ماكرون يرسم «خريطة طريق» لسياسة بلاده تجاه أفريقيا

الرئيس الفرنسي يريد علاقة جديدة عنوانها الشراكة في الميادين كافة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته عن أفريقيا في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته عن أفريقيا في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يرسم «خريطة طريق» لسياسة بلاده تجاه أفريقيا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته عن أفريقيا في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته عن أفريقيا في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)

يصح تسمية الأسبوع الحالي بأنه «أسبوع أفريقيا» بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفيه مجموعة محطات رئيسية، أولها الخطاب الذي ألقاه أمس في قصر الإليزيه وخصصه لرؤيته لمستقبل علاقات بلاده مع القارة السوداء التي احتضنت الكثير من المستعمرات الفرنسية حتى سبعينات القرن الماضي، وهي تعاني اليوم من صعوبات جمة، ومن منافسة متعددة الجنسيات (صينية، روسية، تركية وحتى أميركية وإسرائيلية). والمحطات اللاحقة عنوانها الجولة الموسعة التي سيبدأها ماكرون غداً (الأربعاء) في وسط وغرب أفريقيا، والتي تشمل أربع دول، هي على التوالي: الغابون، أنغولا، الكونغو وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ثلاث من هذه الدول كانت مستعمرات فرنسية بينما أنغولا كانت مستعمرة برتغالية.
وسبقت هذه الجولة الأفريقية للرئيس الفرنسي زيارته أواخر يوليو (تموز) الماضي أربع دول غرب أفريقيا، وهي الكاميرون، وأفريقيا الوسطى، وبينين وغينيا بيساو.
وأكد ماكرون، أكثر من مرة، أن أفريقيا تعدّ من بين أولوياته الدبلوماسية، لا، بل إنها أولى الأولويات. وكان من المنتظر من خطابه أن يكشف عن نظرته لـ«الشراكة الجديدة» التي يريد بناءها بين باريس والعواصم الأفريقية، في حين «الشراكة القديمة» موضع انتقاد، لا، بل تنديد في أكثر من بلد أفريقي. ولعل الانتكاسة الكبرى التي مُنيت بها باريس في بلدين من منطقة الساحل، هما مالي وبوركينا فاسو، والصعوبات التي تلاقيها راهناً في تشاد ودول أخرى تدفعها لتسريع الخطى والبحث عن «استراتيجية» جديدة عنوانها الرئيسي الاستماع لما يريده شركاء فرنسا الأفارقة وتوفير الدعم «من الخلف»، خصوصاً في الميدان الأمني.
وبعد أن كان لباريس حضور عسكري يتجاوز الـ5500 رجل، تقلص العدد إلى 3 آلاف بعد انسحاب قوة «برخان» من مالي وقوة «سابر» (أي السيف) من بوركينا فاسو.
وفي الحالتين، كان الانسحاب بطلب من المجلس العسكري في البلدين الذي تسلم الحكم في كل من الدولتين بعد انقلابين عسكريين.
ولفرنسا حضور عسكري في ستة بلدان هي النيجر، وتشاد، والسنغال، وساحل العاج، والغابون وجيبوتي. وكان من المنتظر أن يكشف ماكرون عن تصوره لتموضع قواته اللاحق ومهامها الجديدة.
وثمة هدف إضافي لجولته المقبلة، وهو دفع الأفارقة إلى الانضمام إلى المعسكر الغربي في إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا.
والحال، أن ثلاثاً من الدول التي سيزورها (الغابون والكونغو وأنغولا) امتنعت عن التصويت لصالح القرار الذي صوتت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يطلب من روسيا سحب قواتها من أوكرانيا. يضاف إلى ما سبق تدأب باريس على التنديد باختراق ميليشيا «فاغنر» الروسية لمناطق النفوذ الفرنسي التقليدية، كما تعمل على مواجهة التغلغل الإعلامي أو ما تسميه «التضليل» الذي يمارس ضدها ومصدره غالباً روسيا والأجهزة المرتبطة بها.
وخلال جولته الأفريقية السابقة، اعترف الرئيس الفرنسي بأن بلاده تواجه صعوبات بسبب المنافسة الجديدة التي تلاقيها. وعلى الرغم من ذلك، فقد أكد أن بلاده «ما زالت ملتزمة بأن القارة الأفريقية».
ويريد ماكرون أن يشدد على «رسالة» بلاده، ولكن أيضاً أن يكون صوت الاتحاد الأوروبي المعني بدوره بـ«التحولات» الأفريقية.
وأمس، في الخطاب الذي ألقاه في قصر الإليزيه بحضور حكومي ورسمي واقتصادي وثقافي، سعى ماكرون إلى رسم صورة العلاقة الجديدة التي يريدها مع أفريقيا على الصعد كافة. وكرر أكثر من مرة، أن على باريس أن تتحلى بـ«التواضع»، وأن تكف عن اعتبار أن أفريقيا «معقودة اللواء لها» وأن تقبل وجود «منافسين». بيد أن عليها أيضاً أن «تدافع عن مصالحها».
وبكلام آخر، يريد ماكرون أن يقلب صورة صفحة العلاقات السابقة مع القارة السوداء وأن تتجرأ بلاده على إعادة النظر فيما سماه «الممنوعات» والمسلمات.
بكلام آخر، يريد الرئيس الفرنسي تجاوز المحظورات في إعادة تقييم العلاقة مع أفريقيا. وفي هذا السياق، طرح محورين رئيسيين:
الأول، التخلي عن الرؤية السابقة، حيث كان المبتدأ والمنتهى في العلاقة السابقة مع أفريقيا الموضوع الأمني والدفاعي الذي كان يؤطر كل أشكال العلاقة. ولذا؛ يريد ماكرون اليوم وضع نقطة النهاية له بحيث ينهض الحضور الجديد على أساس «الشراكة الأمنية» المتكافئة وليس على مبدأ الفرض. وسيكون ذلك من خلال التخلي عن إقامة قواعد عسكرية على الطريقة القديمة واعتماد سياسة تطوير العلاقة العسكرية والأمنية، وبحيث تعمد فرنسا إلى إقامة كليات ومعاهد عسكرية يكون الحضور الأكبر فيها للأفارقة أنفسهم والتركيز على التنشئة والتدريب. وأشار ماكرون إلى أن فرنسا ستعمد إلى خفض جديد في عددها العسكري في أفريقيا؛ ما يعد استمراراً لما بدأته في الأشهر السابقة. إلا أنه امتنع عن إعطاء تفاصيل بهذا الخصوص.
وباختصار، يرى ماكرون أن الشراكة الجديدة تعني «التخلي عن الهيمنة العسكرية والأمنية والاقتصادية». ويريد ماكرون ضم دول الاتحاد الأوروبي إلى الرؤية الفرنسية الجديدة.
أما المحور الآخر فعنوانه التخلي عن مبدأ «مساعدة أفريقيا» واعتناق مبدأ «الاستثمار التضامني» بحثاً عن منافع مشتركة في الأنشطة الاقتصادية.
واغتنم ماكرون المناسبة ليهاجم الشركات الفرنسية التي لا تقدم للأفارقة أفضل ما تملكه من مهارات وكفاءات وإنجازات بعكس ما تفعله مثلاً في منطقة الخليج أو أوروبا أو الصين. وكرر أكثر من مرة، أنه يريد إقامة محمور فرنسي - أوروبي - أفريقي يكون له وزنه على المستوى العالمي. والنهج الجديد يفترض به أن يركز على التعليم النظري والتأهيل المهني، وعلى الصحة والطاقة والبيئة والثقافة والاقتصاد الرقمي والمساواة بين الجنسين والعمل مع منظمات المجتمع المدني والشباب.
يبقى أن ماكرون لا ينسى أن على بلاده أن تدافع عن القيم التي تؤمن بها، ولكن من غير أن تسعى لفرضها فوقياً. وفي هذا السياق، اعتبر أن الدفاع عن الديمقراطية والحريات العامة يشكل عمودها الفقري.
أراد ماكرون من خطابه أمس أن يكون «تأسيسياً» وأن يشكل الإطار الذي سيلتزم به للسنوات الخمس المقبلة، وهي مدة ولايته الجديدة التي انقضى منها عشرة أشهر. بيد أن التأكيد على المبادئ شيء وترجمتها على أرض الواقع شيء آخر. وستبين الأشهر المقبلة ما إذا كان خطابه سيشكل حقيقة «خريطة طريق» لسياسة فرنسا في قارة كانت تعدّ أن الكلمة الفصل تعود إليها في الأحوال كافة، خصوصاً في الدول التي استعمرتها سابقاً.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
TT

قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)

يعقد قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، الأحد، قمة «عادية» تشارك فيها 12 دولة من أصل 15، هم أعضاء المنظمة الإقليمية، فيما يغيب قادة كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر التي قررت الانسحاب من المنظمة، بسبب موقف الأخيرة من الأنظمة العسكرية التي تحكم هذه الدول، والمحسوبة على روسيا.

ورغم أن هذه القمة «عادية»، فإنها توصف من طرف المراقبين بأنها «استثنائية»؛ بسبب حساسية الملفات التي سيناقشها قادة دول غرب أفريقيا، التي في مقدمتها الملفات الأمنية بسبب تصاعد وتيرة الإرهاب في المنطقة، وملف العلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، والسعي لإقناعها بالتفاوض والتراجع عن قرار الانسحاب.

قرار نهائي

وفيما يسعى قادة المنظمة الإقليمية التي ترفع شعار الاندماج الاقتصادي، لإقناع دول الساحل الثلاث بالبقاء في المنظمة، إلا أن الأخيرة أعلنت، الجمعة، أن قرارها «لا رجعة فيه»، وجدّدت اتهامها للمنظمة الإقليمية بأنها «أداة» تتحكم فيها فرنسا. وتمسّكت الدول الثلاث بالمضي قدماً في تشكيل منظمتها الخاصة، حيث أعلنت قبل أشهر إقامة «تحالف دول الساحل»، وبدأت التحضير لتحويله إلى «كونفيدرالية» تلغي الحدود بين الدول الثلاث، وتوحد عملتها وجواز سفرها، بالإضافة إلى قدراتها العسكرية والأمنية لمحاربة الإرهاب الذي يعصف بالمنطقة.

قرار انسحاب دول الساحل من منظمة «إيكواس»، يدخل حيز التنفيذ يوم 29 يناير (كانون الثاني) المقبل (2025)، فيما يسعى قادة المنظمة إلى إقناع هذه الدول بالتراجع عنه أو تأجيله على الأقل، بسبب تداعياته الاقتصادية والأمنية على المنطقة.

إلغاء التأشيرة

جانب من الاجتماع بين قادة «إيكواس» في أبوجا ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

وقبل انعقاد قمة دول «الإيكواس» بعدة ساعات، أصدرت دول الساحل بياناً قالت فيه إنها قرّرت إلغاء التأشيرة عن مواطني جميع دول غرب أفريقيا، في خطوة لتأكيد موقفها المتمسك بقرار مغادرة المنظمة الإقليمية.

وقالت الدول الثلاث المنخرطة في كونفدرالية دول الساحل، إنها أصبحت «منطقة خالية من التأشيرات لجميع مواطني المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)». البيان الذي قرأه وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب، عبر التلفزيون الحكومي المالي، مساء السبت، أكّد أن «لرعايا دول (إيكواس) الحق في الدخول والتنقل والإقامة والاستقرار والخروج من أراضي البلدان الأعضاء في كونفيدراليّة دول الساحل وفقاً للقوانين الوطنية السارية».

ولا يغير القرار أي شيء، حيث إن قوانين منظمة «إيكواس» كانت تنص على الشيء نفسه، وتتيح حرية التنقل والتملك لمواطني الدول الأعضاء في فضاء المجموعة الاقتصادية الممتد من السنغال إلى نيجيريا، وكان يضم 15 دولة قبل انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

توتر ثم قطيعة

وبدأت القطيعة بين تحالف دول الساحل ومنظمة «إيكواس» عقب الانقلاب في النيجر في يوليو (تموز) 2023، وهو الانقلاب السادس في المنطقة خلال ثلاث سنوات (انقلابان في مالي، انقلابان في بوركينا فاسو، وانقلاب في غينيا)، بالإضافة إلى عدة محاولات انقلابية في دول أخرى.

وحاولت المنظمة الإقليمية الوقوف في وجه موجة الانقلابات، وفرضت عقوبات على مالي وبوركينا فاسو، وهدّدت بالتدخل العسكري في النيجر بعد أن فرضت عليها عقوبات اقتصادية قاسية، قبل أن تُرفع تلك العقوبات لاحقاً.

وتضامنت مالي وبوركينا فاسو مع النيجر، وأعلنت أن أي تدخل عسكري في النيجر يُعدّ انتهاكاً لسيادتها وسيجعلها تتدخل لدعم المجلس العسكري الحاكم في نيامي، لتبدأ مرحلة جديدة من التوتر انتهت بقرار الانسحاب يوم 28 يناير 2024.

قمة لم الشمل

قوات «إيكواس» خلال تأدية مهامها العسكرية في مالي (أرشيفية - رويترز)

من المنتظر أن يُخصّص قادة دول غرب أفريقيا حيزاً كبيراً من نقاشهم للعلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، حيث لا تزالُ المنظمة الإقليمية متمسكة بالطرق الدبلوماسية لإقناع الدول الثلاث بالتراجع عن قرار الانسحاب.

ذلك ما أكده رئيس نيجيريا، بولا تينيبو، وهو الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، حيث أكد الأربعاء أن «الدبلوماسية والحكمة هي السبيل الوحيد لإعادة دمج هذه الدول في المنظمة الإقليمية».

وأشار الرئيس النيجيري إلى أن المجالس العسكرية التي تحكم الدول الثلاث «لا تزالُ مترددة في وضع برامج واضحة لمرحلة انتقالية محددة من أجل تسليم السلطة إلى المدنيين والعودة إلى الوضع الدستوري»، ورغم ذلك، قال تينيبو: «ستستمر علاقة الاحترام المتبادل، بينما نعيد تقييم الوضع في الدول الثلاث». وأضاف في السياق ذاته أن منظمة «إيكواس» ستترك الباب مفتوحاً أمام عودة الديمقراطية إلى البلدان المعنية، مشدداً على أن احترام المؤسسات الدستورية وتعزيز الديمقراطية «هو ما تدافع عنه المنظمة».

مفترق طرق

أما رئيس مفوضية «إيكواس»، أليو عمر توري، وهو الشخصية الأهم في المنظمة الإقليمية، فقد أكّد أن «منطقة غرب أفريقيا تقف عند مفترق طرق غير مسبوق في تاريخها كمجتمع».

وقال توري في تصريحات صحافية، الخميس، إنه «في الوقت الذي تستعد الدول الأعضاء في (الإيكواس) للاحتفال باليوبيل الذهبي لجهود التكامل الإقليمي العام المقبل، تواجه أيضاً احتمالية انسحاب بعض الدول الأعضاء»، وأضاف أنه «من الضروري التأمل في الإنجازات الكبيرة التي حققتها (إيكواس) على مدى العقود الماضية، وكذلك التفكير في مستقبل المجتمع في ظل التحديات السياسية التي تواجه شعوبنا».

وفيما يرفعُ قادة المنظمة الإقليمية خطاباً تصالحياً تجاه دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تواصل الأخيرة في خطاب حاد يتهم «إيكواس» بالتبعية إلى القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا).