الصومال يُصعّد الضغوط على الوجود الإثيوبي في أراضيه

وزير الدفاع انتقد استمرار الحضور العسكري لقوات أديس أبابا

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد «صفقة ميناء إثيوبيا-أرض الصومال» بمقديشو (رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد «صفقة ميناء إثيوبيا-أرض الصومال» بمقديشو (رويترز)
TT

الصومال يُصعّد الضغوط على الوجود الإثيوبي في أراضيه

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد «صفقة ميناء إثيوبيا-أرض الصومال» بمقديشو (رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد «صفقة ميناء إثيوبيا-أرض الصومال» بمقديشو (رويترز)

تصعيد جديد من مقديشو ضد أديس أبابا بشأن ضرورة مغادرة قواتها التابعة لقوات حفظ السلام الأفريقية قبل نهاية العام، معتبرة أن بقاءها يعد «احتلالاً»، وسط خلافات صومالية - إثيوبية لم تنتهِ بشأن اتفاق أبرمته الأخيرة مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي.

هذا التصعيد الذي صدر من وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، مساء الأربعاء، يرى خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط» أنه في إطار «ضغط جديد على إثيوبيا خاصة مع حق مقديشو في رفض وجود قواتها والحفاظ على سيادتها»، وتوقعوا أن تستمر أديس أبابا في عدم الاستجابة والتوجه لخطر «الصدام المباشر»، وسط تعويل على تدخل الوساطة بين البلدين لمنع أي تصعيد.

وقرر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في يونيو (حزيران) الماضي، إرسال بعثة جديدة لحفظ السلم في الصومال، باسم «بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال»، بدءاً من يناير (كانون الثاني) 2025، وتستمر حتى عام 2029. وضمت القوات السابقة التي بدأت في 2014، أكثر من 4 آلاف جندي إثيوبي لحفظ الأمن في مناطق جنوب غربي الصومال، وفق ما أوضح الاتحاد وقتها، بعد موافقة حكومة مقديشو؛ وذلك بهدف مساعدتها في محاربة حركة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» الإرهابي، ومنع تغلغل عناصر الحركة وتسلّلها داخل الأراضي الإثيوبية.

وأعلن وزير الدفاع الصومالي في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رسمياً، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029، وأرجع ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال». ولم تنفذ إثيوبيا هذا الطلب حتى الآن.

عناصر من قوة «حفظ السلام» قبل الشروع في دورية مشتركة بالمناطق الواقعة جنوب شرقي دوساماريب (أرشيفية - رويترز)

وانتقد وزير الدفاع الصومالي، في تصريحات صحافية، من مقر وزارة الدفاع في مقديشو، استمرار الوجود العسكري الإثيوبي في الصومال، خاصة مع اقتراب انتهاء مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية بنهاية العام، وفق ما ذكرته وسائل إعلام صومالية، الأربعاء.

وتتمسك إثيوبيا بالمُضيّ في اتفاق مبدئي وقعته في يناير 2024 مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي عن مقديشو، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناءً تجارياً، وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة، وسط رفض من مقديشو بوصفه يمسّ السيادة.

وباعتقاد الخبير في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، فإن تلك التصريحات الصومالية التي تكررت قبل نحو 3 أسابيع من انتهاء مهلة مغادرة قوات أديس أبابا، تعد «ضاغطة على الوجود الإثيوبي بالأراضي الصومالية، لتعزيز موقف مقديشو»، باعتبار أنها «تفتح الباب أمام تحديات جمّة، وقد تكون تمهيداً لإعلان حرب إن لم تنسحب»، مؤكداً أن «علاقات البلدين في مرحلة معقّدة جديدة».

وبرأي الأكاديمي الصومالي المتخصص في شؤون منطقة القرن الأفريقي، الدكتور على كولاني، فإن «حديث وزير الدفاع الصومالي في أعقاب تحذيرات سابقة لحكومة إثيوبيا، يعني أنه لن يكون هناك مزيد من التدخل في قضايا وحدة البلاد وانتهاك سيادته، ويحمل أيضاً تهديدات بينها أنه قد حان الوقت لمحاسبة جميع المعتدين على الأراضي الصومالية واستقلال وحدتها القومية».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً يلغي اتفاق إقليم «أرض الصومال» مع أديس أبابا (الرئاسة الصومالية)

ولم تستجب أديس أبابا لطلب رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، في أغسطس (آب) الماضي، «الانسحاب من مذكرة التفاهم، وإلا فلن تكون القوات الإثيوبية جزءاً من بعثة الاتحاد الأفريقي»، وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها، توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو في أغسطس الماضي، ومدّ الصومال بأسلحة ومعدات لمواجهة «الشباب» الإرهابية.

وألمح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، نبيات غيتاتشو، في نوفمبر الماضي، إلى البقاء في الصومال رغم طلب سحب قوات بلاده، قائلاً إن «إثيوبيا ستواصل عملياتها الحاسمة لإضعاف حركة (الشباب) بهدف ضمان عدم تشكيلها تهديداً للأمن القومي الإثيوبي، والحفاظ على المكاسب المحققة ضد الإرهاب»، وفق ما نقلته وكالة «فانا» الإثيوبية الرسمية.

ووفق كولاني، فإن «الحكومة الإثيوبية إذا لم تأخذ تحذير وزير الدفاع الصومالي على محمل الجد وتجاهلته؛ فقد يكون هناك صراع مباشر بين قوى الحكومتين»، وهو ما يتفق معه تورشين، مؤكداً أن «هذه المواجهات الكلامية المستمرة منذ بداية العام، توشك أن تتحول مع هذه التحذيرات الجديدة إلى مواجهات عسكرية في ظل عدم تغيير إثيوبيا موقفها من الاتفاق مع (أرض الصومال)».

والتقى السفير الإثيوبي لدى «أرض الصومال»، تشومى شوندي، قبل نحو أسبوعين، الرئيس الجديد المنتخب للإقليم، عبد الرحمن محمد عبد الله «عرو»، في العاصمة هرغيسا، وتناول معه العلاقات العميقة بين أديس أبابا والإقليم، وفق ما نقلته «فانا» الإثيوبية وقتها، دون أن يصدر رئيس «أرض الصومال» موقفاً مغايراً بشأن الاتفاق الذي ترفضه الحكومة الفيدرالية. وهو ما يجعل على كولاني يعتقد أن «الحكومة الإثيوبية ستواصل إصرارها على عدم الانسحاب من الاتفاق الذي تم التوصل إليه بينها وبين (أرض الصومال)؛ مما سيزيد من إصرار مقديشو على انسحاب القوات الإثيوبية من الصومال بعد نهاية الفترة المحددة»، مضيفاً: «ولا يبدو الآن أن الحل سيأتي قبل نهاية هذا العام، والاصطدام المباشر قادم لا محالة».

عناصر من حركة «الشباب» الإرهابية الصومالية (أ.ب)

كما يلفت محمد تورشين إلى أن الوضع في الصومال وإثيوبيا يشهد خلافات داخلية عميقة، سواء بالاختلاف الحاصل قبل أيام بين الأقاليم ومقديشو بشأن قانون الانتخابات المباشر، وتعليق ولاية جوبالاند التعاون مع الحكومة الفيدرالية، أو بخلافات داخلية مستمرة قد تؤجج حرباً أهلية إثيوبية.

وهذا الوضع في البلدين، بحسب تورشين، قد يحفز اندلاع مواجهات عسكرية بين مقديشو وأديس أبابا أو تأجيل الصدام، محذراً من أن الأزمة الكبرى هي تضرر منطقة القرن الأفريقي من هذه التداعيات، واستفادة حركة «الشباب» من هذه الصراعات. ويعول تورشين على تدخل الوسيط التركي صاحب النفوذ لدى البلدين، والذي قاد جولات وساطة سابقة بينهما لمنع أي تصعيد.


مقالات ذات صلة

ضبط أسلحة في طريقها إلى «حركة الشباب» بجنوب وسط الصومال

أفريقيا أسلحة صومالية بعد ضبطها لدى عناصر من حركة «الشباب» (متداولة)

ضبط أسلحة في طريقها إلى «حركة الشباب» بجنوب وسط الصومال

ضبط الجيش الوطني الصومالي سيارة محملة بالأسلحة في طريقها إلى «ميليشيات الخوارج» بمحافظة هيران في جنوب وسط البلاد.

«الشرق الأوسط» (مفديشو )
شمال افريقيا محادثات وزير الخارجية المصري مع نظيرته السنغالية في القاهرة (الخارجية المصرية)

مصر لتعزيز حضورها الأفريقي عبر مشروعات تنموية مع السنغال ونيجيريا

أجرى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، محادثات في القاهرة، السبت، مع نظيريه السنغالي ياسين فال، وكذا النيجيري يوسف توجار.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الري المصري خلال مباحثات مع نظيره الكيني (الري المصرية)

مصر تعزز حضورها في دول حوض النيل بمشروعات تنموية

تواصل مصر تحركاتها لتعزيز تعاونها مع دول حوض النيل، عبر التوسع في إقامة مشروعات مائية وتنموية في تلك الدول، بتمويل من «آلية التمويل» التي دشنتها القاهرة مؤخراً.

أحمد إمبابي (القاهرة )
أفريقيا جنود من الجيش النيجيري خلال عملية عسكرية ضد «داعش» (صحافة محلية)

قائد جيش نيجيريا: استسلام 120 ألف مسلّح من «بوكو حرام» نصفهم أطفال

شنت جماعة «بوكو حرام» الموالية لتنظيم «داعش» هجوماً إرهابياً على مجموعة من المزارعين في ولاية بورنو، شمال شرقي نيجيريا، وقتلت أكثر من 40 مزارعاً.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أديس أبابا (وكالة الأنباء الصومالية)

«تسريع مفاوضات» الصومال وإثيوبيا... اختبار لسياسة خفض التوتر بـ«القرن الأفريقي»

مؤشرات على التفاهم بعد عام من الخلافات، انتهى إليه اجتماع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، تضمنت استعادة التمثيل الدبلوماسي

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

مالك عقار: العقوبات الأميركية ضد البرهان «كيدية»

مالك عقار: العقوبات الأميركية ضد البرهان «كيدية»
TT

مالك عقار: العقوبات الأميركية ضد البرهان «كيدية»

مالك عقار: العقوبات الأميركية ضد البرهان «كيدية»

ندد نائب رئيس مجلس السيادة في السودان، مالك عقار، الأحد، بالعقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ووصفها بأنها «كيدية» تستهدف وحدة السودان.

ودعا لدى مخاطبته حشداً جماهيرياً بمدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، الشعب السوداني، لمزيد من التماسك وتوحيد صفوفه حتى لا تنهار البلاد، وفقاً لإعلام «مجلس السيادي الانتقالي» الذي يرأسه البرهان.

وقال عقار إن «القرارات الأميركية ليست جديدةً على السودان، وعايشها منذ عام 1999، ولم تفلح في تفكيك وانهيار الدولة السودانية، بل زادت من اللحمة الوطنية والتماسك الشعبي والتفافه حول قيادته».

واتهم عقار «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، التحالف السياسي الأكبر المناهض للحرب، بالترويج لـ«الانتهاكات الأخيرة» التي نسبها الجيش السوداني لأفراد من صفوفه، ورأى أن «تقدم» تستهدف «زعزعة الأمن وزرع الفتنة بين السودان وأشقائه»، حسب زعمه.

وأكد نائب رئيس «السيادي» أن الحكومة السودانية عازمة على اتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يثبت تورطه في أي انتهاكات، مشيراً إلى أن لجنة التحقيق في أحداث «كمبو طيبة» شرعت في إجراء التحقيقات اللازمة لإنفاذ القانون.

وفرضت الولايات المتحدة الأميركية، الخميس الماضي، عقوبات على البرهان، وقالت وزارة الخزانة إن الجيش السوداني بقيادته ارتكب «هجمات مميتة بحق المدنيين، وشن غارات جوية على المدارس والأسواق والمستشفيات، كما أنه يتحمل المسؤولية عن المنع المتعمد لوصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين واستخدام الغذاء بوصفه سلاحاً في الحرب».

وجاءت العقوبات الأمريكية على البرهان، بعد أسبوع واحد من عقوبات مماثلة فرضتها على الفريق محمد حمدان دقلو «حميدتي» قائد «قوات الدعم السريع» التي تخوض صراعاً مع الجيش السوداني في حرب أهلية مستمرة منذ عامين.

وقبيل ساعات من صدور العقوبات، أكد البرهان أن الجيش السوداني يرحب بأي عقوبات تُفرض عليه «إذا جاءت في خدمة البلاد»، وفق قوله.

وفي الثامن من يناير (كانون الثاني) الحالي، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على «الدعم السريع» والميليشيات التابعة لها بارتكاب «جرائم إبادة جماعية» و«تطهير عرقي» في إقليم دارفور، غرب السودان، في أثناء الصراع المسلح مع الجيش السوداني.

وكانت الحكومة السودانية، بقيادة البرهان، رحبت بالعقوبات على «الدعم السريع»، وحثت بقية دول العالم على اتخاذ خطوات مماثلة، واتخاذ موقف صارم ضد ما سمته «المجموعة الإرهابية» لإجبارها على وقف الحرب.

وسبق وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على عدد من المسؤولين السودانيين، شملت الأمين العام للحركة الإسلامية، علي أحمد كرتي، وقائد منظومة الصناعات الدفاعية بالجيش، ميرغني إدريس، وقائد عمليات «الدعم السريع» (عثمان عمليات)، والقائد الميداني بـ«الدعم السريع» علي يعقوب، الذي قُتل في معارك مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور قبل عدة أشهر.