تحذير فرنسي من «تعفن الوضع» في لبنان

TT

تحذير فرنسي من «تعفن الوضع» في لبنان

تتسارع التحضيرات في باريس للقاء الرباعي المرتقب مبدئياً، بعد ثمانية أيام، في العاصمة الفرنسية، التي سبق لها أن استضافت عدة لقاءات للنظر في الفراغ المؤسساتي، والدفع باتجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، في إطار حزمة متكاملة تشمل أيضاً الإصلاحات الواجب القيام بها من أجل إخراج لبنان من دوامة الاهتراء والتحلل.
وسيشارك في اللقاء المرتقب، باتريك دوريل، مستشار الشرق الأوسط والعالم العربي في قصر الإليزيه، وبرباره ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ونزار العلولا، المستشار في الديوان الملكي السعودي، ومحمد بن عبد العزيز الخليفي، مساعد وزير الخارجية القطري.
وهذه المرة الأولى التي تشارك فيها قطر في هذه المجموعة التي تعمل على عدة مستويات؛ أحدها مستوى وزراء الخارجية للدول الثلاث الأولى، التي تضمَّن بيانها المشترك الصادر من نيويورك، في سبتمبر (أيلول) الماضي، على هامش أعمال «الجمعية العامة للأمم المتحدة»، رؤيتها للحل المتكامل في لبنان، وتصوُّرها لمواصفات الرئيس العتيد، وأولى مهامه، وفق البيان، «توحيد الشعب اللبناني، والعمل مع الجهات الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة الحالية»، وصولاً إلى تشكيل حكومة «قادرة على تطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية، خصوصاً تلك المتعلقة بـ(الصندوق الدولي)، باعتبار أن التوقيع على الاتفاق مع (الصندوق) المذكور سيكون بمثابة (الخاتم السحري) لفتح الباب أمام وصول الدعم الدولي لوقف الاندفاع إلى الهاوية، والمساعدة على إنهاض الوضع الاقتصادي».
ووفق مصدر سياسي فرنسي، فإن الغائب الأكبر من «اجتماع باريس»، كما من الاجتماعات السابقة، سيكون إيران التي يعي الجميع أن لها دوراً رئيسياً مؤثراً على العملية الانتخابية في لبنان، من خلال «حزب الله»، الذي وضع «مواصفات» الرئيس الذي يريده.
وكانت فرنسا تلعب دور صلة الوصل مع طهران، بينما سفيرتها في بيروت، آن غريو، على تواصل مع مسؤولي «حزب الله»، بيد أن الوضع اليوم تغيّر؛ إذ إن العلاقات الفرنسية - الإيرانية دخلت مرحلة من التوتر المتصاعد على خلفية «الثورة» وملف الرهائن الفرنسيين، إضافة إلى الملف النووي الإيراني، والدعم العسكري الذي توفره طهران لروسيا في حربها على أوكرانيا.
اللافت أن باريس تبدو الأكثر قلقاً إزاء تطورات الوضع اللبناني، لا بل إن أحد المسؤولين الفرنسيين لم يتردد في القول إنه «إذا لم تتحرك فرنسا؛ فمَن الذي سوف يتحرك» لإنقاذ لبنان؟
ومساء الجمعة، أكد مصدر رسمي فرنسي هذا التوجه بقوله: «نحن متعلقون بلبنان، وخيار التخلي عنه ليس وارداً». والتشخيص الذي قدمه هذا المصدر مُغرِق في التشاؤم؛ إذ اعتبر أن الوضع «خطير جداً»، محذراً من «مخاطر التعفن» ومن «سيناريو الذهاب إلى المجهول»، ومن تحول لبنان إلى «دولة فاشلة». وتشخّص باريس الخطر المحدق بلبنان بأنه «استثنائي»، في ظل أزمة رئاسية وحكومية ومالية واقتصادية واجتماعية وقضائية، وعجز البرلمان اللبناني عن انتخاب رئيس جديد والوصول إلى حكومة جديدة قادرة على التعامل مع الوضع المتهالك، خصوصاً السير بالإصلاحات المطلوبة من الأسرة الدولية.
ويختصر المصدر الرسمي قراءته للوضع اللبناني بـ«الحاجة لإعادة تشكيل السلطات» كممر إلزامي لعودة المؤسسات إلى القيام بمهامها الأساسية.
بيد أن باريس لا تخفي قلقها من قدرات «حزب الله»، الذي ترى في قوته العسكرية «تحدياً لأمن واستقرار المنطقة»، وهي تعي أن السلطات اللبنانية غير قادرة على ضبطه. من هنا، فإن المصدر المشار إليه يرى أن «الحد من نفوذ الحزب يمر عبر تعزيز الحضور في لبنان، ودعم القوى الإصلاحية والسيادية، والعمل على إصلاح الاقتصاد». ومرة أخرى، يكرر المصدر ما أصبح «لازمة» في الخطاب الدولي الخاص بلبنان، وهو الربط بين الإصلاحات والدعم الدولي.
هذه القراءة المتشائمة الصادرة عن فرنسا التي لم توفر جهداً لمساعدة لبنان، من خلال المؤتمرات التي رعتها لتوفير الدعم الإنساني للبنانيين وللمؤسسات الرئيسية، كالمدارس والمستشفيات، ليست جديدة، لكنها قرع لناقوس الخطر، ومحاولة لتعبئة الأسرة الدولية. إلا أن المشكلة أن الأطراف الأربعة التي ستجتمع في باريس، رغم توافقها على المبادئ العامة (ملء الفراغ المؤسساتي، دعم سيادة واستقلال لبنان... إلخ) فإن ترجمتها إلى قرارات ملموسة ومباشرة لا تبدو متيسرة، خصوصاً أن إعادة إنتاج عهد جديد على غرار العهد السابق لن تحل المشكلات اللبنانية، بل ستزيدها تأزماً.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

مصادر فلسطينية: الجيش الإسرائيلي يفصل شمال القطاع عن مدينة غزة

علي عساف الناجي الوحيد من عائلته التي قتلت في غارة إسرائيلية على مخيم جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
علي عساف الناجي الوحيد من عائلته التي قتلت في غارة إسرائيلية على مخيم جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

مصادر فلسطينية: الجيش الإسرائيلي يفصل شمال القطاع عن مدينة غزة

علي عساف الناجي الوحيد من عائلته التي قتلت في غارة إسرائيلية على مخيم جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
علي عساف الناجي الوحيد من عائلته التي قتلت في غارة إسرائيلية على مخيم جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

قالت مصادر فلسطينية، السبت، إن الجيش الإسرائيلي فصل شمال قطاع غزة عن المدينة نفسها، محاصراً آلاف العائلات الموجودة في المنطقة الشمالية.

وقال سكان محليون، في تصريحات منفصلة لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن الجيش الإسرائيلي طوّق بلدة ومدينة جباليا شمال القطاع، من خلال إنشاء حواجز رملية، في حين واصل استهداف الفلسطينيين الذين يحاولون التحرك والنزوح من جباليا باتجاه مدينة غزة.

وأضاف السكان: «أن الجيش الإسرائيلي نسف مربعات سكنية بأكملها في جباليا؛ مخلفاً عشرات القتلى والجرحى والعالقين الذين لم يتمكن أي من طواقم الإسعاف والدفاع المدني من الوصول إليهم بسبب استهداف الجيش الإسرائيلي لهم».

ويواصل الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية «معقدة» في مدينة ومخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين لليوم الثامن على التوالي، مخلفاً عشرات القتلى والجرحى.

وأفاد الدفاع المدني الفلسطيني، في بيان له، وصلت نسخة منه لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، بأن طواقمه تمكّنت من انتشال نحو 75 جثة لفلسطينيين قتلوا برصاص وقصف الجيش الإسرائيلي.

وأضاف الدفاع المدني: «ما زال العشرات من القتلى والضحايا ملقون في الشوارع، والجرحى الذين ينزفون ولا يجدون من يسعفهم بسبب منع الجيش الإسرائيلي الوصول إليهم».

وعلى مدار أيام، كان الجيش الإسرائيلي يطالب السكان بإخلاء منازلهم، وكذلك المستشفيات الثلاثة الموجودة في المكان، إلا أن عدداً من السكان قالوا إن الجيش كان يستهدفهم أثناء محاولتهم النزوح، ما اضطرهم للبقاء في منازلهم.

من جانبه، حذّر حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، من إصرار الجيش الإسرائيلي على إخلاء مستشفيات شمال قطاع غزة، ومنع إدخال الوقود إلى المستشفى، ما سيتسبب في موت العشرات من المرضى.

وقال أبو صفية، في اتصال هاتفي مع «وكالة الأنباء الألمانية»: «للأسف، قد لا نتمكن من استقبال مزيد من الجرحى، والذين غالباً سوف يموتون في الشوارع (...) نحن نناشد العالم لإنقاذ شمال قطاع غزة».

واتهم المكتب الإعلامي الحكومي الجيش الإسرائيلي بتعزيز ما وصفه بـ«الإبادة الجماعية» في جباليا ومحافظة شمال قطاع غزة، ومنع طواقم الإسعاف من أداء عملهم.

وأوضح المكتب الإعلامي الحكومي، في بيان له: «لليوم الثامن على التوالي من حصار جباليا وشمال غزة، يمنع جيش الإسرائيلي طواقم الإسعاف والدفاع المدني من انتشال أكثر من 75 شهيداً، من أصل 285 قتلهم الجيش خلال الأيام الثمانية الماضية».

وأضاف: «الجيش يرتكب مجازر ضد الإنسانية، ويمارس القتل العمد، عبر قصف مراكز النزوح والإيواء، ويرتكب عدة مجازر فظيعة ضد المدنيين من خلال القصف المقصود لتجمعات الأطفال والنساء».

ووفق المكتب الإعلامي الحكومي، استهدف الجيش كل القطاعات الحيوية شمال غزة، «ويسعى إلى تحويل محافظة شمال غزة إلى منطقة خراب وقتل، في إطار تحقيق خطته بتهجير شعبنا الفلسطيني».

وشدد على أن «ما تتعرض له جباليا ومحافظة شمال قطاع غزة جريمة استئصال، وجريمة ضد القانون الدولي وضد الإنسانية، ومطلوب من المجتمع الدولي وقف هذه المهزلة».

وحمّل كلاً من الجيش الإسرائيلي والإدارة الأميركية كامل المسؤولية عن «استمرار جريمة الإبادة الجماعية، ومواصلة استهداف وقتل المدنيين في جباليا وشمال غزة، خصوصاً قتل الأطفال والنساء».

وطالب المجتمع الدولي وكل المنظمات الأممية والدولية بالعمل على وقف جريمة «الإبادة الجماعية»، ووقف شلال الدم في قطاع غزة.