السلامات لـ«الشرق الأوسط»: تحقيق الأمن والعدل خصائص الدولة السعودية الأولى

حدّد باحث ومؤرخ عربي بواعث وأسس نشوء الدولة السعودية الأولى والقيم الحضارية التي قامت عليها الدولة قبل ثلاثة قرون، وظلت صامدة في وجوه التحديات من خلال بقائها وديمومتها في مراحل ثلاث، في كل مرحلة تزداد مناعة وقوة حتى وصلت اليوم إلى دولة ذات اعتبار محلي وإقليمي ودولي، وأصبحت لاعباً رئيسياً في المعادلة العالمية.
وأنجز الباحث والمؤرخ السوري الدكتور إسماعيل محمد السلامات، المقيم في السعودية والمهتم بتاريخها، مؤلفاً عن الدولة السعودية الأولى وقيمها المجتمعية والحضارية التي قامت ونشأت عليها الدولة عام 1727م.
«الشرق الأوسط» استبقت ظهور الكتاب تزامناً مع الذكرى الثانية ليوم التأسيس الأول على يد الإمام محمد بن سعود، وأجرت هذا الحوار مع الدكتور السلامات، عن واقع البلاد قبل قيام الدولة السعودية الأولى، والركائز والأسس والقيم التي نشأت عليها الدولة التي تعد أول دولة مركزية في الجزيرة العربية، وفرضت سيطرتها وقوانينها ووضعت أرضية صلبة لاستمرار الدولة وديمومتها منذ ثلاثمائة عام وإلى اليوم، وجاء الحوار كما يلي:

- ضياع وتفكك
> كيف تصف واقع المنطقة قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود انطلاقاً من «الدرعية»؟
- لا بد عند قراءة هذا الواقع أن نتناول الركائز والأسس والخصائص التي تقوم عليها الدول، وفيما يتعلق بالدولة السعودية فلا بد من دراسة النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي كانت عليها المنطقة قبل التأسيس، كما يجب أن تكون كيفية إدارة الحكم حاضرة لمن يتناول هذا الواقع، فقد كانت البلادُ في نجدٍ قبل تأسيس الدَّولة السعودية الأولى تُعاني حالة من التفكّكِ، والضّياعِ الاجتماعي والأمني، في مُجملِ مناحي الحياة.
فمن النّاحية الاجتماعيّة باتتِ المنطقة مُجرّد إمارات قبليّة مُنقسمة ومُتناحرة، تعيشُ حَياة من الصّراع والتنافس والحروب؛ فانعدمَ الأمن، ونُسي الأمان، وانقطعت الطُرق.
وقد أثّر هذا الوضع المُعتل على الحياة العامّة في نجد، فقلَّ عدد السّكّانِ وأماكن تواجدهم واستيطانهم، واضطرّوا إلى أنْ يحملوا عبء الدِّفاعِ عن أنفسهم ضدّ هجمات القبائل، وغيرها من الجماعات المُستقرّة؛ وذلك بسبب غياب السُّلطة المركزيّة التي تحميهم وكَثُر قُطّاع الطُّرق، ولم تكن الطّرق آمنة، فقَلّ التواصلُ المجتمعي بين أقاليم نجد المُتجاورة من جهة، وبين منطقة نجد والدّول الأخرى من جهة ثانية. فأدّى ذلك إلى إعاقة حركة الأنشطة التجاريّة، والتواصلِ الاجتماعي بين النّاسِ؛ بسب غياب الحراسة اللازمة لقوافلِ الحجيج والتجارة وطُرقها، وما يتطلّب ذلك من دفعِ إتاواتٍ باهظة للقبائلِ التي تمرُّ تلك القوافل والسابلة من ديارها، وأدّى هذا بدوره إلى تفرّق القُرى الصّغيرة والضّعيفة في نجد.
ومن النّاحية السّياسيّة، فإن بُلدانِ نجد - قبل تأسيس الدَّولة السعودية الأولى - اتسمت بطبيعتها القبلية والمُتجزئة، فعاشت نجد قبلَ سنة (1139هـ) حالة من عدمِ الاستقرارِ والأمن والفوضى، وهذه أصبحت السِّماتُ السائدة في الجانب السّياسي، ولا سيما أنّ بلاد نجد كانت تتعرّض للكثيرِ من الغزوات من أجل الحصول على الغنائم والإتاوات من القبائل البدويّة في المنطقة.
ومن الناحية الاقتصادية كانتِ الزّراعة في نجد بمثابة العمودِ الفقري لاقتصادِ السُكانِ المُستقرين. وعلى الرّغم من الصعوبات الكبيرة التي واجهت السُكان؛ والمتمثّلة في التربة الفقيرة، وإمدادات المياه غير الكافية، فقد كان النجدي مُزارعاً ناجحاً ودؤوباً. وبذل جهداً كبيراً، فكان يُكافح دائماً من أجل امتلاك قطعة أرض ليضمن بقاءهُ هو وأسرته. ومع ذلك، كان أهمّ مسألة بالنّسبة له تأمين السّلام والحماية اللّذين يُتيحان للمُزارعِ الزّراعة، ومن ثمّ حصاد ثمارِ تعبهِ.
أمّا من النّاحية الثقافية، فكان التعليم والثّقافة في بلداتِ نجد - قبلَ تأسيسِ الدَّولة السعودية الأولى - جيّداً يحكمُهما الشَّرعُ الإسلامي وليسَ كما تحدَّث ابن بشر وغيره من الكُتَّاب عن انتشار البِدعِ والجهل والكفر والشرك بشكلٍ كبيرٍ، والذي كان له دوره الحاسم في ظُهورِ الدَّولة السعودية الأولى، بلْ إنَّ السَّبب الرَّئيسي في ظُهورِ الدَّولة السعودية الأولى انتشارُ الفوضى، وغياب الأمن والأمان، والعَدْل والمُساواة، وقطع طُرق الحجّ والعُمرة والتجارة.
ولكنْ قضت سنّة الله تعالى في أرضهِ وبينَ عبادهِ ألا يدعهم هَمْلاً، فما بالنا وقد كرّمَ الله تعالى هذه الأرض المُباركة وشرّفها. فقيّض لها من يرفعُ مِنْ شأنها، ويُعيدُ لها مَجدها الذي كان، ولنْ يزولَ بمشيئة الله تعالى.
وكانَ الإمامُ محمد بن سُعود الذي هيأه الله تعالى لتلكَ المَهمَّة الشَّاقَّة اليسيرة؛ الشَّاقة بثقلِ حِملها ومسؤوليّاتها، ولكنّها يسيرة على من يسّرها الله له، وأعطاهُ منَ المُؤهّلاتِ الذّاتيّة ما يُعينهُ على تحمُّلِ كافّة تلكَ المسؤوليَّات على أتمّ وجه.
وما كان بالإمكان تحقيق الاستقرار السّياسي، ووقف نهب وسلب القبائل، وتأمين سلامة طّرق الحج والتجارة إلّا في ظلّ دولة مركزيّة سعودية.

اسماعيل السلامات وغلاف كتابه الذي سيصدر تزامناً مع يوم التأسيس

- قيم نشأت عليها أول دولة مركزية
> ما هي القيم المجتمعية التي نشأت عليها الدولة السعودية الأولى، وأصبحت دولة مركزية فرضت سيطرتها وقوانينها على المنطقة؟
- في هذه الفترة 1727م (1139هـ) وُلدت الدَّولة السعودية الأولى في عاصمتها الدِّرْعِيَّة؛ على يدِ مؤسّسها الإمام محمد بن سعود، بعد أنْ وحّد شطريها؛ المُليبيد وغصيبة، المعروفان على وادي حنيفة، حيث شرع في سياسة التخفيف من الظّلم الذي يتعرّض له السّواد الأعظم من سُكّان نجد، الأمر الذي لقي دعماً جماهيرياً لمشروعِ دولتهِ الحضارية الناشئة. فأخذت الصفوف تتجمّع، والبلدات تتوحّد، فنشأت وِحدة في العارض، ثمّ وِحدة في نجد، لقد أنشأ الإمام محمد بن سعود دولته الحضاريّة على منظومة من القيمِ الإنسانيّة أدّت إلى ظهورِ دولة مدنية قويّة البُنيان، راسخة الأساس، ومن هذه القيم، منظومة القيم الاجتماعيّة والمتمثلة في الاستقرار المجتمعي، حيث سادَ الاستقرارُ المُجتمعي في عهد الإمام محمد بن سعود في الدِّرعيّة، فتحسّنت العلاقة مع الجيران بسبب سياسة حسن الجوار التي اتبعها الإمام بجنحهِ للسّلم وحبه لحقن الدماء ونشر الاستقرار؛ فهدأت النّفوس، وعاش النّاس في سلام وأمان واستقرار وهدوء، بعد أن كانوا دائماً عُرضة للغزوِ والنّهب من جيرانهم، وفي تحقيق الأمن والأمان: حيث تحقّق الأمن المُجتمعي الشّامل في جميع أرجاء الدَّولة السعودية الأولى وفي خارجها، فتمَّ تأمين سلامة طُرق السّفر والقوافل، وطُرق الحج. بعد أن كان المسافر أو القاصد للحجِ لا يأمن على نفسهِ، ولا على مالهِ من كثرة السّرقات والنّهب التي تتعرض لها القوافل من القبائل وقُطّاع الطُرق، كما تمثلت منظومة القيم الاجتماعية في تحقيق العَدْل بعد أن أصبحت العدالة والإنصاف وحُسن المعاملة قيمٌ مُجتمعية أساسية في دستور أخلاق الدَّولة السعودية الأولى، فتحقَّقَ العَدْل في جميع أرجاء الدَّولة تحت قيادة الإمام محمد بن سعود باتفاق الكُتاب والمؤرخين والسياسيين؛ فأخذ كلّ صاحب حقٍ حقّه، كما تمَّ تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع بالعَدْل، وعدم التمييز بينهم تبعاً للهوى والمصالح، أو قوّة النّفوذ، كما أن هناك جانباً مهماً في منظومة القيم المجتمعية التي أدت مع قيم أخرى إلى ظهور دولة قوية تمثلت في قيمة الفروسيّة والبطولة، حيث حَرِصَ الإمام محمد بن سعود على غرس قيم الفروسيّة، والبطولة، والشّجاعة في نفوس أبناء الدِّرعيّة، وبُلدان الدَّولة، فغدت الدِّرعيّة وأهلها من أقوى البُلدان في المنطقة، فكانت جبهتها الدّاخليّة قويّة جدّاً، واستطاع أهلها – بما يملكون من شجاعة - الصّمود أمام كلّ من أراد الاعتداء على أرض دولتهم، وهناك ركيزة مهمة تمثلت في قيمة المرأة فمنذ نشأة الدَّولة السعودية الأولى سنة (1139هـ) ازداد تكريم المرأة، وأَخذت حقوقها كاملة، فحفلت الرسائل التي كان يوجّهها أئمّة الدِّرعيّة لمن حولهم بالحثّ على تكريم المرأة، وإعلاء مكانتها، وإنصافها، ورفع الظُّلم عنها، خاصّة في قضايا التحجير أو التحيير أو التحيين، فقد جاء التشديد على منعها وأصبحت سائدة على نطاق ضيق جدا بالمُقارنة مع ما كان قبل نشوء الدَّولة السعودية الأولى، وساهم تطور العلم والتعليم في ازدهار الحياة العلميّة في عهد الإمام محمد بن سعود وظهر عدد من العلماء والقُضاة؛ كالقاضي الشيخ عبد الله بن عيسى، الذي احتلّ مكانة مرموقة بين علماء نجد، وبالتحديد في الدرعية حيث اشتهر من علمائها، الشيخ عبد الله بن عبد الرّحمن سويلم، وابن عمه أحمد بن محمد بن سويلم. ولا ريب أن وجود هؤلاء العلماء وغيرهم أدى إلى نموّ الحركة العلميّة في الدِّرعيّة زمن الدَّولة السعودية الأولى، فغدت الدِّرعيّة من أهمّ المراكز العلميّة في المنطقة، فنافست بذلك البُلدان المجاورة.
أما منظومة القيم السياسية التي تعدّ إحدى ركائز وأسباب قيام الدولة السعودية الأولى فقد تمثلت في قيمة الوطن والمواطنة، حيث أصبح المواطن السّعودي في عهد الإمام محمد بن سعود يعتزُّ بانتمائه الوطني للدِّولة السعودية الأولى وحُكّامها، ويشعرُ بقيمة وطنهِ واستعدادهِ لبنائهِ وتطويرهِ والدِّفاعِ عنه بأغلى ما يملك. فهو انتماءٌ لتاريخِ الأمُة وتُراثها، وافتخارٌ بمسيرتها عبْرَ التاريخ، إضافة إلى قيمة الشّورى بعد أن برز مبدأ الشّورى في الدَّولة السعودية الأولى مُنذُ نشأتها؛ فكان الإمام محمد بن سعود إذا أراد إبرام أمرٍ، أو صنع قرار مهم يتعلّق بحياة النّاس والمُجتمع، شاور أهل الرّأي من الأمراء والمُستشارين، والقُضاة، والقادة، والوجهاء، كما أن هناك قيمة ضمن منظومة القيم السياسية التي قامت عليها الدولة وهي: قيمة المُساواة: التي تحقّقت في عهد الإمام محمد بن سعود بعد أن كان الناسُ محرومين منها، فأصبح الغني والفقيرُ متساويين في الحقوقِ والواجباتِ، وفي حال وقوع الاعتداء على أحدٍ ما، فإنَّ المظلوم يأخذ حقّه كاملاً كائناً مَن كان؛ ولهذا لا يجسر ذو مال، أو جاهٍ، أو سُلطان أنْ يتعرّض لأحد، حتّى الشتم والسب تمَّ منعهما، ومن هنا ندرك أنَّ قيمة المساواة كانت من القيم السّياسيّة الرئيسة التي تأسّست عليها الدَّولة السعودية الأولى.
أما فيما يتعلق بمنظومة القيم الاقتصادية فقد عمل الإمام محمد بن سعود حين أسّس الدَّولة السعودية الأولى سنة 1727 (1139هـ) على الاهتمام بالزراعة كموردٍ أساسي لاقتصاد الدِّرعيّة العاصمة، وتخليص الفلّاحين من جميعِ أنواع الظُلم والاستغلال، كما تمَّ توزيع الغنائم على الفقراء والمساكين، فأوجد ذلك ارتياحاً اجتماعياً، وكَسباً شرعياً، كما كان للزّكاة دورٌ كبيرٌ من النّاحية الاقتصادية؛ إذ أمّنت مورداً دائماً للمُحتاجين، وبذلك حقّقت الدَّولة السعودية النّاشئة قدراً كبيراً من الأمن الاقتصادي؛ فشعر النّاس بالرّاحة والأمانِ والرخاء.
أما الركيزة الرابعة التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى فهي منظومة القيم الثقافية التي تمثلت في العلم، حيث اهتمّ الإمام محمد بن سعود ومَنْ جاء مِنْ بعدهِ من الأئمة السُّعوديين بالعلوم الشّرعيّة والعلوم الأخرى، وخاصّة بعد اتِّساع رُقعة الدَّولة وثباتها، وكثرة العلماء فيها، فكانت الدِّرعيّة قِبلة الطلبة من مُختلف الجهات، يَفدون إليها فيجدون فيها ما يُثلِجُ صدورهم من العلوم والمعارف، ولعلَّ الاهتمام الكبير بعلوم اللُّغة والأدب ودواوين الشّعر أدّى إلى نُبوغِ بعضهم في هذا الجانب بصورة خاصّة، كما شجع الإمام محمد بن سعود طلبة العلم، وكان يُنفق عليهم، وأمر بعقدِ المجالس العلميّة للدّروس، وكان يُخصّص المُكافآتِ والعطايا لطلبة العلمِ والعلماءِ. كل ذلك ساهم في انتقال الدِّرعيّة إلى عالم نور العلم الذي جاء به الإمام محمد بن سعود، والأئمّة من بعده.
كما جاء التعليم وانتشار المدارس كعامل مهم في منظومة القيم الثقافية التي تعد من ركائز تأسيس الدولة السعودية الأولى، لقد كان لبسطِ نفوذ الدَّولة السعودية الأولى وسُلطانها على كثيرٍ من مناطقِ الجزيرة العربية، وخاصة المناطق ذات الاقتصاد القوي مثل الأحساء، أثرٌ إيجابي كبيرٌ في تنامي بُنية اقتصادياتها؛ مما أدّى إلى ازدهار الحركة التعليمية في المُجتمع، فكان مسجد الطّريف في الدِّرعيّة من أبرز الأماكن الرئيسة لتلقّي العلم، والمدرسة الأولى للتّعليم في الدَّولة السعودية الأولى؛ حيث اشتهر بكثرة الطلابِ، وتنوّع مجالات التعليم فيه، يقع المسجد في حي الطريف غربي الدِّرعيّة، وهو مقرّ أسرة آل سعود في الدِّرعية العاصمة، وكذلك مسجد البجيري الواقع في شرقها، وكذا مسجد غصيبة، وغيرهم؛ حيث بلغ مجموع المساجد في الدِّرعيّة ثمانية وعشرينَ مسجِداً، وأشار بعض المؤرّخين إلى وجود ثلاثين مدرسة في الدِّرعيّة، ومِثلها من المساجد.

- السياسة العامة للدولة السعودية الأولى
> ما هي في نظرك كباحث في التاريخ وخصوصاً السعودي منه المبادئ والخصائص والمحددات للسّياسة العامّة للدَّولة السعودية الأولى؟
- يمكن حصر ذلك في ثلاثة مبادئ وخصائص من خلال مبادئ الحُكم في الدَّولة السعودية الأولى، حيث كان عهد الإمام محمد بن سعود - مؤسّس الدَّولة السعودية الأولى - الذي تولى الحكم بعد تواترٍ للإمارة من سلالة جده الأمير مانع بن ربيعة المريدي الحنفي البكري الوائلي - مؤسس الدِّرعيّة - يُعدُ مُنعطفاً مُهمّاً جداً في مُجريات الأحداث في الجزيرة العربيّة بشكلٍ عامٍ؛ من خلال فلسفة جديدة للحُكم؛ وهي توحيد الصّفوف، وتبذ الفرقة والنّزاع، فحرص حين تولّى الإمارة على إنهاء الخلافات مع الآخرين، وهذا ما يدلّ على وجود شخصيّة قيادية بارعة ومُختلفة عن الآخرين في سمو فكرها وطموحها وبُعد نظرها، والثاني تمثل في خصائص الدَّولة السعودية الأولى من جانب الامتداد والنّفوذ، فبعد أنْ نشأت الدَّولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود، بدأ بعد عامين يبعث الرسائل إلى العُلماء وزعماء البُلدان والقبائل النَّجديّة للانضمام إلى دولتهِ، وأثمرت هذه الجهود في بعض بُلدان العارض، فانضمت العيينة بزعامة عثمان ابن معمر، كما انضمّت حريملاء بزعامة محمد بن عبد الله المبارك، وبايعت منفوحة بزعامة علي بن مزروع، كما بايعت عرقة والعمارية. وكان انضمام هذه البُلدان عن طواعية، واهتمام بالولاء للدَّولة السعودية الأولى، وثالثة هذه الخصائص للسياسة العامة للدولة السعودية الأولى تمثلت في نظرة الشعوب إلى الدَّولة السعودية الأولى، حيث كان للسياسة الحكيمة التي اتبعها الإمام محمد بن سعود في الدِّرعيّة أثرٌ إيجابي في تَقَبُّلَ الشّعب هذه القيادة الجديدة الطّموحة إلى تحقيق الاستقرار والأمن والأمان والرّخاء والازدهار، ولمسوا تغيّراً في أوضاعهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة نحو الأفضل، فجاءت المظاهر المؤيّدة لهذهِ الدَّولة من أهل الدِّرعيّة والبُلدان المجاورة، وكثر أنصارها في العراق والشام واليمن والهند وغيرها من البُلدان الأخرى.
وسعى الإمام محمد بن سعود بكلِّ جُهدهِ لإحلال السّلام والاستقرار في الوضع الداخلي والخارجي، كلّ ذلك جعل كثيراً من أهل نجد يرحلون إلى الدِّرعيّة ويستقرّون بها، أو يتردّدون عليها بين الحين والآخر.