شوقي بغدادي... إيمان نادر بالشعر الذي لا يقهر

رحيل صاحب «أكثر من قلب» عن 94 عاماً

يوقّع ديوانه «بعد فوات الأوان» الذي صدر قبل سنة
يوقّع ديوانه «بعد فوات الأوان» الذي صدر قبل سنة
TT

شوقي بغدادي... إيمان نادر بالشعر الذي لا يقهر

يوقّع ديوانه «بعد فوات الأوان» الذي صدر قبل سنة
يوقّع ديوانه «بعد فوات الأوان» الذي صدر قبل سنة

في رحلة بحثه الأخيرة عن دمشق، توسَّد الشاعر السوري شوقي بغدادي ترابها واستراح عن عمر ناهز الأربعة والتسعين عاماً لم يتوقف خلالها عن كتابة الشعر والأدب، ولم يمنعه التقدم بالعمر والمرض قبل نحو عام من توقيع آخِر إنتاجاته الشعرية «بعد فوات الأوان» في حفل ضم ما تبقّى في دمشق من الأصدقاء ومحبّي الشعر:
كلُّ الرفاق مضَوا فما في وحدتي / إلّا الحنين ولوعة الوجدانِ
ومع أن بغدادي لم يُظهر موقفاً سياسياً مباشراً من النظام، لكنه لم يكتم قلقه من ضياع دمشق منذ بدأت المعامل الصناعية والتلوث والمخالفات تلتهم غوطتها وتشوِّه المدينة القديمة، فأصدر ديوانه «البحث عن دمشق» عام 2002، ليتحول ما كتبه مجازاً عن ضياع دمشق حينذاك إلى واقع مريع بعد عقد من الحرب والدمار:
«يطير الحمام بعيدا/ يطير الحمام وحيدا/ يطير ولا سطح يؤوى الشريدا!/ وها أنذا لا أحط على غصن/ أو على شرفة/ أو على الأرض/ حتى تهددني طلقة!».
وهكذا حطّ شوقي بغدادي بعد سنوات من أرق الشيخوخة وقلق دنوّ الأجل في مقبرة باب الصغير في دمشق القديمة، حيث ووري الثرى، يوم أمس الاثنين، إلى جوار نزار قباني وعمر الفرا وحاتم علي وأبو خليل القباني وغيرهم ممن أنجبتهم دمشق، وممن وفدوا إليها ولم يغادروها.
وشوقي بغدادي الذي نعتْه وزارة الثقافة السورية، مساء الأحد، من مواليد مدينة بانياس على الساحل السوري عام 1928، وكانت نشأته فيها وفي طرابلس واللاذقية، قبل أن تنتقل عائلته إلى دمشق عام 1946، ليبدأ عهده فيها في أوج تطلعها إلى الاستقلال، ومنذ اللحظة الأولى مثلت له «المكان والزمان والملاذ». عايش أحداثها في بيوتها وحاراتها ومدارسها ونواديها وملاعبها، منخرطاً في النشاط العام وهو طالب ثانوي، ثم في كلية الآداب، وهو مدرس للغة العربية في المدارس السورية قبل سفره إلى الجزائر ليدرس في كلية التعريب خمس سنوات.
في الخمسينيات برز شوقي بغدادي أديباً قاصّاً وشاعراً ثورياً مهموماً بالقضايا الكبرى وأفكار العدالة الاجتماعية والمساواة، وصُنّف شعره في خانة (الواقعية الاشتراكية)، وكان من مؤسسي رابطة الكُتاب السوريين عام 1951، التي توسعت فيما بعد بانتساب كُتاب عرب إليها، وأصبح اسمها «رابطة الكتاب العرب»، وذلك عقب انعقاد مؤتمر قومي للأدباء في دمشق 1954 جرى فيه انتخاب شوقي بغدادي أميناً عامّاً للرابطة الموسعة التي أصبحت عام 1969 «اتحاد الكتاب العرب»، كما نشر أولى مجموعاته الشعرية سنة 1955 «أكثر من قلب واحد»، سبقتها مجموعته القصصية «حبّنا يبصق دائماً» عام 1954.
مع نهاية عقد الستينيات وبعد تجربة السجن مدة عام خلال عهد الوحدة بين سوريا ومصر، غيَّر توجهه السياسي الثوري في الشعر والأدب، لينتهج طريق الشعر العاطفي الوجداني، وظل على مدى تجاوز السبعين عاماً حاضراً بقوة في المشهد الثقافي السوري والدمشقي، بوصفه من علاماته البارزة.
ومما كتبه عن علاقته بدمشق: «على الرغم من أنني ابن الساحل السوري، لكن لا أدري لماذا سحرتني دمشق منذ مطلع عام 1946، حين انتقلت الأسرة بأكملها إلى العاصمة. حضرت هناك أول عيد للجلاء... شاهدت مع معظم سكان المدينة الذين هبّوا منذ الصباح الباكر إلى ذلك المكان؛ حيث العرض العسكري والشعبي الذي خلب ألبابنا... كنت في المدن الصغرى الساحلية مجرد غلام صغير، وإذا بي أمام مدينة عريقة كبيرة خارقة الحسن والجمال... في دمشق عرفت حبي الأول، كانت زميلة لي في كلية الآداب، لم أستطع الزواج منها لأن أحد الوزراء خطفها مني وأنا مشغول بتأسيس أول رابطة للكُتاب السوريين والعرب في ذاك العهد، ثم أحببت أخرى وخطفها الموت هذه المرة، وفي دمشق اعتقلت في سجن المزة العسكري لأول مرة في حياتي أيام الحكم الناصري لمدة تسعة أشهر عام 1959... الأحداث التي مرت بي في هذه المدينة الطيبة القاسية صنعت مجرى حياتي بين الفرح والألم، بين نشوة عشق المرأة وتراجيديا الموت المبكر، بين مشاهدة التاريخ العريق والأحياء الجديدة المُغرية التي ليس لها طابع الأصالة التاريخية التي عرفت بها أقدم عاصمة في التاريخ... هذه هي دمشق، وهذا أنا الشاعر الذي شاخَ ولكنه ما يزال يعزِّي نفسه بأن دمشق ما تزال باقية وما يحدث فيها الآن لن يستطيع القضاء عليها..».
وفي سنواته الأخيرة ومع توالي رحيل أصدقائه، صار يكثر الحديث عن الموت. ومن آخِر ما كتبه مطلع الشهر الحالي:
ورفاقُ الطريق لم يبقَ منهم/ غيرُ ما في النواةِ حين تسيلُ
لا تودّعْ فالشعرُ أقوى من المو/ تِ وفصلٌ جادتْ لديه الفصول
من مؤلفاته:
«أكثر من قلب واحد» (1955)، «لكل حب قصة» (1962)، «أشعار لا تحب» (1968)، «صوت بحجم الفم» (1974)، «بين الوسادة والعنق» (1974)، «ليلى بلا عشاق (1979)، «قصص شعرية قصيرة جداً» (1981)، «من كل بستان - مجموعة مختارات شعرية» (1982)، «عودة الطفل الجميل» (1985)، «رؤيا يوحنا الدمشقى» (1991).
كما أن له عدداً من المؤلفات الشعرية للأطفال؛ منها: «عصفور الجنة- حكايات وأناشيد للأطفال» (1982)، «القمر فوق السطوح» (1984). وفى القصة القصيرة: «مهنة اسمها الحلم» (1986)، «حيّنا يبصق دماً» (1954)، «بيتها في سفح الجبل» (1978)، «درب إلى القمة». وفى الرواية: «المسافرة» (1994)، وغيرها الكثير.
حاز شوقي بغدادي عدداً من الجوائز والتكريمات؛ منها الجائزة الأولى للشعر والقصة القصيرة من مجلة النقاد الدمشقية، والجائزة الأولى للأناشيد الوطنية، وجائزة اتحاد الكتاب العرب لأحسن مجموعة شعرية عام 1981، وجائزة البابطين للإبداع الشعري عام 1998، وجائزة أحمد شوقي للإبداع الشعري من اتحاد كُتاب مصر عام 2021، كما كُرّم من قِبل عدد من المهرجانات والفعاليات الثقافية العربية.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
TT

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

ليست الوثائقيات المخصصة لاستكشاف أعماق البحار مادّةً تلفزيونية جديدة، فأول هذه الأعمال يعود إلى عام 1954. ومع مرور السنوات، توالت تلك الأفلام الوثائقية إلى أن باتت تُعَدّ بالآلاف وتملأ شاشات التلفزيون ومنصات البث. صحيح أنّها مادّة عابرة للأزمنة ولا يُملّ منها، غير أنه صار من الصعب إنتاج وثائقي آخر عن عالم ما تحت الماء، وتقديم محتوى جديد ومختلف عمّا سبق.

لعلّ التميّز والاختلاف هما أكثر ما سعى إليه فريق عمل «Our Oceans (محيطاتنا)»، السلسلة الوثائقية الجديدة التي تُعرض على «نتفليكس». وقد اجتمعت عناصر كثيرة لتحقّق هذا الهدف؛ بدءاً باللقطات الحصريّة للمخلوقات البحريّة التي جرى تصويرها بتكنولوجيا تُستَخدم للمرة الأولى ومن مسافاتٍ قريبة جداً، وليس انتهاءً بصوت الراوي... باراك أوباما شخصياً.

وما بين هاتين الميزتَين، عناصر أخرى كثيرة تجعل من مشاهَدة «Our Oceans» تجربة استثنائية، لا تختلف كثيراً عن متابعة مسلسل مشوّق وزاخرٍ بالمؤثّرات البصريّة.

تُخصَصُ كلٌ من الحلقات الـ5 لأحد محيطات هذا العالم، بدءاً بالمحيط الهادئ، وصولاً إلى الجنوبي، مروراً بالهندي والأطلسي والمتجمّد. يقول الراوي إنّ تيّاراً يسافر بين تلك المحيطات ويجعل منها عالماً واحداً. لكن بين الحلقة والحلقة، تختلف السرديّات وتتنوّع المَشاهد، لتبقى نبرة الراوي ثابتةً ومُريحة للسمع.

ليس من المنصف مقارنة موهبة أوباما الصوتيّة بأيقونة وثائقيات الطبيعة، المذيع والعالِم البريطاني ديفيد أتينبورو. فالأخير رائدٌ في مجاله وأحد مؤسسي هذا النوع من الأعمال التوثيقية، بينما أوباما حديث العهد في هذا المجال. قد يغرق الرئيس الأميركي الأسبق في السرد الرتيب أحياناً، إلا أنه يحاول جاهداً أن يجعل من صوته مرآةً للصورة المذهلة، لاجئاً إلى التلوين في النبرة، وإلى خفّة الظلّ المثيرة للابتسام، وإلى التفاعل الصوتيّ البارز مع المَشاهد المُدهشة. فأوباما، إلى جانب كونه موهبة تلفزيونية صاعدة، مدافعٌ شرس عن البيئة البَحريّة، هو الذي ترعرع في جزيرة هاواي الأميركية.

صُوّر الوثائقي بتكنولوجيا متطوّرة أتاحت الاقتراب من الكائنات البحريّة بشكل غير مسبوق (نتفليكس)

يتلاقى صوت أوباما مع نصٍّ كُتبَ بحنكةٍ وإحساسٍ عاليَين، مع لمسةٍ لافتة من الفكاهة. تتميّز السلسلة الوثائقية بسرديّتها التي لا تُشبه النصوص المرافقة عادةً لهذا النوع من المحتوى، وهي ترتكز إلى تقنية الكتابة على الصورة، أي استلهاماً ممّا تقدّمه المحيطات وكائناتها من مَشاهد مذهلة. في «Our Oceans»، تتحوّل الكائنات البَحريّة إلى شخصيات، لكلٍّ منها قصة بما فيها من كفاح وتحديات ومشاعر وعلاقات صداقة وعداوة. وأمام هكذا نص على قدرٍ عالٍ من الإنسانية، لا بدّ للمُتفرّج من أن يتماهى مع المواقف التي تواجه المخلوقات المائية والطيور البَحريّة.

في المحيط الهنديّ، يتعرّف المُشاهد إلى أنثى الحوت التي تسعى جاهدةً لأكل ما تستطيع، من أجل إرضاع صغيرها المولود حديثاً الذي يستهلك الكثير من الحليب. أمّا في المحيط الأطلسي، فيجهّز ذكور سمكة الفرّيدي الأرض لاستقبال إناثها من أجل أن تضع بيضها. تتنافس الأسماك فيما بينها لترتيب المكان وتنظيفه من كل ما قد يزعج الإناث، كالأعشاب والأصداف وحتى نجمات البحر.

يُدرك فريق «Our Oceans» أنّ المعلومات العلميّة وحدَها لا تُقنع الجمهور ولا تكفي لتُعلّقه في شرك العمل. لذلك فقد ارتأى أن يستند إلى المشاعر، من خلال ملاحقة الأسماك وسائر الحيوانات، وتصويرها ضمن مواقف يسهل التماهي البشري معها؛ كما أنثى الدب تلك في حلقة المحيط المتجمّد الشمالي، والتي تبحث بشراسة عن طريدةٍ ما من أجل إطعام صغيرها المتضوّر جوعاً.

ومن بين المَشاهد التي تذهل العين والفكر على حدٍّ سواء، ذاك الأخطبوط الصغير في المحيط الهندي، الذي يصرّ على العثور على طبقتين متجانستَين من إحدى الأصداف، كي يختبئ بينهما من عيون الأسماك المفترسة وأفواهها.

لا يعتمد الوثائقي بث المعلومات العلمية بقدر ما يرتكز إلى نص وتصوير زاخرَين بالمشاعر (نتفليكس)

ما يميّز السلسلة الوثائقية كذلك، مواكبتُها لسلوكيّات المجتمعات البَحريّة. تساعد في التقاط تلك المشاهد عن قُرب، تكنولوجيا متطوّرة جداً تُستخدم للمرة الأولى على هذا العمق. ولم تنتج عن ذلك التصوير الفريد متعة بصريّة فحسب، بل انهماكُ علماء البحار في تحضير 20 دراسة جديدة حول سلوكيّات الكائنات البحريّة، بناءً على ما شاهدوه ضمن السلسلة. مع العلم بأنّ 700 عالِم وباحث شاركوا في تحضير «Our Oceans».

من المواضيع المهمّة التي يلقي الوثائقي الضوء عليها، التلوّث البحري والآثار السلبية للتغيّر المناخي على المحيطات. يأتي ذلك انطلاقاً من الاهتمام الذي يوليه المنتجان المنفّذان، باراك وميشيل أوباما، للتوعية البيئية. وإذا كانت الحلقة الأولى مكرّسة لتصوير السِّحر البحري، فإنّ الحلقة الثانية والخاصة بالمحيط الهندي تُظهر كيف يمكن أن تتحوّل جنّة ما تحت الماء إلى حاوية نفايات ضخمة. وفي هذه الحاوية، كائناتٌ صغيرة وكبيرة تآلفت مع المواد البلاستيكية وسائر أشكال القمامة وباتت تقتات منها.

لا يغفل الوثائقي موضوع التلوّث البحري المتسببة به أيادي البشر (نتفليكس)

ليس الهدف من الوثائقي تجارياً بقَدر ما هو توعويّ إلى خطورة اليد البشريّة على جمال المحيطات. يجتاز فريق العمل 75 ألف ميل انطلاقاً من حب كبير للبحار والمياه التي تغطّي 71 في المائة من مساحة كوكب الأرض. على رأس الفريق، الثنائي الرئاسي الأميركي الأسبَق المنشغل منذ عام 2018 بمشروعٍ ترفيهيّ كبير، هو عبارة عن شركة إنتاج تُدعى Higher Ground.

اجتاز فريق العمل 75 ألف ميل واستعان بـ700 باحث وعالِم بحار (نتفليكس)

أنتجت شركة آل أوباما حتى اللحظة، أكثر من 20 مشروعاً تتنوّع ما بين أفلام روائية، ووثائقيات، ومسلسلات، وبرامج للأطفال، وبودكاست. وتُعتبر معظم تلك الإنتاجات هادفة، بما أنها تتضمّن رسائل توعويّة إنسانياً، وبيئياً، ومجتمعياً.

أمّا الموهبة الصاعدة التي يلوّن صوتُها بعض تلك الأعمال، أي باراك أوباما، فيبدو صاحبَ مستقبلٍ واعد في المجال. تُوّج مجهوده الصوتيّ بجائزة «إيمي» عام 2022 عن فئة أفضل راوٍ. وكان قد حاز سابقاً جائزتَي «غرامي» في الإطار ذاته.