آن بوريل : فرنسا بلد حقوق الإنسان لكنها ملوثة بالأحزاب العنصرية وكراهية الأجانب

الكاتبة الفرنسية تقول لـ «الشرق الأوسط» أن لكل رواية «هندستها المعمارية الخاصة»

آن بوريل مع كتبها في معرض القاهرة للكتاب (الشرق الأوسط)
آن بوريل مع كتبها في معرض القاهرة للكتاب (الشرق الأوسط)
TT

آن بوريل : فرنسا بلد حقوق الإنسان لكنها ملوثة بالأحزاب العنصرية وكراهية الأجانب

آن بوريل مع كتبها في معرض القاهرة للكتاب (الشرق الأوسط)
آن بوريل مع كتبها في معرض القاهرة للكتاب (الشرق الأوسط)

تتنوع إبداعات الكاتبة الفرنسية آن بوريل ما بين الشعر والرواية والمسرح، ولديها أعمال عديدة حظيت بتقدير النقاد ولجان التحكيم. حصلت على جائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان كونياك 2018 عن مسرحيتها «انظروا كيف نرقص»، وفازت روايتها «اختراع الثلج»، قبل ذلك بعامين بجائزتي «كابري دوغ»، و«مدينة لكتور»، كما توجت بجائزة كُتَّاب البحر الأبيض المتوسط، من مجلّة «أنفاس» في عام 2001 عن ديوانها «دربٌ سائل»، وجائزة مدينة داكس عن ديوانها «أَسْوَد». وأخيراً صدرت الترجمة العربية لروايتيها «حانة غران مدامز»، و«المدعو الأخير» عن دار ويلوز هاوس بجنوب السودان. هنا حوار معها حول أعمالها، على هامش مشاركتها في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب

> نلاحظ أن شخصيات «حانة غران مدامز» تبدو تائهة وبلا هوية... كيف ترين ذلك؟
- «غران مدامز» هي جزئياً رواية طريق. تبدأ في الحدود بين فرنسا وإسبانيا، وتنتهي على حصيلة الطريق السريع بالقرب من تولوز. إذا نظرت إلى خريطة لهذه المنطقة، ورسمت خطاً من «لاجونكيرا» إلى «تولوز»، فسوف تسافر على طول البحر الأبيض المتوسط، ثم مباشرة عبر جبال البرانس، وهناك بعد ذلك مائتان وخمسون كيلومتراً من الطرق السريعة التي ستوصلك إلى النقطة الأخيرة. وستكون قد أنتجت خطاً رمزياً خيالياً، وهو ذلك الخط المطبوع في ذاكرتي وعلى عظامي. ولكني حقيقة، وبهذا الخط الخيالي جغرافياً، أردت أن تكون روايتي «حانة غران مدامز» سريعة وغاضبة، حيث تهرب شخصياتي من أشياء كثيرة، حياتهم السابقة، وأسرارهم، ومخاوفهم، ورغباتهم، وغضبهم.

> هل من أجل ذلك جاءت الفصول التي تسرد تفاصيل حياتهم من دون عناوين، ومجرد مقاطع قصيرة مرقمة؟
- ساهمت الفصول القصيرة التي جاءت من دون أرقام أو عناوين في الإسراع بإيقاع السرد. ولأن الشخصيات خارجة عن القانون، رحت أتخيل روايتي، خارج قانون الروايات الواقعية البحتة. وقمت خلال أحداثها بمزج تقنيات مختلفة، وأضفت حوارات كتلك التي تستخدم في المسرح، واستخدمت الفراغ في الصفحات، وحكيت نكاتاً، وكسرتُ تقنية «رواية الطريق» بجزء ثابت طويل، حين فوجئت الشخصيات بحرارة الصيف. خلاصة القول أنا أرى أن كل كتاب له هندسته المعمارية الخاصة اعتماداً على القصة. «حانة غران مدامز» رواية حرة، كما نقول؛ مثل الشعر الحر.
> لكن كيف جاءت لك فكرة هذه الرواية، يبدو أن وراءها قصة ما؟
- على الطريق السريع وأنا عائدة إلى المنزل، بعد أن زرت محطة الوقود، التي ولدت فيها وعشت ووالدي، جلستُ داخل سيارتي. قررت أن أكتب قصة تعود فيها محطة البنزين المدمرة إلى الوجود مرة أخرى. سأخترع بعض الأشخاص الجدد لجعلها على قيد الحياة. عائلة جديدة وستدخل هذه العائلة في صدام مع مجموعة أخرى من الشخصيات المعارضة لها تماماً. تبادرت مارييل ووالدها ووالدتها إلى الذهن، وعلى الجانب الآخر من الطريق، كان الأجداد، وبعد ذلك، في حالة جنون، جلبتها رياح الجنوب الهوجاء، ظهرت «بيغونيا مارس»، بساقين طويلتين وابتسامة مدمرة، تحمل كلباً قبيحاً له فراء خليط بين الأبيض والأسود. ثم الاثنان الآخران، لودوفيك (الرئيس)، و(الصيني)، كانوا جميعا هناك، وسرعان ما ارتكبوا جريمة قتل؛ يجب أن أقول إنني كنت أتخيل تلك الجريمة وأنا في سن المراهقة، عندما سافرنا ذات مرة مع أعز صديقاتي ووالديها إلى إسبانيا، وعلقنا على الطريق السريع لساعات في ازدحام مروري ضخم، وفي الجزء السفلي من نصب الكتالونيين، كنت أتخيل أن شخصاً ما قد قُتل في الليل، ووُضِع على الدرج الأخير من النُصب التذكاري الشبيه بـ«الإنكا». استطعت أن أرى القميص الأبيض مثل العلم على قمة الهرم.

> في «حانة غران مدامز» يرتكب الثلاثي (الصيني) و(العاهرة) و(لودوفيك) جريمتي قتل: الأولى ضد شخص هو (الكتالوني) ولأسباب مجهولة، والثانية بسبب واضح هو معاقبة مغتصب الطفلة «مارييل» التي التقوها في رحلة هروبهم من الجريمة الأولى؟ كيف تستغلين فكرة كهذه في بناء الرواية؟
- غالباً ما أعمل من مخزون من الصور التي سجلتها ذاكرتي أحياناً منذ عدة عقود. عندما عادت جريمة القتل هذه إلى كتاباتي، ساعدتني حقيقة ألا أحد يعرف سبب ارتكاب الثلاثي لها - ولا حتى أنا في ذلك الوقت - على إظهار الشخصيات الثلاث في كامل وحشيتهم. وكنت أريد أن يسقط القارئ في الشراك نفسها، التي أنا فيها، في جنون ريح الجنوب وإلحاح الذاكرة، مأخوذاً بقوة تفوق قدراته، وإذا كانت جريمة القتل الأولى جزءاً من افتتاح الرواية بالمعنى الموسيقي، مثل الأوبرا، فإن القتل الثاني هو بالطبع جزء من الحبكة.
لكن يجب أن أعترف أنني أعرف الآن سبب ارتكاب جريمة القتل الأولى، وقد كتبت رواية بعنوان «ملك الليل والنهار»، ستصدر في أبريل (نيسان) المقبل في فرنسا، وآمل أن تترجم قريباً إلى العربية، تحكي الرواية (أخيراً!)، لماذا قتل الثلاثي الدموي الكتالوني.
> لكن كيف لثلاثة من الخارجين عن القانون أن يكون لديهم هذا النزوع نحو تحقيق العدل في مواجهة عجوز متنمرة عليهم، وعم مغتصب؟
- لا أريدُ صناعة أو خلق الشخصيات السردية ككتل. الخارج عن القانون مثل رئيس المجموعة «لودوفيك» يصبح فجأة مثل أي رجل لديه قلب، أمام فتاة صغيرة تنتهك. شيء ما يتغير في الطريقة التي ينظر بها «الثلاثة» إلى العالم عند وصولهم إلى محطة البنزين. كان من الممكن أن يصبحوا أشخاصاً جيدين وعاديين، ويقضون أوقاتهم في سرد النكات لبعضهم بعضاً وشرب نبيذ «الروز» تحت شجرة السنط. لكن الشر طرق بابهم مرة أخرى. كان نائماً بداخلهم ولكن عندما استيقظ، فهموا ما يجري. أصبح الرئيس وزميلاه، (بيغونيا والصيني)، أكثر شراسة من أي وقت مضى، ومستعدين لفعل أي شيء من أجل مارييل، فهي التي كانت بطريقة «خفية ونفسية»، تعوضهم بوجودها عما ينقصهم. كما أنها على الجانب الآخر، لا يمكن لأحد أن يفهمها أفضل منهم لأنهم يعرفون الكثير عن الشر. يمكنك أيضاً قراءتها؛ على أن الثلاثة «وحوش» ستخلصها مما تعانيه، كما هو الحال في حكاية أو كابوس ألم بمارييل، لأنها تُركت بمفردها وغير محمية.
> في الرواية نفسها تشيرين إلى أن العاهرة «بيغونيا مارس» كانت تدرس الأدب قبل تورطها فيما صارت إليه، ثم تبنين معمار الرواية كله على هذه التفصيلة... ما رؤيتك لهذه الاستراتيجية في البناء لروايتك؟
- تبدأ حياة بيغونيا من نقطة واقعية للغاية. قرأت مقالات في الصحافة وعلم الاجتماع عن الدعارة بشكل عام وعن قرية «لاجونكيرا»، حيث لا يزال الحال كما هو إلى يومنا الحاضر. ووجدت العديد من القصص عن الطلاب الذين واجهوا مصيراً مشابهاً. أرادوا كسب حياتهم من خلال وظيفة ليلية سهلة، بدا الأمر ممتعاً وشيقاً ومسلياً وأفضل أجراً من أي وظيفة طلابية مشتركة. لكنها كانت الخطوة الأولى في عالم الهلاك. ثم فكرت في «مارسيل بروست». في «ذكرى الأشياء الماضية»، يكتب مارسيل في الواقع عن الكتابة. في نهاية المجلدات السبعة، نفهم أن ما أراد كتابته كان فعلياً ما قرأناه للتو. في أثناء السير على خطى الكاتب العملاق، أردت استخدام الهندسة المعمارية نفسها، ولكن في رواية قصيرة واحدة. وبدلاً من الجمل الطويلة وشخصيات الطبقة العليا، اخترت استخدام جمل قصيرة وأشخاص منبوذين وعائلة مختلة.
> في «حانة غران مدامز» يبدو حضور «علي طالب» وكأنه اللحظة المضيئة في حياة (مارس) فيما يظهر (رولاند العنصري) عمدة «فيلغوج» في «المدعو الأخير» بفساده ودوره في تدمير الحياة فيها، لكن يبدو حضور الأجانب بمن فيهم العرب مثيراً للخوف والإرهاب والتهديد... كيف ترين هاتين الصورتين المتعارضتين لوجود الأجانب في الروايتين؟
- بما أن فرنسا بلد حقوق الإنسان، وموطن فولتير وغيره من المفكرين الأحرار، فهي أيضاً أرض ملوثة بالأحزاب السياسية العنصرية وكراهية الأجانب. فمن ناحية كان الناس يساعدون اللاجئين في الجمعيات أو بشكل فردي، ومن ناحية أخرى تدمر الشرطة خيام المهاجرين الفقراء. لذا تعد فرنسا بوتقة انصهار كبيرة وخارجة، تثري بموجات الهجرات المختلفة، ومن ناحية أخرى، يخشى الناس من التعرض للغزو. انظر إلى الأجنبي الذي أنت عليه قبل أن تخشى أي أجنبي، أود أن أقول، كما هو الحال في العديد من الأماكن الأخرى في أوروبا، الشعبوية هي اتجاه وتهديد. ومع ذلك، تتمتع أوروبا أيضاً بتاريخ طويل من الترحيب. لذلك، في رواياتي كمرآة للمجتمع، تتعايش وجهتا النظر بين شخصياتي.
> هناك حس شعري لامع في كثير من مناطق القص في «المدعو الأخير»... هل خشيتِ أن تؤثر اللغة الشعرية على السرد وفاعليته في الحدث؟
- اعذرني إذا كنت مخطئة، لكنني شعرتُ أنه فقط من خلال صنع قطعة جمالية من العمل، يمكنني جعل القصة تزدهر وتتدفق المشاعر، اللغة سلاح، كلنا نعرف ذلك وباستخدامها بكل إمكانياتها، وإنشاء الصور، وعمل القوائم، وكتابة قصيدة، واختراع أفعال جديدة، واستخدامها لصنع الموسيقى والإيقاع، وخلق عالم آخر وهمي صعب، ولكنه جميل. إنه وسيلة لمحاربة القبح والشر.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«من القلب إلى اليدين»... معرض يطير من ميلانو إلى باريس

حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)
حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)
TT

«من القلب إلى اليدين»... معرض يطير من ميلانو إلى باريس

حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)
حوار صامت بين الفنّ والموضة (إعلانات المعرض)

للمرّة الأولى، تجتمع في باريس، وفي مكان واحد، 200 قطعة من تصاميم الإيطاليَيْن دومنيكو دولتشي وستيفانو غبانا، الشريكَيْن اللذين نالت أزياؤهما إعجاباً عالمياً لعقود. إنه معرض «من القلب إلى اليدين» الذي يستضيفه القصر الكبير من 10 يناير (كانون الثاني) حتى نهاية مارس (آذار) 2025.

تطريز فوق تطريز (إعلانات المعرض)

وإذا كانت الموضة الإيطالية، وتلك التي تنتجها ميلانو بالتحديد، لا تحتاج إلى شهادة، فإنّ هذا المعرض يقدّم للزوار المحطّات التي سلكتها المسيرة الجمالية والإبداعية لهذين الخيّاطَيْن الموهوبَيْن اللذين جمعا اسميهما تحت توقيع واحد. ونظراً إلى ضخامته، خصَّص القصر الكبير للمعرض 10 صالات فسيحة على مساحة 1200 متر مربّع. وهو ليس مجرّد استعراض لفساتين سبقت رؤيتها على المنصات في مواسم عروض الأزياء الراقية، وإنما وقفة عند الثقافة الإيطالية واسترجاع لتاريخ الموضة في ذلك البلد، وللعناصر التي غذّت مخيّلة دولتشي وغبانا، مثل الفنون التشكيلية والموسيقى والسينما والمسرح والأوبرا والباليه والعمارة والحرف الشعبية والتقاليد المحلّية الفولكلورية. هذه كلّها رفدت إبداع الثنائي ومعها تلك البصمة الخاصة المُسمّاة «الدولتشي فيتا»، أي العيشة الناعمة الرخية. ويمكن القول إنّ المعرض هو رسالة حبّ إلى الثقافة الإيطالية مكتوبة بالخيط والإبرة.

للحفلات الخاصة (إعلانات المعرض)

عروس ميلانو (إعلانات المعرض)

هذا المعرض الذي بدأ مسيرته من مدينة ميلانو الساحرة، يقدّم، أيضاً، أعمالاً غير معروضة لعدد من التشكيليين الإيطاليين المعاصرين، في حوار صامت بين الفنّ والموضة، أي بين خامة اللوحة وخامة القماش. إنها دعوة للجمهور لاقتحام عالم من الجمال والألوان، والمُشاركة في اكتشاف المنابع التي استمدَّ منها المصمّمان أفكارهما. دعوةٌ تتبع مراحل عملية خروج الزيّ إلى منصات العرض؛ ومنها إلى أجساد الأنيقات، من لحظة اختيار القماش، حتى تفصيله وتزيينه بالتطريزات وباقي اللمسات الأخيرة. كما أنها مغامرة تسمح للزائر بالغوص في تفاصيل المهارات الإيطالية في الخياطة؛ تلك التجربة التي تراكمت جيلاً بعد جيل، وشكَّلت خزيناً يسند كل إبداع جديد. هذه هي باختصار قيمة «فيتو آمانو»، التي تعني مصنوعاً باليد.

دنيا من بياض (إعلانات المعرض)

رسمت تفاصيل المعرض مؤرّخة الموضة فلورنس مولر. فقد رأت في الثنائي رمزاً للثقافة الإيطالية. بدأت علاقة الصديقين دولتشي وغبانا في ثمانينات القرن الماضي. الأول من صقلية والثاني من ميلانو. شابان طموحان يعملان معاً لحساب المصمّم كوريجياري، إذ شمل دولتشي صديقه غبانا برعايته وعلّمه كيف يرسم التصاميم، وكذلك مبادئ مهنة صناعة الأزياء وخفاياها؛ إذ وُلد دولتشي في حضن الأقمشة والمقصات والخيوط، وكان أبوه خياطاً وأمه تبيع الأقمشة. وهو قد تكمَّن من خياطة أول قطعة له في السادسة من العمر. أما غبانا، ابن ميلانو، فلم يهتم بالأزياء إلا في سنّ المراهقة. وقد اعتاد القول إنّ فساتين الدمى هي التي علّمته كل ما تجب معرفته عن الموضة.

الخلفية الذهبية تسحر العين (إعلانات المعرض)

الأحمر الملوكي (إعلانات المعرض)

عام 1983، ولدت العلامة التجارية «دولتشي وغبانا»؛ وقد كانت في البداية مكتباً للاستشارات في شؤون تصميم الثياب. ثم قدَّم الثنائي أول مجموعة لهما من الأزياء في ربيع 1986 بعنوان «هندسة». ومثل كل بداية، فإنهما كانا شبه مفلسين، جمعا القماش من هنا وهناك وجاءا بعارضات من الصديقات اللواتي استخدمن حليهنّ الخاصة على منصة العرض. أما ستارة المسرح، فكانت شرشفاً من شقة دولتشي. ومع حلول الشتاء، قدَّما مجموعتهما التالية بعنوان «امرأة حقيقية»، فشكَّلت منعطفاً في مسيرة الدار. لقد أثارت إعجاب المستثمرين ونقاد الموضة. كانت ثياباً تستلهم الثقافة الإيطالية بشكل واضح، وكذلك تأثُّر المصمّمين بالسينما، لا سيما فيلم «الفهد» للمخرج لوتشينو فيسكونتي. كما أثارت مخيّلة الثنائي نجمات الشاشة يومذاك، مثيلات صوفيا لورين وكلوديا كاردينالي. وكان من الخامات المفضّلة لهما الحرير والدانتيل. وهو اختيار لم يتغيّر خلال السنوات الـ40 الماضية. والهدف أزياء تجمع بين الفخامة والحسّية، وأيضاً الدعابة والجرأة والمبالغة.

جمال الأزهار المطرَّزة (إعلانات المعرض)

اجتمعت هذه القطع للمرّة الأولى في قصر «بالازو ريالي» في ميلانو. ومن هناك تنتقل إلى باريس لتُعرض في واحد من أبهى قصورها التاريخية. إنه القصر الكبير الواقع على بُعد خطوات من «الشانزليزيه»، المُشيَّد عام 1897 ليستقبل المعرض الكوني لعام 1900. وعلى مدى أكثر من 100 عام، أدّى هذا القصر دوره في استضافة الأحداث الفنية الكبرى التي تُتقن العاصمة الفرنسية تقديمها.