مرثية شعرية تحتفي بجمالية الحقيقة

«الأفعوان الحجري» لنوري الجراح

غلاف «الأفعوان الحجري»
غلاف «الأفعوان الحجري»
TT

مرثية شعرية تحتفي بجمالية الحقيقة

غلاف «الأفعوان الحجري»
غلاف «الأفعوان الحجري»

تمثل الفترة الهلنستية من تاريخ البحر المتوسط سيرورة الدمج بين الهلينية، أي المركزية اليونانية، والشرق السوري الذي يمثل الأطراف. ويمكن وصف كتاب «الأفعوان الحجري» للشاعر نوري الجرّاح، الصادر مؤخراً في طبعتين عربية وإنجليزية، أنه مرثية شعرية جدلية المنزع بامتياز. وما أعنيه بذلك هو أنه نص إشكالي يترك النقاش مفتوحاً على الحسم الأنثروبولوجي.
ما فعله شاعر هذا النص باختصار هو تقديم الحسم إزاء وجهتي نظر حول رؤية حضارة العالم. وتشير وجهة النظر السائدة التي أَلِفَها الأنثروبولوجيون الغربيون طويلاً إلى أن الحضارة الهلينية (اليونانية)، حضارة المتوسط، هي حصيلة غزو شمالي من قبل شعوب هندو - أوروبية. ولكن اليونانيين أنفسهم، أصحاب ما يدعى بالمنزع الكلاسيكي في السياق الحضاري العالمي، لم يشيروا البتة إلى هذا الغزو الذي يدعى بـ«الموديل الآري».
هذا هو فصل المقال في الدراسة الأنثروبولوجية (3 أجزاء) التي أصدرها الباحث البريطاني مارتن برنال Bernal تحت عنوان «أثينا السوداء... الجذور الآفرو - آسيوية للحضارة الكلاسيكية». في «الأفعوان الحجري» يقدم نوري الجراح ما يمكن اعتباره بمثابة «المعادل الجمالي» لصنيع برنال. بؤرة ما أعنيه بالمعادل الجمالي هنا تكمن في تحويل نصب مُقام وفق الطراز التدمري، نقشت عليه كتابات بالتدمرية واللاتينية، وعثر عليه إلى الشمال من لندن على مقربة من جدار هادريان Hadrian Wall، في منطقة ساوث شيلدز South Shields التي يمر فيها نهر تاين River Tyne عند مصبه في المحيط - إلى نص شعري ملحمي.
في هذا النص نقش اسمان؛ برعتا التدمري القادم من الجنوب، وريجينا السلتية القادمة من الشمال. والسؤال؛ هل كان برعتا التدمري تاجراً وصل إلى بريطانيا قبل 2000 عام، أم مقاتلاً في القوات الرومانية القادمة من الجنوب؟
أغلب الظن أن برعتا التدمري مقاتل لم ينقش الاسم الأصلي لمحبوبته على اللوح الجنائزي التدمري، بل استبدل الاسم السلتي بصفة، هي ريجينا، باللاتينية تعني ملكة. ويظل السؤال مطروحاً؛ من هو هذا المغامر الذي جاء من الشرق ليحرر امرأة من الغرب ويسميها ريجينا مستفزاً بذلك سطوة النظام العبودي لروما؟
كيف قيض لفتى لوحته شمس تدمر أن يحيط بذراعه السمراء خصر فتاة سلتية ذات جديلة حمراء، ويهيم بها قبل 2000 عام؟
نصب شبيه بأنصاب تدمر عثر عليه بالقرب من جدار روماني أشعل مخيلة الشاعر، وله تدين هذه القصيدة التي تضيف للمرة الأولى إلى ثقافة اللغتين العربية والإنجليزية، بلغة ملحمية أيقونية المنزع، عابرة للجغرافيا والآيديولوجيا، أيقونة أقدم من كل ما عرفنا من أيقونات الحب المرتبط تحديداً بالمأساة.
مرثية التدمري لمحبوبته التي ماتت في الثلاثين ليست مجرد تاريخ ميثولوجي. يرى الأنثروبولوجيون البريطانيون أن برعتا القادم من سوريا قد يكون مقاتلاً في الجيش الروماني أو تاجراً تدمرياً وصل بطريقة ما إلى بريطانيا. ويرى شاعر «الأفعوان الحجري»، شأنه شأن آخرين، أنه قد يكون أحد النبالين السوريين الخمسمائة الذين كلفوا بالدفاع عن جدار هادريان (حسب الوثائق العسكرية الرومانية) الذي بني بأمر من الإمبراطور الروماني، الذي يحمل السور اسمه في عام 122 بعد الميلاد. وعندما أخلد برعتا إلى الراحة مع نهاية خدمته العسكرية، واصل حياته في منطقة قريبة من الحصن الرئيسي عند جدار هادريان، المسمى آربيا. ويخبرنا المؤرخون أن القانون العسكري الروماني لم يكن يسمح لمن هم من غير كبار الضباط اصطحاب عائلاتهم إلى المناطق التي يخدمون فيها لفترة ربع قرن، وهو ما يفسر بقاء الغالبية العظمى من صغار الضباط والجنود الرومانيين في بريطانيا، وارتباط معظم هؤلاء بنساء من القبائل السلتية، ومنها الكتافلانيون الذين تنتمي إليهم ريجينا، وهو ما حدث، وفقاً لمرثية «الأفعوان الحجري» لبرعتا التدمري باقترانه من السبية السلتية التي حررها.
من هذا المنظور يمكن اعتبار القصيدة صلة وصل بين الحقيقة التاريخية وبين الشعرية العابرة للثقافات. وهذا المنزع طريقة أخرى للقول إن الشعر جسر بين الحقيقة والخيال. وهذه النقطة يمكن تعقبها بمقاربات مختلفة، لعل أقربها إلينا تعقب الشعر العربي الراهن من حيث علاقته بالحقيقة الأنثروبولوجية.
وبصرف النظر عما يختاره قارئ الشعر المعاصر، فإن بعض الإلمام بالتاريخ الأوروبي ربما كان مطلوباً لإدراك مدى تماس الشاعر الجرّاح مع نقد إدوارد سعيد لباراديم النزعة المركزية الأوروبية.
أختم هذه الملاحظات بالقول إنه تكمن في هذه الملحمة الجسور رحلة شعرية مبتكرة لملمح مقموع عادة، ملمح مسكوت عنه، أو ربما منسي كلياً في التراثين الأدبي الإنجليزي والعربي. والحال أن كلا التراثين لا يمكن أن يقيّما نقدياً أو ينظر إليهما على النحو نفسه بعد الآن، في ضوء هذا الأثر الشعري. رحلة الشاعر السوري هنا، هي في تقديري سيرنادا شرقية الطراز Eastern Serenada لحن يعني هنا بلغة الموسيقى العزف في الهواء الطلق من قبل فارس تدمري قادم من الشرق ليمنح ريجينا السلتية في الشمال البريطاني الحرية والكرامة معاً، وها هنا تذهب صورة الشاعر بصورة العاشق ليطل هذا من شرفة محبوبته مسطراً شهادة أخاذة على القدرة على الإبداع الشعري، ولعلها مقاربة حداثية تجعل القدامة جنساً أدبياً ناطقاً بالكشف والإضاءة.

***
الضَّبَابُ يَفْتَرِسُ الأَقْوَاسَ والرُّمَاةَ،
الضَّبَابُ يَلْتَهِمُ الحِجَارَةَ، والسُّوْرَ، ويَهِيمُ عَلَى النَّهْرِ،
والَّذِينَ تَسَاقَطُوا مِنَ الحُصُونِ المَرْجُومَةِ بالبَلْطَاتِ والفُؤُوسِ،
سَقَطُوا فِي حُفْرَةِ الشِّتَاء...
أَرْوَاحُ الصَّرْعَى تَهِيمُ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْجَار.
***
أيْنَ هُمُ الرُّمَاةُ التَّدْمرِيُّونَ الَّذِينَ مَلَؤُوا الأَسْمَاعَ والْأَزْمِنَةَ بِصَيْحَاتِهُمُ الْمَرِحَةِ،
وأَقَاصِيصِهُمُ الَّتِي دَحْرَجَهَا الهَوَاءُ عَلَى امْتِدَادِ السُّورِ؟
نِيْرَانُهُمُ الهَائِجَةُ في أَمْوَاجِ الضَّبابِ أَرْسَلَتْ عَبِيْرَ دُخَانِهَا فِي الغَابَاتِ،
ودَلَّتْ عَلَيْهِمْ فُؤُوسُ المَوْشُومِينَ المُقبلينَ لينتحروا، كَسَمَكِ السَّالمُون، فِي أَعَالِي النَّهار.
***
بِأَيِّ لُغَاتٍ خَاطَبَ الجَرْحَى آلِهَتَهُمْ وَهُمْ يَلْفُظُونَ أَنْفَاسَهُمْ وَيُودِعُونَهَا فِي شُقُوقِ الْأَرْضِ؟
***
الضّبابُ يَلْفَحُ وجهيَ، الضّبابُ يَهيمُ بي،
فلأَتوارى أَبْعَدَ، ولأَسْمَع وقْعَ حَوافرِ خَيلٍ، ونِياقٍ تَخُبُّ،
ولألمح من وراءِ سعفِ النَّخيلِ خيالاتِ راكبينَ،
في عَجَاجٍ يلفَحني ويَمْلأُ الأَبْصارَ،
لأغيبَ في ركابِ مَنْ غابوا وأَنْهض وأَتَلقَّى صَيْفَ الجَنوب،
الرِّيحُ تَسُفّ الهاجرةَ وتَخُزُّ بالرَّملِ وجْهيَ.
***
دَمي قشعريرةُ ذِئْبٍ جَرِيحٍ، وصَوتي عُواء غَابَةٍ تَحْتَرِقُ.

من الديوان

أَنْتَ يَا مَنْ تَقِفُ لِتَقْرأَ كَلِمَاتِيَ المُرْتَجِفَةَ مِنَ البَرْدِ؛ هَلْ وصَلْتَ إِلى هُنَا، مِثْلِي، عَلَى مَرْكَبٍ مِنْ خَشَبِ الْأرزِ المَجْلُوبِ مِنْ جِبَالِ «نُومِيدْيَا»، أم عَلَى طَوْفٍ أَلْقَتْ بِهِ سَفِينَةٌ قُرْبَ شاطئٍ فِي بَحْرِ الشَّمَال؟
لَسْتُ حَامِلَ بَيَارِقَ، ولَكِنَّنِي تَاجِرُ أَقْمِشَةٍ مِنَ الشَّرق.
وَلَئِنْ تَرَكْتُ سَيْفِيَ عِنْدَ النَّهْرِ،
فَلِيُبَارِكَ الْبَعْلُ خُطْوتِي إِلَى البَيْتِ،
ولِيَصْفَحَ عَنْ إِثْمِ يَدِي.
***
في العَاصِفَةِ، وَقَدْ جُزْنَا بَحْرَ الرُّومِ، صَلَّيْتُ لَكِ يَا عَشِيرةُ، وأَنْتِ رَبَّةُ هَذِهِ الأَمْوَاجِ،
لَكِ صَلَّيْتُ،
ولِلْبَعْلِ أَعْطَيْتُ أُمْنِيَتِي.
ولمَّا رَأَيْتُ اليَابِسَةَ، رَأَيْتُكِ تَغْسِلِينَ قَدَمَكِ قُرْبَ النَّهْرِ،
رَأَيْتُ الضَّوْءَ يَتَقَطَّرُ،
مِنْ كَاحِلِكْ،
وَرَجَوْت إِيلَ فِي عَلْيَائِهِ، أَنْ يُبَارِكَ عَيْنِي الَّتي رَأَتْ.
***
كَيْفَ لِي، أَنَا بَرْعَتا بِوَجْهِيَ المُلَوَّحِ بِشَمْسِ «تَدْمُرَ»، أَنْ أُمَدِّدَكِ فِي شِغَافِ الصَّمْتِ فِي غَيْبُوبةِ السَّرِيرِ؛ كَيْفَ أَسْتَعِيدكِ مِنْ غَابَةِ الذِّئبِ، أَنَا الطَّائفُ بِالْكتَّانِ الدِّمَشْقِيِّ، وبِالْأَقْطَانِ، عَلَى بَلْدَاتٍ هَارِبَةٍ مِنْ صَخَبِ المُشَاةِ، وجَلَبَةِ السُّيُوفِ، وضَجِيجِ أَسَاطِيلِ النَّهْرِ؛
كَيْفَ أسْتَرِدُّكِ مِنْ صَمْتِ الغَابَةِ وتِيهِ النَّهْرِ.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

مصر: تصريحات نقيب الفلاحين عن فوائد «دود المش» تخطف الاهتمام

زراعة الطماطم تتم في عدة مواسم (وزارة الزراعة المصرية)
زراعة الطماطم تتم في عدة مواسم (وزارة الزراعة المصرية)
TT

مصر: تصريحات نقيب الفلاحين عن فوائد «دود المش» تخطف الاهتمام

زراعة الطماطم تتم في عدة مواسم (وزارة الزراعة المصرية)
زراعة الطماطم تتم في عدة مواسم (وزارة الزراعة المصرية)

خطفت تصريحات صحافية لنقيب الفلاحين بمصر، الاهتمامَ، بعد حديثه عن الفوائد الموجودة بـ«دود المش»، ووصفه له بأنه بروتين لا ضرر منه، في سياق حديثه عن الدود الذي يُصاب به محصول الطماطم، مشبهاً هذا بذاك.

وتصدر اسم «نقيب الفلاحين» حسين أبو صدام «الترند » على موقع «إكس» في مصر، الجمعة، وأبرزت الكثير من المواقع، إضافة لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات له قال فيها إن الدود الذي قد يظهر في بعض الأحيان بثمار الطماطم لا يشكل أي خطر على صحة المواطنين، تعليقاً على ما انتشر من أخبار حول تعرض كميات من محصول الطماطم للتسوس.

وتصل أسعار الطماطم في مصر إلى 10 جنيهات للكيلو (الدولار يساوي 47.6 جنيه مصري)، وتتراوح في بعض الأسواق من 6 إلى 12 جنيهاً، وفق ما نُشر بموقع لسوق العبور (شرق القاهرة).

ووصف حسين أبو صدام الآفة التي يتعرض لها محصول الطماطم بأنها «يرقات حشرات غير مضرة بصحة الإنسان»، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «هذه اليرقات لا تضر الإنسان وإنما تضر المحصول وتقلل إنتاجية الطماطم وطبعاً تشوه الثمار، وهو أمر يؤدي إلى تراجع أسعار المحصول، بالتالي يجب مكافحتها بالمبيدات ولكن إذا تناول الإنسان هذه اليرقات المسماة (التوتا أبسلوتا) المعروفة بحفار الطماطم فهي لا تضر صحته»، وأضاف أن «بعض هذه اليرقات يعد بمثابة بروتين بالنسبة للإنسان وفي دول أخرى يتم تناولها بشكل طبيعي، كم نتناول نحن المش بالدود ولا نصاب بسوء بل بالعكس هذا الدود يرتقي لمنزلة البروتينات».

وتزرع مصر نحو 500 ألف فدان من الطماطم سنوياً، بمعدل يزيد على 6 ملايين طن سنوياً، ويتراوح سعرها بين فترة وأخرى بين الارتفاع والانخفاض، فتصل أحياناً إلى 5 جنيهات (الدولار يساوي 47.6 جنيهات) وهو السعر الأدنى وفي بعض المواسم تصل إلى 20 جنيهاً، وفق تصريحات متلفزة لنقيب الفلاحين.

ووصف مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي تصريحات نقيب الفلاحين بأنها «غريبة»، وعدّ البعض هذا الوصف غير مقبول، خصوصاً أن «التوتا أبسلوتا»، كما قال، تقلل الإنتاج وتؤثر سلباً على جودة الثمار، وإن كان النقيب يستهدف طمأنة الجمهور فربما لم يفعل ذلك بالطريقة المناسبة.

ندوات إرشادية بخصوص مقاومة الآفات وزيادة إنتاجية المحاصيل (وزارة الزراعة المصرية)

ويرى الدكتور خالد عياد، الخبير بمركز البحوث الزراعية، أن «الدود أو اليرقات الموجودة في الطماطم تختلف عن اليرقات الموجودة في المش، فيرقات الطماطم قد تكون (توتا أبسلوتا) تسبب ثقوباً للثمرات»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «حتى لو الإنسان تناول هذه اليرقات فلا يتعرض لمشكلة صحية، وهذه تختلف تماماً عن يرقات المش، فدود المش هو يرقات لبيض الذباب، تتطور حتى تصبح عذارى»، وأشار إلى أن «الذباب المنزلي خطر لأنه يحمل العديد من الملوثات، ووصفه بالبروتين قد يكون صحيحاً لكنَّ اليرقة تكون محملة بالباثوزين والمسببات المرضية والبيكتريا، فهذه الأسباب مع التراكم تؤذي الصحة، وإن كان الفلاحون يتركون بلاص المش بالعام والعامين فيتكون به فطريات وبيكتريا، تفرز سموماً تسمى (الميكرودوكس) قد تصيب الإنسان بأمراض».

وكشفت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي عن نجاح لجنة مبيدات الآفات الزراعية، في تدريب وتأهيل 345 كادراً في مختلف التخصصات المتعلقة بمكافحة الآفات وتداول المبيدات، خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك في إطار خطة الدولة للارتقاء بمنظومة الاستخدام الآمن للمبيدات، وفق بيان لها.


إنتاج وقود مبتكر للطائرات من مخلّفات الطماطم

المشروع يركز على استغلال مخلفات الطماطم لإنتاج وقود طيران مستدام (جامعة غراتس للتكنولوجيا)
المشروع يركز على استغلال مخلفات الطماطم لإنتاج وقود طيران مستدام (جامعة غراتس للتكنولوجيا)
TT

إنتاج وقود مبتكر للطائرات من مخلّفات الطماطم

المشروع يركز على استغلال مخلفات الطماطم لإنتاج وقود طيران مستدام (جامعة غراتس للتكنولوجيا)
المشروع يركز على استغلال مخلفات الطماطم لإنتاج وقود طيران مستدام (جامعة غراتس للتكنولوجيا)

أعلن تحالف بحثي أوروبي، تقوده جامعة غراتس للتكنولوجيا في النمسا، عن مسار مبتكر لإنتاج وقود طيران مستدام من مخلفات إنتاج ومعالجة الطماطم.

وأوضح الباحثون أن هذه الخطوة تُعد واعدة لتقليل انبعاثات الكربون في أحد أكثر القطاعات صعوبة في التحول إلى الطاقة النظيفة، وفق النتائج المنشورة، الخميس، على موقع جامعة غراتس للتكنولوجيا.

وتُعد الطماطم ثاني أكثر الخضراوات استهلاكاً في العالم بعد البطاطس، في حين يحتل الاتحاد الأوروبي المرتبة الثالثة عالمياً في إنتاجها، بإجمالي حصاد يبلغ نحو 17 مليون طن سنوياً. إلا أن هذا الإنتاج يخلّف كميات ضخمة من الكتلة الحيوية المتبقية، غالباً ما يتم حرقها أو التخلص منها بتكاليف مرتفعة.

ويحمل المشروع البحثي اسم (ToFuel)، ويسعى إلى تطوير مفهوم مبتكر لمصفاة حيوية متكاملة تستغل مخلفات الطماطم، مثل الأوراق والسيقان والبذور والقشور والثمار غير الناضجة أو التالفة، لإنتاج وقود طيران مستدام، إلى جانب أسمدة وأعلاف حيوانية وزيوت غذائية. ويهدف فريق البحث لبناء عملية خالية من النفايات ومحايدة مناخياً، مع ضمان جدواها الاقتصادية.

ويعتمد المشروع على تقنيتين رئيسيتين لمعالجة الكتلة الحيوية. الأولى تركز على معالجة المخلفات بالحرارة والضغط ثم تُفكك خلاياها بشكل مفاجئ، ما يجعلها مناسبة لعمليات التخمر التي تُنتج دهوناً (ليبيدات) تُحوَّل لاحقاً إلى وقود طيران. أما التقنية الثانية فتحوّل الكتلة الحيوية تحت ضغط وحرارة مرتفعين إلى زيت حيوي وفحم حيوي.

وقبل تحويل الزيت الحيوي إلى وقود، تتم تنقيته من الشوائب؛ خصوصاً المركبات المحتوية على النيتروجين، لضمان جودة الوقود النهائي. وتشارك في تطوير هذه العمليات مؤسسات بحثية من البرتغال وكرواتيا والنمسا في تعاون وثيق. ثم تُحوَّل الدهون والزيوت الحيوية باستخدام تقنية مبتكرة ومعتمدة عالمياً لإنتاج وقود الطيران المستدام.

وأكدت مديرة المشروع، مارلين كينبرغر، أن الهدف لا يقتصر على الابتكار العلمي، بل يشمل تحقيق جدوى اقتصادية حقيقية، مشيرة إلى أن وقود الطيران المستدام «يجب أن يكون منافساً من حيث التكلفة ليتم اعتماده على نطاق واسع». كما أظهرت التحليلات البيئية أن العملية المقترحة تقترب من مفهوم «صفر نفايات»، مع إمكانية تحقيق حياد مناخي.

وينطلق المشروع رسمياً في 1 يناير (كانون الثاني) 2026، بمشاركة 11 شريكاً من 7 دول أوروبية، من بينها جامعات ومراكز بحثية مرموقة مثل جامعة زغرب، وجامعة فيينا للتكنولوجيا، وجامعة لابينرانتا الفنلندية، ومعهد فراونهوفر الألماني. كما يشارك شركاء صناعيون لتوفير مخلفات الطماطم وخبراتهم الصناعية.

ويبلغ إجمالي ميزانية المشروع 3.5 مليون يورو على مدى 4 سنوات، يحصل من بينها منسق المشروع، جامعة غراتس للتكنولوجيا، على مليون يورو. كما يشمل المشروع تدريب طلاب دكتوراه وماجستير وبكالوريوس، إلى جانب إعداد استراتيجية شاملة للتسويق والنشر العلمي.

ويعتبر الباحثون أن المشروع يمثل خطوة عملية نحو تحويل النفايات الزراعية إلى مصدر طاقة نظيف، مع خلق فرص اقتصادية جديدة لصناعة الأغذية ودعم التحول الأخضر في قطاع الطيران الأوروبي.


«فلسطيني على الطريق»... رحلة شخصية تتحول إلى فيلم عن مأساة متجددة

واجه التصوير صعوبات عدة (الشركة المنتجة)
واجه التصوير صعوبات عدة (الشركة المنتجة)
TT

«فلسطيني على الطريق»... رحلة شخصية تتحول إلى فيلم عن مأساة متجددة

واجه التصوير صعوبات عدة (الشركة المنتجة)
واجه التصوير صعوبات عدة (الشركة المنتجة)

لا يقدم فيلم «فلسطيني على الطريق» عملاً وثائقياً تقليدياً عن مكان أو مسار، بل ينطلق من تجربة إنسانية تمثلت في لحظة فقدٍ قاسية، لتتحول تدريجياً إلى رحلة بصرية عن الفلسطيني المعاصر، وحركته المقيدة داخل جغرافيته، وعلاقته بالذاكرة والمكان.

يبدأ الفيلم من موقف شخصي للمخرج إسماعيل الهباش، لكنه لا يبقى حبيس الموقف، بل ينفتح على واقع جماعي يفرض نفسه مع كل خطوة على الطريق، ليوثق واقعاً صعباً يعيشه الفلسطينيون داخل أراضيهم المحتلة. الفيلم حصد جائزة «المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب» مناصفة ضمن فعاليات الدورة 16 من «مهرجان كرامة... سينما الإنسان» بالأردن، التي عقدت في الفترة من 9 إلى 14 ديسمبر (كانون الأول) الجاري.

يقول الهباش لـ«الشرق الأوسط» إن فكرة الفيلم وُلدت من ظرف شخصي شديد الصعوبة، حين فقد زوجته بعد رحلة علاج شاقة، وهي تجربة تركت أثراً عميقاً عليه نفسياً وإنسانياً، ومع غياب أي إمكانية حقيقية للتعافي السريع، بدأ البحث عن وسيلة لفهم ما حدث، وعن مساحة للتفكير والمواجهة الهادئة مع الفقد، من هنا، جاءت فكرة الرحلة، لا باعتبارها هروباً، بل كفعل مواجهة وتأمل.

اختار المخرج أن تكون الرحلة داخل فلسطين، عبر مسار يمر بعدد من المدن والبلدات والقرى والمخيمات، «في محاولة لاختبار معنى الحركة داخل وطن مجزأ، تحكمه الحواجز والقيود، لم يكن الهدف توثيق الطريق بقدر ما كان اختبار ما يفرضه هذا الطريق من أسئلة عن الخسارة، والانقطاع، واستمرار الحياة رغم كل شيء»، كما يقول.

يظهر إسماعيل الهباش بنفسه في الفيلم، لا بوصفه بطلاً، بل شاهداً على التجربة. حضوره أمام الكاميرا جزء من صدق العمل، ومحاولة لكسر المسافة بين المخرج وموضوعه، فالفيلم، كما يوضح، لم يُصنع من موقع المراقبة، بل من داخل التجربة نفسها.

الهباش حاملاً الجائزة في الأردن (مهرجان كرامة)

وعن التحديات التي واجهها خلال التصوير، يشير الهباش إلى أن العمل داخل فلسطين يظل محفوفاً بالصعوبات، سواء على المستوى اللوجيستي أو الأمني، فالحواجز الإسرائيلية شكّلت عائقاً دائماً أمام حركة الفريق، وكانت هناك مناطق لا يمكن دخولها إلا بتصاريح خاصة، ولم يكن الحصول عليها أمراً سهلاً، في بعض الحالات، اضطر الفريق إلى الوصول إلى أماكن معينة من دون تصاريح، وهو ما جعل التصوير محفوفاً بالمخاطر.

ويضيف أن «المشروع كان من المفترض أن يُنفذ بمشاركة فريق أجنبي، لكن التدخلات الرسمية حالت دون استمرارهم للخوف على سلامتهم». هذه الظروف، حسب الهباش، «ليست استثناءً، بل تُعد جزءاً من واقع الفيلم الفلسطيني المصنوع في الداخل، حيث تؤثر القيود السياسية والأمنية بشكل مباشر على الميزانيات، وعلى حجم الفرق، وعلى آليات الإنتاج».

يُقارن الهباش بين الأفلام الفلسطينية التي تُنتج داخل فلسطين، وتلك التي تُنجز بتمويل خارجي أو في المنفى، مشيراً إلى أن اختلاف الظروف ينعكس بالضرورة على الإمكانيات؛ «فالفيلم المحلي يظل أكثر هشاشة من حيث الموارد، لكنه في الوقت نفسه أكثر التصاقاً بالواقع اليومي»، على حد تعبيره.

قدم المخرج توثيق معاناة يعيشها الفلسطينيون (الشركة المنتجة)

استغرق إنجاز الفيلم قرابة عامين ونصف العام، بدءاً من بلورة الفكرة وكتابتها، مروراً بالبحث عن التمويل، وصولاً إلى مرحلة التصوير، وخلال هذه الفترة، صُوّر نحو أربعين ساعة من المواد، خلال ما يقارب عشرين يوم تصوير.

ويشير الهباش إلى أن أصعب مراحل التصوير كانت داخل القدس، «حيث تكررت محاولات الحصول على تصاريح من دون جدوى، واضطر الفريق إلى تغيير خطط ومواعيد أكثر من مرة، كما أن الحركة داخل المدينة كانت مراقبة باستمرار، مما جعل التصوير مهمة معقدة، سواء من حيث السلامة أو من حيث حرية العمل، إضافة إلى ذلك، شكّلت زيارة بعض البيوت الفلسطينية التي يسكنها إسرائيليون حالياً خطراً حقيقياً؛ إذ كانت ردود الفعل في بعض الأحيان عدائية، وهو ما فرض حذراً دائماً أثناء التصوير»، كما يقول.

الفيلم الذي بدأ رحلته من مهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الماضية ووصل إلى الأردن يأمل مخرجه في مشاركته بعدد أكبر من المهرجانات السينمائية خلال الفترة المقبلة بهدف الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور.