هل أثّرت الأزمة اللبنانية على واقع الإنتاج الروائي؟

مهتمون وأصحاب دور نشر يتحدثون عن أسباب الغياب عن «بوكر»

هل أثّرت الأزمة اللبنانية على واقع الإنتاج الروائي؟
TT

هل أثّرت الأزمة اللبنانية على واقع الإنتاج الروائي؟

هل أثّرت الأزمة اللبنانية على واقع الإنتاج الروائي؟

خَلَت القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» العربية 2023، التي تضم 16 رواية، من أية رواية لبنانية. أهو شيء طبيعي أن تخلو قوائم أية جائزة من أسماء روائيين من بلد معين، فالترشيح، كما هو مفروض، ليست له علاقة بالجغرافيا، وإنما المعيار الوحيد هو القيمة الأدبية، وعلى الأقل هذا هو المعلَن، أم أن هناك سبباً ذاتياً يتعلق بالروائيين اللبنانيين الذين تصدّروا الجوائز في دورات سابقة؟ ألم ينتج هؤلاء الروائيون رواية واحدة تستحق أن تدخل قوائم «بوكر» العربية؟ هل هناك تراجع في المستويين الفني والأدبي، أم أن هناك اعتبارات أخرى؟

- «دار الآداب»: المشاركة اللبنانية ليست شرطاً
لم ترشِّح «دار الآداب» أي نص لبناني للجائزة، هذه السنة، كما تؤكد صاحبتها رنا إدريس، «على عكس العام المقبل الذي سيحمل ثلاثة ترشيحات (تتحفظ عن الأسماء)». وبرأيها، فإن «ترشيح مؤلفة أو مؤلف لبناني ليس واجباً كل عام، فالدار قد تصبّ تركيزها على روايات من جنسيات أخرى، أو ربما لم تجد نصاً لبنانياً يمكن ترشيحه، هذه الدورة؛ لسبب (لوجستي)؛ بدليل حضور رواية (حاكمة القلعتين) للروائية السورية لينا هويان الحسن، الصادرة عن (الآداب)، في المنافسة ضمن القائمة الطويلة».
وهي لا تستغرب غياب الرواية اللبنانية، هذا العام: «الأمر عادي؛ لكون العكس ليس شرطاً على الإطلاق، كما أن الغياب ليس دليلاً على ضعف الإصدارات اللبنانية أو تراجع مستوى الإنتاج. لدار النشر أحياناً اعتبارات. وربما من الأسباب رفض مؤلف (مؤلفة) المشاركة في الجائزة التي تشترط الحصول على إمضائه لاعتماد ترشيحه».

- «نوفل- هاشيت أنطوان»: استغراب
وتستغرب المديرة التحريرية لـ«دار نوفل» (هاشيت أنطوان) رنا حايك، خلوّ القائمة الطويلة للجائزة من الرواية اللبنانية، ثم تقلّص حجم الغرابة بقولها إن «هذه الأمور تحدث لاعتبارات كثيرة، كالجنسية، فإن مُنحت الـ(بوكر) للبناني أو مصري أو فلسطيني، العام الفائت، فإنها على الأرجح ستُمنح لمؤلف أو مؤلفة من جنسية أخرى في العام المقبل».
وبرأيها، «هذا ما يحصل في جميع المسابقات والجوائز، حتى مسابقة ملكة الجمال».
وهي تشدّد على أنه لا حقيقة مطلقة في كل ما يتعلق بالجوائز واعتباراتها، فعلى الجهة الأخرى، يصحّ تأكيد أن أزمة لبنان تؤثر في واقع الإنتاج الروائي. تقول: «ثلاث سنوات من التنقل بين الفظائع، لكن الكتابة عنها تحتاج إلى وقت. أجمل روايات الحرب الأهلية صدرت بعد همود المعارك، كذلك أفلام السينما. والإنتاج الأدبي السوري يتخذ من الحرب مسرحه الضخم، بعدما انتظر نهايتها. الكتابة تتطلّب استيعاباً. الأدب نضج وتراكم، مما يفسّر قلة الأعمال الأدبية اللبنانية أخيراً».

- «دار رياض الريس»: مستوى الجائزة يتراجع
بلسان صريح، تشير صاحبة «دار رياض الريس» فاطمة بيضون، إلى «تراجع مستوى الـ(بوكر) في السنوات الأخيرة، ومعها مستوى الروايات على قوائمها.
ولعل هذا العام هو الأسوأ». وبرأيها، يجب أن يكون السؤال بالشكل التالي: ما سبب تراجع مستوى الروايات المشارِكة في الجائزة؟ وهل تستحق الروايات المرشّحة الفوز بجائزة «بوكر»؟ ثم أين الرواية اللبنانية؟ هذا هو السؤال.

- بختي: الرواية اللبنانية ستستعيد تألقها
لا يشكّ الناقد والناشر سليمان بختي في أن الظرف اللبناني الاقتصادي والسياسي والأمني يؤثر في الإنتاج الإبداعي. يقول: «عدم الاستقرار أو الغرق في متطلبات الحياة اليومية وتكاليفها ومفاجآتها، يجعل العملية الإبداعية شاقة. لا بدّ للمعاناة الصعبة من أن تنتج أدباً أصيلاً، لكنّ الأمر يحتاج إلى تخمر». ويشير هنا إلى تراجع مستوى التعليم وعدم القدرة على دخول جامعات باهظة الأقساط: «وهذا على ارتباط وثيق بواقع النشر الصعب، وضعف التوزيع، وتدهور حركة الإعلام». ويتابع رابطاً: «نفوذ المبدع بنفوذ بلاده»، فـ«لبنان في حالة بائسة».
ويضيف: «وربما الارتباك الحاصل جراء الانهيار الاقتصادي وانفجار المرفأ وآثار الجائحة، ترك تأثيره في الإبداع الروائي، فالرواية عمارة تحتاج إلى استقرار وبناء وبحث»؛ لكنه يستدرك بالقول: «الإنتاج والجهد مستمران، وإن غابت الرواية اللبنانية عن ترشيحات القائمة الطويلة، هذه السنة، فالأمر لا يعكس تردياً في المستوى الأدبي؛ لأن بيروت، رغم أحوالها، لا تزال قادرة على الإنتاج الثقافي. وإذا ألقينا نظرة على مجالات الفنون؛ من سينما ومسرح وفن تشكيلي وإصدارات أدبية جديدة، فسنرى أن الثقافة هي التي تُحيي المدينة. أعتقد أن الأيام الآتية ستعيد إلى الرواية اللبنانية تألقها ودورها المميز في مسار الرواية العربية الطليعية».

- علوية صبح: أتحيّز للعمل الجيد
روائيون فضّلوا الاحتفاظ بآرائهم باعتبار أنهم غير مطّلعين بما يكفي على الإنتاج الروائي، هذه السنة، ولأن الجوائز، بالنسبة إليهم «ليست مدخلاً للتقييم». علوية صبح التي صدرت لها رواية «افرح يا قلبي» (الآداب)، في نهاية العام الفائت، سجّلت موقفاً، وإن تقاطع مع روائيين يرفضون ربط قيمة الرواية بجائزة: «الرواية اللبنانية ليست متأخرة، وثمة إصدارات جيدة، لكني لا أحبّذ فكرة توزيع الجوائز على البلدان. أميل إلى اختيار الأعمال الجيدة في الجوائز، أكانت الـ(بوكر) أو سواها، لمن يستحق. لا يهمني إن كان لبنانياً أو من أي بلد، أقف ضدّ هذا التحيّز وإعطاء الجوائز وفقاً للجغرافيا. أتحيّز للعمل الجيد».
وتتمنى الفائزة بجائزة «السلطان قابوس للإبداع» (2006)، و«العويس» (2009)، وكانت روايتها «أن تعشق الحياة» (الآداب 2020) ضمن القائمة القصيرة لجائزة «الشيخ زايد للكتاب»؛ «أن تغيب اعتبارات البلدان عن البال لدى الحديث عن الجوائز العربية. وليت هذه الجوائز تتخطى إشكالية الاختيار حسب الجنسيات، فيكون الاهتمام بالكتاب فقط».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

رغم المرض... سيليون ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
TT

رغم المرض... سيليون ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)

لم يمنع المرض النجمة العالمية سيلين ديون من إحياء افتتاح النسخة الـ33 من الألعاب الأولمبية في باريس، مساء الجمعة، حيث أبدعت في أول ظهور لها منذ إعلان إصابتها بمتلازمة الشخص المتيبس.

وأدت المغنية الكندية، الغائبة عن الحفلات منذ 2020، أغنية «L'hymne a l'amour» («نشيد الحب») لإديت بياف، من الطبقة الأولى لبرج إيفل.

ونجحت الفنانة الكندية رغم أزمتها الصحية الأخيرة في مواصلة شغفها كمغنية عالمية، كما أثارث النجمة البالغة من العمر 56 عاماً ضجة كبيرة بين معجبيها في عاصمة الأنوار هذا الأسبوع الحالي، حيث شوهدت محاطة بمعجبيها.

وتعاني ديون بسبب هذا المرض النادر، الذي يسبب لها صعوبات في المشي، كما يمنعها من استعمال أوتارها الصوتية بالطريقة التي ترغبها لأداء أغانيها.

ولم يشهد الحفل التاريخي في باريس عودة ديون للغناء المباشر على المسرح فقط، بل شمل أيضاً أداءها باللغة الفرنسية تكريماً لمضيفي الأولمبياد.

وهذه ليست أول مرة تحيي فيها سيلين ديون حفل افتتاح الأولمبياد، إذ أحيته من قبل في عام 1996، حيث أقيم في أتلانتا في الولايات المتحدة الأميركية.

وترقبت الجماهير الحاضرة في باريس ظهور ديون، الذي جاء عقب أشهر عصيبة لها، حين ظهر مقطع فيديو لها وهي تصارع المرض.

وأثار المشهد القاسي تعاطف عدد كبير من جمهورها في جميع أنحاء المعمورة، الذين عبّروا عبر منصات التواصل الاجتماعي عن حزنهم، وفي الوقت ذاته إعجابهم بجرأة سيلين ديون وقدرتها على مشاركة تلك المشاهد مع العالم.

وترتبط المغنية بعلاقة خاصة مع فرنسا، حيث حققت نجومية كبيرة مع ألبومها «دو» («D'eux») سنة 1995، والذي تحمل أغنياته توقيع المغني والمؤلف الموسيقي الفرنسي جان جاك غولدمان.

وفي عام 1997، حظيت ديون بنجاح عالمي كبير بفضل أغنية «My Heart will go on» («ماي هارت ويل غو أون»)، في إطار الموسيقى التصويرية لفيلم «تايتانيك» لجيمس كامرون.