الصيادون في المنطقة الشرقية السعودية يتأهبون لموسم صيد الروبيان

أكثر من 1900 قارب تبدأ الرحلة الشاقة مطلع أغسطس بالسعودية بحثاً عن {كنز البحر}

استعدادات لانطلاق موسم صيد الروبيان بداية أغسطس
استعدادات لانطلاق موسم صيد الروبيان بداية أغسطس
TT

الصيادون في المنطقة الشرقية السعودية يتأهبون لموسم صيد الروبيان

استعدادات لانطلاق موسم صيد الروبيان بداية أغسطس
استعدادات لانطلاق موسم صيد الروبيان بداية أغسطس

يتأهب الصيادون في المنطقة الشرقية بالسعودية لانطلاقة موسم الفسح لصيد الروبيان في بحر الخليج العربي من الجانب السعودي، حيث يبدأ موسم السماح بالصيد في شهر أغسطس (آب) ولمدة 6 أشهر، حيث ينتهي وقت السماح نهاية شهر فبراير (شباط) من العام المقبل.
ويصل عدد القوارب الكبيرة أو ما تعرف بـ(اللنشات) في المنطقة الشرقية إلى 600 قارب فيما يتجاوز عدد القوارب الصغيرة 1300 قارب أو ما يعرف بالزوارق.
وتختلف قدرات الصيد وحجم الكميات والوصول إلى الأعماق للحصول على أفضل الأحجام من هذا المنتج المفضل في السفرة الخليجية، حيث إن القوارب الكبيرة تصل إلى أعماق أكبر مما يجعلها تجوب شاطئ الخليج وتبقى فيه لأيام تصل إلى أسبوع أو أكثر وتعود إلى مراسيها محملة بكميات كبيرة من الصيد على عكس الزوارق الصغيرة التي عادة تعود سريعا إلى مراسيها بعد الصيد اليومي الذي لا يكون ذا جودة قياسا بما يتم صيده عبر القوارب الكبيرة.
ويتركز الصيد في الأسبوع الأول في المناطق القريبة حيث المرافئ بداية من الدمام والخبر والقطيف والجبيل وحتى الخفجي. ويرى مختصون في صيد الروبيان أن كل موسم يشهد في العادة تراجعا في نسبة الصيد قياسا بالموسم الذي يسبقه نتيجة لكثير من العوامل من بينها الردم وفقدان نسب أكبر من الشعب النباتية والمنجروف مما يقلل حجم البيض لتكاثر هذا المنتج البحري.
وأصيب الصيادون بصدمة كبيرة في الموسم الماضي نتيجة التراجع الكبير في الصيد الذي تجاوز 40 في المائة قياسا بالموسم الذي سبقه وهذا ما جعل الأسعار ترتفع بنسب متفاوتة، حيث انخفض العرض وبالتالي لم يلبِّ الطلب المتزايد سواء من الأفراد أو الشركات التي تقوم بتسويقه طوال العام.
ويتوقع أن يكون سعر الروبيان في الشهرين الأولين من موسم الصيد فيما يعرف بـ«البانة» التي تحوي 30 كغم من الأحجام الصغيرة 500 ريال، لكن السعر يكون مضاعفا لنفس الكمية من الأحجام المتوسطة والكبيرة وما يعرف بـ«الجامبو».
ويبدأ الصيادون في صيانة قواربهم قبل شهرين على الأقل من موعد الفسح والترخيص لانطلاقة الموسم، حيث تراوح تكاليف صيانة المراكب ما بين 15 إلى 30 ألف ريال حسب حداثتها واهتمام صاحبها بها، كما يترتب على أصحاب القوارب الكبيرة تسديد أقساط سنوية بقيمة 60 ألف ريال، ولكن هذا الموسم يعتبر الفرصة الأهم لأصحاب هذه المهنة من أجل الإيفاء بكل الالتزامات المترتبة.
ومع أن موسم الروبيان يعتبر (فرصة ذهبية) للصيادين على اعتبار أن الروبيان يعتبر كنز البحر والمنتج الأغلى والأسرع تسويقا إلا أن هناك الكثير من الصعوبات التي يمر بها الصيادون التي يلخصها جعفر الصفواني نائب رئيس جمعية الصيادين بالمنطقة الشرقية في أربع نقاط رئيسية هي مشكلة الصيادين مع الثروة السمكية في تحديد وقت الفسح، مما يتطلب إجراء مناقشات واجتماع الصيادين ووزارة الزراعة، وأيضا حجم الشباك المسموح بها، وأسلوب الصيد ومواقع الصيد، وأيضا بالنسبة للنشات مشكلة السمك المصاحب للربيان وكمية الأسماك التي ترمى بالبحر في حال صيدها دون قصد مع الروبيان، معتبرًا أن ذلك ينبئ بمشكلة خطيرة، مشيرًا إلى وجود اقتراح بتوزيعه مجانا على الجمعيات الخيرية بدلا من إعادته إلى البحر ميتا.
وعن المواقع التي يتوافر فيها الروبيان قال الصفواني: «تعتبر هناك كثافة بصفوى ورحيمة، حيث يوجد أكبر تجمع للروبيان في الفترة الحالية، أما في خليج تاروت فهناك شبه انعدام بسبب أعمال الردم، كما أن هناك نشاطا نسبيا في الصيد من الخبر إلى رأس تنورة مرورا بالدمام.
وتقوم لجنة سداسية مكونة من أمانة المنطقة الشرقية وعضوية وزارة الزراعة وهيئة الأرصاد وحرس الحدود ووزارة المالية وهيئة الحياة الفطرية وإنمائها بمتابعة كل متعلقات هذا الموسم.
وبالعودة إلى الصفواني فقد جدد دعوته إلى توحيد موعد صيد الروبيان بين دول مجلس التعاون، خصوصا البحرين التي تبدأ موسمها قبل أسبوعين من موسم الصيد في السعودية وتنتهي بعده بأسبوعين كذلك، مما يجعل فترة السماح للصيادين في البحرين تصل إلى 7 أشهر مقابل 6 أشهر في السعودية وتحديدا الخليج العربي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)