شيراك حذّر بوش من إطاحة صدام... ورايس اشترطت «رحيله» لمنع الحرب

السفير موريس غوردو مونتاني يكشف بعض أسرار حرب الخليج الثانية واستقبال باريس للخميني... ومنبع الأزمة الأوكرانية

بوش وشيراك... خلاف كبير على حرب العراق (غيتي)
بوش وشيراك... خلاف كبير على حرب العراق (غيتي)
TT

شيراك حذّر بوش من إطاحة صدام... ورايس اشترطت «رحيله» لمنع الحرب

بوش وشيراك... خلاف كبير على حرب العراق (غيتي)
بوش وشيراك... خلاف كبير على حرب العراق (غيتي)

ليس كتاب موريس غوردو مونتاني كتاب مذكرات سفير عادي من نوع الكتب التي تحفل بها المكتبات الفرنسية والتي تزداد أعدادها عاماً بعد عام ومع انتهاء الخدمة الدبلوماسية الفعلية لأصحابها. ذلك أن صاحب كتاب «الآخرون لا يفكرون مثلنا» ليس سفيراً عادياً، وكتابه ليس تفتيشاً في أركان الذاكرة عن أحداث عاصرها وعايشها وأراد أن يستفيد منها ليبيّن أنه لعب دوراً ما يُحسب له في حياته المهنية. غوردو مونتاني، المتقاعد راهناً، شغل أعلى المراتب الدبلوماسية، متنقلاً من سفارة إلى سفارة، قبل أن ينتهي به المطاف أميناً عاماً لوزارة الخارجية. بيد أن الموقع الدبلوماسي، الاستراتيجي والحساس، الذي شغله وامتد لسنوات تَمثّل في كونه مستشاراً دبلوماسياً للرئيس السابق جاك شيراك ما بين 2002 و2007، كما كان «شيربا» الرئيس، أي ممثله في مجموعتَي «السبع» و«العشرين». وقبل ذلك، تنقل غوردو مونتاني سفيراً في طوكيو وبكين وبرلين ولندن، ناهيك بأنه كان مدير مكتب رئيس الوزراء ألان جوبيه طيلة عامين. وباختصار، شغل المؤلف مناصب استثنائية مكّنته من أن يكون في قلب الحدث الدبلوماسي والاستراتيجي في دولة تحتل مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي وتعد إحدى الدول النووية الخمس «الشرعية»، وهي تمتلك ثالث أكبر تمثيل دبلوماسي في العالم (بعد الولايات المتحدة والصين)، وتشكّل مع ألمانيا «قاطرة» الاتحاد الأوروبي.

كوندوليزا رايس (غيتي)  -   فلاديمير بوتين (غيتي)   -  المرشد الإيراني الخميني (غيتي)

يمكن القول، باختصار، إن المواقع التي شغلها غوردو مونتاني أهّلته لأن يرى من الداخل ومن أرفع المناصب تحولات السياسة الدولية وخفاياها. من هنا، فإن كتابه ليس مجرد مذكرات بل هو تجوال وترحال في السياسة الدولية وفي مطابخها، ما يمكّن غالباً المؤلف من كشف الكثير من خباياها ومن إلقاء الضوء على أحداث وتطورات لم يعرف سوى النذر القليل من مكنوناتها يوم حصولها. وفي 392 صفحة و17 فصلاً، يرسم لنا غوردو مونتاني صورة للدبلوماسية العالمية من خلال الأزمات المتلاحقة التي عايشها، وكان، من موقعه خصوصاً زمن وجوده إلى جانب الرئيس شيراك، أحد المؤثرين عليها والفاعلين فيها.
يحتل الفصل الرابع من الكتاب الذي كرّسه المؤلف للحرب على العراق موقعاً متميزاً لأنه يرمي الضوء على خلفيات السياسات الأميركية زمن الرئيس جورج بوش الابن وكيفية تعاطي الإدارة الأميركية مع العواصم الأوروبية وعلى رأسها باريس. ويكتب المؤلف أنه منذ بداية عام 2002، وخطاب الرئيس بوش حول «محور الشر» الذي يضم العراق والذي ألقاه في الأكاديمية العسكرية «ويست بوينت»، بدا واضحاً أن بوش يحضّر الرأي العام الداخلي الأميركي للحرب وأن الهدف هو نظام صدام حسين بحجة امتلاكه المزعوم لأسلحة الدمار الشامل. ويضيف غوردو مونتاني أن شيراك «فهم سريعاً المخاطر المترتبة على هذه السياسة التي من شأنها نسف وحدة العالم الغربي والتوازنات الإقليمية فضلاً عن استجرار مواجهة مع العالم الإسلامي». فضلاً عن ذلك، فإن شيراك يرى أن الإطاحة بالنظام العراقي من خلال عملية عسكرية ستُفضي بلا شك إلى قلب موازين القوى داخل العالم الإسلامي لصالح الشيعة المحسوبين على نظام الحكم في إيران وعلى حساب السُّنة، وسيفضي إلى توترات لاحقة. وحسب القراءة الفرنسية، فإن الحرب «ستُفضي إلى تفكيك الموزاييك الهش وإنها ستشكّل خطأ استراتيجياً رئيسياً». ولذا، فإن الرئيس الفرنسي سعى طيلة النصف الثاني من العام 2022 للوقوف في وجهها. ويكشف الكاتب أن البعض من المعروفين بميولهم «الأطلسية» في وزارة الخارجية سعى إلى تعطيل السياسة الرئاسية ولكن دون طائل.

بداية الغزو 20 مارس 2003 (أ.ف.ب)

- كوندوليزا رايس: تخلِّينا عن الحرب ثمنه رحيل صدام
كان المؤلف حاضراً في القمة التي جمعت الرئيسين شيراك وبوش في براغ، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2002. وكتب ما حرفيته: «كان الوفدان جالسين وجهاً لوجه. أجواء التوتر ملموسة. وما سمعناه، كلٌّ يغنّي على ليلاه. بوش غارق في قناعاته، لا بل إنه (عندما يتكلم) لم يكن ينظر إلى شيراك». وجاء جواب الأخير سريعاً. فقال: «إن الحرب ستضرب الاستقرار في المنطقة، وستفضي إلى تسلّم الشيعة المقربين من إيران الحكم في بغداد، وستقوّي نفوذ إيران في سوريا وفي لبنان عبر (حزب الله)». وأضاف شيراك: «هذه الحرب لن تكون شرعية وستُحدث انقساماً داخل الأسرة الدولية، وستُفقد الغرب مصداقيته، وستكون مصدر الفوضى التي ستنبثق منها موجة إرهاب سيصعب السيطرة عليها».
لكنّ حجج الرئيس الفرنسي لم يكن لها أي أثر على الفريق الأميركي. ورغم ذلك، أراد شيراك أن يعرف المزيد عن نيات واشنطن، فأرسل إليها، في الأيام الأولى من العام 2003، غوردو مونتاني الذي التقى نظيرته كوندوليزا رايس. طرح عليها الموفد الفرنسي، السؤال الجوهري: «ما الذي يمكنه أن يجعلكم تتخلون عن خطة الحرب؟ ما الشروط التي تريدونها لذلك؟». وجاء جواب رايس قاطعاً: «أن يتخلى صدام عن السلطة».
بعد رايس، التقى غوردو مونتاني بول وولفوويتز، نائب وزير الدفاع الأميركي. ويصف الأول اللقاء بأنه أمضى خلاله إحدى أسوأ لحظات حياته في مهنته الدبلوماسية الطويلة. وبعد أن جعله ينتظر طويلاً قبل أن يستقبله، أبدى وولفوويتز «عجرفة» أميركية، كما يقول الكاتب، إذ لم يستمع لحجج الزائر وكان كلامه مسيئاً بحق فرنسا التي اتهمها بـ«المراوغة»، مؤكداً أن واشنطن «تعلم ما تعلمون»، والمقصود أن العراق يملك أسلحة نووية وأن باريس تدّعي الجهل. وخلاصة المؤلف أنه عاد من رحلته إلى واشنطن بقناعة مفادها أن الأميركيين «يريدون أن يكونوا أحراراً عسكرياً ودبلوماسياً ولا يريدون تحالفاً يعمل وفق تكليف أممي، وأن واشنطن (ليست بحاجة لأحد)».
وبطبيعة الحال، لم تأخذ واشنطن بنصيحة شيراك بالتزام «الصبر». لذا سعى الرئيس الفرنسي إلى بناء تحالف دولي بوجه الأميركيين بالاستناد إلى ألمانيا وروسيا. وعن روسيا، نقل المؤلف عن الرئيس الأسبق قوله: «روسيا ليست الممسحة التي نمسح عليها أرجلنا»، مضيفاً أن شيراك كان يحظى بدعم وثقة الرئيس فلاديمير بوتين. أما بقية القصة فمعروفة، إذ هددت فرنسا باللجوء إلى حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن إذا سعت واشنطن للحصول على تفويض أممي لحربها على العراق. وكثيرون ما زالوا يتذكرون خطاب وزير الخارجية دومينيك دو فيلبان، الشهير والتصفيق الذي حازه. وكانت النتيجة أن القوات الأميركية، مدعومةً من القوات البريطانية، قامت بغزو العراق وأسقطت بغداد وقضت على نظام صدام حسين الذي كانت نهايته على حبل المشنقة.
لم تصل العلاقات الفرنسية - الأميركية إلى حد الطلاق رغم الخلافات العميقة بين البلدين. فرنسا كانت تعي أن مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي سعت إليه واشنطن، مصيره الفشل. ومجدداً أُرسل المؤلف إلى واشنطن لإبلاغ «كوندي» (كوندوليزا رايس) بأن باريس تريد قلب صفحة الخلاف وتريد أن ترى كيف تستطيع المساهمة من أجل إعادة بناء العراق وتوفير الاستقرار. وجاء رد «كوندي» قاطعاً: «لسنا بحاجة إليكم... نحن صرفنا أموالنا ودفعنا الثمن من دماء جنودنا وسوف نتصرف بعيداً عنكم». بيد أن الأمور أخذت تتحسن شيئاً فشيئاً بعد الحملة الشعبية على فرنسا ومقاطعة بضائعها. ونجح الطرفان في العمل معاً ليس فقط بخصوص الملفين اللبناني والسوري، حيث أبرز ما أنتجاه معاً قرار مجلس الأمن الرقم «1449» الذي يطلب انسحاب القوات السورية من لبنان، ولكن أيضاً بخصوص إيران، حيث إن باريس كانت بالتعاون مع برلين ولندن قد أطلقت أولى المفاوضات مع طهران بشأن برنامجها النووي، الأمر الذي أثار اهتمام واشنطن.

- «روسيا بوتين» في 2006
كم يبدو بعيداً الزمن، حيث كانت روسيا عضواً في مجموعة الثمانية، لا بل إن فلاديمير بوتين ترأسها في العام 2006، وكانت المرة الوحيدة التي أُتيحت لروسيا هذه الفرصة. ذلك أن دورها حلّ مجدداً لرئاسة المجموعة في العام 2014، إلا أن غزوها شبه جزيرة القرم وضمها هذه المنطقة إليها في العام المذكور أخرجها من المجموعة التي تقلصت مجدداً إلى مجموعة السبع. وينقل المؤلف عن شيراك رغبته في «ضم روسيا إلى الأسرة الدولية»، وهو الخط الذي التزم به الرئيس إيمانويل ماكرون منذ عام 2017، ويؤكد المؤلف أن شيراك كان دائم التنبه إلى مطالب روسيا، وراغباً في التقارب معها، لذا دعا بوتين إلى المجيء إلى فرنسا مرة أولى في عام 2004 للمشاركة في الاحتفال السنوي لنزول الحلفاء في منطقة النورماندي. ورأى الرئيس الفرنسي أن أفضل منصة لذلك هي مجموعة الثمانية الكبار التي تضم الدول الصناعية الكبرى. ويروي غوردو مونتاني تفاصيل بعض الطرائف التي رافقت اجتماعات مستشاري القادة الثمانية للتحضير للقمة ومنها أن مستشار بوتين، واسمه إيغور شوفالوف، دعا أقرانه لصيد السمك على نهر الفولغا. وكان الاتفاق المسبق على رمي كل سمكة في النهر بعد اصطيادها، والبديل كان، كل مرة، كأساً من الفودكا. ويقول المؤلف إن حظه كان كبيراً لأن مجموعته لم تنجح في اصطياد الكثير من الأسماك. وجرت القمة في مدينة سانت بطرسبرغ في أجواء مريحة، ما دفع شيرك لاعتبار أن «الثقة تتعزز بين روسيا والغرب»، خصوصاً مع فرنسا وألمانيا.
بيد أن رغبة الحلف الأطلسي في التمدد إلى وسط أوروبا وشرقها كانت منذ انهيار حلف وارسو تثير قلق موسكو. ويؤكد الكاتب أن شيراك كان يعرف قول هنري كيسنجر الذي يرى أن «أوكرانيا لن تكون أبداً بلداً كأي بلد آخر بالنسبة إلى روسيا والعكس بالعكس»، أو ما كتبه زبيغينيو بريجينسكي في كتابه «أميركا وبقية العالم» حيث رأى أن روسيا من غير أوكرانيا «لا يمكن أن تكون قوة عظمى». ويؤكد غوردو مونتاني أن وزير الخارجية الأميركي وقتها جيمس بيكر، تعهد للرئيس ميخائيل غورباتشوف، بأن الحلف الأطلسي «لن يتمدد بوصة واحدة» باتجاه روسيا، وهو ما ينفيه الأميركيون اليوم، علماً بأن وزير الخارجية الفرنسي الأسبق رولاند دوما، أكد حصول هذا التعهد في مذكراته. ووفق الدبلوماسية الفرنسية، فإن انتصار الديمقراطيات الغربية على الأنظمة التوتاليتارية «أنساها أن الأمن مسألة جماعية وليس شريعة المنتصر، بل يتعين التوصل إليه من خلال الحوار والتفاوض». ومنذ البداية، كانت باريس تنظر، وفق المؤلف، إلى أن من حق أوكرانيا المحافظة على أمنها وسيادتها وسلامة أراضيها، لكن، في الوقت عينه، يجب الأخذ بعين الاعتبار المصالح المشروعة لكل طرف بما في ذلك روسيا. ومجدداً، سعت فرنسا إلى إيجاد حل وسط، فاقترحت «حماية أطلسية - روسية مشتركة» لأوكرانيا. لكن ألمانيا بدت مترددة، فيما كان الرد الأميركي قاطعاً، إذ قالت «كوندي» للمؤلف: «كلاً. أبداً. أنتم الفرنسيون سعيتم لمنع توسع الحلف في المرحلة الأولى وها أنتم تسعون لمنعه في المرة الثانية»، بمعنى أن من حق أوكرانيا، كغيرها، الانضمام إلى النادي الأطلسي. من هنا، فإن قمة الأطلسي عام 2008 في بوخارست نص بيانها النهائي على انضمام أوكرانيا وجورجيا. إلا أن معارضة باريس وبرلين ربطت هذا الانضمام بتوافر الظروف لذلك. وبعد 15 عاماً، ما زال الملف عالقاً، وقد كان إحدى الحجج الروسية لـ«عمليتها العسكرية الخاصة».
- الخميني... «حزب الله» واستقرار لبنان
يروي المؤلف أن الرئيس صدام حسين بعث برسالة عام 1978 إلى «صديقه» جاك شيراك يحذّره فيها من استقبال الإمام الخميني الذي كان لاجئاً في العراق ويرغب في الانتقال منه إلى بلد وهو متردد في اختياره ما بين باريس وطرابلس. وطلب صدام من شيراك أن ينبه الرئيس جيسكار ديستان من استقبال الخميني. وحمل شيراك الرسالة إلى جيسكار، غير أن الأخير رأى العكس، معتبراً أن مصلحة فرنسا تكمن في المحافظة على العقود المبرمة مع إيران والمحافظة على آفاق التعاون التي انطلقت مع حكم الشاه الضعيف اليوم سياسياً. وهكذا كان. ويضيف الكاتب ساخراً أن الأمر الوحيد الذي حصلت عليه فرنسا من الخميني هو إطلاق اسم «نوفل لوشاتو»، وهي البلدة التي استضافت الخميني، على الشارع حيث تقع السفارة الفرنسية في طهران. ويضيف المؤلف: «منذ تلك الفترة، تسبب النظام الإيراني لنا بالصداع وعلاقتنا به تؤثر على سياستنا في الشرق الأوسط». بيد أن الواقعية السياسية دفعت باريس لإعادة التواصل مع طهران منذ العام 2003، وذلك، وفق الرئيس الفرنسي وقتها، لثلاثة أسباب: الأول، احتواء طموح طهران بالحصول على السلاح النووي وتجنب السباق من أجل التسلح في المنطقة، وثانيها النظر في إمكانيات تعزيز التعاون الاقتصادي معها، وثالثها الدفع باتجاه تبني إيران سياسة إيجابية تجاه لبنان. ويلخص المؤلف الرؤية الفرنسية بأن الانفتاح على طهران هدفه «التوصل إلى إطار إقليمي ثابت يوفر السلام والاستقرار والازدهار» للجميع. ويحتل استقرار لبنان هدفاً دائماً لفرنسا الخائفة من تصاعد نفوذ «حزب الله» ومن تغيّر التوازنات الديمغرافية والطائفية. من هنا، يقول الكاتب إن باريس رأت «وجود قناة تواصل مباشرة مع إيران يمثّل أفضل وسيلة للحد من نزعة السيطرة عند (حزب الله) ومن نفوذه».
ويروي الكاتب ولادة المبادرة الفرنسية للتواصل مع إيران والتي ضمّت ألمانيا وبريطانيا أيضاً، وما توصلت إليه من حمل طهران، بعد زيارة جماعية لوزراء الدول الثلاث، على قبول تجميد برنامجها النووي مقابل تعاون بينها وبين الاتحاد الأوروبي لتطوير الصناعة النووية السلمية الإيرانية. ويؤكد غوردو مونتاني أن ما تحقق كان المدماك الأول للاتفاق النووي بين مجموعة «5 زائد 1» وإيران للعام 2015. كما يروي الكاتب تفاصيل الزيارة السرية التي قام بها إلى طهران في العام 2005 ولقائه كبار المسؤولين، والخلاصة التي توصل إليها، وقوامها أن ما يهم الإيرانيين هو «الاعتراف بموقع ودور إيران الإقليمي، ورفضهم التهميش على المسرح العالمي، واستعدادهم لبذل جهود جدية من أجل التعامل مع بلادهم على أنها قوة محترمة». وما لفت نظره أن أياً من المسؤولين لم ينطق بكلمة عن إسرائيل التي تعدها الآيديولوجيا الإيرانية «الشيطان الأصغر» إلى جانب الولايات المتحدة «الشيطان الأكبر». ويعالج الكتاب تفاصيل المناقشات الخاصة بالملف النووي خصوصاً خلال زيارة حسن روحاني، المولج وقتها بهذا الملف، إلى باريس، مركّزاً على «واقعيته وديناميته»، كما يقول، ومشيراً إلى تركيزه على ضرورة «تعريف الضمانات الموضوعية» التي تثبت سلمية برنامج إيران النووي.
أفضى انتخاب أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية الإسلامية، إلى تجميد التواصل مع طهران. لكنَّ باريس كانت مصرة على مواصلته، وتم ذلك من خلال اجتماع غوردو مونتاني السرّي في جنيف مع مستشار نجاد الخاص واسمه مجتبى ساماريه هاشمي. والخلاصة التي توصل إليها المبعوث الفرنسي من خلال المناقشات التي تركزت على «شروط الاستقرار الإقليمي»، أي في لبنان والعراق وسوريا والخليج، أن «إحراز أي تقدم في الملف النووي مرهون بالموقع الذي سيُعترف لإيران به في توازنات الشرق الأوسط وليس التهديدات غير المفيدة أو المفاوضات التقنية». لكن نهاية عهد شيراك في العام 2007 طرحت غلالة على المشاريع الفرنسية التي لم تعد إلى الواجهة إلا مع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض وفرنسوا هولاند إلى قصر الإليزيه والمفاوضات الجماعية التي انطلقت مع إيران لتكون نهايتها الناجحة في فيينا صيف العام 2015.
لكن الاتفاق المذكور لم يذهب حتى خواتيمه بعد أن نقضته إدارة الرئيس دونالد ترمب في العام 2018. أما اليوم، فالمفاوضات دخلت طريقاً مسدودة واختلط الحابل النووي بالنابل الإقليمي والإنساني والأوكراني ليصبح الملف أكثر تعقيداً.
ما سبق ليس سوى غيض من فيض ما يحتويه كتاب غوردو مونتاني من معلومات وتحليلات يضيق المكان بها.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية
TT

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

فضاءات ومحاور بحث معمق، متخصصة في عوالم التعايش والتناغم المتأصلة والمؤتلِقة ضمن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، يناقشها ويقاربها كتاب «التسامح في الإمارات... سيرة جديدة وضّاءة للأخوة الإنسانية (شهادات وقصص بطلها الآخر)»، للصحافي والباحث السوري رفعت إسماعيل بوعساف، الصادر، أخيراً، عن دار «ميتافيرس برس» للنشر. ويعرض المؤلِّف أبرز شواهد تآلف وتقارب حضارات وأديان وثقافات، موضحاً أهم المقومات التي امتازت بها وعلى رأسها: تجذّر التواصل والانفتاح في المجتمع، وتمسك قادة الإمارات بالقيم الإنسانية، وسماحة أهلها واتسامهم بالوسطية والاعتدال، والمشروعات والمبادرات النوعية الكفيلة بترسيخ التسامح محلياً وعالمياً (مثل: وثيقة الأخوة الإنسانية، وبيت العائلة الإبراهيمية، ووزارة التسامح، والمعهد الدولي للتسامح، والأعمال والمبادرات الخيرية المتنوعة).

يتضمن الكتاب، الواقع في 411 صفحة، على أربعة أبواب رئيسية، وخاتمة تضم مقترحات وتوصيات. وتناقش فصوله جوانب كثيرة شاملة يُجمل فيها بوعساف، وعبر سير مشاهداته ومعايشاته في الإمارات طوال أكثر من 20 عاماً، وكذا في ضوء خلاصات أبحاثه الخاصة بالدراسة، مصادر وينابيع جدارة وتميز مجتمع الإمارات في مدارات التّسامح، مبيناً في مستهلّ إضاءاته الأبعاد والجذور التاريخية لحكاية التسامح في هذه الأرض، في المحطات والأزمان كافّة، طبقاً لأسانيد وتدوينات تاريخية جليّة، فأهلها لطالما تميزوا بكونهم يحتفون بالآخر المختلف عنهم ويرحبون به ولا يرفضونه أو يعزلون أنفسهم عنه، وهكذا ضمّوا وحضنوا بين ظهرانيهم أفراداً من أعراق ومذاهب شتّى بقوا يبادلونهم الحب ويتأثرون ويؤثّرون بهم، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. ويستعرض المؤلف عقبها، حقائق فاعلية وإثمار مساعي وبرامج دولة الإمارات العربية المتحدة، الرامية إلى تعزيز التقارب بين الأديان وأطياف الإنسانية... وكذا إطفاء ألهبة أزمات الهُويات، واستئصال أسباب الصراعات المذهبية وقطع دابر التعصب. ثم يدرس ويحلل ماهيات أعمدة وتجليات التسامح والتعايش في ميادين الحياة بالإمارات: المجتمعية والصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والقانونية والإعلامية. ويقدم، أيضاً، جملة شهادات وإشادات لأبرز السياسيين ورجالات الدين والبحاثة والكتّاب الأجانب حول ثراء الإمارات بقيم الانفتاح والتعايش والتواصل، ومنهم: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومسؤولون أمريكيون، ونجم الكرة الأرجنتيني الراحل دييغو مارادونا، والروائي البرازيلي باولو كويلو، ونجم بوليوود شاروخان، وعالم النفس والباحث الكندي البروفسور إدوارد دينر. كما يُفرد الكتاب محطات موسَّعة لشرح طبيعة وقيمة حصاد جهود الدولة ومبادراتها ورؤى قادتها، الضامنة تمكين وتقوية هياكل ومرتكزات التسامح والتآخي الإنساني في مجتمع الإمارات والعالم أجمع، التي تكللها أعمال ومشروعات عمل خيري وإنساني ترصد لها الإمارات ميزانيات ضخمة، تطول أصقاع الأرض قاطبةً ولا تميز فيها بين دين أو إثنية أو طائفة.

ويحفل الباب الرابع في الكتاب، الموسوم «حوارات وسيمفونية»، بحوارات وأحاديث مع رجال دين ومسؤولين ومثقفين وأطباء وإعلاميين ومهندسين ومبدعين، بعضهم يقيم في الدولة منذ أكثر من 60 عاماً، يروون فيها حقائق ومواقف كثيرة، بشأن التسامح وواقع انفتاح المجتمع وقبوله الآخر المختلف ورسوخ التعايش والمحبة فيه. وتضم قائمة هؤلاء المحاورين: أحمد الحَدَّاد، مفتي دبي وعضو «مجلس الإمارات للإفتاء»، وبول هيندر، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في جنوب شبه الجزيرة العربية (2004-2022م)، وراجو شروف، رئيس معبد «سندي غورو دربار» الهندوسي، وحمّود الحناوي، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، وسوريندر سينغ كاندهاري، رئيس معبد «غورو ناناك دربار السيخي»، وعشيش بروا، مسؤول «المركز الاجتماعي البوذي» في الشارقة، وإيان فيرسرفيس، الشريك المؤسس ورئيس تحرير «موتيڤيت ميديا غروب»، وزليخة داود، أول طبيبة نسائية في الإمارات (1964م)، وبيتر هارادين، الرئيس السابق لـ«مجلس العمل السويسري»، وراميش شوكلا، أحد أقدم المصورين في الإمارات.