الأطفال والبالغون يستخدمون نفس المراكز العصبية لحل المشكلات

نتائج علمية قد تساعد على تحديد الاضطرابات أثناء النمو العصبي

الأطفال والبالغون يستخدمون نفس المراكز العصبية لحل المشكلات
TT

الأطفال والبالغون يستخدمون نفس المراكز العصبية لحل المشكلات

الأطفال والبالغون يستخدمون نفس المراكز العصبية لحل المشكلات

لا شك في أن حل المشكلات المعقدة؛ على اختلاف أنواعها، يحتاج إلى قدر كبير من الخبرات الحياتية المتراكمة وتعلم مهارات عدة، ويحتاج بالضرورة إلى تطور الجهاز العصبي بشكل كامل؛ سواء على المستوى العضوي، وعلى المستوى الإدراكي، وعلى المستوى الوجداني؛ مما يتطلب سنوات عدة من التطور.
كما أن تحصيل العلم لا يتوفر بطبيعة الحال بسهولة للأطفال نظراً إلى حداثة عمرهم وعدم اكتسابهم القدر الكافي من التعليم والخبرة وعدم النضج العضوي والنفسي. ورغم أن هذه المعلومات تبدو بديهية، فإن أحدث دراسة أوضحت أن الأطفال يستخدمون المراكز العصبية في المخ نفسها لحل المشكلات المعقدة.

- آلية حل المشكلات
الفريق البحثي من جامعة أوهايو بالولايات المتحدة، بقيادة الدكتورة زينب سايجين (Zeynep Saygin)، أجرى الدراسة لمحاولة معرفة ما إذا كان الأطفال يستخدمون الآلية نفسها لحل مشكلة معينة مثل البالغين، أم لا. واستخدم أشعة الرنين المغناطيسي لعمل مسح على المخ للأطفال المشاركين في الدراسة حتى يمكن معرفة التوصيلات العصبية الموجودة في المخ التي تمكن المخ من اتخاذ القرارات التي تؤهل لحل مشكلة معينة. ونشرت نتائج هذه الدراسة في النسخة الإلكترونية من «مجلة علم الأعصاب (the Journal of Neuroscience)» في مطلع شهر فبراير (شباط) من العام الحالي.
شملت الدراسة 44 من البالغين تتراوح أعمارهم بين 18 و38 عاماً، وكان عدد الإناث 30، بينما كان عدد الذكور 14. وللمقارنة؛ شملت أيضاً 37 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 4 أعوام و12 عاماً؛ وكان منهم 13 فتاة، و24 صبياً، وتم عمل فحص باستخدام تقنية «الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)» حتى يمكن قياس النشاط العصبي في المخ أثناء أداء مهمة صعبة نسبياً للبالغين والأطفال على حد سواء، ولكي تتناسب مع القدرات الإدراكية لكل فئة عمرية.
وقد وجد الباحثون أنه رغم أن الشبكة العصبية لم يحدث لها التطور العضوي بشكل كامل لدى الأطفال؛ فإنها تعمل بشكل مشابه للطريقة التي تعمل بها لدى البالغين.
وعرض الباحثون سلسلة من الصور لها ترتيب معين تحتوي عدداً من المربعات من 9 إلى 12، وبعضها كان أزرق اللون، ثم بعد ذلك تم عرض صورتين، وكان عليهم اختيار أيهما يطابق تسلسل المربعات الزرقاء التي رأوها في الصور السابقة. وشمل هذا الاختبار البالغين والأطفال، ولكن خضع الأطفال لتجارب أسهل وفق الفئة العمرية لهم. وأثناء التجربة كان هناك اختبار للغة أيضاً؛ حيث جرى سماع جمل لها معانٍ معينة.
ولاحظ الباحثون الأشعة، وتبين أن المراكز المسؤولة عن المطالب المتعددة والموجودة في القشرة الأمامية بالمخ تميزت بالنشاط العصبي بشكل كبير لدى كل من الأطفال والبالغين عندما أكملوا المهمة الصعبة في تحديد المربعات المظللة، بينما لم يحدث أي نشاط على الإطلاق للجزء المسؤول عن المهارات اللغوية.
تأتي أهمية الدراسة من حقيقة أن تطور التوصيلات العصبية في المخ ضروري للتعامل مع الأوامر المتعددة والمختلفة؛ مما يحتاج إلى «شبكة عصبية ناضجة متعددة المهام (multiple demand network)».
والشبكة متعددة المهام هي التي تساعد على تركيز الانتباه والجمع بين العديد من الأشياء في الذاكرة في الوقت نفسه، وأيضاً حل المشكلات الصعبة مثل المسائل الحسابية في مادة الرياضيات؛ عبر تقاطع عمل 3 مهام رئيسية في المخ؛ هي من: «الذاكرة الفاعلة (working memory)»، و«التنوع الإدراكي (cognitive shifting)»، و«قدرة التثبيط (inhibitory control)».
ومن المعروف أن الأطفال والمراهقين دائماً يفتقرون إلى التحكم في انفعالاتهم وعدم القدرة على السيطرة على عواطفهم بشكل كامل. لذلك لم يكن معروفاً هل تتوفر هذه الشبكة بشكل ناضج تماماً لدى الأطفال، خصوصاً صغار السن الذين خاضوا التجربة بداية من عمر 4 سنوات؛ أم لا.
- توصيلات عصبية
وأثبتت التجربة أن هذه التوصيلات عملت بالآلية نفسها، ولكن ليس بالقوة نفسها، وهو جانب لم يكن مؤكداً قبل إجراء التجربة؛ حيث كانت هذه الشبكة العصبية المكونة من ملايين الخلايا منفصلة عن الشبكة المسؤولة عن المهارات اللغوية (language network) تماماً كما هي الحال لدى البالغين، وكان الاعتقاد العام عند الباحثين أن الأمر يستغرق بعض الوقت لحدوث الفصل بين عمل الشبكتين.
أوضح الباحثون أن هناك أسباباً عدة جعلتهم يعتقدون عدم وجود شبكة عصبية للمهام المتعددة لدى الأطفال بالكيفية نفسها التي تعمل بها لدى البالغين، وذلك لأن الأطفال لا يجيدون دائماً معرفة ما يجب التركيز عليه؛ فضلاً عن تشتت انتباههم بسهولة، بجانب عدم قدرتهم على التصرف بشكل جيد عند مواجهة مشكلة صعبة، لذلك لم يكن متوقعاً أنهم سوف يستخدمون الشبكة العصبية نفسها المسؤولة عن حل المشكلات. ولكن تبين أنه حتى في عمر 4 سنوات كانت هذه الشبكة قوية ومتميزة بشكل واضح.
وذكر الباحثون أن حجم الاستجابة لدى الأطفال كان أقل بالطبع مما هو لدى البالغين في أثناء محاولتهم حل المسألة، مما يدل على أن هذه الشبكة تحتاج إلى سنوات عدة حتى تصل إلى مرحلة النضج الكامل.
وأكد الباحثون أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات بالطبع لمعرفة تأثير العمر والجنس والفروق الفردية بين الأطفال، ولكنهم يأملون في أن تساعد هذه النتائج في تحديد الاضطرابات التي تحدث في النمو العصبي وتؤدي إلى تراجع النمو الإدراكي لدى الأطفال الذين يعانون من أمراض عصبية المنشأ، مثل فرط النشاط ونقص الانتباه (ADHD)، أو اضطرابات السلوك؛ مما يمكن أن يساهم مستقبلاً في العلاج.

- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

إعلان الجوائز الأسبوع المقبل... 4 اكتشافات «مذهلة» كانت تستحق «نوبل» ولم تفز بها

علوم سيتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب الأسبوع المقبل (رويترز)

إعلان الجوائز الأسبوع المقبل... 4 اكتشافات «مذهلة» كانت تستحق «نوبل» ولم تفز بها

سيتم تسليط الضوء على أفضل العقول في مجال العلوم الأسبوع المقبل عندما يتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الاختراق يأتي وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان (رويترز)

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

أشاد الأطباء بنتائج التجارب «المذهلة» التي أظهرت أن تركيبة دوائية جديدة أوقفت تقدم سرطان الرئة لوقت أطول بـ40 في المائة من العلاج التقليدي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لا مانع من بعض العزلة للأطفال والحديث معهم عندما يكونون مستعدين لذلك (أرشيفية - وسائل إعلام أميركية)

طفلي لا يريد التحدث معي... ماذا أفعل؟

تنصح طبيبة نفسية بإعطاء الأطفال مساحتهم الخاصة عندما لا يريدون التحدث.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفريق أجرى جراحة كهربائية لعلاج انسداد القنوات الصفراوية بواسطة روبوتات مصغرة (المركز الألماني لأبحاث السرطان)

روبوتات بحجم المليمتر تنفذ عمليات جراحية دقيقة

حقّق باحثون في المركز الألماني لأبحاث السرطان إنجازاً جديداً في مجال الجراحة بالمنظار، حيث طوّروا روبوتات مصغرة بحجم المليمتر قادرة على تنفيذ جراحات دقيقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك إجراء بسيط ينقذ الأطفال الخدج من الشلل الدماغي

إجراء بسيط ينقذ الأطفال الخدج من الشلل الدماغي

تجدد النقاش الطبي في جامعة «بريستول» حول إمكانية حماية الأطفال الخدج (المبتسرين) من المضاعفات الخطيرة للولادة المبكرة، أهمها على الإطلاق الشلل الدماغي (CP)

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

الاختراق يأتي وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان (رويترز)
الاختراق يأتي وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان (رويترز)
TT

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

الاختراق يأتي وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان (رويترز)
الاختراق يأتي وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان (رويترز)

أشاد الأطباء بنتائج التجارب «المذهلة» التي أظهرت أن تركيبة دوائية جديدة أوقفت تقدم سرطان الرئة لوقت أطول بـنسبة 40 في المائة من العلاج التقليدي، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

يُعد سرطان الرئة السبب الرئيسي للوفاة بالسرطان في العالم، حيث ينجم عنه نحو 1.8 مليون حالة وفاة كل عام. معدلات البقاء على قيد الحياة لدى أولئك الذين يعانون من أشكال متقدمة من المرض، حيث تنتشر الأورام، ضعيفة بشكل خاص.

وفقاً لبيانات دراسة عالمية، فإن المرضى الذين تم تشخيصهم بأشكال متقدمة من سرطان الرئة والذين تناولوا تركيبة «أميفانتاماب» و«لازرتينيب» ما زالوا على قيد الحياة دون ظهور تقدم في مرضهم بعد 23.7 شهراً في المتوسط. ووجدت التجربة أن متوسط ​​البقاء على قيد الحياة الخالي من التقدم لدى المرضى الذين يستخدمون الدواء العادي - «أوسيميرتينيب»، كان 16.6 شهراً.

وقال الخبراء إن هذا الاختراق جاء وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان، حيث إن الفهم الأكبر لما يحفز الأورام المحددة يوفر طرقاً أفضل للتغلب على المرض.

وأوضح البروفسور مارتن فورستر، اختصاصي الأورام الطبية في مستشفى الكلية الجامعية والمشارك الرئيسي في التجربة بالمملكة المتحدة: «لقد أدى الفهم الأفضل للبيولوجيا التي تحرك سرطانات الرئة إلى توجيه تطوير هذه العلاجات المستهدفة. من المدهش أن نرى أن هذا المزيج الجديد يُظهر سيطرة أطول على السرطان من (أوسيميرتينيب)، والذي كان بحد ذاته علاجاً رائداً قبل بضع سنوات فقط».

من جهته، أفاد البروفسور رافاييل كاليفانو، استشاري الأورام الطبية والباحث ضمن التجربة «من خلال الجمع بين هذين العقارين، اللذين يوقفان السرطان عن النمو بطرق مختلفة، نرى تحسناً كبيراً في معدلات البقاء على قيد الحياة الخالية من التقدم مقارنة بالعقار الذي نستخدمه حالياً».

وتابع «لا تزال معدلات البقاء على قيد الحياة لسرطان الرئة منخفضة للغاية مقارنة بأنواع أخرى من المرض، لذا فإن رؤية مثل هذه النتائج الإيجابية هي تطور مرحب به».

في أغسطس (آب)، تمت الموافقة على التركيبة الدوائية هذه من قبل إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة. يأمل الأطباء المشاركون في التجربة أن يكون العلاج متاحاً أيضاً لدى هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا في المستقبل.