أزمات الطاقة تفتح أبواب استكشافات الغاز في المنطقة العربية

محللون لـ«الشرق الأوسط»: الطلب سيتفاقم في 2023 والأسعار مرشحة للارتفاع

استمرار استكشافات الغاز خارج القارة الأوروبية وفي الصورة عامل يربط أنبوب نقل غاز بين بلغاريا وصربيا (إ.ب.أ)
استمرار استكشافات الغاز خارج القارة الأوروبية وفي الصورة عامل يربط أنبوب نقل غاز بين بلغاريا وصربيا (إ.ب.أ)
TT

أزمات الطاقة تفتح أبواب استكشافات الغاز في المنطقة العربية

استمرار استكشافات الغاز خارج القارة الأوروبية وفي الصورة عامل يربط أنبوب نقل غاز بين بلغاريا وصربيا (إ.ب.أ)
استمرار استكشافات الغاز خارج القارة الأوروبية وفي الصورة عامل يربط أنبوب نقل غاز بين بلغاريا وصربيا (إ.ب.أ)

دفع النقص العالمي في إمدادات الطاقة، لا سيما في الغاز الطبيعي نتيجة الأزمات الجيوسياسية، وتحديداً الحرب الروسية في أوكرانيا، عدداً من الدول العربية وبلدان المنطقة، إلى فتح الأبواب أمام استكشاف الغاز تحت أراضيها، من أجل الاستفادة من الطلب المرتفع في الوقت الراهن على الغاز، وحاجة دول أوروبا الغربية بالذات إلى أسواق جديدة لتغطية احتياجاتها من الطاقة بدلاً من اعتمادها على الطاقة الروسية، مع تصاعد ضغوطات محاصرة روسيا بسقوف سعرية.
وبرز في عام 2022 مع حالة الصراع الروسي الأوكراني، توجه الدول الأوروبية للبحث عن بديل للغاز الروسي، حتى لو بأسعار مرتفعة، متزامناً مع تخفيف الصين للقيود الصارمة التي فرضتها لمكافحة جائحة «كوفيد - 19». وقلة المعروض العالمي، حيث ساهمت تلك الأزمات مجتمعة، في ارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي.
وتتنبأ التوقعات والمؤشرات الاقتصادية بارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي خلال 2023 مقارنة بمستويات عام 2022، في وقت سرعت عدة دول عربية وشرق أوسطية من جهودها في استكشاف الطاقة والغاز تحت أراضيها، حيث تكللت جهودها في استكشاف عدد من الحقول الغنية بإمدادات الطاقة، قد تغير من بوصلة تصدير وإنتاج الغاز خلال العقد القادم، وتستعرض «الشرق الأوسط» جزءاً من تلك الاستكشافات وأهميتها لمواكبة الطلب العالمي المتزايد على الغاز عالمياً.
- 7 حقول جديدة
ونجحت السعودية خلال 2022 في استكشاف 7 حقول جديدة للغاز الطبيعي على أراضيها، كان آخرها اكتشاف حقلين في المنطقة الشرقية هما «أوتاد» و«الدهناء» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لينضما إلى 5 حقول جديدة تم اكتشافها في العام نفسه، توزعت بين المنطقة الوسطى ومنطقة الربع الخالي ومنطقة الحدود الشمالية والمنطقة الشرقية. كما دشنت السعودية في 2021 أعمال تطوير حقل الجافورة للغاز غير التقليدي (شرق السعودية)، أحد أكبر حقول الغاز على المستوى الدولي، بهدف إنتاج يقدر بملياري قدم مكعبة يومياً من الغاز بحلول 2030. لتصبح البلاد ثالث أكبر منتج عالمي للغاز الطبيعي بنهاية العقد الحالي.
- توسع الاستكشافات
من جانبه، أكد وزير البترول المصري المهندس طارق الملا، في تصريحات إعلامية خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، توجهات الدولة المصرية نحو تعظيم البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي والتوسع فيه، مشيراً إلى خطة التوسع في أنشطة البحث والاستكشاف، التي شملت حتى ديسمبر (كانون الأول) الماضي، طرح 10 مزايدات بإجمالي 105 قطاعات، وتوقيع 108 اتفاقيات بترولية شملت الالتزام بحفر 409 آبار، والتزام باستثمارات بحد أدنى 22 مليار دولار، ومنح توقيع بنحو 1.3. مليار دولار.
يأتي ذلك، فضلاً عن ترسية مناطق بحث واستكشاف بالمنطقة الغربية للبحر المتوسط لأول مرة، وكذلك بالبحر الأحمر لأول مرة، ودخول كبرى الشركات العالمية مثل «إكسون موبيل» و«شيفرون».
وفي آخر اكتشافاتها لحقول الغاز، أعلنت مصر، أخيراً، عن كشف غازي جديد في المنطقة البحرية بالمتوسط، في البئر «نرجس1»، حيث أوضحت شركة الحفر الأميركية «شيفرون» أن تقديراتها للبئر تتراوح بين 3 تريليونات و4 تريليونات قدم مكعب من الغاز.
وحققت مصر رقماً قياسياً في صادرات الغاز الطبيعي، لتصل إلى 8 ملايين طن في عام 2022، مقابل 7 ملايين طن خلال عام 2021. وذلك من 50.6 مليون طن إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي خلال عام 2022.
وبلغت قيمة ما تم تصديره من الغاز الطبيعي خلال العام الماضي، نحو 4.‏8 مليار دولار، بالمقارنة بـنحو 5.‏3 مليار دولار خلال عام 2021 أي بنسبة زيادة 171 في المائة عن 2021، وذلك بسبب زيادة أسعار تصدير الغاز الطبيعي المسال عالمياً.
وشهد مطلع فبراير (شباط) الحالي موافقة مجلس الوزراء المصري على 13 مشروعاً لاتفاقيات التزامات نفطية للهيئة المصرية العامة للبترول، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، وعدد من الشركات العالمية، وذلك تمهيداً لاستكمال الإجراءات التشريعية لاستصدار القوانين المقترحة الخاصة بها، ومن ثم بدء التنقيب عن النفط والغاز.
- ارتفاع الإنتاج
وعلى ضفاف الخليج وبحر العرب، ارتفع إنتاج عمان من الغاز الطبيعي خلال النصف الأول من 2022 إلى 24.84 مليار متر مكعب، محققة نسبة نمو بلغت 4.4 في المائة، مقارنة بالمدة نفسها من 2021.
ووفقاً لبيانات وزارة الطاقة العمانية، صعد إنتاج البلاد من الغاز المصاحب خلال المدة سالفة الذكر إلى 4.88 مليار متر مكعب، كما ارتفع إنتاج الغاز غير المصاحب إلى 19.96 مليار متر مكعب، بزيادة سنوية 8 في المائة و4 في المائة على الترتيب، كما بلغت كمية استهلاك الغاز في عمان خلال الستة أشهر الأولى من 2022 نحو 142.4 مليون متر مكعب يومياً.
وفي آخر اكتشافاتها من حقول الغاز، أعلنت شركة «شل عُمان» لحلول الغاز المتكاملة التابعة لشركة شل العالمية، يوم الأربعاء الماضي، بدء إنتاج الغاز من حقل «مبروك»، متوقعة أن يصل حجم إنتاج الحقل إلى 500 مليون قدم مكعبة يوميَّاً من الغاز الطبيعي بحلول منتصف عام 2024.
- 40 ملياراً للتنقيب
وفي شمال أفريقيا، رصدت الجزائر ميزانية ضخمة تقارب 40 مليار دولار، لزيادة حجم الإنتاج والتنقيب والبحث عن البترول والغاز، خلال الفترة من 2022 إلى 2026. وفق بيانات وزارة الطاقة الجزائرية، مبينة أنها حققت «رقماً قياسياً» في عام 2022 في صادرات الغاز الطبيعي بعد ارتفاع الصادرات بنحو 56 مليار متر مكعب.
وأشارت الوزارة إلى أن خطتها الاستراتيجية تستهدف زيادة الإنتاج لتأمين الطلب المحلي المتنامي وزيادة الصادرات، كما أنها تخطط لبرنامج استثماري طموح للغاية في مجال المحروقات يقدر بأكثر من 40 مليار دولار، سواء في الاستكشاف أو الإنتاج أو البنية التحتية للنقل، لافتة إلى أن استثماراتها في قطاع النفط والغاز، ستسمح بالحفاظ على مستوى إنتاج الغاز الطبيعي لأكثر من 110 مليارات متر مكعب سنوياً؛ منها أكثر من 50 في المائة ستوَجه للتصدير.
- موريتانيا للتنقيب
وحتى دولة موريتانيا، انطلقت في الاتجاه ذاته، للتنقيب مع مقدرات البلاد من الغاز، إذ منحت مؤخراً شركة «توتال إنيرجي» حقوق التنقيب عن النفط والغاز بالحوض الساحلي، ضمن استراتيجيتها لتطوير مواردها الهيدروكربونية.
وقالت وزارة البترول والمعادن والطاقة إن مجلس الوزراء وافق، على مشروع قانون يقضي بالمصادقة على الاستكشاف والإنتاج المتعلق بالمربع سي 15 من الحوض الساحلي.
- غاز غير عربي
وبعيداً عن أرض العرب، لكن في المنطقة، أعلنت تركيا ديسمبر (كانون الأول) الماضي استكشافات جديدة لحقول من الغاز الطبيعي في البحر الأسود، ووصل الحجم الإجمالي للغاز الطبيعي المكتشف إلى 710 مليارات متر مكعب بعد العثور على حقل جديد بحجم 58 مليار متر مكعب في حقل شايجوما - 1، بالإضافة إلى الاكتشاف السابق في حقل صقاريا والمقدر بـ652 مليار متر مكعب. ووفق بيانات وزارة الطاقة التركية، رفعت الاكتشافات الجديدة احتياطات البلاد في البحر الأسود بمقدار 170 مليار متر مكعب إلى 710 مليارات متر مكعب، مشيرة إلى أنها على مسار بدء الإنتاج من حقل صقاريا في 2023.
وفي شرق آسيا، دخلت إندونيسيا على الخط، في سعيها لتسجيل اكتشافات جديدة في استخراج النفط والغاز من تحت أراضيها، وأعلنت مؤخراً هدفها للاستثمار في أعمال التنقيب واستخراج النفط والغاز بقيمة 15.5 مليار دولار العام الحالي 2023. مقارنة بـ12.3 مليار دولار في 2022. وفق ما قالته الجهة المنظمة لخدمات النفط والغاز في البلاد، والمعروفة باسم «إس كيه كيه ميجاس»، في بيان لها.
- العالم يحتاج المزيد
من جهته، قال مستشار الطاقة الدولي الدكتور محمد الصبان، إن العالم بحاجة إلى مزيد من إمدادات الغاز في ظل الأزمة العالمية للطاقة، مبيناً أن هذه الأزمة ستتفاقم في الفترة المقبلة، نتيجة للتحيز العالمي ضد النفط بحجة مساهمته في زيادة درجة حرارة الغلاف الجوي وفرض ضرائب على المنتجات النفطية باسم الضرائب الكربونية مقابل إعفاء الفحم من تلك الضرائب، وهو أشد تلويثاً للبيئة، وكذلك نقص الاستثمارات في الوقود الأحفوري.
وأضاف الدكتور الصبان، أن أسعار الغاز والطلب العالمي مرشحة أن تأخذ منحنى مرتفعاً خلال الفترة المقبلة، مهما حاولت الدول المنتجة، رفع طاقتها الإنتاجية من الغاز، لافتاً إلى أن حاجة الدول الأوروبية بالذات من الغاز أعلى من الطاقة الإنتاجية للدول المنتجة الحالية، ولن تكفيها خصوصاً في ظل الشتاء القارس، الذي تمر به دول الاتحاد الأوروبي، واصفاً القرار الأوروبي بحظر الغاز الروسي، بأنه خطأ اقتصادي وسيؤثر سلباً على دول الاتحاد الأوروبي، ولن تستطيع الحصول على حاجتها والكميات الكافية من الغاز والطاقة.
- أسواق بديلة
وتابع الصبان، أنه في ظل بحث الدول الأوروبية عن أسواق بديله للغاز والطاقة، إلا أنها لن تصل للاكتفاء، بسبب تزايد الطلب على الطاقة، ورفع القيود المتعلقة بـ«كوفيد - 19» في الصين، وعودة عجلة الاقتصاد الصيني مرة أخرى للانتعاش، وكذلك ارتفاع النمو الاقتصادي في الهند وعدد من الدول الأخرى، لافتاً إلى أن محدودية الاستكشافات الحالية ومحدودية المعروض العالمي سيؤدي إلى وجود نقص حقيقي في إمدادات كل من الغاز والنفط وارتفاع أسعارهما عالمياً خلال العام الحالي.
وأرّجع الصبان، توجه عدد من الدول نحو استكشاف المزيد من الغاز تحت أراضيها، إلى تزايد الطلب على الغاز في الفترة المقبلة، لكونه أقل انبعاثاً لغازات الاحتباس الحراري، مقارنة بالفحم في توليد الكهرباء، وكذلك تزايد الطلب عليه بشكل كبير، في كل دول العالم بما فيها الدول الأوروبية والأميركية والصين والهند. مشيراً إلى أن زيادة عدد الاستكشافات في السعودية عبر حقول الجافورة، ومدين، وضبا، وغيرها، تُعد عوامل مبشرة بالنسبة لتحول السعودية إلى مصدر للغاز، وتحولها من سد حاجتها على اللقيم الأساسي للبتروكيماويات إلى مصدر مستقبلي للغاز مثل قطر والجزائر وغيرها.
- تعبئة المخزون
من جانبه، يرى خبير اقتصاديات الطاقة الدكتور فهد بن جمعة، أن الطلب على الغاز سيرتفع في النصف الثاني من العام الحالي 2023 مع إعادة تعبئة المخزونات، مشيراً إلى أنه سوف تنخفض كميات الغاز خلال هذا الشتاء، مما سيدعم ارتفاع أسعاره في الأسواق العالمية.
وعدّ ابن جمعة، الأزمة الروسية الأوكرانية بأنها أكبر مسببات ارتفاع الطلب على الغاز وارتفاع الأسعار، مضيفاً أنها تسببت في حظر نفط أكبر مورد للغاز إلى أوروبا وبأقل التكاليف، لافتاً إلى أن توجه الدول الأوروبية إلى موردين آخرين، فرصة ثمينة للدول المنتجة، وسيعزز من مكانة دول مثل السعودية، وقطر، وعمان، والعراق، والجزائر، وغيرها في التوسع من إنتاج الغاز وتوجيهه إلى أوروبا.
ووصف ابن جمعة، الحظر الأوروبي على الغاز الروسي ومحاولتها عدم الاعتماد على مورد واحد، بأنه فرصة كبيرة للدول المنتجة للغاز، بأن تزيد استثماراتها وطاقاتها الإنتاجية لتزويد هذه الدول بالمزيد من الغاز، مما سيعظم عوائدها الاستثمارية عند أسعار مرتفعة.


مقالات ذات صلة

السعودية: الصادرات غير النفطية تسجل أعلى مستوى منذ عامين

الاقتصاد ميناء الملك عبد العزيز بالدمام شرق السعودية (موقع «موانئ»)

السعودية: الصادرات غير النفطية تسجل أعلى مستوى منذ عامين

حققت الصادرات السعودية غير النفطية في مايو (أيار) الماضي أعلى مستوى لها في عامين، حيث بلغت 28.89 مليار ريال (7.70 مليار دولار).

آيات نور (الرياض)
الاقتصاد أحد قطارات نقل الركاب التابعة للخطوط الحديدية السعودية (الموقع الرسمي)

قطارات السعودية تنقل 9 ملايين راكب في الربع الثاني

نقلت قطارات السعودية أكثر من 9.3 مليون راكب في الربع الثاني من العام الحالي، بنسبة نمو بلغت 13 في المائة مقارنة بالربع المماثل من العام المنصرم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد أحد المصانع السعودية الواقعة في المدينة الصناعية بعسير جنوب المملكة (الشرق الأوسط)

المصانع السعودية تتجاوز مستهدفات 2023 نحو التحول ورفع تنافسية منتجاتها

أثبتت المصانع السعودية جديتها في التحول نحو الأتمتة وكفاءة التصنيع، في خطوة تحسن مستوى جودة وتنافسية المنتجات الوطنية وتخفض التكاليف التشغيلية.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد انضم البنك المركزي السعودي إلى مشروع «إم بريدج» بصفته «مشاركاً كاملاً» (البنك المركزي)

«المركزي» السعودي يستكشف إمكانات العملات الرقمية لتسهيل المدفوعات عالمياً

بدأ البنك المركزي السعودي باستكشاف إمكانات «العملات الرقمية» في الوقت الذي تعمل فيه الدول على تطوير عملات رقمية لها.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد وزير الصناعة السعودي خلال لقائه بالشركات والمستثمرين في البرازيل (واس)

الاستعانة بخبرات البرازيل لتوطين صناعة اللقاحات والأدوية في السعودية

أكد وزير الصناعة والثروة المعدنية، رئيس لجنة صناعة اللقاحات والأدوية الحيوية، بندر الخريف، أن جمهورية البرازيل مهيأة للشراكة مع المملكة في جميع الصناعات.

«الشرق الأوسط» (برازيليا)

اجتماع حاسم لـ«الفيدرالي» تظلله تعقيدات الاقتراب من الانتخابات الرئاسية

مقر الاحتياطي الفيدرالي (الموقع الرسمي للمصرف)
مقر الاحتياطي الفيدرالي (الموقع الرسمي للمصرف)
TT

اجتماع حاسم لـ«الفيدرالي» تظلله تعقيدات الاقتراب من الانتخابات الرئاسية

مقر الاحتياطي الفيدرالي (الموقع الرسمي للمصرف)
مقر الاحتياطي الفيدرالي (الموقع الرسمي للمصرف)

من المتوقع على نطاق واسع أن يبقي المسؤولون في بنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة الرئيسية ثابتة عندما يجتمعون، الأربعاء المقبل. وعلى الرغم من أن بعض خبراء الاقتصاد يقولون إن يوليو (تموز) هو الوقت المناسب لخفض الفائدة، فإن المشاركين في السوق المالية وضعوا في الحسبان فرصة ضئيلة يوم الجمعة (4.7 في المائة) فقط، وفقاً لأداة «فيد ووتش» التابعة لمجموعة «سي إم إي»، والتي تتوقع تحركات الأسعار استناداً إلى بيانات تداول العقود الآجلة لصناديق الاحتياطي الفيدرالي.

ويرجح خبراء استطلعت «بلومبرغ» آراءهم أن الاحتياطي الفيدرالي إلى خططه لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول)، وهي الخطوة التي يقولون إنها ستبدأ تخفيضات كل ربع سنة حتى عام 2025. وقال ما يقرب من ثلاثة أرباع المستجيبين إن البنك المركزي الأميركي سيستخدم اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في 30 - 31 يوليو لإعداد الأرضية لخفض ربع نقطة في الاجتماع التالي في سبتمبر. ومع ذلك، فإنهم منقسمون حول كيفية قيام صنّاع السياسات بذلك؛ إذ يرى نصف المشاركين أن المسؤولين يشيرون إلى التحرك القادم من خلال بيان السياسة النقدية والمؤتمر الصحافي لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بعد الاجتماع، لكن آخرين يتوقعون أن يستخدم الاحتياطي الفيدرالي طريقة أو أخرى. ويتوقع جميع المشاركين أن يبقي الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير عند أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقدين في اجتماع الأسبوع المقبل.

متداولون يتابعون تحرك أسعار الأسهم في بورصة نيويورك (أ.ف.ب)

وأظهر تقرير، الجمعة، عن مقياس التضخم المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي (مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي)، أن التضخم عاود الاشتعال في الربع الأول، لكنه استمر في الهبوط منذ ذلك الحين. وأفاد مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة بأن مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي ارتفع بنسبة 0.1 في المائة في الشهر الماضي، مما يعني أن الزيادة السنوية بلغت 2.5 في المائة، بعد ارتفاع بنسبة 2.6 في المائة في مايو (أيار).

أشخاص يتسوقون في أحد المتاجر الكبرى في مونتيبيلو - كاليفورنيا (أ.ف.ب)

وقال بعض خبراء الاقتصاد إن البنك المركزي سيعقد اجتماعاً آخر لضمان عدم تسارع التضخم مرة أخرى، وفق موقع «إنفستوبيا».

وكتب جاستن بيغلي، الخبير الاقتصادي في «موديز أناليتيكس»: «لكن مع تباطؤ النمو وارتفاع البطالة بالفعل، يبدو أن الاقتصاد أصبح أكثر عرضة للخطر، وقد تؤدي صدمة خارجية إضافية - مثل ارتفاع الصراع الجيوسياسي أو عمليات بيع في أسواق الأسهم والائتمان - إلى دفع الاقتصاد إلى حافة الهاوية». وأضاف: «إن الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة جداً قد يلحق ضرراً كبيراً بسوق العمل، ويزيد من اهتزاز ثقة الشركات والمستهلكين، وكل هذا سيكون سيئاً للدخل الشخصي».

في خطاباتهم الأخيرة، قال مسؤولون في بنك الاحتياطي الفيدرالي إنهم يشعرون بالتشجيع بسبب البيانات التي تظهر أن التضخم انخفض بشكل مطرد في الأشهر الأخيرة، لكنهم ينتظرون المزيد من البيانات قبل الالتزام بخفض أسعار الفائدة.

وكتب مايكل جابن، كبير خبراء الاقتصاد الأميركي لدى «بنك أوف أميركا» للأوراق المالية، في تعليق له: «نتوقع أن يبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير في يوليو، مع الإشارة إلى استئناف التقدم في خفض التضخم. إن بنك الاحتياطي الفيدرالي متفائل باحتمال خفض أسعار الفائدة في الأمد القريب، لكننا لا نعتقد أنه على استعداد للإشارة إلى أن الأمر محسوم في سبتمبر. قد يحدث ذلك، لكنه سيعتمد على البيانات».

نقطة تحول

إذا أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة، الأربعاء، فقد يكون اجتماع سبتمبر نقطة تحول في معركة بنك الاحتياطي الفيدرالي ضد التضخم؛ إذ سيكون هذا أول خفض لأسعار الفائدة منذ بداية الوباء في عام 2020. وكان الاحتياطي الفيدرالي أبقى على سعر الفائدة بالقرب من الصفر في أثناء الوباء لتحفيز الاقتصاد بأموال سهلة، ثم رفعه بدءاً من مارس (آذار) 2022؛ لإبطاء الاقتصاد ولجم التضخم. وفي يوليو 2023، رفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى أعلى مستوى له منذ عام 2001، وأبقاه هناك منذ ذلك الحين.

وعلى مدار العامين الماضيين، انخفض معدل التضخم السنوي كما يقاس بمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، إلى معدل سنوي قدره 2.5 في المائة من ذروته الأخيرة البالغة 7.1 في المائة، ليقترب من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المائة. وفي الوقت نفسه، تباطأت سوق العمل التي كانت شديدة النشاط في السابق، حيث ارتفع معدل البطالة إلى 4.1 في المائة من أدنى مستوى له في خمسين عاماً عند 3.4 في المائة الذي بلغه العام الماضي، وسيتم إصدار تقرير الوظائف لشهر يوليو الأسبوع المقبل.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في مؤتمر صحافي في يونيو الماضي (رويترز)

جدير بالذكر أن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قال إنه أصبح قلقاً بشأن سوق العمل بقدر قلقه بشأن التضخم، مما يشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي قد يبدأ قريباً في التحول بعيداً عن نمط مكافحة التضخم.

توقعات الأسواق

إن متوسط ​​توقعات خبراء الاقتصاد لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر وديسمبر (كانون الأول) أقل عدوانية قليلاً من الأسواق، التي وضعت احتمالات أفضل من المتساوية لخفض 75 نقطة أساس هذا العام. حتى إن بعض المستثمرين يراهنون على خفض أولي بنصف نقطة، لكن خبراء الاقتصاد يرون أن احتمالات ذلك غير محتملة بنسبة 20 في المائة، وفق «بلومبرغ». من المرجح أن يتم تحفيز مثل هذه الخطوة فقط إذا تدهورت ظروف سوق العمل.

تقول كبيرة خبراء الاقتصاد في «بلومبرغ إيكونوميكس» آنا وونغ: «لقد بدأ سوق العمل في التباطؤ لبعض الوقت، ولم يكن التدهور مفاجئاً... ومن المرجح أن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي متأخراً في خفض أسعار الفائدة. وعلى هذا النحو، نتوقع أن يصل معدل البطالة إلى 4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2024».

تعقيدات الانتخابات

أحد التعقيدات التي قد تواجهها الأسواق في سبتمبر هو الاقتراب من الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني). ومن المرجح أن يكون البدء في خفض أسعار الفائدة قبل أقل من شهرين من الانتخابات محل انتقادات بشأن الدوافع السياسية.

أرقام سوق «ناسداك» على شاشة قبل جرس الإغلاق في موقع «ناسداك ماركت سايت» (أ.ف.ب)

ويقول ثلث خبراء الاقتصاد في الاستطلاع إن هذا من شأنه أن يرفع سقف التخفيضات، مما يعني أن البيانات لا بد أن تكون أكثر إقناعاً تدريجياً، على الرغم من أن البقية تقول إنها تتفق مع وجهة نظر باول بأن توقيت الانتخابات لن يكون له أي تأثير على القرار بشأن تكاليف الاقتراض. وفي حين جلبت الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن المنافسة على السيطرة على الكونغرس، حالة من عدم اليقين بشأن نتيجة السياسة المالية الأميركية في عام 2025، يقول خبراء الاقتصاد إن قرار بايدن الانسحاب من السباق لم يغير توقعاتهم الاقتصادية. وتقول الغالبية العظمى من الاقتصاديين إنهم لم يغيروا توقعاتهم لأسعار الفائدة أو النمو بسبب قرار الرئيس.

ومع ذلك، يقول ثلث مراقبي بنك الاحتياطي الفيدرالي إن حالة عدم اليقين السياسي الناجمة عن الانتخابات هذا العام قد رفعت من مخاطر الهبوط على النمو. ومن شأن التغييرات في السياسات الضريبية والإنفاق أن تؤثر على اقتصاد عام 2025، وربما أسعار الفائدة.

وقال توماس فوليرتون، أستاذ الاقتصاد بجامعة تكساس في «إل باسو» وأحد المشاركين في الاستطلاع: «إذا تفاقم العجز الفيدرالي في عام 2025، فسوف يتعين على السياسة النقدية أن تتشدد وسوف يتباطأ النمو».