كيف يتعافى الناجون من الزلزال من «اضطراب ما بعد الصدمة»؟

أطباء ينصحون بالتوقف عن مشاهدة مقاطع «الكارثة»

جانب من الدمار في تركيا (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في تركيا (أ.ف.ب)
TT

كيف يتعافى الناجون من الزلزال من «اضطراب ما بعد الصدمة»؟

جانب من الدمار في تركيا (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في تركيا (أ.ف.ب)

صحيح أن الناجين من زلزال تركيا وسوريا، الذي أودى بحياة أكثر من 24 ألفاً في البلدين، كتب الله لهم الحياة، غير أن العلم يشير إلى أنهم ربما يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة لسنوات آتية. وقد قالت هيئة إدارة الكوارث التركية في بيان، السبت، إنه تم إجلاء نحو 92697 شخصاً من المناطق المنكوبة، حتى خمسة أيام بعد وقوع الزلزال الذي ضرب مناطق جنوب تركيا وشمال غربي سوريا يوم الاثنين.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش من أن «حدود الكارثة لم تتضح بعد أمام أعيننا». ومن جانبها أشارت منظمة الصحة العالمية، في وقت سابق عقب وقوع الكارثة، إلى أن عدد الذين تضرروا جراء الزلزال قد يبلغ 23 مليون شخص.
فضلاً عن الآثار الصحية المباشرة، يشير مراقبون إلى الأثر النفسي والعقلي الذي قد يمتد لسنوات أبعد من النتائج المباشرة. وأكد الدكتور هشام رامي، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، والأمين العام للجمعية المصرية للطب النفسي، أن ما حدث يرتقي إلى حد الكارثة، وحسب دراسات سابقة أجريت على ناجين من حوادث مشابهة، فإن البعض مُهدد بالإصابة بـ«اضطراب ما بعد الصدمة»، ويقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «هذا النوع من الاضطرابات النفسية تم تحديده منذ بدايات القرن العشرين، وأجري عدد من الأبحاث على الناجين من الحروب والكوارث الطبيعية لتحديد أعراضه وطرق التعافي منه، وأتوقع أن عدداً ليس بقليل من الناجين من الزلزال وربما المتابعين على مقربة، ربما باتوا عرضة راهناً لهذه الحالة».
ويصف أستاذ الطب النفسي أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بأن «الشخص يُصاب بدرجات من التوتر والقلق لا يستطيع تحملها، مع سرعة ضربات القلب، وكثرة التعرق، واضطراب درجة حرارة الجسم، كذلك يعيد الشخص لحظات الهول إلى الذاكرة ويكررها».
وحسب توقعات رامي فإن المعرّضين للإصابة بهذه الحالة هم الناجون من الزلزال أولاً، غير أن «من يتابعون أحداث الكارثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويغرقون في ساعات المشاهدة للمقاطع القاسية التي تصور لحظات الهول، يضعون أنفسهم تحت احتمالية الإصابة باضطراب (الصدمة)، وقد يتطور الأمر إلى ضرورة العلاج».
وعن طرق التعافي من «اضطراب ما بعد الصدمة»، تنصح الدكتورة زيزي السيد، أستاذ مساعد علم النفس الإكلينيكي جامعة الفيوم، بضرورة العمل على شقين لإدارة الاضطراب، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «في البداية يجب تكثيف الجهود من قبل المجتمع والمسؤولين لتوفير أسس الحياة للناجين، وتشمل المأوى والغذاء والرعاية الصحية». وتردف: «الشق الثاني وهو التعافي من الآثار النفسية التي خلفتها الكارثة، وهنا العلاج قد يمتد ليضم أربع مراحل».
وتأتي المراحل الأربع للتعافي حسب حدة الأعراض، وتوضح «السيد»: «قد يتعرض البعض لصدمة مركبة، امتزجت فيها مشاعر الخوف مع الفقد حال كان الشخص شاهداً على هلاك شخص آخر، وهنا قد يكون الأمر أكثر تعقيداً». وتردف: «يمر الناجون المصابون باضطراب ما بعد الصدمة بمراحل، تبدأ بإعادة نسخ الحادث، ثم مرحلة الهروب وتجنب أي مثير يسبب تذكر الناجي للأحداث، وقد تصل خطورة المرحلة إلى حد فقدان جزئي للذاكرة. وتشمل المرحلة الثالثة تغيرات نظرة الناجي للعالم والأحداث، أما المرحلة الرابعة فيطلق عليها العلم (التجمد الانفعالي)، وهي مرحلة يفقد فيها الشخص القدرة على التعاطي مع الأحداث على نحو متوقع».
ويرى المتخصصون أن الكوارث الطبيعية والأحداث العامة ربما تكون نتائجها مقبولة نسبياً مقارنة بآثار الصدمات الشخصية، ويرجعون ذلك إلى «الإيمان والمشاركة».
من جانبه، يقول الدكتور هشام رامي إن المساندة المجتمعية تأتي في مقدمة سبل التعافي للناجين من كارثة الزلزال، ويوضح: «أثبتت الدراسات أن الدعم الاجتماعي سواء من قبل الأسرة أو المؤسسات يأتي بنتائج عاجلة لدرء آثار الصدمة»، كذلك «توفير الأمان مسؤولية المحيطين بالمصاب، ثم يأتي دور الروحانيات من خلال تعزيز مفاهيم الإيمان».


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.