الغضب الشعبي ينفجر في وجه المصارف اللبنانية وإحراق فرعين في بيروت

واشنطن تشتبه بعلاقات مالية بين حاكم «المركزي» اللبناني و«حزب الله»

صرخة مودع أمام فرع أحد المصارف الذي تعرّض للحريق في بيروت أمس (الشرق الأوسط)
صرخة مودع أمام فرع أحد المصارف الذي تعرّض للحريق في بيروت أمس (الشرق الأوسط)
TT

الغضب الشعبي ينفجر في وجه المصارف اللبنانية وإحراق فرعين في بيروت

صرخة مودع أمام فرع أحد المصارف الذي تعرّض للحريق في بيروت أمس (الشرق الأوسط)
صرخة مودع أمام فرع أحد المصارف الذي تعرّض للحريق في بيروت أمس (الشرق الأوسط)

انتقلت أزمة القطاع المصرفي في لبنان إلى مرحلة الاضطراب، وعاد المودعون إلى التحرك بعنف؛ احتجاجاً على ما يعتبرونها قرارات استنسابية للمصارف التي تستمر باحتجاز ودائعهم العالقة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وانفجرت المطالب الشعبية في الشارع أمس على شكل احتجاجات يصفها المصرفيون بـ«السياسية»؛ لتزامنها مع إجراءات قضائية محلية بحق المصارف، وأسفرت التحركات عن إحراق فرعين لمصرفين في بيروت.
ويشهد القطاع المالي في لبنان موجة اضطرابات متصاعدة ومتعددة المصادر، يُخشى أن تفوق بنتائجها الفورية واللاحقة حجم الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنك المركزي والجهاز المصرفي على مدى أكثر من ثلاث سنوات من الانهيارات المتفاقمة في النظام النقدي، وقيمة العملة الوطنية، ومجمل منظومات العمل والخدمات المصرفية، فضلاً عن المصير الملتبس لمدخرات الأفراد والشركات التي تعود لمقيمين وغير مقيمين، وتبلغ حالياً نحو 94 مليار دولار.
وتفرض المصارف اللبنانية منذ بدء الانهيار الاقتصادي في خريف 2019 قيوداً مشددة على سحب الودائع تزايدت شيئاً فشيئاً، حتى بات من شبه المستحيل على المودعين التصرّف بأموالهم، خصوصاً تلك المودعة بالدولار الأميركي أو تحويلها إلى الخارج، في وقت خسرت فيه الليرة نحو 95 في المائة من قيمتها.
وانفجرت التطورات المتلاحقة في الملف المالي في الشارع أمس، حيث حطّم عشرات المحتجين واجهات مصارف، وأحرقوا إطارات في بيروت، وطالت النيران آلتين للصرف الآلي في منطقة بدارو في وسط بيروت، وقالوا إنهم تحركوا احتجاجاً على عجزهم عن سحب ودائعهم العالقة في المصارف منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وشارك العشرات في التحرك الذي دعت إليه جمعية «صرخة المودعين» التي تتصدر في الآونة الأخيرة التحركات القضائية والميدانية ضد المصارف، وأشعل المشاركون النار في فرعي «بنك عودة» و«فرنسبنك» في بدارو، وقام بعض المحتجين برمي الحجارة على أبواب الفروع المصرفية في المنطقة، وحاولوا تكسير الباب الرئيسي. ولاحقا، تجمّع عدد من المودعين أمام منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير في منطقة سن الفيل وأحرقوا الإطارات، ورمى بعضهم الحجارة من فوق الجدران إلى داخل المنزل، المحاط بأسلاك شائكة.
وتزامنت هذه التطورات مع اتهامات قضائية داخلية لمصارف لبنانية بـ«تبييض الأموال»، ومطالبتها برفع السرية المصرفية عن حسابات مسؤولين فيها، ما دفع المصارف لإعلان الإضراب منذ الأسبوع الماضي.
ولاحظت مصادر مصرفية الانكفاء الرسمي شبه المطلق عن محاولة احتواء التحولات الخطرة التي تطرأ بوتيرة متسارعة على المشهدين المالي والنقدي، وتشمل الصعود القياسي اليومي لسعر الدولار، الذي تخطى أمس حاجز 80 ألف ليرة، فيما بادر المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى نفي ما تم تداوله بكلام منسوب إلى مصادره، جاء فيه أن «مصرف لبنان فقد السيطرة على السوق، وأنه قد يكون من الصعب إعادة ضبط الأمور، إلا في حال حصول خطوة سياسية كبيرة».
وبالتوازي، يبقى مشروع قانون وضع الضوابط الاستثنائية على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول) مرهوناً بنجاح الاتصالات لتأمين عقد الجلسة المؤجلة للهيئة العامة للمجلس النيابي في موعد جديد يرجح أن يكون الخميس المقبل، ربطاً بمهل زمنية ضاغطة تعود لمشاريع قوانين تقضي بالتمديد لمراكز أمنية ومدنية.
ويقول مسؤول مصرفي إن هذا التشريع «يمكن أن يشكل سنداً مرجعياً للخروج من دوامة الاتهامات والملاحقات الاستنسابية»، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أنه يحسم جدلية مراعاة «الظروف الاستثنائية» التي يجري تجاوزها في كثير من شكاوى المودعين لدى المحاكم المحلية والخارجية، والتي تحقق مصالح مادية فردية على حساب السيولة المتاحة بحصص شهرية لمجموع المودعين، وفقا للتعاميم التنظيمية الصادرة عن السلطة النقدية.
وفي الأثناء، رُصدت إرباكات صريحة في صفوف مصرفيين كبار بسبب التزامن «المريب» وفق تحليلاتهم بين الاستهدافات المتنوعة، الداخلية والخارجية، التي تصوّب على القطاع المصرفي ومؤسساته، والتي استعادت في بعض تجلياتها، أساليب الاقتحامات وإلحاق الأضرار والحرق بمقرات وأجهزة صرف في بعض الفروع وبعض الأملاك الخاصة (منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير)، لتنذر بمخاوف أمنية حقيقية تتخطى هذه الوقائع المادية. وقالت مصادر مصرفية إن التطورات الأخيرة «تجعل الإضراب المصرفي المعلن لزوم ما لا يلزم، ربطاً بالإقفال القسري المستجد، وما يحمله من ترجيح احتمال تعذر ضخّ السيولة النقدية عبر أجهزة الصرف الآلية».
وكانت المصارف أغلقت أبوابها مرات عدة، وأعلنت جمعية المصارف في السادس من الشهر الحالي إضراباً مفتوحاً، معتبرة أن الأزمة الحالية ليست أزمة مصارف فقط، بل أزمة نظام مالي بأكمله.
وفي سياق تزايد عوامل الاضطراب، برز في المستجدات المثيرة والفائقة الأهمية، رواج معلومات عن عزم وزارة الخزانة الأميركية إقرار عقوبات بحق حاكم البنك المركزي رياض سلامة بشبهة علاقات مالية وتسهيلات لصالح «حزب الله»، مما يهدد بزيادة الهواجس القائمة بشأن المخاطر المرتفعة التي تحيط بانسياب التحويلات والاعتمادات المستندية عبر الحدود، وهو ما يمكن استنباط تأثيره البالغ قياساً بتغطية الاستيراد لنحو 80 في المائة من حركة الاقتصاد والاستهلاك في البلد المأزوم مالياً ونقدياً، حيث تعدّى الإنفاق على الواردات 19 مليار دولار، مقابل صادرات بلغت نحو 3.5 مليار دولار بنهاية العام الماضي.
واكتسبت هذه المعلومات بُعداً استثنائياً في ظل تكثيف الدعاوى وتوجيه الاتهامات القضائية إلى بعض المصارف بتنفيذ عمليات غسل (تبييض) أموال و«جرائم» مالية موصوفة، وذلك تزامناً مع استئناف الهجمات ضد فروع المصارف في بعض المناطق، طبقاً لما أشارت إليه «الشرق الأوسط» في عدد الأمس، علما بأن المصارف مقفلة تماما أمام الزبائن، حيث تنفذ إضراباً عاماً للأسبوع الثاني على التوالي؛ رداً على استهدافها من قِبل جهات قضائية محددة.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

فرنسا: نريد المساهمة في بزوغ لبنان الجديد

الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)
الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)
TT

فرنسا: نريد المساهمة في بزوغ لبنان الجديد

الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)
الرئيس المنتخب جوزيف عون مجتمعاً الأربعاء في قصر بعبدا بوزير خارجية الدنمارك لارس لوك راسموسن (إ.ب.أ)

ثلاث رسائل أساسية يحملها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته القصيرة للبنان الجمعة، وهي الزيارة الثالثة من نوعها بعد الزيارتين اللتين قام بهما بعد حادثة تفجير المرفأ صيف عام 2020؛ وتتناول «سيادته على أراضيه، وإصلاحه اقتصاده لتوفير التنمية والازدهار، والمحافظة على وحدته».

ويحط ماكرون في بيروت وبمعيته وفد رسمي ضيق، يضم وزيري الخارجية والدفاع جان نويل بارو وسيباستيان لو كورنو، ومبعوثه الخاص إلى لبنان الوزير السابق جان إيف لو دريان، وعدداً قليلاً من النواب ومجموعة من الشخصيات التي لديها صلات «خاصة» بلبنان، وهم مدعوون شخصيون لماكرون.

ووفق البرنامج المتوافر، فإن ماكرون سيلتقي العماد عون في قصر بعبدا، بعدها سيتحدث الرئيسان إلى الصحافة. كذلك سيلتقي ماكرون الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي ورئيس الوزراء المكلف نواف سلام الذي سبق لفرنسا أن اقترحته رئيساً لحكومة إصلاحية مقابل انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. وفي سياق اجتماعاته، سيلتقي ماكرون قادة الفينول في مقر السفير الفرنسي في بيروت ورئيسي مجموعة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار «الجنرالين الأميركي والفرنسي» لمراجعة كيفية تطبيق الاتفاق، والعمل على تسريع انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان وانتشار الجيش اللبناني.

تريد باريس أن تكون إلى جانب لبنان اليوم وغداً، كما كانت بالأمس، وهي تعتبر، وفق المصادر الرئاسية، أن لبنان «بلد أكبر من حجمه»، وأنه «يتحلى، في الشرق الأوسط اليوم، بقيم سياسية ورمزية واستراتيجية». وتعتبر هذه المصادر أن «انخراط فرنسا إلى جانب لبنان، اليوم، يمكن أن يتم في ظروف أفضل بعد انتخاب عون وتكليف سلام، وبسبب التطورات التي حصلت في الإقليم». وباختصار، تريد باريس أن «تساهم في بزوغ لبنان الجديد».

يحتل ملف «السيادة» الأولوية في المقاربة الفرنسية، التي تذكر مصادرها بما قامت وتقوم به باريس لمساعدة الجيش اللبناني، إن بالتجهيز أو بالتدريب، أو للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإقامة لجنة المراقبة.

وتركز فرنسا على أهمية تمكين الدولة اللبنانية بفرض الرقابة على حدودها، والسيطرة على كامل أراضيها، معتبرة أن ذلك يعد «جزءاً لا يتجزأ من تنفيذ القرار 1701». وتضيف المصادر، المشار إليها، أن ثمة «فرصة للبنانيين لإظهار أنهم قادرون على ترميم سيادتهم». أما بخصوص الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، فقد قالت المصادر الرئاسية إن باريس تريد أن يتم وفق البرنامج الموضوع له، داعية إسرائيل، و«حزب الله» أيضاً، إلى الالتزام به.

ثمة عنصر آخر أشار إليه قصر الإليزيه، في معرض العمل لسيادة لبنان، ويتمثل في تركيز وزير الخارجية الفرنسي، عند زيارته لدمشق ولقائه أحمد الشرع، على «ضرورة احترام السيادة اللبنانية، وفرض الرقابة على الحدود، ومنع التهريب، وألا تكون سوريا مصدر تهديد لجيرانها»؛ وهي المسائل نفسها التي تناولها ميقاتي في زيارته إلى سوريا مؤخراً.

تقيم باريس فاصلاً بين عودة السيادة وبين دعوة «حزب الله» للتحول إلى حزب سياسي مثل بقية الأحزاب العاملة في لبنان، وهي تدرج هذا التحول في إطار المحافظة على وحدة لبنان. وتقوم القراءة الفرنسية على اعتبار أن «حزب الله» فقد الكثير من قدراته العسكرية ومن قياداته، وخسر استراتيجياً بسبب سقوط نظام الأسد، ويصعب عليه اليوم التزود بالسلاح كما كان الحال في السابق.

وبالنظر لكل هذه التحولات، فقد ذكرت مصادر «الإليزيه» أن الرئيس ماكرون «شجع دوماً (حزب الله) على التحول إلى حزب سياسي، وأنه كان جزءاً من طاولة الحوار التي ترأسها ماكرون في عام 2020، وأن الطريق إلى ذلك يمر عبر التخلي عن سلاحه، والدخول بشكل كامل في اللعبة السياسية» اللبنانية. وترى باريس أنه «بدلاً من ميزان القوى الذي كان سائداً في السابق، فإن المطلوب أن يدخل (حزب الله) في عقد سياسي حكومي، ما يمكن من عودة المؤسسات إلى عملها الطبيعي، ويحافظ على وحدة جميع اللبنانيين».

أما الرسالة الثالثة التي يحملها ماكرون، فعنوانها «رغبة باريس في الاستمرار في مواكبة اللبنانيين ومساعدتهم على القيام بالإصلاحات البنيوية المطلوبة منهم»، التي تمر بداية بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي يعد شرطاً لإعادة إنهاض الاقتصاد اللبناني.

وتعتبر فرنسا أن لا مساعدات للبنان «من غير ترميم الثقة الدولية به»؛ الأمر الذي يحتاج إلى توفير الشفافية و«تنظيف» الاقتصاد. والأهم من ذلك، أن باريس التي تريد العمل من أجل إنهاض الاقتصاد اللبناني، تصر على إجراء الإصلاحات من أجل أن تكون قادرة على تعبئة الأسرة الدولية من أجل مساعدة لبنان. ولدى سؤالها عما إذا كانت فرنسا تحضر لمؤتمر دولي، على غرار الذي دعت إليه الخريف الماضي لدعم الجيش واللبنانيين، لم توفر إجابة واضحة، بل فهم أن فرنسا لن تتردد في القيام بكل مع هو مفيد من أجل مساعدة لبنان.

وأشارت المصادر الفرنسية، أكثر من مرة، إلى العمل المشترك الذي تقوم به باريس بالتشاور والتنسيق مع السعودية، وأيضاً مع الولايات المتحدة، بما في ذلك فريق العمل الذي سيصل إلى البيت الأبيض في «حقائب» دونالد ترمب، مؤكدة أن التشاور «مستمر» مع واشنطن، وأن الطرفين «توصلا إلى رؤية مشتركة» بالنسبة للبنان.