محللون آخرون رجّحوا أن تؤدي هذه الاستراتيجية الحازمة والمحفوفة بالمخاطر إلى مزيد من الضغط السياسي على وسائل الإعلام. ويعتقد هؤلاء المحللون أن تركيز المعارضة على التباطؤ في الإغاثة، ووصولهم إلى المناطق المنكوبة قبل إردوغان،
وكذلك على النقص الذي لا يزال مستمراً في الخيام، ومتطلبات المتضررين، واحتياجاتهم الأساسية، وتقديم تعهدات بأن عملية البناء وتسليم المساكن لن تتأثر بعدم وجود حزب معين في السلطة لأنها مسؤولية الدولة، ستلعب دوراً قوياً في زيادة فرص المعارضة ومرشحها الرئاسي، إذا اختير بدقة، وتغيير وجه السلطة في تركيا بعد 14 مايو.
كارثة الزلزال تحدد أجندة انتخابات 14 مايو في تركيا
إردوغان يبني عليها تكتيكاته... وفرص كبيرة في يد المعارضة
كارثة الزلزال تحدد أجندة انتخابات 14 مايو في تركيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة