«اختراقات كيميائية» تنبأ بها الخيال العلمي

أبرزها زراعة اللحوم والبكتيريا الآكلة للبلاستيك

«اختراقات كيميائية» تنبأ بها الخيال العلمي
TT

«اختراقات كيميائية» تنبأ بها الخيال العلمي

«اختراقات كيميائية» تنبأ بها الخيال العلمي

غالباً ما يتنبأ الخيال العلمي بتكنولوجيا العالم الحقيقي، ففي عام 1927، أجرت الشخصيات في الفيلم الألماني الصامت «متروبوليس» مكالمات فيديو بعضهم مع بعض، وعلق جين رودينبيري، مبتكر أفلام «ستار تريك» شاشات ملونة مسطحة على الجدران، قبل عقود من قيامنا بالشيء نفسه في غرف الجلوس لدينا.
وتميل الأمثلة الأكثر وضوحاً للتكنولوجيا في الخيال العلمي إلى التركيز على الذكاء الصناعي والتواصل والنقل، لكن كُتاب الخيال العلمي اعتنقوا الكيمياء المستقبلية أيضاً، فعلى سبيل المثال، كانت السمة المركزية لرواية «عالم رائع جديد» عام 1932، للكاتب الإنجليزي ألدوسهكسلي، هي مادة كيميائية مضادة للاكتئاب، وهو ما تحقق على أرض الواقع.
وفي السنوات الأخيرة، حدثت قفزة مذهلة في التقنيات الكيميائية، والمفارقة أن مارك لورتش، أستاذ علوم الاتصال والكيمياء بجامعة هال الإنجليزية، يقول في مقال نشره في 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي على موقع «ذا كونفرسيشن»، إنه «كان باستمرار يعود إلى بعضٍ من رواياته المفضلة خلال القراءة عن آخر التطورات الكبيرة».
- «آكلة البلاستيك»
ومن بين الروايات المهمة التي أشار إليها لورتش في مقاله، هي رواية «آكلة البلاستيك» لـكيت بيدلر عام 1972، وهذه تصور بكتيريا تهضم البلاستيك، وكانت هذه الفكرة تبدو بعيدة المنال منذ بضع سنوات، فالبلاستيك موجود منذ 80 عاماً فقط أو نحو ذلك، وهي مدة بالكاد تبدو طويلة بما يكفي لتطور الطبيعة آلية لأكلها.
ومع ذلك، فإن البلاستيك عبارة عن مركبات قائمة على الكربون، تشبه إلى حد كبير البوليمرات الطبيعية مثل الكولاجين (في الحيوانات) والسليلوز (في النباتات) وشمع النحل، وعلى مدى مئات السنين، طورت البكتيريا والفطريات كثيراً من الأدوات الكيميائية الحيوية لكبح الكربون من كل كائن حي مات. لذلك؛ ربما لم يكن الأمر مفاجئاً عندما اكتشف العلماء، عام 2016، خلال غربلة مصنع لإعادة التدوير في كيوتو باليابان، بكتيريا تتغذى فعلياً على الزجاجات البلاستيكية.
ومنذ ذلك الحين، قامت مجموعات بحثية أخرى عدة بعزل الإنزيمات الهضمية المعنية، وهندستها لتكون أكثر كفاءة، ونأمل أن نتمكن من استخدام هذه الأنظمة الطبيعية المعدلة لتنظيف فوضى البلاستيك لدينا.
أحدث المحاولات للقيام بذلك لها طابع مستقبلي واضح، عندما قامت مجموعة في جامعة أوستن بولاية تكساس الأميركية، بتغذية بنية الإنزيمات الهاضمة في شبكة عصبية، وتوقع هذا الذكاء الصناعي أفضل أجزاء الإنزيم لتعديلها لزيادة كفاءتها، وبنصيحة الذكاء الصناعي، أنتجت المجموعة البحثية إنزيماً أفسد وعاءً بلاستيكياً تماماً في غضون يومين فقط.
يقول لورتش: «المهندسون الكيميائيون يقومون بالفعل بتطوير مصانع إعادة التدوير على نطاق واسع باستخدام البكتيريا، وتم تصميم النوع الموجود في رواية (آكلة البلاستيك)، ولكن دعونا نأمل أن يتوقف التطابق عند هذا الحد؛ لأن في الرواية، تهرب البكتيريا وتسبب الدمار لأنها تمزق عالمنا؛ مما يؤدي إلى تعفن البنية التحتية البلاستيكية التي تجمع المجتمع معاً».
- لحوم صناعية
ومن فيلم «نيورومانسر» لويليام جيبسون إلى سلسلة مسلسل «ذا إكسبانس»، تعد اللحوم المزروعة بالوعاء مجازاً شائعاً للخيال العلمي. ويصطف كثير من اللحوم المصنعة بالفعل على رفوف المتاجر الكبرى لدينا، لكن معظمها يتكون من مكونات نباتية ممزوجة لتقليد طعم وملمس اللحم، ولكن يمكن تمييزها بسهولة عن اللحم الحقيقي.
يقول لورتش: «زراعة اللحوم في وعاء هو أمر مختلف، إنه أشبه بالتخمير، لكن باستخدام خلايا حيوانية بدلاً من الخميرة، تحتاج العملية إلى أشخاص لديهم فهم جيد لبيولوجيا الخلية وكيمياء التغذية والهندسة الكيميائية للعمل».
وتبدأ العملية بزراعة حساء كثيف من الخلايا، ويتم تغيير مزيج العناصر الغذائية داخل الحوض؛ ما يؤدي إلى تمايز الخلايا إلى أنواع الأنسجة، والعضلات، والنسيج الضام، والخلايا الدهنية، وأخيراً تتحد الخلايا في شيء يشبه عجينة اللحم، التي يتم حصادها ومعالجتها في قطع اللحم والبرغر وما شابه ذلك. الميزة بالطبع هي أنك تحصل على شيء بقوام اللحم وطعمه ومحتواه الغذائي، ولكن من دون الذبح.
في عام 2013، بلغت تكلفة أول برغر صالح للأكل بهذه الطريقة 300 ألف دولار، وبعد تسع سنوات، تراجعت التكاليف. وضخ المستثمرون مليارات الدولارات.
وتستعد الصناعة لبدء بيع منتجاتها، وتنتظر فقط وضع الأطر التنظيمية، وقادت سنغافورة الطريق إلى الموافقة على اللحوم المستزرعة في عام 2021، ومنحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية مؤخراً ختم الموافقة، ولم يتأخر المنظمون في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عن الركب.
- «علم زائف»
ومع ذلك، في بعض الأحيان، يجب على الباحثين ضبط رغباتهم لتحويل الخيال إلى واقع، ويستشهد لورتش في مقاله بأنه في «عام 2003، وقعت الأميركية إليزابيث هولمز، البالغة من العمر 19 عاماً فقط، تحت تأثير الرغبة في تحويل الخيال إلى واقع، وأسست شركة (ثيرانوس)، وبعد عشر سنوات، بلغت قيمة الشركة 10 مليارات دولار، وجمعت الأموال على أمل تقديم تقنية ثورية يمكنها تقديم تشخيصات رخيصة وسريعة من مجرد قطرة دم، وبدت الفكرة أقرب إلى الماسحات الضوئية الطبية في أفلام (ستار تريك)، واتضح أن الوعود التي قدمتها مبالغ فيها؛ مما أدى إلى الحكم عليها بالسجن 11 عاماً بتهمة الاحتيال».
ما أقدمت عليه هولمز هو ما يسميه محمد عبود، أستاذ الهندسة الكيميائية بجامعة المنيا (جنوب العاصمة المصرية القاهرة) «العلم الزائف»؛ وهو ما يعني «نظريات وقواعد يتم الترويج لها على أنها تستند إلى أسس وقوانين علمية حقيقية، لكنها لا تحمل في طياتها أي أدلة وإثباتات علمية تثبت صحتها».
يقول عبود لـ«الشرق الأوسط»: «العلم آفاقه واسعة، وليس عيباً أن يستلهم العالم فكرته من رواية أو فيلم، ولكن يجب في النهاية أن يكون إنجازه النهائي خاضعاً للقواعد العلمية المتعارف عليها». ويضيف: «شهد العلم نهضة كبيرة وإنجازات عظيمة؛ لكنه شهد أيضاً تنامياً في ظاهرة (الأبحاث المختلقة)، أي التي يقوم باحثوها بتزوير نتائجها لإثبات فكرة لا تؤيدها نتائج تجربتها العملية، وكم من الأبحاث تم حذفها مؤخراً من الدوريات العلمية، واعتذرت تلك الدوريات بسبب وقوعها في خطأ نشرها!».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تصاميم ناجحة لطائرات تجارية أسرع من الصوت

تصاميم ناجحة لطائرات تجارية أسرع من الصوت
TT

تصاميم ناجحة لطائرات تجارية أسرع من الصوت

تصاميم ناجحة لطائرات تجارية أسرع من الصوت

في صيف عام 1985، كان بوسع المسافرين الأثرياء تناول الإفطار في نيويورك، وتناول الغداء في لندن، والعودة إلى ديارهم لتناول العشاء، في رحلة عبر المحيط الأطلسي بسرعة تعادل ضعف سرعة الصوت على متن الطائرة «كونكورد»، كما كتبت جاكي سنو(*).

لقد كانت تلك أياماً مهيبة من السفر الأسرع من الصوت، عندما كان أسطول الخطوط الجوية البريطانية من الطائرة «كونكورد» يحمل نجوم هوليوود، وكبار رجال الأعمال، والأثرياء بين القارات بسرعة تبلغ «2 ماخ». وقد تكون هذه الأيام على وشك العودة، وإن كان في عالم طيران مختلف تماماً.

اختبارات لتصاميم جديدة

في يناير (كانون الثاني) الماضي، وصل نموذج استعراضي لطائرة «إكس بي 1» XB-1 من شركة «بوم سوبرسونيك» Boom Supersonic إلى سرعة بلغت «1.122 ماخ» (أو 750 ميلاً/ساعة، 1207 كيلومترات/ساعة) عند تحليقها فوق صحراء موهافي بولايتي كاليفورنيا ونيفادا. وأصبحت أول طائرة مدنية تكسر حاجز الصوت منذ تقاعد «كونكورد» في عام 2003.

أثبتت تلك التجربة صحة التقنيات الحاسمة التي تأمل شركة «بوم» في تطويرها لصالح الطائرة «أوفرتشر» Overture airliner، وهي طائرة نفاثة يمكنها أن تحمل ما يصل إلى 80 راكباً لمسافة تصل إلى 4250 ميلاً بحرياً (نحو 4888 ميلاً أو 7866 كيلومتراً)، وهي مُصممة للطيران بسرعة تبلغ «1.7 ماخ»، أو ما يزيد قليلاً على 1300 ميل (2092 كيلومتراً) في الساعة. وهذا تقريباً يبلغ ضعف السرعة التي تسير بها طائرات الركاب التجارية الحالية.

ويمثل هذا الإنجاز نقطة تحول محتملة في مسعى الطيران التجاري الذي استمر عقوداً لإعادة السفر الأسرع من الصوت إلى الواجهة. ولكن في حين نجحت شركة «بوم» في تأمين أكثر من 600 مليون دولار أميركي من التمويل مع 130 طلباً مؤقتاً من شركات الطيران الكبرى، فإن الطريق إلى الربحية لا يزال صعباً. يجب على الشركة أن تثبت أنها قادرة على التغلب على نفس تحديات الفيزياء والاقتصاد التي أوقفت عمل «كونكورد» في الوقت الذي تختبر فيه أيضاً المخاوف الجديدة بشأن تأثير الطيران على البيئة.

وقد بدأت رحلة الشركة التي تتخذ من دنفر مقراً لها في تحقيق هذا الإنجاز في عام 2016، عندما تلقت دعماً حاسماً من مجموعة «فيرجين غروب»، التي لا تزال تعمل في برنامج احتضان الشركات الناشئة «واي كومبيناتور». وعرضت الشركة المملوكة للثري ريتشارد برانسون الدعم الهندسي واختارت أول 10 طائرات ركاب. وهي خطوة مناسبة نظراً لأن برانسون حاول من دون جدوى في عام 2003 شراء أسطول طائرات «كونكورد» المتقاعد من الخطوط الجوية البريطانية لاستخدامها من قبل شركة «فيرجن أتلانتيك». وكانت شركة «فيرجين غالاكتيك» بدأت منذ ذلك الوقت في تصميم طائرتها الأسرع من الصوت. ثم شرعت شركة «بوم»، التي تضم بين مستثمريها كلاً من: بول غراهام، وريد هوفمان، وسام ألتمان؛ في بناء الطائرة «إكس بي 1»، وهي نموذج أوليّ بحجم الثُلُث من الطائرة «أوفرتشر».

طيران سريع

الاحتمالات مُشَوِّقة للغاية: تقول شركة «بوم» إن هناك أكثر من 500 مسار للاستفادة من طائرتها. من الممكن أن تنخفض ساعات الطيران من طوكيو إلى سياتل من 8.5 ساعة إلى 4.5 ساعة تقريبا، ومن لوس أنجليس إلى سيدني من 14.5 ساعة إلى 8.5 ساعة، ومن نيويورك إلى لندن من 6.5 ساعة إلى 3.5 ساعة فقط.

هناك بالفعل بعض الأطراف المهتمة. فقد وقعت شركة «يونايتد إيرلاينز»، «اتفاقية شراء مشروطة وغير ملزمة» لـ15 طائرة مع خيارات لشراء 35 طائرة أخرى، وفقاً لما ذكرته وسائل الإعلام الإخبارية الأميركية. وقد حذت كل من شركة «أميركان إيرلاينز» والخطوط الجوية اليابانية حذوهما ليصل المجموع إلى 130 طائرة. وبتكاليف تبلغ 200 مليون دولار لكل طائرة، فإن هذا يمثل قدراً كبيراً من ثقة السوق، ولو أن قدامى أقطاب الصناعة يتذكرون التزامات مماثلة تعهدت بها شركة «كونكورد» ولم تتحقق قط.

إن تحديات الاقتصاد والفيزياء التي عصفت بالطائرة «كونكورد» قبلاً ما تزال تلوح في الأفق. إذ استخدمت طائرة بوينغ 747 - التي دخلت الخدمة التجارية في عام 1970، بعد أشهر من أول اختبار ناجح للطائرة «كونكورد» - ربع مقدار الوقود، وحملت خمسة أضعاف عدد الركاب. ومنذ ذلك الحين، صارت الطائرات غير الأسرع من الصوت هي الأكثر كفاءة.

وكما صرح بليك شول، الرئيس التنفيذي لشركة «بوم» لشبكة «إن بي آر»: «كانت أكبر مشكلة في (كونكورد) ببساطة هي أن تشغيلها كان باهظ الثمن للغاية. لذا، فإن المشكلة الأكثر أهمية التي يتعين علينا حلها ليست كسر حاجز الصوت، وإنما كسر الحاجز الاقتصادي».

تصميم أكثر كفاءة وأقل ضجيجاً

وتزعم شركة «بوم» أن الطائرة «أوفرتشر» الخاصة بها سوف تعمل بتكلفة أقل بنسبة 75 في المائة من «كونكورد» من خلال مواد حديثة أخف وزناً ومحركات أكثر كفاءة.

هناك أيضاً تغييرات في فهم الفيزياء التي يمكن أن تعني أن الضوضاء العالية والنوافذ المكسورة ستكون شيئاً من الماضي. وتزعم شركة «بوم» أن تقنية «بومليس كروز» التي تستخدمها تعني أن الطائرة «أوفرتشر» ليست أعلى صوتاً من الطائرات الحالية عند الإقلاع.

سيكون بإمكان الطائرة «أوفرتشر» أن تطير بسرعة «1.3 ماخ» (نحو 1000 ميل/ساعة أو 1609 كيلومترات/ساعة) من دون أن يكون هناك دوي مسموع، ما يقلل من وقت الرحلات من الساحل إلى الساحل في الولايات المتحدة لمدة تصل إلى 90 دقيقة، إذا لم يكن هناك قانون يحظر الرحلات الأسرع من الصوت فوق سطح الأرض.

لقد تغير مشهد الطيران بصورة كبيرة منذ رحلة «كونكورد» الأخيرة، وبطرق يمكن أن تساعد في إنجاح السفر الجوي الأسرع من الصوت هذه المرة. ويتوقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي أن تبلغ عائدات شركات النقل الجوي العالمية في عام 2025 مبلغ تريليون دولار للمرة الأولى. وتشهد سوق السفر الفاخر توسعاً سريعاً، حيث تشير التوقعات إلى نمو يبلغ 37.45 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل ثابت يبلغ 6.5 في المائة سنوياً. فهناك نحو 20 في المائة فقط من سكان العالم يستخدمون السفر الجوي بانتظام، وهو ما يشير إلى حيز كبير للنمو. وتتوقع شركة «أفياشن بينيفتس» أن يصل عدد الركاب إلى 10 مليارات مسافر بحلول عام 2050.

وحتى مع توفر التكنولوجيا الأفضل وقطاع السفر المتنامي، فإن هدف شركة «بوم» لعام 2029 في مجال الخدمات التجارية يواجه رياحاً معاكسة كبيرة. ورغم أن اختبار الطائرة «إكس بي 1» قد أثبت صحة التقنيات الرئيسية، فإن ترقية هذه التقنيات لصالح طائرة تجارية كاملة يُشكل تحديات هندسية وتنظيمية هائلة. فمن المرجح أن تستخدم طائرة تجارية أسرع من الصوت، مثل تلك التي تصممها شركة «بوم»، خمسة إلى سبعة أضعاف كمية الوقود لكل "كيلومتر- مسافر" مقارنة بالطائرة التجارية غير الأسرع من الصوت.

وهذا يعني الكثير من ثاني أكسيد الكربون، وهو أمر تشعر شركات الطيران بقلق متزايد حياله. وقد أدلى شول بشهادته أمام لجنة فرعية معنية بالطيران تابعة لمجلس النواب الأميركي في العام الماضي قائلاً: «إن وقود الطائرات المستدام، أو (SAF)، يُشكل المفتاح لاستدامة الطائرة (أوفرتشر)، ونحن نعمل على تصميم الطائرة (أوفرتشر) من القاعدة إلى القمة بحيث تعمل على 100 في المائة من وقود الطائرات المستدام، الأمر الذي يمكنها من الطيران في رحلة خالية تماماً من الانبعاثات الكربونية».

ولكن مع ارتفاع أسعار وقود الطائرات المستدام إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف أسعار وقود الطائرات التقليدي، فإن شركة «بوم» تواجه سؤالاً حاسماً: هل تستطيع شركات الطيران كسب المال من بيع تذاكر الطائرات الأسرع من الصوت في حين تحرق الوقود الممتاز؟ تقول شركة «بوم» إنها تتوقع أن تكون الرحلات الجوية مربحة من خلال فرض أسعار الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال، على الرغم من أن التكاليف متروكة في نهاية المطاف إلى شركات الطيران. قد يُحدد الجواب ما إذا كان السفر الأسرع من الصوت سوف يبقى ذكرى حنين إلى ماضي الطيران، أو يصبح في النهاية جزءاً من مستقبله.

* مجلة «كوارتز» - خدمات «تريبيون ميديا»