باكو رابان... رحيل مصمم عاش في المستقبل

اشتهر بأسلوبه الحداثي وأفكاره المجنونة وخلد اسمه في عطوره

باكو رابان في ورشة عمله بباريس (رويترز)
باكو رابان في ورشة عمله بباريس (رويترز)
TT

باكو رابان... رحيل مصمم عاش في المستقبل

باكو رابان في ورشة عمله بباريس (رويترز)
باكو رابان في ورشة عمله بباريس (رويترز)

استيقظ عالم الموضة، أمس، على خبر وفاة المصمم الإسباني الأصل باكو رابان عن عمر يناهز 88 عاماً. وبهذا يفقد عالم الموضة أحد أعمدته وواحداً من أهم مصممي القرن الماضي وأكثرهم نجاحاً من الناحيتين الفنية والتجارية على حد سواء. فعدا عن عطوره التي كانت ولا تزال تحقق إيرادات عالية، كان أول من أطلق ما أصبح يعرف بالموضة الحداثية، أو على الأصح المستقبلية. أحياناً بشكل حرفي من خلال عروض كانت تأخذنا إلى الفضاء بألوانه المعدنية، وأزياء مصنوعة من البلاستيك المقوى والمعادن وإكسسوارات تبدو فيها العارضات وكأنهن كائنات من عالم آخر. ورغم غرابتها، لمست وتراً حساساً لدى امرأة شابة وجدت فيها حداثة من عالم آخر، وتُجافي الماضي وكليشيهاته. فهذه الشابة كانت تخوض حركة نسوية حددت شكل الموضة في الستينات.
وكان باكو رابان، مثلها، يتوق للمستقبل ويحلم بعالم بعيد. بل يمكن القول إنه كان مهووساً بهذه الفكرة، وهو ما تؤكده تصريحات غريبة صدرت عنه حول غزو كائنات فضائية للأرض. هذا إلى جانب حبه للتنجيم وإيمانه بالسحر. ورغم جنون بعض تصريحاته، أو بالأحرى تنبؤاته المستقبلية الغريبة، فإن ما يُحسب له في هذا الصدد، أنه كان أول من توقَّع دخول الموضة عالم الإنترنت.

معطف واقٍ من المطر من أعمال رابان لخريف وشتاء 1997/98 في باريس (أ.ف.ب)

وكان من بين الأوائل الذين سوقوا عطورهم على المواقع الإلكترونية في التسعينات. من ناحية الأزياء، كان أسلوبه «كلاسيكياً» حسب قوله، وبالنسبة للآخرين، حداثياً إلى حد الجنون، لكنه كان جنوناً يناسب تلك الفترة كما يناسب قناعته بأنه «في هذه الأرض لكي يُحدث التغيير» حسب أحد تصريحاته.
. عن والدته ورث حب الموضة. فقد كانت تعمل خياطة مع المصمم كريستوبال بالنسياغا. انتقل إلى باريس في عام 1939، حيث درس الهندسة في الكلية الوطنية للفنون الجميلة بباريس، وبعد تخرجه عمل لفترة قصيرة في مجال البناء (تصميم المباني)، لكنه سُرعان ما تركه ليدخل عالم الموضة كمصمم مجوهرات لبيوت أزياء مثل جيفنشي وديور وابن بلده بالنسياغا. في عام 1966 أطلق داره الخاصة، وفي عام 1968 وقع عقده مع مجموعة «بوغ» الإسبانية التي ساعدته على إطلاق عطور تحمل اسمه وحققت نجاحات كبيرة.

المصممة الإسبانية روزماري وباكو رابان في باريس (رويترز)

لا يختلف اثنان على أن الفترة التي بزغ فيها نجمه، أي الستينات، كانت فترة ذهبية في تاريخ الموضة. فقد شهدت منافسة كبيرة بين مصممي فرنسا، مثل إيف سان لوران وبالنسياغا وهيبار جيفنشي. كلهم كانوا يحلمون بأن يُرسخوا أسماءهم في تاريخ الموضة وفي السوق على حد سواء. رغم إجماعهم على منح المرأة تصاميم أنثوية وقوية، فكان لكل واحد أسلوبه الخاص، لكن لا أحد منهم استطاع أن ينافس باكو رابان في الأسلوب الحداثي رغم أنه كان يؤكد أنه «كلاسيكي أكثر منهم» وأن المواد الغريبة هي ما يُميزه. قدم أول تشكيلة له في عام 1966 مستعملاً البلاستيك وأطلق عليها عنوان: «12 فستاناً لا يمكن ارتداؤها... من خامات حديثة»، استقصد أن يثير بها وسائل الإعلام، وحقق الهدف. مقابل الانتقادات الشديدة التي تلقاها، حصل على تغطيات مجانية سلَّطت الضوء عليه، لا سيما في السوق الأميركية، التي كانت أول من فهم رؤيته الفنية وباركها. تشكيلته الثانية استعمل فيها المعادن عوض البلاستيك، وهي أكثر ما راقت لنجمات هوليوود مثل جين فوندا وغيرها. هوليوود في تلك الفترة كانت أيضاً مهتمة بالفضاء وأفلام الخيال العلمي.
في عام 1999 انسحب من ساحة الموضة وتفرغ لحياته الخاصة، لكن ليس قبل أن يضمن مستقبله. فرغم أنه أغلق داره الخاصة، بقي اسمه رناناً، لأن مجموعة «بوغ» ظلت تستعمله إلى جانب محلات التجزئة. في عام 2011، أحيت مجموعة «بوغ» الإسبانية داره تحت إدارة المصمم الهندي مانيش أرورا. لكن رغم توالي عدة مصممين آخرين على الدار ومحاولاتهم إحياء أسلوبه الخاص، فإن اسم باكو رابان سيبقى جزءاً من ثقافة العصر من خلال عطوره تحديداً.

باكو رابان يقف مع إحدى عارضاته في ختام عرضه في موسكو (إس تي أر- نيوز)

 


مقالات ذات صلة

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

لمسات الموضة الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

التول والمخمل... رفيقا الأفراح والجمال

بين المرأة والتول والمخمل قصة حب تزيد دفئاً وقوة في الاحتفالات الخاصة والمناسبات المهمة

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار، ومدى تأثيره في ظل انتشار فقرات توقعات الأبراج والتنبؤات بالمستقبل في وسائل إعلام عدة حول العالم.

وحظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافة «المنجمين» و«العرّافين» على جميع قنوات وإذاعات ومواقع الهيئة، ودعا رئيسها الكاتب أحمد المسلماني، بحسب إفادة رسمية الأربعاء، إلى «استطلاع مستقبل المنطقة والعالم عبر التفكير العلمي، وقواعد المنطق ومعطيات علم السياسة والعلوم الأخرى، والاستعانة في هذا الصدد بالعلماء والخبراء والأكاديميين والمثقفين».

وشدّد على «ضرورة الابتعاد عن الترويج لخرافات المنجمين والمشعوذين، مهما كانت شهرتهم، الذين يستهدفون إهانة العقل، وتسفيه المعرفة، وتأسيس شهرة كاذبة على توقعات عشوائية لا سند لها».

أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

ولفت المسلماني إلى أن «واجب وسائل الإعلام مواجهة الجهل، وتعظيم العلم، وتعزيز المنطق».

ويأتي القرار تزامناً مع قرارات من «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» تستهدف «ضبط المشهد الإعلامي المصري، في ظل شكاوى عدة من الجمهور والمراقبين».

وعدّ العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، قرار الهيئة الوطنية للإعلام بمثابة «رسالة تستهدف التأكيد على دور الإعلام الرسمي في نشر الوعي ومكافحة الخرافات».

لكن في الوقت ذاته أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «آثار القرار لا تمتد إلى القنوات الخاصة، التي عادة ما تقدم فقرات من هذا النوع، نظراً لما تحظى به من مشاهدات مرتفعة».

ولا تملك الهيئة الوطنية للإعلام الولاية على السياسة التحريرية للقنوات الفضائية الخاصة، بما فيها التي يتم بثّها من مدينة الإنتاج الإعلامي. حيث تقتصر ولايتها على الإذاعة والتلفزيون الرسمي المصري «ماسبيرو» فقط، ويتبعها عدد من الشركات، من بينها شركة «صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات»، و«الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي»، والشركة المصرية للأقمار الاصطناعية «نايل سات»، وشركة «راديو النيل».

التلفزيون الرسمي حظر استضافة المُنجمين (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأرجعت أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، الدكتورة ليلى عبد المجيد، القرار إلى «الرغبة في مواجهة الخرافات والتفكير غير العلمي». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: إن «الهيئة تريد نشر التفكير العلمي وزيادة الوعي بين المواطنين، ولا سيما أن بعضهم يتعامل مع هذه النوعية من التنبؤات باعتبارها حقائق وليس خرافات».

وأشارت ليلى إلى «محدودية تأثير القرار، ولا سيما أنه لا ينطبق على القنوات الخاصة التي عادة ما تقدم مثل هذه الفقرات»، لكن رغم محدودية التأثير، عدّت أستاذة الإعلام القرار «خطوة مهمة للحدّ من انتشار الخرافات، ولو في نطاق محدود»، معربة عن أملها في أن «يسهم القرار في تشجيع قنوات القطاع الخاص على أن تحذو حذو الإعلام الرسمي».

ويأتي القرار عقب تكرار وقائع ظهور «العرافين» على الشاشات المصرية، سواء في الإعلام الرسمي أو الخاص، ولا سيما فقرات توقعات الأبراج وصفاتها، وتوقعات العام الجديد. وفي بعض الأحيان، أثارت تلك الفقرات جدلاً، مع حرص مواطنين على معرفة ما يصدق من تلك التوقعات. فقد أربك العام الماضي المُتنبئ الهولندي فرانك هوغربيتس المصريين بتوقعاته بشأن احتمالية حدوث زلازل في مصر.

كما استحوذت توقعات العرافة اللبنانية ليلى عبد اللطيف على نسبة كبيرة من اهتمامات المصريين خلال الآونة الأخيرة، بعدما أثارت توقعاتها جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والفنية والرياضية، وتابعت وسائل إعلام عدة توقعاتها، في محاولة لربطها بأحداث واقعية.

ليلى عبد اللطيف في لقاء سابق مع الإعلامي عمرو أديب (صفحتها على «إنستغرام»)

وبشأن انتشار فقرات الفلك وتوقعات الأبراج في وسائل الإعلام العالمية، قالت ليلى عبد المجيد إن «الأمر مرتبط بدرجة الوعي، وهل يتعاطى الجمهور مع هذه الفقرات كنوع من التسلية، أم يأخذها باعتبارها حقائق»، ضاربة المثل بمتابعة الجمهور لتوقعات ليلى عبد اللطيف ومحاولة معرفة ما تحقق منها». وأضافت: «في ظل نقص الوعي، من المهم الحد من الخرافات وتشجيع الناس على التفكير العلمي».

وهو ما يؤيده مكاوي، قائلاً إن «المواد المتعلقة بتوقعات الأبراج والتنبؤات بالمستقبل فقرات متعارف عليها في وسائل إعلام عدة حول العالم، ولها نسب مشاهدة، خصوصاً في توقيتات معينة، مثل نهاية عام وبداية عام جديد، والبعض يعدّها علماً».

وخلال الأشهر الماضية، أثارت توقعات ليلى عبد اللطيف الخبيرة اللبنانية في الفلك جدلاً في مصر، حيث تصدرت «الترند» بتوقعاتها أكثر من مرة، حيث سبق أن توقعت وصول سيدة لـ«البيت الأبيض»، لكن سرعان ما ثبت عدم دقة التوقع عند فوز دونالد ترمب برئاسة أميركا.