عرضت دولة مالي دفعة من طائرات «بيرقدار» التركية المسيّرة، وأعلنت أنها ستكون نقلة جديدة في قدرات جيشها الذي يخوض حرباً شرسة ضد الجماعات المسلحة التابعة لتنظيمي «القاعدة» و«داعش»، التي تسيطر على مناطق في شمال ووسط البلاد.
وقد ظهر وزير الدفاع المالي، العقيد ساديو كمرا، في قاعدة جوية تابعة للجيش المالي بمدينة «غاو» في شمال البلاد، وهو يحتفي بهذه الطائرات المسيّرة التي يقتنيها الجيش المالي لأول مرة، وقال مخاطباً الضباط والجنود في القاعدة العسكرية: «لقد اقتنى الجيش هذه الطائرات المسيّرة من أجل تحقيق السيادة على الأرض، وأطلب منكم الصمود رغم كل الصعوبات التي يمر بها البلد».
وأضاف وزير الدفاع المالي مخاطباً الضباط والجنود: «إن ما نقومُ به من عمل، وإصرارنا على تحقيق أهدافنا، يمنحان الأمل لكل القارة الأفريقية»، وتجوّل الوزير في القاعدة العسكرية الجوية التي لا تزالُ الأشغال مستمرة فيها، لتشييد مدرج، ومركز تحكم في الطائرات المسيّرة، ومرآب للطائرات المقاتلة.
ولم يتحدث الوزير المالي عن عدد الطائرات المسيّرة التي حصلت عليها بلاده ولا طبيعة الصفقة، بينما نشر الجيش صورة تظهر فيها أربع طائرات من طراز بيرقدار (TB2)، وأشار في تقرير منشور عبر موقعه الإلكتروني أمس (الأربعاء) إلى أنه بالإضافة إلى الطائرات المسيّرة التي عرضت في مدينة «غاو»، هنالك طائرات أخرى من الطراز نفسه، سلمت نهاية العام الماضي لقاعدة عسكرية في مدينة «سيفاري»، وسط البلاد.
وتعليقاً على تعزيز الجيش المالي قدراته الجوية بالطائرات المسيّرة التركية، قال الدكتور عبد الصمد مبارك، رئيس مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية والأستاذ بجامعة نواكشوط العصرية، إن ذلك يدخلُ في سياق توجه النظام العسكري الحاكم في مالي نحو «شركاء جدد» في الحرب على الإرهاب.
وقال: «إن الوضع في الساحل بصفة عامة، وفي دولة مالي بصفة خاصة، يعاني من توترات وأزمات متتالية ومتوارثة، تجلت في انعدام الاستقرار السياسي والأمني، وأزمات دستورية فتحت مجالاً وصراعاً مع الشركاء التقليديين، وخصوصاً الحليف الاستراتيجي فرنسا، والنظام الحاكم في مالي بحث عن بدائل متاحة لفرض أمر واقع، وهنا جاء التوجه نحو شركاء جدد من ضمنهم روسيا وتركيا، وبالتالي فإنه منذ أن خرج آخر جندي فرنسي من مالي شهر أغسطس (آب) 2022، كان البديل المتاح هو واجهة (فاغنر) والعتاد التركي».
وأضاف الخبير في الشأن الأفريقي أن هذه الوضعية «أفرزت تعاون الجيش المالي مع (فاغنر) الروسية، بوصفها قوة أمنية يحاول من خلالها الماليون ترتيب الأوراق الداخلية، واستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، وفي الشمال خصوصاً، كما أنه من ضمن هذه التحولات حصول الجيش المالي على مجموعة من طائرات بيرقدار (TB2)، وهي طائرات لها القدرة على تحديد المواقع وتحييد الأهداف بصفة دقيقة».
وقال عبد الصمد مبارك في حديث مع «الشرق الأوسط» بخصوص الطائرات التي وصلت بالفعل إلى شمال مالي: «لا شك أنها ستساعد على تعزيز القدرات العملياتية للقوات المسلحة المالية، كما أنها تعد لاعباً جديداً في الحرب على الإرهاب والتطرف اللذين تعاني منهما المنطقة، كما أنها لا شك ستعطي الثقة للرجال المشاركين في مسرح العمليات، أي الجنود والضباط الموجودين في الخطوط الأمامية».
ولكن حصول الجيش المالي على هذه الطائرات، يطرح أسئلة حول مدى امتلاكه الخبرة الكافية لتسييرها، في وقت قال فيه الجيش إن ضباطاً ماليين هم من سيتولون الأمر، دون أن يكشف أي تفاصيل حول التدريب والتأطير الذي حصل عليه هؤلاء الضباط، وهنا قال الخبير الموريتاني إن «هذه الطائرات لا تزالُ جديدة على الساحة الأفريقية، وخصوصاً منطقة الساحل، ولا شك أن مالي تنقصها التجربة والخبرة لاستخدامها بالطريقة المثالية، ومع ذلك فإنه حسب المعطيات المخابراتية والأمنية والاستراتيجية في المنطقة، ستشكل سلاحاً يعزز الثقة العسكرية لدى الجيش المالي، وبالتالي سيعيد ترتيب الأوراق الأمنية في الميدان».
ليست مالي هي أول دولة في الساحل تقتني الطائرات المسيّرة التركية، فقد سبقتها النيجر بعدة أشهر، حسبما أكدت تقارير كثيرة، أشارت أيضاً إلى أن الطائرة نفسها استُخدمت في ليبيا وتوغو، ولكنها لا تزال محدودة الانتشار في أفريقيا، رغم الرواج الذي لاقته عقب استخدامها في الحرب الأوكرانية.
ومع ذلك يشير الخبير الموريتاني إلى أنه رغم أهمية هذه الطائرات المسيّرة، فإنها قد لا تكون حاسمة بشكل مطلق في الحرب على الإرهاب، مضيفاً أن «الجماعات المتطرفة، سواء القاعدة أو داعش، ستعمل من جانبها على تغيير خططها انطلاقاً من الواقع الجديد على الأرض، ولا شك ستغير أساليب عملها، وربما تغير استراتيجيتها بشكل عام، لأن الجيش المالي اليوم أصبح مدعوماً بقدرات عسكرية لم تكن موجودة في السابق، ومن شأنها أن تفرض معادلة جديدة على الأرض»، على حد تعبيره. وأوضح عبد الصمد مبارك في حديثه مع «الشرق الأوسط» أن كسب الجيش المالي للحرب ضد «القاعدة» و«داعش» مرهون بما سماه «مقاربة متعددة الأبعاد» تتجاوز الحل العسكري وحده، مشيراً إلى أن «مالي تعاني من أزمة أمنية متعددة الأقطاب، من ضمنها ما هو تطرف وإرهاب وجريمة منظمة وتجارة مخدرات، إضافة إلى أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية». وأضاف في السياق ذاته أن «النظام الانتقالي في مالي اليوم، مطالَب أكثر من أي وقت مضى، بفرض العملية الأمنية والتنموية بشكل تكاملي شمولي، وبالتالي يجب أن تحظى جميع مكونات المجتمع المالي بجزء وافر من العملية التنموية؛ لأن ذلك ما سيضمن تحقيق انسجام الجميع داخل بوتقة النظام الانتقالي المالي، فالعملية السياسية في مالي نجاحها مرهون بالأمن والاستقرار والتنمية».
ولكن مالي تعاني من أزمة اجتماعية معقدة، بعد سنوات من حرب أخذت في بعض مراحلها طابعاً عرقياً، جعل بعض مكونات المجتمع في مواجهة مع الدولة المركزية، خصوصاً قبائل الطوارق والفولاني في شمال ووسط البلاد، وظلت اتهامات التصفية العرقية تلاحق الجيش المالي، ويأتي تعاون الجيش مع «فاغنر» وحصوله على العتاد التركي ليرفع المخاوف من ارتكاب انتهاكات جديدة.
الخبير الموريتاني في حديثه مع «الشرق الأوسط»، شدد على أن «النظام الانتقالي في باماكو يتوجب عليه إرسال إشارات طمأنة، تفتح الآفاق لجميع مكونات المجتمع في مالي، حتى تحس بأنها ستجد نفسها وذاتها في هذه الاستراتيجية الشمولية، ذات البعدين الأمني والتنموي، لا بد من مصالحة وطنية».
بعد «فاغنر»... «بيرقدار» التركية تدخل ساحة الحرب في مالي
بعد «فاغنر»... «بيرقدار» التركية تدخل ساحة الحرب في مالي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة