أزمات الطاقة تفتح أبواب استكشافات الغاز في المنطقة العربية

محللون لـ«الشرق الأوسط»: الطلب سيتفاقم في 2023 والأسعار مرشحة للارتفاع

استمرار استكشافات الغاز خارج القارة الأوروبية وفي الصورة عامل يربط أنبوب نقل غاز بين بلغاريا وصربيا (إ.ب.أ)
استمرار استكشافات الغاز خارج القارة الأوروبية وفي الصورة عامل يربط أنبوب نقل غاز بين بلغاريا وصربيا (إ.ب.أ)
TT

أزمات الطاقة تفتح أبواب استكشافات الغاز في المنطقة العربية

استمرار استكشافات الغاز خارج القارة الأوروبية وفي الصورة عامل يربط أنبوب نقل غاز بين بلغاريا وصربيا (إ.ب.أ)
استمرار استكشافات الغاز خارج القارة الأوروبية وفي الصورة عامل يربط أنبوب نقل غاز بين بلغاريا وصربيا (إ.ب.أ)

دفع النقص العالمي في إمدادات الطاقة، لا سيما في الغاز الطبيعي نتيجة الأزمات الجيوسياسية، وتحديداً الحرب الروسية في أوكرانيا، عدداً من الدول العربية وبلدان المنطقة، إلى فتح الأبواب أمام استكشاف الغاز تحت أراضيها، من أجل الاستفادة من الطلب المرتفع في الوقت الراهن على الغاز، وحاجة دول أوروبا الغربية بالذات إلى أسواق جديدة لتغطية احتياجاتها من الطاقة بدلاً من اعتمادها على الطاقة الروسية، مع تصاعد ضغوطات محاصرة روسيا بسقوف سعرية.
وبرز في عام 2022 مع حالة الصراع الروسي الأوكراني، توجه الدول الأوروبية للبحث عن بديل للغاز الروسي، حتى لو بأسعار مرتفعة، متزامناً مع تخفيف الصين للقيود الصارمة التي فرضتها لمكافحة جائحة «كوفيد - 19». وقلة المعروض العالمي، حيث ساهمت تلك الأزمات مجتمعة، في ارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي.
وتتنبأ التوقعات والمؤشرات الاقتصادية بارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي خلال 2023 مقارنة بمستويات عام 2022، في وقت سرعت عدة دول عربية وشرق أوسطية من جهودها في استكشاف الطاقة والغاز تحت أراضيها، حيث تكللت جهودها في استكشاف عدد من الحقول الغنية بإمدادات الطاقة، قد تغير من بوصلة تصدير وإنتاج الغاز خلال العقد القادم، وتستعرض «الشرق الأوسط» جزءاً من تلك الاستكشافات وأهميتها لمواكبة الطلب العالمي المتزايد على الغاز عالمياً.
- 7 حقول جديدة
ونجحت السعودية خلال 2022 في استكشاف 7 حقول جديدة للغاز الطبيعي على أراضيها، كان آخرها اكتشاف حقلين في المنطقة الشرقية هما «أوتاد» و«الدهناء» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لينضما إلى 5 حقول جديدة تم اكتشافها في العام نفسه، توزعت بين المنطقة الوسطى ومنطقة الربع الخالي ومنطقة الحدود الشمالية والمنطقة الشرقية. كما دشنت السعودية في 2021 أعمال تطوير حقل الجافورة للغاز غير التقليدي (شرق السعودية)، أحد أكبر حقول الغاز على المستوى الدولي، بهدف إنتاج يقدر بملياري قدم مكعبة يومياً من الغاز بحلول 2030. لتصبح البلاد ثالث أكبر منتج عالمي للغاز الطبيعي بنهاية العقد الحالي.
- توسع الاستكشافات
من جانبه، أكد وزير البترول المصري المهندس طارق الملا، في تصريحات إعلامية خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، توجهات الدولة المصرية نحو تعظيم البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي والتوسع فيه، مشيراً إلى خطة التوسع في أنشطة البحث والاستكشاف، التي شملت حتى ديسمبر (كانون الأول) الماضي، طرح 10 مزايدات بإجمالي 105 قطاعات، وتوقيع 108 اتفاقيات بترولية شملت الالتزام بحفر 409 آبار، والتزام باستثمارات بحد أدنى 22 مليار دولار، ومنح توقيع بنحو 1.3. مليار دولار.
يأتي ذلك، فضلاً عن ترسية مناطق بحث واستكشاف بالمنطقة الغربية للبحر المتوسط لأول مرة، وكذلك بالبحر الأحمر لأول مرة، ودخول كبرى الشركات العالمية مثل «إكسون موبيل» و«شيفرون».
وفي آخر اكتشافاتها لحقول الغاز، أعلنت مصر، أخيراً، عن كشف غازي جديد في المنطقة البحرية بالمتوسط، في البئر «نرجس1»، حيث أوضحت شركة الحفر الأميركية «شيفرون» أن تقديراتها للبئر تتراوح بين 3 تريليونات و4 تريليونات قدم مكعب من الغاز.
وحققت مصر رقماً قياسياً في صادرات الغاز الطبيعي، لتصل إلى 8 ملايين طن في عام 2022، مقابل 7 ملايين طن خلال عام 2021. وذلك من 50.6 مليون طن إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي خلال عام 2022.
وبلغت قيمة ما تم تصديره من الغاز الطبيعي خلال العام الماضي، نحو 4.‏8 مليار دولار، بالمقارنة بـنحو 5.‏3 مليار دولار خلال عام 2021 أي بنسبة زيادة 171 في المائة عن 2021، وذلك بسبب زيادة أسعار تصدير الغاز الطبيعي المسال عالمياً.
وشهد مطلع فبراير (شباط) الحالي موافقة مجلس الوزراء المصري على 13 مشروعاً لاتفاقيات التزامات نفطية للهيئة المصرية العامة للبترول، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، وعدد من الشركات العالمية، وذلك تمهيداً لاستكمال الإجراءات التشريعية لاستصدار القوانين المقترحة الخاصة بها، ومن ثم بدء التنقيب عن النفط والغاز.
- ارتفاع الإنتاج
وعلى ضفاف الخليج وبحر العرب، ارتفع إنتاج عمان من الغاز الطبيعي خلال النصف الأول من 2022 إلى 24.84 مليار متر مكعب، محققة نسبة نمو بلغت 4.4 في المائة، مقارنة بالمدة نفسها من 2021.
ووفقاً لبيانات وزارة الطاقة العمانية، صعد إنتاج البلاد من الغاز المصاحب خلال المدة سالفة الذكر إلى 4.88 مليار متر مكعب، كما ارتفع إنتاج الغاز غير المصاحب إلى 19.96 مليار متر مكعب، بزيادة سنوية 8 في المائة و4 في المائة على الترتيب، كما بلغت كمية استهلاك الغاز في عمان خلال الستة أشهر الأولى من 2022 نحو 142.4 مليون متر مكعب يومياً.
وفي آخر اكتشافاتها من حقول الغاز، أعلنت شركة «شل عُمان» لحلول الغاز المتكاملة التابعة لشركة شل العالمية، يوم الأربعاء الماضي، بدء إنتاج الغاز من حقل «مبروك»، متوقعة أن يصل حجم إنتاج الحقل إلى 500 مليون قدم مكعبة يوميَّاً من الغاز الطبيعي بحلول منتصف عام 2024.
- 40 ملياراً للتنقيب
وفي شمال أفريقيا، رصدت الجزائر ميزانية ضخمة تقارب 40 مليار دولار، لزيادة حجم الإنتاج والتنقيب والبحث عن البترول والغاز، خلال الفترة من 2022 إلى 2026. وفق بيانات وزارة الطاقة الجزائرية، مبينة أنها حققت «رقماً قياسياً» في عام 2022 في صادرات الغاز الطبيعي بعد ارتفاع الصادرات بنحو 56 مليار متر مكعب.
وأشارت الوزارة إلى أن خطتها الاستراتيجية تستهدف زيادة الإنتاج لتأمين الطلب المحلي المتنامي وزيادة الصادرات، كما أنها تخطط لبرنامج استثماري طموح للغاية في مجال المحروقات يقدر بأكثر من 40 مليار دولار، سواء في الاستكشاف أو الإنتاج أو البنية التحتية للنقل، لافتة إلى أن استثماراتها في قطاع النفط والغاز، ستسمح بالحفاظ على مستوى إنتاج الغاز الطبيعي لأكثر من 110 مليارات متر مكعب سنوياً؛ منها أكثر من 50 في المائة ستوَجه للتصدير.
- موريتانيا للتنقيب
وحتى دولة موريتانيا، انطلقت في الاتجاه ذاته، للتنقيب مع مقدرات البلاد من الغاز، إذ منحت مؤخراً شركة «توتال إنيرجي» حقوق التنقيب عن النفط والغاز بالحوض الساحلي، ضمن استراتيجيتها لتطوير مواردها الهيدروكربونية.
وقالت وزارة البترول والمعادن والطاقة إن مجلس الوزراء وافق، على مشروع قانون يقضي بالمصادقة على الاستكشاف والإنتاج المتعلق بالمربع سي 15 من الحوض الساحلي.
- غاز غير عربي
وبعيداً عن أرض العرب، لكن في المنطقة، أعلنت تركيا ديسمبر (كانون الأول) الماضي استكشافات جديدة لحقول من الغاز الطبيعي في البحر الأسود، ووصل الحجم الإجمالي للغاز الطبيعي المكتشف إلى 710 مليارات متر مكعب بعد العثور على حقل جديد بحجم 58 مليار متر مكعب في حقل شايجوما - 1، بالإضافة إلى الاكتشاف السابق في حقل صقاريا والمقدر بـ652 مليار متر مكعب. ووفق بيانات وزارة الطاقة التركية، رفعت الاكتشافات الجديدة احتياطات البلاد في البحر الأسود بمقدار 170 مليار متر مكعب إلى 710 مليارات متر مكعب، مشيرة إلى أنها على مسار بدء الإنتاج من حقل صقاريا في 2023.
وفي شرق آسيا، دخلت إندونيسيا على الخط، في سعيها لتسجيل اكتشافات جديدة في استخراج النفط والغاز من تحت أراضيها، وأعلنت مؤخراً هدفها للاستثمار في أعمال التنقيب واستخراج النفط والغاز بقيمة 15.5 مليار دولار العام الحالي 2023. مقارنة بـ12.3 مليار دولار في 2022. وفق ما قالته الجهة المنظمة لخدمات النفط والغاز في البلاد، والمعروفة باسم «إس كيه كيه ميجاس»، في بيان لها.
- العالم يحتاج المزيد
من جهته، قال مستشار الطاقة الدولي الدكتور محمد الصبان، إن العالم بحاجة إلى مزيد من إمدادات الغاز في ظل الأزمة العالمية للطاقة، مبيناً أن هذه الأزمة ستتفاقم في الفترة المقبلة، نتيجة للتحيز العالمي ضد النفط بحجة مساهمته في زيادة درجة حرارة الغلاف الجوي وفرض ضرائب على المنتجات النفطية باسم الضرائب الكربونية مقابل إعفاء الفحم من تلك الضرائب، وهو أشد تلويثاً للبيئة، وكذلك نقص الاستثمارات في الوقود الأحفوري.
وأضاف الدكتور الصبان، أن أسعار الغاز والطلب العالمي مرشحة أن تأخذ منحنى مرتفعاً خلال الفترة المقبلة، مهما حاولت الدول المنتجة، رفع طاقتها الإنتاجية من الغاز، لافتاً إلى أن حاجة الدول الأوروبية بالذات من الغاز أعلى من الطاقة الإنتاجية للدول المنتجة الحالية، ولن تكفيها خصوصاً في ظل الشتاء القارس، الذي تمر به دول الاتحاد الأوروبي، واصفاً القرار الأوروبي بحظر الغاز الروسي، بأنه خطأ اقتصادي وسيؤثر سلباً على دول الاتحاد الأوروبي، ولن تستطيع الحصول على حاجتها والكميات الكافية من الغاز والطاقة.
- أسواق بديلة
وتابع الصبان، أنه في ظل بحث الدول الأوروبية عن أسواق بديله للغاز والطاقة، إلا أنها لن تصل للاكتفاء، بسبب تزايد الطلب على الطاقة، ورفع القيود المتعلقة بـ«كوفيد - 19» في الصين، وعودة عجلة الاقتصاد الصيني مرة أخرى للانتعاش، وكذلك ارتفاع النمو الاقتصادي في الهند وعدد من الدول الأخرى، لافتاً إلى أن محدودية الاستكشافات الحالية ومحدودية المعروض العالمي سيؤدي إلى وجود نقص حقيقي في إمدادات كل من الغاز والنفط وارتفاع أسعارهما عالمياً خلال العام الحالي.
وأرّجع الصبان، توجه عدد من الدول نحو استكشاف المزيد من الغاز تحت أراضيها، إلى تزايد الطلب على الغاز في الفترة المقبلة، لكونه أقل انبعاثاً لغازات الاحتباس الحراري، مقارنة بالفحم في توليد الكهرباء، وكذلك تزايد الطلب عليه بشكل كبير، في كل دول العالم بما فيها الدول الأوروبية والأميركية والصين والهند. مشيراً إلى أن زيادة عدد الاستكشافات في السعودية عبر حقول الجافورة، ومدين، وضبا، وغيرها، تُعد عوامل مبشرة بالنسبة لتحول السعودية إلى مصدر للغاز، وتحولها من سد حاجتها على اللقيم الأساسي للبتروكيماويات إلى مصدر مستقبلي للغاز مثل قطر والجزائر وغيرها.
- تعبئة المخزون
من جانبه، يرى خبير اقتصاديات الطاقة الدكتور فهد بن جمعة، أن الطلب على الغاز سيرتفع في النصف الثاني من العام الحالي 2023 مع إعادة تعبئة المخزونات، مشيراً إلى أنه سوف تنخفض كميات الغاز خلال هذا الشتاء، مما سيدعم ارتفاع أسعاره في الأسواق العالمية.
وعدّ ابن جمعة، الأزمة الروسية الأوكرانية بأنها أكبر مسببات ارتفاع الطلب على الغاز وارتفاع الأسعار، مضيفاً أنها تسببت في حظر نفط أكبر مورد للغاز إلى أوروبا وبأقل التكاليف، لافتاً إلى أن توجه الدول الأوروبية إلى موردين آخرين، فرصة ثمينة للدول المنتجة، وسيعزز من مكانة دول مثل السعودية، وقطر، وعمان، والعراق، والجزائر، وغيرها في التوسع من إنتاج الغاز وتوجيهه إلى أوروبا.
ووصف ابن جمعة، الحظر الأوروبي على الغاز الروسي ومحاولتها عدم الاعتماد على مورد واحد، بأنه فرصة كبيرة للدول المنتجة للغاز، بأن تزيد استثماراتها وطاقاتها الإنتاجية لتزويد هذه الدول بالمزيد من الغاز، مما سيعظم عوائدها الاستثمارية عند أسعار مرتفعة.


مقالات ذات صلة

الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

الاقتصاد ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء المخصصة لإقرار ميزانية عام 2025 (واس) play-circle 00:51

الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

جاء إعلان السعودية عن ميزانية العام المالي 2025 التي أقرّها مجلس الوزراء السعودي ليظهر مدى توسع الاقتصاد السعودي.

مساعد الزياني (الرياض) عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد ولي العهد يوقِّع على الميزانية العامة للعام المالي 2025 (واس) play-circle 00:51

محمد بن سلمان: ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد السعودية

قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد المملكة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)

السعودية توسّع صفقاتها للمشاركة في سلاسل التوريد العالمية

تتجه السعودية إلى زيادة الوصول للمواد الأساسية، وتوفير التصنيع المحلي، وتعزيز الاستدامة، والمشاركة في سلاسل التوريد العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص الأمير سعود ووزير الصناعة خلال حفل الهيئة (إمارة منطقة مكة المكرمة)

خاص وزير الصناعة السعودي: هيئة المساحة ستلعب دوراً محورياً في السنوات الـ25 المقبلة في التعدين

تلعب هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية دوراً حيوياً في الكشف عن مخزونات الأرض من الفلزات، التي تشمل الذهب والزنك والنحاس.

سعيد الأبيض (جدة)
الاقتصاد جانب من العاصمة السعودية الرياض (واس)

صفقات «جسري» السعودية تتخطى 9.3 مليار دولار

أعلنت السعودية توقيع 9 صفقات استثمارية بقيمة تزيد على 35 مليار ريال (9.3 مليار دولار)، ضمن «المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية (جسري)».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

TT

الميزانية السعودية 2025... نمو مستدام مدعوم بالإصلاحات الاقتصادية

ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء المخصصة لإقرار ميزانية عام 2025 (واس)
ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء المخصصة لإقرار ميزانية عام 2025 (واس)

جاء إعلان السعودية عن ميزانية العام المالي 2025، التي أقرّها مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بنفقات 1.285 تريليون ريال (342.6 مليار دولار)، ليظهر مدى توسع الاقتصاد السعودي، وانعكاساً على تغير ديناميكية وهيكلة الاقتصاد في المملكة، حيث تواصل البلاد المضي نحو رحلة «رؤية 2030»، وذلك من خلال تحقيق المستهدفات والمحافظة على المكتسبات.

وتتوقع السعودية إيرادات بقيمة 1.184 تريليون ريال (315.7 مليار دولار)، وبعجز 101 مليار ريال (26.9 مليار دولار) بانخفاض قدره 12 في المائة عن العجز المتوقع لهذا العام.

وأكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أن «المواطن السعودي هو المحرك الرئيس للتنمية وأداتها الفعالة، وشباب وشابات هذه البلاد هم عماد الإنجاز والمستقبل»، وذلك وفقاً لما جاء في مستهل البيان الختامي لميزانية عام 2025.

رحلة «رؤية 2030»

وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن ولي العهد وجّه الوزراء والمسؤولين، كلاً فيما يخصه، بالالتزام بتنفيذ ما تضمنته الميزانية من برامج واستراتيجيات ومشاريع تنموية واجتماعية ضمن رحلة «رؤية 2030».

وقال الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، إن ميزانية 2025 تؤكد العزم على تعزيز قوة ومتانة ومرونة اقتصاد المملكة، وهو ينمو بوتيرة متسارعة، ويُوجد فرصاً غير مسبوقة، من خلال المحافظة على مستويات مستدامة من الدَّيْن العام واحتياطيات حكومية معتبرة، إضافةً إلى سياسة إنفاق مرنة تمكّنها من مواجهة التحديات والتقلبات في الاقتصاد العالمي.

وشدّد ولي العهد، عقب إقرار مجلس الوزراء ميزانية العام المالي لعام 2025، على أن الإصلاحات المالية التي نفّذتها المملكة انعكست إيجابياً على تصنيفاتها الائتمانية؛ نتيجة تبني الحكومة سياسات مالية تسهم في المحافظة على الاستدامة المالية وكفاءة التخطيط المالي.

وأشار محمد بن سلمان إلى أن ميزانية العام المالي 2025 تؤكد استهداف حكومة المملكة الاستمرار في عملية تنفيذ الإصلاحات التنظيمية والهيكلية وتطوير السياسات الهادفة إلى الارتقاء بمستوى المعيشة وتمكين القطاع الخاص وبيئة الأعمال، والعمل على إعداد خطة سنوية للاقتراض وفق استراتيجية الدين متوسطة المدى التي تهدف إلى الحفاظ على استدامة الدين وتنويع مصادر التمويل بين محلية وخارجية والوصول إلى أسواق الدين العالمية.

ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)

ونوّه بالدور المحوري للمملكة في دعم الاستقرار الاقتصادي والمالي إقليمياً وعالمياً، انطلاقاً من متانة اقتصادها القادر على تجاوز التحديات.

دعم النمو

وأوضح ولي العهد أن الحكومة ملتزمة مواصلة دعم النمو الاقتصادي من خلال الإنفاق التحولي مع الحفاظ على الاستدامة المالية على المديين المتوسط والطويل، وتواصل الحكومة تعزيز دور القطاع الخاص وتمكينه ليصبح المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي من خلال توفير البيئة الاستثمارية المحفّزة، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتكوين قطاع عمل قوي وواعد يعزز قدرات الكوادر البشرية في المشاريع المختلفة، ويُمكّن الحكومة من مواصلة العمل على تعزيز نموها الاقتصادي، بما يحقق للاقتصاد استدامةً مالية، واستمرارية المشاريع ذات العائدَين الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى مواصلة العمل على تحقيق وتنفيذ البرامج والمبادرات المتعلقة بتطوير البنية التحتية، ورفع جودة الخدمات الأساسية المقدَّمة للمواطنين والمقيمين والزائرين.

وقال ولي العهد: «إن الاقتصاد السعودي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، ويتأثر بالتطورات العالمية كأي اقتصاد آخر؛ وهذا ما يدعونا إلى مواصلة العمل على مواجهة أي تحديات أو متغيرات عالمية عبر التخطيط المالي طويل المدى للاستمرار على وتيرتنا المتصاعدة نحو تحقيق وتنفيذ البرامج والمبادرات، مع الالتزام بكفاءة الإنفاق، والتنفيذ المتقن والشفاف لجميع البنود الواردة في الميزانية، وإتمام البرامج والمشاريع المخطط لها في برامج (رؤية السعودية 2030) والاستراتيجيات الوطنية والقطاعية».

ولي العهد مترئساً جلسة مجلس الوزراء (واس)

وقال إن المؤشرات الإيجابية للاقتصاد السعودي تأتي امتداداً للإصلاحات المستمرة في المملكة في ظل «رؤية 2030»؛ إذ يقدر أن تسجل المملكة ثاني أسرع معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بين الاقتصادات الكبرى خلال العام المقبل عند 4.6 في المائة، مدفوعةً باستمرار ارتفاع مساهمة الأنشطة غير النفطية التي بلغت مستوى قياسياً جديداً لها خلال عام 2024 عند 52 في المائة، وانخفض معدل بطالة السعوديين إلى مستوى قياسي بلغ 7.1 في المائة حتى الربع الثاني، وهو الأدنى تاريخياً، مقترباً من مستهدف 2030 عند 7 في المائة.

كما ارتفع معدل مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل ليصل إلى 35.4 في المائة حتى الربع الثاني متجاوزاً مستهدف الرؤية البالغ 30 في المائة، وبلغ صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي 21.2 مليار ريال (5.6 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام الحالي، ويعكس ذلك اهتمام حكومة خادم الحرمين الشريفين بجميع فئات المجتمع.

المملكة تسير على نهجٍ واضح

ولفت ولي العهد إلى الدور المحوري لصندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني والصناديق التنموية التابعة له في دعم الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة، كما يمثل الصندوقان قوة فاعلة لتنويع الاقتصاد والاستثمار في المملكة، بما يحقق مستهدفات «رؤية المملكة 2030».

وأضاف: «إن المملكة تسير على نهجٍ واضح، وهدف حكومتها - بقيادة وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين - في المقام الأول هو خدمة المواطنين والمقيمين، والمحافظة على مكتسباتنا التنموية، والاستمرار في أعمالنا الإنسانية في الداخل والخارج، التزاماً بتعاليم ديننا الحنيف، ومواصلة العمل بكل الموارد والطاقات لتحقيق أهدافنا، مستعينين بالله - عز وجل - ومتوكلين عليه، وواثقين بطاقات وقدرات أبناء وبنات هذه البلاد الذين تسابقوا على الابتكار والإنتاج والإسهام في تحقيق رؤيتنا للوصول إلى مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح».

زيادة الإنفاق التحولي

وبحسب بيان الميزانية، تسعى الحكومة السعودية إلى مواصلة دعم النمو الاقتصادي وتعزيز مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين من خلال زيادة الإنفاق التحولي، مع الحفاظ على الاستدامة المالية.

وتشير التوقعات إلى استمرار الاقتصاد السعودي في تسجيل معدلات نمو إيجابية خلال عام 2024، وعلى المدى المتوسط، بفضل الإصلاحات الهيكلية المرتبطة بـ«رؤية السعودية 2030». هذه الإصلاحات أسهمت في تنويع القاعدة الاقتصادية، واستغلال فرص النمو المحتمل، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة، إضافة إلى تعزيز دور القطاع الخاص ودعم نمو القطاعات الواعدة.

وبحسب ما ورد في البيان، فإنه على الرغم من التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد العالمي بسبب التشديد النقدي لكبح التضخم والتقلبات الجيوسياسية، أظهرت توقعات المنظمات الدولية تفاؤلاً بأداء الاقتصاد السعودي، حيث من المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً بنسبة 0.8 في المائة في عام 2024، مدعوماً بنمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 3.7 في المائة، ما يعزز هذا الأداء المؤشرات الإيجابية للنصف الأول من العام الحالي، خاصة تلك المرتبطة بالاستهلاك والاستثمار الخاص.

كما انعكس النمو غير النفطي بشكل واضح في سوق العمل، حيث ارتفع عدد العاملين السعوديين في القطاع الخاص بنسبة 4.1 في المائة بنهاية الربع الثاني من عام 2024، بإضافة نحو 92 ألف وظيفة، مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. هذا الأداء يعكس التزام المملكة بتنفيذ استراتيجياتها لتحقيق نمو مستدام على المدى المتوسط.

التوسع في الإنفاق الاستثماري

وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن ميزانية عام 2025 تستهدف مواصلة التوسع في الإنفاق الاستراتيجي على المشاريع التنموية، وفق الاستراتيجيات القطاعية وبرامج «رؤية المملكة 2030»، واستمرار تنفيذ البرامج والمشاريع ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المستدام، وتطوير بيئة الأعمال لتعزيز جاذبيتها، والمساهمة في تحسين الميزان التجاري للمملكة، وزيادة حجم ونوع الاستثمارات المحلية والأجنبية.

وشدّد في مؤتمر صحافي، عقب إقرار ميزانية عام 2025، على أن الحكومة استمرت في الإنفاق التوسعي لما يحمل من أثر إيجابي للمواطن.

ولفت إلى أن اقتصاد المملكة وصل لمرحلة لا تؤثر فيه التقلبات التي تحدث في أسواق النفط كما كانت في السابق.

وزير المالية في مؤتمر صحافي عقب إقرار مجلس الوزراء ميزانية 2025 (الشرق الأوسط)

وقال إن 3.7 في المائة هو النمو المتوقع بالاقتصاد غير النفطي بنهاية 2024، موضحاً أن الأنشطة غير النفطية ساهمت في الناتج المحلي بنسبة 52 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وكاشفاً نمو الإيرادات غير النفطية بنسبة 154 في المائة منذ إطلاق «رؤية المملكة 2030».

وقال إن مساهمة النفط في الناتج المحلي اليوم هو 28 في المائة. وأضاف أن الناتج المحلي الاسمي وصل إلى 4.1 تريليون ريال.

وأفصح عن ارتفاع مساهمة الاستثمار الخاص في الناتج المحلي من 16 في المائة في عام 2016 إلى 24.7 في المائة حالياً، وأن قطاع الصناعة يستهدف جذب 30 مليار ريال (8 مليارات دولار) استثمارات في عام 2025، وتقديم تسهيلات ائتمانية للمصدرين السعوديين بقيمة 12.3 مليار ريال (3.2 مليار دولار) في العام المقبل، مؤكداً أن السياحة تعدّ ثاني أكثر العوامل تأثيراً على ميزان المدفوعات بعد ‫النفط.

وشدّد على أن المؤشرات الاقتصادية تدعو إلى التفاؤل. وقال: «هناك قفزة بعدد الشركات الصغيرة والمتوسطة بفضل الإنفاق الحكومي... نواصل الالتزام بالتحفظ عند إعداد الميزانية. وأرقام الإيرادات دليل على ذلك».

ولفت إلى أن تغيرات هيكلية في اقتصاد المملكة بدأت تظهر نتائجها، كاشفاً أن 33 في المائة هي نسبة ارتفاع في الإنفاق على الاستراتيجيات وبرامج تحقيق «رؤية 2030».