يكثف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تحركاته خلال جولة أوروبية يقوم بها حالياً تشمل دولاً عدة، في مقدمتها إيطاليا وفرنسا؛ لحشد الموارد من أجل إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب في إقليم تيغراي.
ورغم النجاح الذي حققه «أحمد» بتوقيع اتفاق مع الحكومة الإيطالية تحصلت بموجبه إثيوبيا على منح وقروض ميسرة، فإن الأمر، بحسب مراقبين، لا يخلو من تحديات، في مقدمتها الوضع الهش لاتفاق السلام مع متمردي حركة «تحرير تيغراي»، والضغوط الاقتصادية التي تواجهها الحكومات الأوروبية على خلفية الحرب في أوكرانيا.
ووصل رئيس الوزراء الإثيوبي إلى مالطا (الثلاثاء) قادماً من إيطاليا. وقال آبي أحمد، في تغريدة له عبر حسابه الرسمي على موقع «تويتر» (الاثنين) إن لقاءه مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني «كان مثمراً»، لافتاً إلى أنه تم خلال الزيارة توقيع اتفاقية إطار تعاون تشمل التزام الحكومة الإيطالية بتقديم 180 مليون يورو في صورة منح وقروض ميسرة حتى العام 2025.
وقالت وكالة الأنباء الإثيوبية في تقرير لها إن «الالتزام المالي الإيطالي يغطي الأنشطة الرئيسية في نطاق التنمية الاقتصادية، وخلق فرص العمل في قطاعي الزراعة والصناعة، وتقديم الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم».
وكانت وزارة المالية الإثيوبية قد أعلنت في مايو (أيار) 2022 توقيع اتفاق مع البنك الدولي للحصول على منحة قدرها 300 مليون دولار للمساعدة في إعادة الإعمار والتعافي في المناطق المتضررة من الصراع.
فيما تعهد وزير الخارجية الصيني تشين جانغ، خلال زيارته إلى إثيوبيا الشهر الماضي، بدعم بلاده لجهود إعادة الإعمار في المناطق الشمالية من إثيوبيا التي دمرتها حرب تيغراي. وذكر بيان لوزارة الخارجية الصينية أن بكين «مستعدة لتوسيع التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وستشجع المزيد من الشركات الصينية على الاستثمار في إثيوبيا والمشاركة في عملية إعادة الإعمار».
ويرى إبراهيم إدريس، الباحث في الشؤون الأفريقية، أن تحركات رئيس الوزراء الإثيوبي بعد إنهاء القتال في إقليم تيغراي اتخذت مسارين، الأول نحو ترتيب الأوضاع الداخلية، وتثبيت اتفاق السلام، بينما يتخذ المسار الثاني منحى تعزيز علاقات أديس أبابا الإقليمية والدولية، لا سيما مع الدول المانحة، والتي يمكنها أن تمد يد الدعم لإثيوبيا من أجل إعادة الإعمار.
وأضاف إدريس لـ«الشرق الأوسط» أن قراءة خريطة تحركات رئيس الوزراء الإثيوبي الأخيرة، تكشف بوضوح التركيز على الملف الاقتصادي وإعادة الإعمار. فقد زار قبل الجولة الأوروبية دولة الإمارات، وحقق خلال تلك الزيارة مكاسب مالية واقتصادية متقدمة فيما يخص التنمية، كما استطاع أن يعيد تحسين علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي كانت العلاقات معها «على وشك الانشطار سلبياً بسبب تداعيات الحرب في تيغراي»، ونجح خلال مشاركته في القمة الأميركية الأفريقية الأخيرة أن يعيد هيكلة تلك العلاقات، فضلاً عن إرسال بعثة اقتصادية سبقته إلى واشنطن لاستعادة العلاقات مع البنك الدولي.
رئيس الوزراء الإثيوبي خلال استقباله في مالطا الثلاثاء ضمن جولة اوروبية (حساب رئيس الوزراء على تويتر)
ويتابع الباحث في الشؤون الأفريقية، أن الجولة الأوروبية الراهنة لرئيس الوزراء الإثيوبي تمثل أهمية قصوى، وربما يعتبرها قمة الحصاد لسياساته في هذه المرحلة، لا سيما أن الاتحاد الأوروبي كان تاريخياً وواقعياً من أكثر المؤسسات ارتباطاً ببرامج التنمية في إثيوبيا على المستويين الإنساني والاقتصادي.
ويستطرد إدريس مؤكداً أنه رغم التحديات التي يمكن أن يواجهها آبي أحمد خلال جولته الأوروبية، فيما يتعلق باعتراضات بعض أبناء قومية الأمهرة وأتباع الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية الذين يحملون اعتراضات على بعض السياسات الداخلية لرئيس الوزراء، فإنه لا يتوقع أن يكون لتلك التحديات تأثير كبير على الملف الاقتصادي الذي يتصدر أولويات الزيارة.
ويعرب إدريس كذلك عن توقعه بأن تكون المساعدات الأوروبية للحكومة الإثيوبية «شبه مشروطة خاصة فيما يتعلق بالمحاصصات التي تضمنها اتفاق بريتوريا للسلام، وتركيز الأوروبيين على توظيف مساعداتهم لإعادة إعمار مناطق إقليم تيغراي وأجزاء من أمهرة وعفر بشكل أساسي».
واتفق السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، مع الرأي السابق، إذ رأى أن المساعدات الأوروبية سترتبط بحسابات سياسية واقتصادية، وأن الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد غالباً ما تكون لمساعداته محددات ترتبط بالرؤية والأولويات الأوروبية، سواء فيما يتعلق بحقوق الإنسان، أو بمصالح سياسية محددة.
وأشار حليمة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إثيوبيا تواجه حالياً ظروفاً اقتصادية صعبة، خصوصاً بعد انتهاء الحرب في إقليم تيغراي، وتحتاج بشكل حاسم إلى دعم دولي لإعادة إعمار المناطق التي دمرتها المعارك، ومن ثم يأتي الاتحاد الأوروبي ودوله في مقدمة الوجهات التي يمكن أن تقدم دعماً في هذا الصدد.
ويضيف أن مواجهة أوروبا لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية «لن يكون لها تأثير كبير على اتجاهها نحو مساعدة إثيوبيا في الفترة المقبلة»، وأعرب عن توقعه بأن الدول الأوروبية «لن تتشدد في شروطها بشأن دعم إعمار إقليم (تيغراي) لتعويضه عما لحق به جراء الحرب، لكنها قد تربط تلك المساعدات بإخراج القوات الإريترية من الأراضي الإثيوبية، خصوصا أن وجود تلك القوات لا يزال يؤثر على استقرار تطبيق اتفاق بريتوريا للسلام».
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي استبق جولته الأوروبية، بلقاء في 3 من فبراير (شباط) الحالي هو الأول من نوعه مع أعضاء لجنة اتفاق سلام جبهة تحرير شعب تيغراي منذ توقيع اتفاق بريتوريا (جنوب أفريقيا) في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وزارت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، ونظيرتها الألمانية أنالينا بيربوك، الشهر الماضي، أديس أبابا، وأكدتا خلال الزيارة «استعداد الاتحاد الأوروبي للانخراط من جديد مع إثيوبيا بشرط الالتزام بوقف إطلاق النار ووضع آلية للعدالة الانتقالية».