ارتفاع أعداد المصابين والوفيات جرّاء الأوبئة في مناطق سيطرة الحوثيين

الميليشيات تتحكم في القطاع الصحي وتعرقل حملات منح اللقاحات

طفلة يمنية تتلقى جرعة من اللقاح المقدم من قبل «يونيسيف» (الأمم المتحدة)
طفلة يمنية تتلقى جرعة من اللقاح المقدم من قبل «يونيسيف» (الأمم المتحدة)
TT

ارتفاع أعداد المصابين والوفيات جرّاء الأوبئة في مناطق سيطرة الحوثيين

طفلة يمنية تتلقى جرعة من اللقاح المقدم من قبل «يونيسيف» (الأمم المتحدة)
طفلة يمنية تتلقى جرعة من اللقاح المقدم من قبل «يونيسيف» (الأمم المتحدة)

كشفت مصادر طبية يمنية عن أن عدداً من الأمراض والأوبئة يتصدرها شلل الأطفال والحصبة عاد مجدداً ليغزو مناطق عدة خاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية، بسبب فساد الأخيرة وإهمال قادتها ومنعهم غير مرة من تنفيذ حملات التحصين التي تقودها المنظمات الدولية.
يأتي ذلك متوازياً مع ظهور اعترافات حوثية جديدة تقر بتسجيل مختلف المناطق تحت سيطرة الميليشيات خلال العام الفائت آلاف الإصابات والمئات من حالات الوفاة جراء الأوبئة والأمراض الفتاكة.
إقرار الجماعة الانقلابية بتلك الإصابات وحالات الوفاة يأتي بعد أن كان اليمن قد تخلص خلال العقود الماضية من كثير من الأوبئة والأمراض الناجمة عن عدم أخذ اللقاحات بما فيها مرض شلل الأطفال والحصبة، في وقت تحذر فيه الأوساط الطبية من تفشٍّ أوسع للعديد من الأوبئة في الفترة المقبلة، في ظل إهمال الحوثيين وفساد قادتهم.
وعلى وقع هذا التردي في القطاع الصحي هاجم أعضاء في البرلمان الخاضع للانقلابيين في صنعاء قادة الميليشيات الذين يديرون قطاع الصحة، مطالبين إياهم بعدم التقاعس والقيام بواجبهم في ترصد انتشار تلك الأوبئة وتوفير ما يسمى «الإجراءات الاحترازية واللقاحات»، وفقاً لبرامج التحصين التي كانت معتمدة.
وحسب مصادر برلمانية في صنعاء، طرح أعضاء البرلمان غير الشرعي بإحدى جلساتهم عدة استفسارات على القيادي الحوثي طه المتوكل المعيّن بمنصب وزير الصحة بحكومة الانقلاب، بخصوص وفاة مئات الأطفال اليمنيين حديثاً جراء إصابتهم بأوبئة قاتلة منها «شلل الاطفال» و«الحصبة».
وطالب منتسبو مجلس النواب غير الشرعي (أغلبيتهم ينتمون لجناح حزب المؤتمر الشعبي الخاضع للحوثيين) قادة الجماعة الانقلابية في قطاع الصحة بوضع حد للشائعات التي تستهدف وعي المجتمع بأهمية تحصين الأطفال بمختلف اللقاحات، وتفعيل دور التثقيف الصحي. وتتهم الأوساط الصحية في صنعاء قادة الجماعة المهيمنة على ذلك القطاع بالتسبب في وفاة مئات اليمنيين من مختلف الأعمار نتيجة الإصابة بالعديد من الأوبئة، ويؤكدون أن ذلك يعد جرماً كبيراً، ويستدعي إجراء محاكمات علنية وعاجلة وليس طرح بعض الاستفسارات.
من جهته اعترف القيادي الحوثي طه المتوكل مجدداً بأن هناك ما بين 150 إلى 170 طفلاً يتوفون يومياً في مناطق سيطرة جماعته نتيجة استمرار تفاقم الحالة الصحية.
بالتوازي مع ذلك، اعترفت الميليشيات في إحصائية حديثة بتسجيل 226 حالة إصابة بـ«شلل الأطفال»، و18519 إصابة بمرض «الحصبة»، توفي منها 131 حالة بمناطق سيطرة الجماعة خلال العام الماضي. كما أقرت بأن عدد المرضى المصابين بالأمراض التنفسية العلوية بمناطق سيطرتها وصل إلى أكثر من مليوني حالة، في حين وصل عدد المصابين بـ«الإسهال المائي» إلى أكثر من مليون و150 ألف حالة، توفي منها 46 شخصاً، بينما بلغ عدد المصابين بالأمراض التنفسية الأخرى 760 ألف حالة، توفي منها 7 حالات خلال العام الفائت.
وأوضحت الميليشيات أن حالات الاشتباه بمرض «الكوليرا» التي سجلتها مناطق تحت سيطرتها بلغت خلال العام نفسه 14.500 حالة، توفي منها 8 حالات، كما وصل عدد الإصابات بـ«الديفتيريا» 1105 حالات، توفي منها 76 شخصاً، وبلغ عدد المصابين بمرض «التيفوئيد» 196 ألف شخص، بينما بلغ عدد المصابين بمرض «الملاريا» أكثر من مليون حالة، توفي منها 19 شخصاً.
ووصل عدد المصابين بمرض حمى الضنك في مدن سيطرة الجماعة خلال الفترة نفسها إلى أكثر من 28157 حالة، توفي منها 37 حالة، فيما بلغ عدد حالات «التهابات الكبد الفيروسي» بمختلف أنواعها أكثر من 34 ألف حالة، حسب الإحصائية الحوثية.
وكانت الحكومة الشرعية قد حذرت غير مرة من استمرار تضييق الجماعة الخناق على برامج تحصين الأطفال، وعرقلتها تنفيذ حملات تلقيح شاملة في العاصمة المختطفة ‎صنعاء وبقية المدن التي تحت قبضتها.
وتتهم تقارير محلية وأخرى دولية الميليشيات بانتهاجها طيلة السنوات الماضية سياسة تدميرية ممنهجة تجاه القطاع الصحي، مع مواصلتها إيقاف رواتب ونفقات تشغيل المنشآت الصحية، وحرمانها ملايين اليمنيين من تلقي الخدمات الطبية للحماية من الأمراض والأوبئة التي لا تزال تفتك بكثير منهم.
وفي بيان حديث لها، أكدت منظمة الصحة العالمية أن 21.9 مليون يمني بحاجة للمساعدة الصحية، لافتة إلى أن اليمن يتأثر بسلالتين منفصلتين من فيروس شلل الأطفال، حيث تم تسجيل 150 إصابة في عام 2022.
وأعلنت المنظمة الأممية حاجتها لنحو 141.5 مليون دولار، لتوفير الخدمات الصحية الضرورية لإنقاذ حياة ملايين الأشخاص في اليمن خلال العام الحالي 2023، بما في ذلك التصدي للأمراض المعدية وتفشي الأوبئة ومنها (كوفيد - 19).
ولفتت إلى أن الصراع المستمر للعام التاسع على التوالي أدى إلى انهيار الاقتصاد اليمني، وتعطيل الخدمات العامة والاجتماعية، وبالتالي زيادة الاحتياجات الإنسانية، خصوصاً في مجال الرعاية الصحية «حيث يعمل أقل من 50 بالمائة من المرافق الصحية في عموم البلاد، ما يجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات السكان».
وأوضحت أن أنشطتها في اليمن خلال هذا العام ستتمثل في تعزيز التأهب والمراقبة بما في ذلك الاكتشاف المبكر والتصدي للأمراض المعدية وتفشي الأمراض والأوبئة، ومنها (كوفيد – 19) في 32 مرفقاً صحياً. وأشارت المنظمة الأممية إلى أن الحرب في اليمن، دمرت البنية التحتية لقطاع الصحة، في بلد يعيش في فقر مدقع، ويعتمد 80 في المائة من سكانه البالغ عددهم 32.6 مليون نسمة على المساعدات.


مقالات ذات صلة

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك فوائد الرياضة قد ترجع إلى زيادة تدفق الدم للدماغ وتحفيز المواد الكيميائية المعروفة باسم الناقلات العصبية (رويترز)

دراسة: ممارسة الرياضة لنصف ساعة تساهم في تحسين الذاكرة

يعتقد العلماء الآن أن النشاط البدني ليس مجرد فكرة جيدة لتحسين اليوم القادم؛ بل يمكن أن يرتبط بزيادة طفيفة في درجات عمل الذاكرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.