فرضت قضية موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المقررة في 14 مايو (أيار) المقبل، نفسها بقوة على أجندة تركيا الغارقة بالكامل في كارثة زلزالي 6 فبراير (شباط)، وجهود الخروج منها والبدء في إزالة آثارها في الولايات الإحدى عشرة المنكوبة. وبينما انشغل «تحالف الشعب» الحاكم المؤلف من حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية بالمسألة، ركزت «طاولة الستة» لأحزاب المعارضة على قضية الزلزال ونحّت جانباً أي مسائل سياسية من أجل مناقشة السلبيات التي وقعت في مواجهة الكارثة، وسبل تلافيها وإعداد البلاد لاستقبال أي طوارئ بهذا الحجم حال وصولها إلى السلطة.
وفجّر بيان نشره أحد رفاق إردوغان القدامى جدلاً واسعاً. إذا دعا بولنت أرينتش، وهو أحد أضلاع «حزب العدالة والتنمية» الحاكم عند تأسيسه ورئيس البرلمان الأسبق، إلى تأجيل الانتخابات في الولايات الـ11 التي شملها المرسوم الرئاسي بإعلان حالة الطوارئ فيها لمدة 3 أشهر تنتهي في 7 مايو المقبل، واعتبارها مناطق منكوبة. وقال على «تويتر» الاثنين الماضي، إنه «ليس من الممكن قانونياً وفعلياً في ظل هذه الظروف إجراء الانتخابات. يجب تأجيلها»، موضحاً أن تلك الولايات تضرر فيها أكثر من 15 مليون مواطن، ويمثلها 85 نائباً في البرلمان، وباتت القوائم الانتخابية في هذه المحافظات باطلة، وأصبح من المستحيل قانونياً وفعلياً إجراء انتخابات فيها.
واقترح أرينتش 3 بدائل لإجراء الانتخابات، إما تأجيلها إلى نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وإما إجراؤها مع الانتخابات المحلية المقررة في مارس (آذار) عام 2024، وإما الاتفاق بين جميع الأطراف السياسية في البلاد على موعد يقبلونه جميعا. وفي إشارة إلى المادة الـ78 من الدستور، التي تمنع تأجيل الانتخابات إلا في حالة الحرب، وتشترط موافقة البرلمان على التأجيل، قال أرينتش إن «الدساتير ليست نصوصاً مقدسة، بل يمكن تغييرها».
وأثار بيان أرينتش غضباً في صفوف المعارضة التركية، التي أعلنت رفضها تأجيل الانتخابات، والتمسك بنص المادة 78 من الدستور، محذرة من أن أي محاولة لتأجيل الانتخابات باستغلال كارثة الزلزال سيكون بمثابة انقلاب على الديمقراطية. وأكدت المعارضة تمسكها بالموعد في 14 مايو، الذي أعلنه إردوغان، أو في موعدها الذي كان مقررا في الأساس في 18 يونيو (حزيران).
وكان إردوغان أعلن تقديم موعد الانتخابات إلى 14 مايو لتجنب موسم الإجازات والتنقلات بين المدن والقرى بعد انتهاء الدراسة، وكذلك لتلافي موعد موسم الحج إذا اتجهت الانتخابات الرئاسية إلى جولة ثانية، حال إجراء الانتخابات في موعدها الأصلي 18 يونيو.
إردوغان يرفض التأجيل
وكشفت مصادر قريبة من حزب العدالة والتنمية الحاكم أن تصريحات أرينتش أحدثت ارتباكا، وولدت حالة من الاستياء على أعلى المستويات، وأن الرئيس رجب طيب إردوغان عبّر خلال اجتماع لجنة القرار المركزي للحزب، الأربعاء الماضي، عن غضبه من تصريحات رفيقه ومستشاره السابق، قائلا: «إنها نفس الحكاية في كل مرة... لماذا يتحدث (أرينتش) دائما؟».
وأفادت مصادر لـ«الشرق الأوسط» بأن الرئيس إردوغان، الذي عقد اجتماعا مع نواب حزبه في إسطنبول الأحد، يناقش موعد الانتخابات باستمرار مع كوادر الحزب، وأنه متمسك بموعد 14 مايو، كما أعلن من قبل، لكن أعضاء لجنة القرار المركزي يفضلون العودة إلى الموعد الأصلي للانتخابات في 18 يونيو، وذلك تحسّبا لبعض المشاكل التي قد تظهر في قوائم الناخبين، بينما تستمر عملية إزالة الأنقاض في مناطق الزلزال. وأضافت المصادر أن المسألة تجري مناقشتها مع المجلس الأعلى للانتخابات، لجهة تصويت المواطنين في مناطق الزلزال الذين تم توزيعهم على مدن الخيام والحاويات وبعض السفن، وكذلك الذين غادروا إلى ولايات أخرى، لافتة إلى أن الموضوع طرح أيضا خلال اللقاء بين إردوغان وحليفه دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القومية، الأربعاء الماضي، وتم التشاور حول الموعد الأنسب للانتخابات، والظروف المحيطة بكلا الموعدين، ولم يطرح إطلاقا مسألة التأجيل إلى ما بعد 18 يونيو كأبعد مدى لإجراء الانتخابات.
ونقلت صحيفة «حرييت» القريبة من الحكومة عن مسؤولين في حزب العدالة والتنمية أن الانتخابات لن تؤجل، وأن العملية مستمرة كما هي، وإذا تم إعداد البنية التحتية التقنية اللازمة، فسيتم إجراء الانتخابات في 14 مايو.
ولا يلقى التأجيل ترحيبا من جانب الحزب الحاكم، وسبق أن أعلن المتحدث باسم الحزب، عمر تشيليك، أن الحزب لا علاقة له على الإطلاق بما طرحه أرينتش بشأن تأجيل الانتخابات. ولا يرغب حزب العدالة والتنمية ومعه حزب الحركة القومية، في إفساح المجال للمعارضة لإشعال حرب سياسية تفاقم الأوضاع.
وتبقى الكلمة الأخيرة بشأن تأجيل الانتخابات من عدمه في يد إردوغان، لكن حتى الآن لم يطرأ أي تغيير في جدول عمل لجان الحزب، ويبدو أن موعد 14 مايو سيكون هو الموعد الذي ستتوجه فيه البلاد إلى الانتخابات.
*المعارضة تنحي السياسة
على الجانب الآخر، خلا بيان صدر ليل السبت - الأحد عقب اجتماع لقادة «طاولة الستة» لأحزاب المعارضة من أي إشارة لموضوعات سياسة، أو لمسألة النقاشات الدائرة حول موعد الانتخابات والجدل حولها، وأكد أن الاجتماع ركز بالكامل على كارثة الزلزال.
وكان مقرراً أن يعقد اجتماع في 13 فبراير للإعلان عن اسم المرشح المنافس لإردوغان في انتخابات الرئاسة، لكنه تأجل بسبب كارثة الزلزال التي وقعت فجر 6 فبراير. وجاء في البيان الصادر عن قادة الأحزاب الستة، وهم كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، وميرال أكشينار رئيسة حزب الجيد، وعلي بابا جان رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، وأحمد داود أوغلو رئيس حزب المستقبل، وتمل كارمولا أوغلو رئيس حزب السعادة، وجولتكين أويصال رئيس الحزب الديمقراطي، أن كارثة الزلزال لم تتم إدارتها بشكل جيد، وأن التدخل قد تأخر.
وقال البيان: «نحن ممتنون لجميع أبطالنا العاملين في الميدان... كدولة وكأمة، نشهد واحدة من أكبر الآلام في تاريخنا، ومرة أخرى نسأل الله الرحمة لمواطنينا الذين فقدوا أرواحهم، ونتقدم بتعازينا لذويهم، ونتمنى الشفاء العاجل لمصابينا. نود أن نشكر مؤسساتنا والمسؤولين الذين اضطلعوا بمسؤولياتهم منذ البداية، وحاولوا بذل كل ما في وسعهم، ونعبر عن امتناننا لمنظماتنا غير الحكومية ومواطنينا، ولجميع الدول التي أظهرت التضامن معنا، وجميع أبطالنا المجهولين الذين بذلوا جهداً كبيراً، وقدموا تضحيات عظيمة».
وأضاف البيان «في بلدنا المعروف بأنه بلد زلازل، تسبب إضعاف القدرة المؤسسية لإدارة الكوارث والطوارئ، التي كانت تتبع رئاسة الوزراء، والاستعانة بأشخاص يفتقرون إلى الجدارة في المناصب الرفيعة المستوى، وإعطاء المسؤولية لمن هم غير أهل لها، وإصدار عفو والتصالح مع مخالفات البناء، وتشييد مبان غير مقاومة للزلازل دون طلب أي تقرير، والجشع المفرط في الإيجارات الذي يفتح الباب أمام الفساد في قطاع البناء، في أن تدفع أمتنا فاتورة مميتة».
واعتبرت المعارضة أن الحكومة لم تدر الكارثة بشكل جيد، وأن فقدان الاستقلالية والجدارة والشفافية «أثرت على إدارة الكارثة وعملية الاستجابة للزلازل، فازدادت المعاناة والوفيات والإصابات بشكل كبير بسبب نظام الحكومة الرئاسية، حيث لا يستطيع أي بيروقراطي أخذ زمام المبادرة، وحيث ينتظر الجميع تعليمات من شخص ما (الرئيس إردوغان)». وانتقدت الأحزاب الستة تأخر جهود البحث والإنقاذ، وقالت إنها «لم تكن كافية منذ البداية».
إلى ذلك، انتقد البيان الخطابات «الاستقطابية»، والقرارات المتخذة من مركز واحد، والممارسات «غير العقلانية»، مثل التأخر في إرسال ضباط إنفاذ القانون وعمال المناجم ومعدات البناء إلى الميدان، وإبطاء التسجيل على منصات التواصل الاجتماعي، في إشارة إلى تقييد الوصول إلى «تويتر» في أوائل أيام الكارثة، وعدم إغلاق البورصة، وقال إن هذه القرارات أدّت إلى نتائج غير قابلة للإصلاح، وزادت من تعميق الأزمة.
وأكد البيان على ضرورة حظر بيع المنازل والأراضي للأجانب في مناطق الكوارث، والحفاظ على التركيبة الديموغرافية والاجتماعية أثناء عملية إعادة الإعمار، لا سيما في ولاية هطاي (الحدودية مع سوريا). وقال: «نحن متابعون بشكل خاص لهذه القضية، يجب إصدار هذا القرار على الفور. إن أي حل يحرم شبابنا من حقهم في التعليم الجيد ليس حلاً حقيقياً. من الضروري استخدام طاقة قطاع السياحة والمنازل الخالية في المدن الكبرى لتلبية احتياجات المأوى لضحايا الزلزال، والبدء على الفور في العمل في هذا الاتجاه».
وتعهد قادة الأحزاب الستة بتطبيق ما ورد في خريطة الطريق الخاصة بطاولة الستة تحت عناوين «التحضر» و«إدارة الكوارث»، وبناء إدارة قوية للأزمات على أساس أنه «سيكون هناك زلزال غدا»، وليس على أساس أن «الزلزال لن يحدث على أي حال». كما عبر قادة أحزاب المعارضة الستة عن التعازي للشعب السوري في كارثة الزلزال، ودعوا المجتمع الدولي إلى دعم سوريا في مداواة جراح الزلزال الذي وقع في سوريا.
وقررت الأحزاب المعارضة عقد اجتماعها العادي، الذي كان مقررا في 13 فبراير، في 2 مارس المقبل. ولم يعلن قادة طاولة الستة أي شيء فيما يتعلق بالمرشح الرئاسي المشترك الذي من المقرر أن ينافس إردوغان في الانتخابات الرئاسية، وتترقب الأوساط السياسية الإعلان عنه في الاجتماع المقبل.