بوتين «معزول» عالمياً وأمام «طريق مسدود» ... وروسيا خسرت أوكرانيا «إلى الأبد»

«الشرق الأوسط» تحاور 5 مراكز بحثية أميركية كبرى حول انعكاسات {الغزو على النظام الدولي}

أحد جسور كييف دمر في القصف الروسي (إ.ب.أ)
أحد جسور كييف دمر في القصف الروسي (إ.ب.أ)
TT

بوتين «معزول» عالمياً وأمام «طريق مسدود» ... وروسيا خسرت أوكرانيا «إلى الأبد»

أحد جسور كييف دمر في القصف الروسي (إ.ب.أ)
أحد جسور كييف دمر في القصف الروسي (إ.ب.أ)

يعتقد الباحثون الأميركيون الجادون في الشؤون الروسية والأوراسية أنه بمضي سنة كاملة على «العملية العسكرية الخاصة» التي أعلنها الرئيس فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022، تبين أنه أخفق بما لا يدع مجالاً للشك في تحقيق أهدافه الرئيسية المعلنة، ومنها إزالة أوكرانيا كدولة قائمة بذاتها، بعد منعها من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والناتو، ووضعها ضمن فلك النفوذ الروسي. على العكس، تبدو أوكرانيا اليوم «مصرة» على دخول الاتحاد الأوروبي، ويظهر الناتو أنه «صار في وضع يمكن أن يرحب بها»، بعدما أرغمت الحرب كلاً من السويد وفنلندا على «الارتماء في أحضان» التحالف الغربي العسكري القوي. أسقطت هذه الحرب نموذج «الحياد الفنلندي» الذي نشأ بعد عقود من الحروب والاضطرابات مع دول الجوار، ولا سيما مع الاتحاد السوفياتي.
سعياً وراء أجوبة من الولايات المتحدة، باعتبارها الجانب الأقوى في المعادلة الدولية التي لم ترتسم نهايتها بعد سنة كاملة من غزو روسيا لأوكرانيا، وجهت «الشرق الأوسط» أسئلة لخمسة من مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية الكبرى، التي تعد جزءاً رئيسياً من عمليات صنع القرار في واشنطن. وشملت الأسئلة الزميل الرفيع لدى مجلس العلاقات الخارجية أستاذ العلاقات الدولية لدى جامعة جورجتاون البروفسور تشارلز كوبتشان، والباحث الدفاعي الدولي لدى مؤسسة «راند» كلينت ريتش، والزميل الرفيع لدى «معهد دراسات الحرب الأميركي» اللفتنانت جنرال المتقاعد الدكتور جيمس دوبيك، ورئيس «معهد الشرق الأوسط البحثي» في واشنطن البروفسور بول سالم، ومدير مركز التحليل السياسي العسكري لدى «معهد هادسون للدراسات» ريتشارد وايتز.

تشارلز كوبتشان

«طريق مسدود»
ورداً على سؤال عما إذا كان يوافق على تقييم صدر في بعض المنشورات الأميركية الوازنة ويخلص إلى أن «روسيا خسرت الحرب في أوكرانيا»، يجيب تشارلز كوبتشان بأنه «من نواحٍ مهمة، عانت روسيا بالفعل هزيمة استراتيجية مروعة»؛ إذ إنها «أخفقت في مساعيها من أجل إخضاع أوكرانيا وسحبها مرة أخرى إلى دائرة النفوذ الروسي»، وأضاف أن «الغزو بما سببه من موت ودمار أدى إلى عزل الغالبية العظمى من الأوكرانيين وإغضابهم بشكل لا رجعة فيه»، خالصاً إلى أن «روسيا خسرت أوكرانيا إلى الأبد».
لا يذهب بول سالم إلى هذا الحد في قراءته، مع أن روسيا «خسرت الكثير من الأشياء»، لكنها «لم تخسر الحرب بالمعنى التقني»، موضحاً أن هزيمة جيش ما تؤدي «إما إلى التراجع وإما إلى الاستسلام». ويضيف أن الروس «بالتأكيد لم ينتصروا، بل اضطروا إلى التراجع عن مناطق عديدة كانوا سيطروا عليها في المرحلة الأولى»، مستدركاً أنه «ينبغي عدم استثناء إمكانية أن يربحوا لاحقاً»؛ لأن «لديهم العمق والقدرات والإرادة»، علماً بأن الوضع الميداني الراهن وصل عسكرياً إلى «طريق مسدود». ومع ذلك، يرى أنه «من الناحية المعنوية، هذه هزيمة للروس؛ لأن الذي كان مرتقباً من دولة كبيرة وعظمى مثل روسيا هو أن تربح بسهولة دولة أصغر وأضعف مثل أوكرانيا».
ويقول الباحث الدفاعي كلينت ريتش، الذي عمل سنوات عديدة في البحرية الأميركية، إنه «من السابق لأوانه القول إن روسيا خسرت الحرب. فالحرب لا تزال مستمرة، ولدى روسيا قدرة احتياطية كبيرة يمكن أن تضعها في القتال بمرور الوقت. وينطبق الشيء نفسه على أوكرانيا وداعميها الغربيين».

ريتشارد وايتز

لا استعجال
يتفق معه في ذلك ريتشارد وايتز الذي يعتقد أنه «من السابق لأوانه» القول إن روسيا انهزمت، مشيراً إلى «وضع جديد الآن»؛ لأن روسيا «تحشد مئات الآلاف من القوات» على الجبهات. ويفترض أن موسكو «تعلمت درس السنة الأولى» حين لم تجرِ الأمور وفق الخطط والعمليات العسكرية التي وضعها قادة الجيش الروسي، مذكراً بأن «أمراً كهذا حصل من قبل» حين غزا الاتحاد السوفياتي فنلندا بين عامي 1939 و1940، معتقداً أنه «سيحقق انتصاراً سهلاً على فنلندا الصغيرة». لكن الفنلنديين أعاقوا القوات السوفياتية الغازية، مما أدى إلى «صدمة قادت إلى تطوير الجيش السوفياتي، وإلى إجراء إصلاحات». وإذ يذكر بأن ذلك قاد إلى «عمل أفضل بكثير ضد ألمانيا النازية»، لم يستبعد حصول ذلك مع القوات الجديدة التي تحشدها روسيا، مستفيدة من «معلومات إضافية وأفكار اكتسبوها حول الغرب، ومن خلال التدريب والتعرف على أخطائهم».
يرى كوبتشان أن روسيا «تسعى الآن إلى الحصول على جائزة ترضية من خلال الاستيلاء على جزء من الأراضي الأوكرانية الممتدة من دونباس إلى شبه جزيرة القرم»، معتبراً أنه «بعد هجومها الفاشل على كييف العام الماضي، شرعت في ضم 4 مقاطعات من البلاد»، هي: لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، بالإضافة إلى القرم، علماً بأن «موسكو لا تملك حتى الآن سيطرة كاملة على الأراضي التي تطالب بها»، بل «فقدت مساحة كبيرة من الأرض التي احتلتها في بداية الغزو». ويؤكد أنه «حتى إذا انتهت هذه الحرب بسيطرة روسيا على جزء من الأراضي الأوكرانية، فإن هذه الحرب ستدرج في التاريخ باعتبارها نكسة تاريخية لروسيا»، ليس فقط لأنها مسؤولة عن الخسائر الفادحة في الأرواح بين طرفي النزاع، بل أيضاً لأن الرئيس بوتين فرض على بلاده «عقوبات اقتصادية شديدة وعزلة دبلوماسية شديدة»، مما دفع بالكثيرين من المواطنين الروس إلى الشوارع لمعارضة الغزو، أو إلى الفرار من وطنهم. وكذلك تسببت الحرب في اضطراب اقتصادي ونقص في الغذاء وارتفاع التضخم على نطاق عالمي.

تجنب التصعيد
وعن التصورات الأميركية لكيفية نهاية هذه الحرب، يربط بول سالم الأمر بإرادة كل من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين وفلوديمير زيلينسكي، قائلاً إنه «على غرار كل الحروب، ستصل الأمور يوماً ما إلى وساطات وطاولات تفاوض، وبالتالي تتحول الأسئلة إلى الشروط التفاوضية لإنهاء الحرب»، ومنها جغرافياً مثلاً: «هل يقبل الأوكرانيون بأن يبقى الروس في شبه جزيرة القرم؟». ويلاحظ أن الأوكرانيين «يصرون على أنهم يريدون كل شبر من أوكرانيا»، علماً بأن المسؤولين في الولايات المتحدة والدول الأوروبية «يسعون إلى حل وسط ومقبول؛ لئلا نوصل بوتين وروسيا إلى تصعيد أكبر، ولئلا يشعر بوتين بأنه محشور ويهدد مجدداً بالسلاح النووي». ويلفت إلى وجود «خلاف» بين أوكرانيا وحلفائها حول هذه القضايا، معتبراً أن «نقاشاً سيحصل حول الوجود الميداني» لروسيا في أوكرانيا، على الرغم من أن «الموقف الأوكراني يفيد بأنه يجب على الروس أن ينسحبوا من كل الأراضي الأوكرانية»، مقابل «موقف روسي يشدد على البقاء في القرم والمقاطعات الأخرى التي ضمت إلى الأراضي الروسية».
لا يبدو وايتز مستعجلاً أي استنتاج في الوقت الراهن. يرى أن كل الخيارات متاحة أمام الرئيس بوتين، وهي تقنياً أنه «أولاً، يمكنه بشكل أساسي الاستسلام، وإعادة قواته إلى حيث كانت في بداية العام الماضي. وثانياً، يمكنه أن يحاول التفاوض مع الحكومة الأوكرانية من خلال تقديم بعض التنازلات. وثالثاً، يمكنه أن يوسع الحرب لتشمل دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تدعم أوكرانيا»، مرجحاً أن «يواصل بوتين القيام بما يفعله الآن، أي فقط تعبئة القوات والحفاظ على استمرار القتال» لعل ذلك يؤدي إلى «ما رأيناه مع الغرب في أفغانستان وسوريا. يأمل في أن يتخلى الغرب في النهاية (عن أوكرانيا) أو يفقد الاهتمام بها».

بول سالم

توسيع الحرب
بطبيعة الحال، يبدو الخيار الثالث المتعلق بتوسيع نطاق الحرب من أصعب الخيارات وأكثرها مرارة، بما في ذلك بالنسبة إلى الجنرالات. يؤكد اللفتنانت جنرال المتقاعد الدكتور جيمس دوبيك أن هذا الخيار «ينطوي على خطرين كبيرين: توسيع نطاق الحرب التقليدية إلى البلدان المجاورة لأوكرانيا، وتصعيد الحرب إلى المستوى النووي»، معتبراً أن الروس «لجأوا إلى القوة الغاشمة لأنهم يبدون غير قادرين على القيام بأي شيء آخر». وهذا ما «يقلل من إمكانية توسيع الحرب التقليدية، ولكنه يزيد المخاطر النووية». ويؤكد أن الولايات المتحدة «لا تريد أن تكون سبب حرب أوسع في أوروبا». ويرى أن التحدي الذي يواجهه المسؤولون الأميركيون «هو إنهاء الحرب، وليس جعلها أكبر، وهذا لا يعترف بالحلول والخيارات البيضاء والسوداء».

خيارات ضيقة
غير أن سالم يرى أنه خلال سنة من الحرب «حصل عكس ما كان يريده بوتين» الذي «صارت خياراته ضيقة للغاية»؛ لأن اقتصاد روسيا يساوي اقتصاد إسبانيا ليس إلا، وبالتالي فإن «قاعدته الاقتصادية العسكرية أصغر بكثير من القاعدة الاقتصادية العسكرية التي تدعم أوكرانيا». كما أن حجم الصناعة العسكرية والذخيرة والدبابات والطائرات في روسيا «يساوي نحو 4 في المائة» من حجم هذا القطاع في أميركا والدول الأوروبية، فضلاً عن وجود «إرادة قتال رهيبة» عند الأوكرانيين مقابل «إرادة مختلفة» عند المواطن أو العسكري أو المجرم الذي ترسله مجموعة «فاغنر» إلى الجبهة. ويستدرك أن عند بوتين «أفضلية تتمثل بأن عدد سكان روسيا أكبر من عدد سكان أوكرانيا»، كما أن عنده «ميزة (…) القصف العشوائي»، وهو «مرتاح داخل روسيا؛ لأن لا أحد يتحرك ضده». ومع ذلك «لا توجد لديه خيارات عسكرية كثيرة تمكّنه من أن ينتصر».
رغم الإخفاقات الروسية خلال السنة الأولى من الحرب، ولا سيما اضطرار القوات الروسية إلى التراجع عن الزحف في اتجاه كييف والانسحاب من خاركيف وبعدها من خيرسون، يؤكد سالم أن التصريحات الروسية النووية «ما هي إلا مجرد تهديد»، معتبراً أن حصول ذلك «سيؤدي إلى تسارع لإنهاء الحرب لا فتح مجالات جديدة لخوضها». ويذكر بأن «الصين والهند لديهما موقف واضح للغاية»؛ إذ إن المسؤولين الصينيين «قالوا لبوتين إن الموضوع النووي غير مقبول على الإطلاق». كما أن «الهند اتخذت موقفاً مشابهاً». وبالتالي فإن استخدام السلاح النووي «يمكن أن يكون الخرطوشة الأخيرة، لكنه سيؤدي إلى استكمال عزل روسيا»، فضلاً عن أنه «ليس حلاً، ولن يمنح (بوتين) نصراً ميدانياً».
يؤيده كوبتشان في أنه «بارتكابها عملاً عدوانياً أصلع، أضرت روسيا بشدة بمكانتها في العالم»، معتبراً أن «الأمر يستوجب سنوات حتى تتعافى روسيا من هذه النكسات». ويؤكد الباحث الدفاعي في «راند» التي أنشئت في الخمسينات من القرن الماضي كخلية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، قبل أن تتحول منذ عقود إلى مركز أبحاث تستعين بخبرائه حكومات الولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى، أن «التداعيات المباشرة على النظام الدولي هي أن التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة موحد كما كان في بعض الأوقات»، مضيفاً أنه «إذا استمر هذا التماسك، فإن إضعاف الغرب الجماعي سيكون تحدياً صعباً أمام دول مثل روسيا التي تعاني الوضع الراهن».

لم تعد عظمى!
وعن انعكاس وضع كهذا على أزمات الشرق الأوسط وتوازناته، بما في ذلك سوريا حيث توجد قوات روسية، وليبيا حيث تنتشر قوات «فاغنر»، يرى بول سالم أن «الأثر الأول العام وقع على الناس بسبب ارتفاع أسعار النفط والغذاء»، موضحاً أن الحرب خلقت أزمات معيشية مؤلمة جداً للناس في بلدان تمتد من المغرب ومصر والأردن إلى سوريا ولبنان وتركيا وإيران وغيرها؛ لأن روسيا منتج أساسي للطاقة وانقطعت عن الأسواق العالمية، كما أن روسيا وأوكرانيا تنتجان نصف قمح العالم. ولكنه يرى أن «التأثير الجيوسياسي محدود»؛ لأن «روسيا تراجعت كثيراً ولم تعد تعتبر دولة عظمى»، موضحاً أنه قبل الحرب، كان ينظر إلى بوتين باعتباره زعيماً بعيد النظر لروسيا المستقرة وللاقتصاد الروسي المنفتح على العالم الذي كان يعتقد أن «السلاح الروسي فعال والجيش الروسي مهم، وأن روسيا خيار استراتيجي». غير أن «بوتين خسر قسماً كبيراً من ذلك، وصارت روسيا دولة معزولة عن الاقتصاد العالمي وعن الحياة العالمية»، فيما ينذر بأن تكون بلداً على شاكلة إيران أو كوريا الشمالية حالياً أو العراق في عهد الرئيس السابق صدام حسين.
لا يزال بوتين لاعباً كبيراً. لكنه صار «معزولاً ومستضعفاً» وسط تساؤلات علنية: إلى أين روسيا بعد بوتين، حتى لو بقي سنة، أو 5 سنوات أو أكثر؟ فهل وصل فعلاً إلى «طريق مسدود»؟
تغيّرت النظرة في مراكز الأبحاث الأميركية إلى روسيا، التي لا تزال - مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية - من الدول الأكثر إنتاجاً للنفط والغاز في العالم. وعلى الرغم من ذلك، ترغب دول مهمة في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية مع روسيا، حتى لو تكون كالصين أو أميركا. على عكس طموحات بوتين، يؤكد ريتش أن الإضافة المفترضة للسويد وفنلندا إلى الناتو «ستزيد من الإمكانات العسكرية للحل، وستكون روسيا أكثر عزلة عن غرب أوروبا على المدى القريب على الأقل، وربما في المستقبل»، مشيراً إلى أن «الأمر سيستغرق سنوات حتى تعيد روسيا بناء إمكاناتها القتالية المفقودة، مما قد يقلل من نفوذها ووجودها العالمي».
يعبر وايتز عن اعتقاده أن «النظام الدولي تغيّر» بفعل الحرب التي أدت إلى «تقسيم أوضح بكثير للتحالف المناهض لروسيا»، مضيفاً أن حلف الناتو «صار موحداً أكثر، وفاعلاً أكثر»، في وقت عززت فيه الولايات المتحدة الإنفاق الدفاعي، واقتربت الدول الآسيوية أكثر من حلف شمال الأطلسي. واستنتج: «نحن نقترب من عالم مكون من كتلتين».
بيد أن الجنرال دوبيك يقول إن «منع العدوان غير المبرر ضد الجيران، كما فعل بوتين في أوكرانيا، هو بالضبط سبب قيام القادة السياسيين والعسكريين الذين عانوا الحربين العالميتين بإنشاء النظام الدولي بعد عام 1945»، معتبراً أن «التجارب الحيّة علمتهم أنه من المهم وقف المتنمرين مثل بوتين». ويستدرك أن «هذا الترتيب متقادم ويحتاج إلى مراجعة»؛ لأن «عالم عام 2022 ليس كعالم عام 1945».

عالم متعدد الأقطاب؟
يرجح كوبتشان بالفعل أن يكون للحرب ثلاث عواقب رئيسية على النظام الدولي، تتمثل أُولاها في «عودة العالم إلى نظام من كتلتين يذكرنا بالحرب الباردة»، بحيث تكون الديمقراطيات الليبرالية في العالم «متماسكة بعضها مع بعض بواسطة نظام تحالفي تقوده الولايات المتحدة»، مقابل «كتلة استبدادية تمتد من أوروبا الشرقية إلى غرب المحيط الهادئ»، بزعامة روسيا والصين. ولا يستبعد أن «يمتنع كثيرون عن الانحياز» في كل من أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا وجنوب شرقي آسيا، في ظل «تصاعد التوتر بين الكتلتين الرئيسيتين». ويعتبر أن «هذا النمط من عدم الانحياز يشير إلى أن العالم يتجه نحو تعددية قطبية، وليس إلى قطبية ثنائية على غرار تلك التي سادت خلال الحرب الباردة».
أما ثانية العواقب فتتمثل في «عودة التنافس العسكري بين القوى العظمى» بعدما «بقي معلقاً منذ نهاية الحرب الباردة»، ويؤكد أن الغزو الروسي «أعاد إشعال المنافسة العلنية بين القوى العظمى؛ إذ يعاد تقسيم أوروبا»، فيما «يتصاعد التوتر بين الصين والولايات المتحدة، وبخاصة حول تايوان». ويعتبر أن ذلك سيدفع الولايات المتحدة إلى «تعزيز وجودها المتقدم في كل من أوروبا وآسيا في المستقبل المنظور».
ويرى أخيراً أن «العالم دخل في فترة تراجع العولمة»، مستدلاً على ذلك بـ«قطع المجتمع عبر الأطلسي فعلياً العلاقات التجارية مع روسيا»، في وقت «تتراجع فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها عن الترابط الاقتصادي مع الصين، ويسعون إلى تقدم تكنولوجي بطيء للصين». ويترافق ذلك مع «إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية. لقد ولّت أيام زيادة التجارة الحرة وتعميق الترابط العالمي». بالنسبة إلى سالم فيرى أنه «صار واضحاً أن أميركا والصين هما الجباران». أما روسيا التي «كانت تلعب وتقول إنها أيضاً جبارة» فليست في هذا الموقع بعدما «تبين أن السلاح الروسي فضيحة. ما عاد أحد يريد شراء معدات روسية (…) لا تقارن بالمعدات الأميركية».
يعتقد وايتز أن إدارة بايدن «أبلت بلاء حسناً» في التعامل مع غزو روسيا لأوكرانيا، خلافاً لـ«العمل السيئ» مع أفغانستان. ويرى أن المسؤولين الأميركيين «تمكنوا من تحقيق توازن بين الحاجة إلى مساعدة أوكرانيا على هزيمة روسيا، وضرورة تجنب التصعيد الذي قد يؤدي إلى حرب مع روسيا».

كيف تنتهي الحرب؟
يرى وايتز أن كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك أن يبقى هذا النزاع فترة طويلة، على غرار الوضع بين سوريا وإسرائيل والنزاعات العربية، والحرب بين أذربيجان وأرمينيا، أي أن «تستمر هذه الحرب حتى لو توقف القتال وجمد مؤقتاً. لكنهم يعودون إلى القتال لاحقاً»، ويعبر عن اعتقاده بأن «الحل الدائم قد يتطلب رئيساً جديداً لروسيا، لذلك عندما يغادر بوتين ويأتي شخص آخر، قد تكون هناك فرصة لنوع ما من السلام الدائم». يعبر عن تشاؤمه بأنه «ما دام بوتين رئيساً لروسيا، فأعتقد أنه سيبقى ملتزماً للغاية بهذا المشروع. ستستمر الحرب ما دام موجوداً».
يؤكد دوبيك أن العالم «يواجه الآن أزمة تزداد سوءاً»، معتبراً أن «عدوانية روسيا وسلوكها الهمجي في أوكرانيا أوضحا بشكل مؤلم أن التأكد من خسارة بوتين ليس سوى بداية العمل الشاق الذي ينتظر الجميع».

الكرملين أمام انتصار بعيد... وهزيمة مستحيلة
زيلينسكي... الممثل الهزلي لعب أدواراً كوميدية بحضور بوتين
هل أعادت الحرب الحياة إلى «الناتو» أم أيقظته «مرحلياً»؟


مقالات ذات صلة

أوكرانيا تتهم روسيا بـ«ممارسات تنم عن إبادة» في استخدامها الألغام

أوروبا المسؤول بوزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر ريابتسيف (يمين) خلال مؤتمر قمة سيام ريب - أنغكور حول عالم خالٍ من الألغام في مقاطعة سيام ريب بكمبوديا 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تتهم روسيا بـ«ممارسات تنم عن إبادة» في استخدامها الألغام

قال ممثل لوزارة الدفاع الأوكرانية، إن روسيا تقوم ﺑ«ممارسات تنم عن إبادة» من خلال استخدام الألغام المضادة للأفراد في أوكرانيا، وذلك خلال قمة دولية في كمبوديا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بعد لقائهما في أثينا الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أمين عام «الناتو»: الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» في دعمه أوكرانيا

قال الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الثلاثاء، إن الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» لدعم أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
أوروبا أضرار في موقع هجوم صاروخي روسي ضرب مبنى إدارياً لبنك متوقف عن العمل جنوب غربي أوكرانيا 25 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

روسيا تستهدف البنية التحتية الأوكرانية بأكبر هجوم مسيّرات منذ بدء الحرب

قال مسؤولون أوكرانيون، الثلاثاء، إن القوات الروسية شنّت أكبر هجوم لها على الإطلاق بطائرات مسيّرة على أوكرانيا الليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جينبينغ (رويترز)

تقرير: الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على شركات صينية تدعم روسيا

كشف تقرير صحافي أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على عدة شركات صينية يُزعم أنها ساعدت شركات روسية في تطوير طائرات مسيرة هجومية تم استخدامها ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين (أرشيفية - رويترز)

مدير المخابرات الروسية: نرغب في «سلام راسخ وطويل الأمد» في أوكرانيا

قال مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية إن بلاده تعارض تجميد الصراع في أوكرانيا؛ لأن موسكو بحاجة إلى «سلام راسخ وطويل الأمد».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.