جهاز تقطير شمسي «بمقياس سنتيمتر واحد» لتحلية مياه البحر

علماء «كاوست» يطوَّرونه

طريقة بسيطة لتحلية مياه البحر
طريقة بسيطة لتحلية مياه البحر
TT

جهاز تقطير شمسي «بمقياس سنتيمتر واحد» لتحلية مياه البحر

طريقة بسيطة لتحلية مياه البحر
طريقة بسيطة لتحلية مياه البحر

تخيل نفسك وحيداً مع نمر متوحش على متن قارب صغير في عرض المحيط لتبدأ رحلة القتال من أجل البقاء لمدة 277 يوماً قبل أن يتم إنقاذك.
تحلية المياه
هذا السيناريو كان محور قصة فيلم «حياة باي»، الذي أنتج عام 2012. وحصل على 11 جائزة ترشيح للأوسكار وحصد أربعاً منها، وتدور أحداثه حول الصبي الهندي بي باتيل نجل حارس حديقة الحيوان، الذي تقرر أسرته الانتقال إلى كندا، وأثناء السفر عبر المحيط الهادي، تغرق السفينة.
في هذه الرحلة تبنى بطل الفيلم فكرة المقطر الشمسي العائم للصمود والبقاء على قيد الحياة، حيث تكمن الفكرة في استخدام حرارة الشمس لتحلية المياه بطريقة التقطير عبر رفع درجة حرارة المياه المالحة إلى درجة الغليان وتكوين بخار الماء الذي يتم تكثيفه بعد ذلك إلى ماء.
مشاهد هذا الفيلم كانت مصدر إلهام، ودافعاً لأحد علماء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، لتطوير هذه العملية باستخدام عدد من المواد النانوية، وعمليات العزل الحراري لزيادة تبخير المياه المالحة وتحويلها إلى بخار نقي.
ولقد تمكَّن جهاز التقطير الشمسي المطور من قبل فريق بحثي بقيادة البروفسور شياشيونغ قان، أستاذ علوم المواد والهندسة في «كاوست» من تنقية المياه المالحة من محطات التناضح العكسي، التي تتجاوز نسبة الملوحة فيها 10 في المائة، كما نجحَ أيضاً في تنقية المياه المستمدة من البحر الأحمر مباشرة؛ مما يعني أنها تُضاعف معدل إنتاج المياه العذبة من المقطِّرات الشمسية المانعة لترسّب الملح المستخدمة حالياً.
وتعد تقنية التناضح العكسي من الطرق الحديثة والهامة في صناعة معالجة المياه غير الصالحة للشرب لاحتوائها على نسبة عالية جداً من الملوثات مثل الملح والمعادن والبكتيريا.
في عام 2016. أسسَ قان شركة ناشئة تُدعى «صاني كلين ووتر» (Sunny Clean Water)، تصنِّع مقطِّراتٍ قابلة للنفخ ومنخفضة التكلفة، وتنتجُ ما يتراوح من عشرة إلى عشرين لتراً من المياه العذبة يومياً. رغم ذلك، يقول إنه حين يتعلَّق الأمر بتنقية مياه البحر، فإن أدواته شخصياً محدودة، ويردف القول: «نُلاحظ دائماً ترسُّب الملح على المواد الممتصة للطاقة الشمسية بمرور الوقت. عندها يعكس الملح المترسب ضوء الشمس ويتعطل سير عمل المقطِّر».
في عام 2021. انضم قان إلى «كاوست» وكوَّن فريقاً مع زميله البروفسور يو هان، أستاذ علوم الكيمياء، والدكتور كايجي يانغ، الذي تشمل اهتماماته البحثية توليد البخار الشمسي وتجميع المياه من الغلاف الجوي، لتحسين كفاءة منع ترسُّب الملح، وهي استراتيجية توظف تقنيات، مثل: الأسطح المقاومة للماء، أو الحمل الحراري السائل بغرض الحدِّ من تراكم المعادن.
سر المكعب البلاستيكي
يتكوَّن المبخر الجديد الذي صنعه الفريق من مكعبٍ بلاستيكي بمقياس سنتيمتر واحد، يحتوي على عددٍ من أغشية الألياف الزجاجية، التي هي عبارة عن مواد رقيقة تستخدم عادة في التقطير. يعمل الغشاء المحاذي أفقياً، والمغطى بأنابيب الكربون النانوية كطبقة ماصة للضوء على السطح المكعب العلوي. ومن أسفله، تعملُ سلسلة من الأغشية المثبتة عمودياً، أو المُسماة «جسور نقل الكتلة»، على فصل ماص الطاقة الشمسية عن تراكم المياه المالحة.
يوضِّح يانغ، الذي وضع التصميم، أن الجسور تحتوي على قنوات دقيقة تمتص المياه، لذا، بطبيعة الحال، تمتص مياه البحر وتوصلها إلى الطبقة الشمسية العلوية لتقطيرها إلى بخار، وحين يصل الملح المتراكم إلى الحافة، تنقل القنوات الدقيقة نفسها المحلول الملحي مرة أخرى إلى مياه البحر؛ نظراً لوجود خاصية تدرجات التركيز الشَعرِيّة.
تُفسح تلك الجسور المتطورة الطريق أمام الحرارة المنتقلة بالتوصيل - التي تجري خلال تدفق الملح العكسي - وتصل إلى المقطِّر الشمسي، مما يؤدي إلى تحسين كفاءة التبَّخر. ويُشير يانغ إلى أن «المبخرات الأخرى في وسعها طرد الملح من المياه بشكلٍ فعَّال لكن مع عملية التدفق العكسي القصيرة، تُفقد كميات هائلة من الطاقة الحرارية وتتأثر معدلات توليد المياه. أمَّا نظامنا فيتميز بقدرته على الموازنة بين طرد الملح وتوليد المياه».
كشفت الفحوصات التي أُجريت داخل المعمل وفي المحطات الخارجية أن المقطِّرات الشمسية قد تُلبِّي حاجة شخصين من المياه يومياً، وقُدِّرت تكلفة المواد الخام المستخدمة بـ50 دولاراً لكل متر مربع.
يُضيف هان: «في مقدورنا تحسين الهيكل ومضاعفة حجمه من طريق تجميع المكعبات معاً، ونظراً لأن هذا الجهاز يعمل لأوقاتٍ طويلة من دون الحاجة لأي صيانة، فإننا نستعد للمرحلة القادمة وهي طرحه للاستخدام التجاري».


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة
TT

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

دراسة أسترالية: ارتفاع درجات الحرارة يتباطأ داخل المدن الكبرى الملوثة

إن مسألة ما إذا كان الانحباس الحراري العالمي يتسارع، هي مسألة مثيرة للجدال بشدة بين علماء المناخ، ففي حين زعم ​​البعض أن معدل الانحباس الحراري الحالي -الذي بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق في العام الماضي- يرتبط ارتباطاً وثيقاً بزيادة انبعاثات الوقود الأحفوري وبالتالي يتماشى مع نماذج المناخ الحالية؛ يُحذر آخرون من أن الأرض أضحت أكثر حساسية لتأثيرات الوقود الأحفوري مما كان يُعتقد سابقاً، وأن البشرية تتجه نحو نقاط تَحوّل لا يمكن العودة منها.

وتيرة ارتفاع الحرارة أقل داخل مومباي والقاهرة

في دراسة حديثة، زادت مجموعة من الباحثين من جامعة ملبورن تعقيد هذا النقاش من خلال تحليل معدلات الانحباس الحراري في جميع أنحاء العالم والأسباب المحتملة للاختلافات الإقليمية.

النتيجة الرئيسية التي توصلوا إليها: تزداد حرارة الكرة الأرضية بمعدل أسرع، لكن هذا التسارع يحدث بشكل غير متساوٍ. ولكن من المثير للدهشة أن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مع التركيزات الكبيرة من الفقر -المدن الكبرى مثل القاهرة ومومباي-ـ ترتفع درجة حرارتها ببطء أكثر من المراكز الحضرية في أوروبا وأميركا الشمالية.

دقائق الهباء الجوي تعكس أشعة الشمس

لماذا؟ وجد الباحثون أن الكمية الكبيرة من دقائق الهباء الجوي في الهواء في المدن شديدة التلوث تعكس ضوء الشمس إلى الفضاء، وعلى الأقل في الأمد القريب، يمكن أن يكون لها تأثير تبريدي صافٍ على السكان.

وأشادت إديث دي جوزمان، المتخصصة في سياسة التكيف في مركز لوسكين للابتكار بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، بالباحثين، على عملهم.

وأكد مؤلفو الورقة البحثية أن النتيجة لا ينبغي أن تؤخذ على أنها علامة جيدة. فمن ناحية، من المرجح أن تكون مؤقتة فقط. وثانياً، تأتي الحماية، كما هي، فقط من الملوثات الضارة. ووافقت دي جوزمان على هذا الاستنتاج، قائلةً إن الاحترار المتسارع يعني أن «السكان الذين هم بالفعل عُرضة بشكل صارخ لمجموعة متنوعة من الظلم البيئي والمناخي سوف يكونون أكثر عرضة للخطر».

التخلص من التلوث الجوي يزيد الحرارة

ومع تطور البلدان اقتصادياً، تميل حكوماتها إلى تبني سياسات لتنقية البيئة من التلوث، ولكن مع صفاء الهواء، سوف تتعرض الفئات السكانية الضعيفة لخطر التعرض للحرارة الشديدة. وقد قدم كريستوفر شوالم، مدير برنامج المخاطر في مركز «وودويل لأبحاث المناخ»، مثال الصين، حيث بدأت الحكومة في تجهيز محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بتقنيات الحد من الانبعاثات مثل أجهزة التنظيف، لمنع السخام من التسرب من المنشأة. وقال إن مثل هذه التدابير جيدة لجودة الهواء، لكنها ستسمح بتسرب مزيد من الحرارة من الشمس.

الفقر يزيد تأثيرات ارتفاع الحرارة

وسوف يكون الأكثر تضرراً هم أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى مكيفات الهواء والمناطق المظللة. وأضاف شوالم: «كلما كنت أكثر فقراً، ارتفعت درجة الحرارة، حيث تكون الحرارة استعارة لجميع أشكال اضطراب المناخ».

وأوضح شوالم أن المجتمع العلمي لديه نحو ثلاثين نموذجاً مناخياً متطوراً للغاية يُنظر إليه بشكل جماعي على أنه «لجنة من الخبراء» حول مسار الانحباس الحراري العالمي. يعتقد أن دراسة الاحترار المتسارع مفيدة لأنها يمكن أن تساعد البلدان على التخطيط لتدابير التكيف مع المناخ وفهم مدى واقعية أهداف سياسة المناخ الحالية -أو عدمها.

تغيرات مناخية مؤثرة

في العام الماضي، لم يحقق العالم أهداف الانبعاثات من اتفاقية باريس لعام 2015، وهو في طريقه لفعل نفس الشيء هذا العام. أصبح العلماء أكثر صراحةً بشأن ما تسمى وفاة التزام اتفاقية باريس بالحفاظ على العالم دون زيادة في درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت)، في محاولات لإجبار صناع السياسات على التعامل مع حتمية موجات الحر المتفاقمة والأحداث الجوية المتطرفة القادمة.

يقدم مؤلفو ورقة ملبورن رؤى مطلوبة بشدة حول شكل المستقبل وكيف يجب على الدول الاستعداد: «يجب أن تشجع نتائجهم «استراتيجيات التكيف مع المناخ المستهدفة» الموجهة إلى أفقر المجتمعات الحضرية في جميع أنحاء العالم.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».