مسحوق مغناطيسي جديد لالتقاط الميكروبلاستيك من المياه

لتفادي دخوله السلسلة الغذائية

مسحوق مغناطيسي جديد لالتقاط الميكروبلاستيك من المياه
TT

مسحوق مغناطيسي جديد لالتقاط الميكروبلاستيك من المياه

مسحوق مغناطيسي جديد لالتقاط الميكروبلاستيك من المياه

عندما تتفكّك النفايات البلاستيكية إلى أجزاء صغيرة جداً - بعرضٍ أقلّ من واحد ميكرومتر؛ أي ألف مرّة أرقّ من الشعرة البشرية - يصبح من المستحيل رصدها في معامل معالجة المياه. ولكنّ باحثين نجحوا أخيراً في تطوير مادّة جديدة قادرة على التقاط هذه الأجزاء والتخلّص منها قبل وصولها إلى مياه الأنهار والمحيطات ودخولها في السلسلة الغذائية.
تأتي هذه المادّة، التي صُمّمت على شكل مسحوق مصنوع من نفايات معادة التدوير، بهيكل نانوي الحجم مصمّم لالتقاط البلاستيك غير المرئي. تقول نيكي إشتياغي، الأستاذة بالهندسة الكيميائية في «جامعة المعهد الملكي للتكنولوجيا» في ملبورن والتي تقود فريق البحث الذي طوّر هذه التقنية: «إنّها مادّة مسامية بسطحٍ مميّز يتفاعل مع اللدائن الصغيرة (الميكرو بلاستيك)». تستطيع المادّة أيضاً التقاط الملوّثات، فضلاً عن أنّ طبيعتها المغناطيسية تتيح رفعها بسهولة من المياه بعد الاستخدام.
وتشرح إشتياغي أنّ معامل معالجة المياه تملك اليوم القدرة على ترشيح أجزاء الميكروبلاستيك الكبيرة، ولكنّ الأجزاء الصغيرة تفلت منها، لافتةً إلى أنّ «كمية كبيرة من اللدائن الصغيرة تصل إلى الخلجان والمحيطات بسبب نقص معدّات الرصد المناسبة والتقنيات القادرة على التخلّص من أجزاء الميكروبلاستيك الصغيرة (أصغر من 1 ميكرومتر)». عندما يصل البلاستيك إلى المجاري المائية، يعمد إلى امتصاص الملوّثات الأخرى، ومن ثمّ تأكله الحيوانات المائية، وهكذا يصل البلاستيك والملوّثات الأخرى إلى السلسلة الغذائية. وكانت دراسة أجريت العام الماضي في كندا قد وجدت أنّ 99 في المائة من عيّنات الأسماك المستخدمة فيها تحتوي على جزيئة واحدة من الميكروبلاستيك في الأقلّ، وأنّ التركيز الأعلى لهذه البلاستيكيات ظهر لدى الأسماك الصغيرة.
رُصدت جزيئات الميكروبلاستيك أيضاً في ملح البحر، والمياه المعبّأة، والفواكه والخضراوات، واللحوم المعلّبة... وفي أنواعٍ أخرى من الأطعمة، حتّى إنّها رُصدت في البشر على نحوٍ غير مفاجئ؛ إذ سُجّل في هذا العام توثيق لجزيئات الميكروبلاستيك في الدم البشري للمرّة الأولى. لم يتضح بعد معنى وتأثير هذا الأمر على الصحة البشرية، علماً بأنّ دراسات سابقة كانت قد أظهرت أنّ أصغر أجزاء الميكروبلاستيك تبقى في الجسم ويمكن أن تكون سبباً في أمراض المناعة الذاتية، والسرطان، والعقم، ومشكلات جديّة أخرى.
لا تستطيع المرشحات التقليدية المستخدمة لتنظيف البلاستيك التقاط الأجزاء البلاستيكية الصغيرة، ولا حتّى المرشحات نانوية الحجم المصمّمة لهذه الغاية. وأيضاً؛ تتسبّب تقنيات التنظيف التي تسرّع تفكّك البلاستيك في تسرّب ملوّثات أخرى إلى المياه، فضلاً عن أنّها لا تزال تفتقر إلى السرعة التي تحتاجها معامل معالجة المياه. ولكنّ هذه التقنية الجديدة قادرة على إعطاء نتيجة في ساعة واحدة، وفق الباحثين، ليُصار بعدها إلى إعادة تدوير البلاستيك الذي التقطته.
يبحث فريق إشتياغي حالياً عن شركاء تجاريين لتوسيع نطاق التقنية. ولكن يجب ألّا ننسى أنّ هذا المسحوق المغناطيسي الجديد لن يحلّ إلا جزءاً من المشكلة حتّى ولو أظهر فاعلية عالية؛ لأنّ المحيطات مليئة باللدائن الصغيرة، وعلى الرغم من أن هذه المادّة قد تكون فعالة نظرياً في الطبيعة، فإنه لم يتّضح بعد كيف ستكون نتائج استخدامها على أرض الواقع. يبقى التحدّي الأكبر في إيجاد وسيلة لإنهاء تدفّق النفايات البلاستيكية الجديدة في المرتبة الأولى، وليس فقط القطع الكبيرة منها كالأغلفة ومخلفات التعليب؛ بل أيضاً النفايات الأقلّ شعبية كالألياف البلاستيكية الدقيقة التي تفرزها الملابس أثناء الغسل.
* «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
TT

تنبؤات المستقبل... التاريخ يثبت صعوبة طرحها

مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة
مسيرة الإنسان نحو المستقبل... اتجاهات وتوجهات مبهمة

عام 1974، نشرت مجلة «ساترداي ريفيو - Saturday Review» الأميركية الرصينة، التي كانت في عامها الـ50 آنذاك، عدة إصدارات بمناسبة ذكراها السنوية، تناولت كيف أدى القرن إلى حاضر قاتم من الحرب النووية الحرارية الوشيكة، والطفرة السكانية التي سرعان ما ستتجاوز قدرة الكوكب على إطعام سكانه، ونضوب الطاقة القابلة للاستغلال، وغيرها من التعثرات التي تهدد العالم.

الاكتظاظ السكاني وندرة النفط... تنبؤات ما قبل 50 عاماً

في الختام، قدمت المجلة إصداراً خيالياً غير معتاد مليئاً بالتنبؤات والمقترحات الخيالية والمعقدة أحياناً للعالم، لما بعد نصف قرن من الزمان في المستقبل. وكان أحد إصدارات الذكرى السنوية في عام 1974 مخصصاً بالكامل للطرق التي يمكن للعالم من خلالها استعادة ثقته. وأشرف على إصدار الإصدارات محرر المجلة نورمان كوزينز، وهو نفسه مثقف عام غزير الإنتاج وكان ذات يوم أشهر شخصية متفائلة في البلاد.

كان كوزينز وصف في عام 1979، كتابه الأكثر مبيعاً «تشريح المرض كما يراه المريض» كيف نجح في علاج نفسه، جزئياً، بعد تشخيص حالته بمرض مميت، من خلال التمتع بأفلام كوميدية مجنونة وضحكات عالية.

«مستقبليون» سابقون مشهورون

جمع كوزينز قائمة من كبار الشخصيات المشهورين على مستوى العالم، مثل أندريه ساخاروف، ونيل أرمسترونغ، وجاك كوستو، وإسحاق أسيموف، وكلير بوث لوس (المرأة الوحيدة).

وقد تراجعت بعض المشاكل التي كانوا يأملون أن يتمكن العالم من إيجاد مخرج منها، وخاصة ندرة النفط والاكتظاظ السكاني. وسواء كان ذلك بحكمة أو بغير حكمة، فقد حلت محل هذه المخاوف نقيضاتها الظاهرية الحالية.

وباء السمنة وحطام الوقود الأحفوري

في البلدان الغنية حالياً ظهرت مشكلات أخرى، إذ تتعامل اليوم مع أوبئة السمنة و«حطام» الوقود الأحفوري المفرط في الوفرة.

ومن المفارقة أن قيمة شركة «نوفو نورديسك»، المصنعة لعقاقير إنقاص الوزن أوزيمبيك وويجغفي تأتي فقط بعد قيم شركتي النفط والغاز الكبيرتين في العالم، «أرامكو» السعودية و«إكسون».

واليوم تصاب الدول بالذعر إزاء الانحدار العالمي في معدلات المواليد وتقلص أعداد السكان وشيخوخة السكان. وقد أكون مغروراً بقدر ما أصبت في توقعاتي، ولكنني أدرك أيضاً ما أغفلته توقعاتي المستقبلية.

40 % من البالغين لا يريدون الإنجاب

لقد توقعت أن معدلات المواليد المتقلصة سوف تجتاح العالم بأسره، ولكنني لم أتوقع أن يصبح عدد البالغين الذين سوف يختارون عدم إنجاب الأطفال على الإطلاق كبيراً، ففي بعض البلدان تصل نسبتهم إلى نحو 40 في المائة. لقد توقعت بشكل صحيح أن سياسة الطفل الواحد التي تنتهجها الصين سوف تدفع الأسر الصينية إلى الاستثمار بشكل متزايد في تعليم أطفالها من أجل إعدادهم للسوق العالمية. لم أكن أتوقع أن الملايين من الشباب الصينيين المتعلمين في الجامعات والذين يعانون من الإحباط المهني سوف يفضّلون البقاء عاطلين عن العمل لسنوات بدلاً من العمل في وظائف يعدّونها أدنى من مستواهم، أو أنهم سوف يظلون معتمدين على والديهم، غير متزوجين وليس لديهم أطفال.

ازدياد أجيال من غير المتعلمين

لم أكن أتوقع بالتأكيد أن الرخاء وانخفاض معدلات البطالة في أميركا سوف يثني الشباب عن الذهاب إلى الجامعة، أو أن «غير المتعلمين» سوف يلوّحون بعدم حصولهم على الشهادات الجامعية كفضيلة سياسية ثم يتفاخرون بها وبأنهم يمثلون طليعة النهضة الأميركية العظيمة.

صدمة المستقبل

الأشياء التي فاتتني لم تكن جامحة مثل بعض الرؤى الغريبة التي تخيلها طاقم المجلة في عام 1974.

* نبوءة نيل أرمسترونغ. تنبأ نيل أرمسترونغ (رائد الفضاء الأميركي) بوجود مجموعات كاملة من البشر يعيشون في محيط من مادة الميثان اللزجة تحت سطح كوكب المشتري الذي يمكنهم البقاء عليه. سوف يعملون في وظائفهم اليومية، ويتسوّقون ويحتفلون بينما يطفون في بدلات السباحة، ولكن فقط بعد إجراء عملية جراحية لاستبدال قلوب ورئات المستعمرين بأجهزة أكسجين قابلة للزرع. ومن الغريب أن أرمسترونغ، وهو مهندس طيران، رأى هذا باعتباره رؤية وردية لعام 2024.

* نبوءة أندريه ساخاروف. كما قدم أندريه ساخاروف، والد القنبلة الهيدروجينية السوفياتية والحائز على جائزة نوبل للسلام (1975)، أفكاراً حول كيفية إخراج الناس «من عالم صناعي مكتظ وغير مضياف للحياة البشرية والطبيعة».

كان ساخاروف يعتقد أن عالم عام 2024 سوف ينقسم إلى مناطق صناعية قاتمة وأحزمة خضراء مكتظة بالسكان حيث يقضي الناس معظم وقتهم. لكن سطح الأرض لن يكون كافياً لـ«7 مليارات نسمة في عام 2024» (كان ينقصه مليار). كما توقع ساخاروف مدناً شاسعة في الفضاء ستكون موطناً للمزارع والمصانع. أعتقد أن هذا يبدو وكأنه رؤية طوباوية إذا كانت الحياة البائسة على سطح الأرض أسوأ بكثير.

* نبوءة كلير بوث لوس، المحافظة السياسية ومدمنة عقار «إل إس دي»، والتي كانت كاتبة مسرحية وممثلة في الكونغرس وسفيرة في إيطاليا وزوجة لرجال أقوياء، أن التقدم البطيء للغاية الذي أحرزته النساء تمكن رؤيته في ملامح ماضيهن.

كانت لوس تعتقد أن المساواة للمرأة سوف تأتي، لكنها ستستغرق قرناً أو أكثر. وقد كتبت: «يؤسفني أن أقول إن الصورة التي أراها هناك ليست صورة المرأة الجالسة في الغرفة البيضاوية في البيت الأبيض في عام 2024».

إيمان مستقبلي

في الآونة الأخيرة، كنت أحاول أن أرى المستقبل من خلال قضاء بعض الوقت في مواقع بناء مراكز البيانات التي تنتشر في جميع أنحاء البلاد لالتقاط ملامح الطفرة في الذكاء الاصطناعي.

إن أحد التنبؤات المذهلة التي تحرك الأموال والسياسات اليوم أن العالم سينفق أكثر من تريليون دولار لبناء البنية الأساسية للبيانات (يتوقع سام ألتمان، مؤسس شركة «OpenAI» سبعة تريليونات دولار) للحوسبة من الجيل التالي التي يمكن أن تلغي التنبؤ البشري وتستبدله بنماذج تنبؤية تديرها الآلات.

ورغم أنه لا أحد يعرف إلى أين ستقود كل هذه القوة الحاسوبية، فإن العالم يراهن عليها بشدة مع ذلك. إن هذه الطفرة تجعل خيالي - وهو شيء كنت فخوراً به للغاية - يشعر بالضآلة والإرهاق.

رؤية مفعمة بالأمل لدحر التشاؤم

لقد جاء دافع كوزينز للتنبؤ بالمستقبل أكثر من منطلقات الذكاء العاطفي له والرؤى المفعمة بالأمل له وأمثاله الذين وظّفوا معرفتهم للانفصال عن الماضي، وأقل من منطلقات رؤيته للمستقبل المستنبطة من الحقائق المعروفة في زمنه.

ومن المفارقات، كما أشار كوزينز، أن التنبؤات لا تأخذ في الحسبان التفاؤل الذي يتوقعه الناس في المستقبل.

وأضاف، في حينه، أنه إذا كان لدى عدد كافٍ من الناس إيمان بأن الجنس البشري يتمتع بالقدر الكافي من الذكاء والطاقة للعمل معاً على حل المشاكل العالمية، فإنه استخلص أن «التوقعات المتشائمة للخبراء سوف تفقد قدرتها على الشلل أو الترهيب. لذا فإن أكبر مهمة تواجه البشرية في السنوات الـ50 المقبلة سوف تكون إثبات خطأ الخبراء [المتشائمين]».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».