لوسيان غولدمان... رؤية الجماعة

انتماؤه الإثني ظل بعيداً عن الاهتمام

لوسيان غولدمان
لوسيان غولدمان
TT

لوسيان غولدمان... رؤية الجماعة

لوسيان غولدمان
لوسيان غولدمان

يعد الناقد الروماني/الفرنسي، اليهودي الأصل، لوسيان غولدمان أحد أهم النقاد الماركسيين في النصف الأول من القرن العشرين. سار على خطى أشهر النقاد الماركسيين وأبرزهم في تلك الفترة غورغ لوكاتش وترك أعمالاً تركت أثرها على مسيرة النقد الأدبي المعاصر.
ومع أن غولدمان ينتمي إلى اليهود الرومانيين فإن ذلك الانتماء الإثني، أي انتماء غولدمان للجماعات اليهودية الرومانية، ظل بعيداً عن الاهتمام، يذكر فقط ضمن المعلومات المتعلقة بسيرته أو خلفيته لكن دون ربط بين ذلك الانتماء وما توصل إليه الناقد المفكر من منجزات سواء على مستوى المنهج أو المفاهيم. وقد زاد من ضبابية تلك العلاقة تضاؤل الاهتمام، في العقود الأخيرة، بمنجز غولدمان في المشهد النقدي الغربي عامة والمشهد الأنغلو أميركي بصفة خاصة.
عُرف غولدمان بتطويره منهجاً متفرعاً من البنيوية، هو البنيوية التكوينية أو التوليدية (وتترجم أحياناً إلى «التركيبية»)، لكن ذلك المنهج متصل بمفهوم سبقه وأسس له، هو مفهوم: رؤية العالم. هذا المفهوم الأخير يصف ما تسفر عنه دراسة أعمال أدبية لكتاب ينتمون إلى جماعة من المفكرين متأثرة بانتماءاتها الطبقية والآيديولوجية.
أما في البنية التكوينية فيدرس غولدمان التشابه بين بنية العمل الأدبي وبنية الأنماط الاجتماعية والآيديولوجية المحيطة بالكاتب وبالعمل وكون ذلك التشابه أساساً لقراءة العمل الأدبي واستيعابه. وهذه المفاهيم وأخرى متصلة بها مثل التشيؤ والاغتراب هي في جوهرها مفاهيم متعددة الجذور استقاها غولدمان من مصادر مختلفة، لكن الفلسفة الجدلية عند هيغل وماركس تمثل مهادها الرئيسي.
في الملاحظات التالية سيقع التركيز على ما يهمل عادة عند التعريف بغولدمان أو دراسة منتجه النقدي، أي المكون اليهودي في أعماله. ولعل البدء يكون بملاحظة المفارقة التي تبرز عند بداية النظر في منجز غولدمان. فهو المفكر والناقد الذي وجد أنه من غير الممكن فهم الأعمال الأدبية دون النظر في المهاد الاجتماعي والآيديولوجي الذي ينتمي إليه مؤلفو تلك الأعمال، فيحكم بنية أعمالهم أو رؤية العالم التي تسفر عنها. إذا كان غولدمان يرى أهمية ذلك الربط، فلم لا يجوز إجراء الربط نفسه على أعماله هو؟ لماذا لا نقرأ رؤية العالم لديه بوصفها متبلورة من انتمائه الاجتماعي/الثقافي والآيديولوجي؟ لماذا لا نتوقع وجود تشابه بين بنية تنتشر في أعماله وبنية تكمن في خلفيته الإثنية؟
لا تتوفر معلومات كثيرة عن التاريخ الشخصي لغولدمان، لكن المتوفر يشير إلى أنه ولد في بوخارست برومانيا عام 1913 لأسرة يهودية وكان والده حاخاماً. كما نعرف أنه هرب إلى فيينا بالنمسا بعد أن ألقي القبض عليه في رومانيا بتهمة النشاط ضمن جماعة ماركسية محظورة وذلك عام 1934، وكان إذ ذاك في مقتبل شبابه. تشير المعلومات أيضاً إلى أن الرحال حطت به مؤخراً في باريس حيث درس القانون والسياسة، وأنه استقر في فرنسا ليصير فرنسياً ويشار إليه في المصادر المختلفة بأنه فيلسوف فرنسي من أصل روماني. لكن المعلومات تتضمن أيضاً أنه تعرض عام 1942 للمطاردة إبان الحرب العالمية الثانية واحتلال الفرنسيين لباريس فهرب إلى سويسرا، حيث احتجز في مخيم للاجئين، وأنه بتدخل عالم النفس السويسري الشهير جان بياجيه أتيح له تغيير وضعه وإكمال دراسته في جامعة زيورخ.
وكان بياجيه قد عرفه قبل احتجازه فيما يبدو حيث عمل معه مساعد باحث فأدرك ما يتمتع به لوسيان من ذكاء وإمكانات ثقافية وفكرية عالية. عاد الشاب بعد ذلك إلى باريس وقد انقشعت عنها غمة الاحتلال النازي ليواصل دراسته ويحصل على دكتوراه ثانية من السوربون عام 1956.
في عام 1958 صار مديراً للدراسات في القسم السادس من مدرسة الدراسات العملية العليا وبعد ذلك بثلاثة أعوام أسس معهده البحثي الخاص باسم مركز الأبحاث الاجتماعية والأدبية في جامعة بروكسل الحرة، وهي الوظيفة التي شغلها حتى وفاته المبكرة نسبياً عام 1970.
هذا المهاد الإثني والاجتماعي وتلك الظروف من المعاناة الشخصية والسياسية يصعب أن نتخيل عدم تأثيرها البتة في توجهات غولدمان الفكرية والبحثية. وحاله في ذلك حال غيره بطبيعة الحال. بل إن غولدمان من أبرز المفكرين والنقاد الذين لفتوا انتباه الباحثين إلى العلاقة المهمة التي تقوم بين المفكر أو الناقد أو الباحث، من ناحية، وانتمائه، من ناحية أخرى، ليس إلى مجتمع بأكمله وإنما إلى فئة بعينها، وذلك من خلال تركيزه على الجانسينية إلى جانب تطويره للمنهج البنيوي التكويني وما يتصل بهذين الجانبين من مفاهيم.
لقد عانت الجماعة اليهودية في رومانيا مثل غيرها من الجماعات اليهودية في أوروبا من الاضطهاد طوال تاريخها الذي يعود إلى الهجرات الأولى في القرن الثاني الميلادي. غير أن القرن التاسع عشر شهد تثبيت قانون معادٍ لليهود (للسامية) في رومانيا سمح بموجبه بمصادرة أملاكهم وممارسة أشد الأساليب وحشية ضدهم. ثم تضاعف ذلك مع الاحتلال النازي إبان الحرب العالمية الثانية. و
كان من الطبيعي أن ينعكس ذلك على مشاعر تلك الأقلية الإثنية في بلد أقامت فيه قروناً واختلفت ديانة وأصولاً عرقية. كما كان من الطبيعي أيضاً أن يعبر فرد من أفراد تلك الجماعة عن الموقف العام لتلك الفئة تجاه عالم يضطهدها ورؤيتها هي لذلك العالم. تقول الباحثة البريطانية ماري إيفانز إن شعور غولدمان بالأمن كان هشاً «لأنه بوصفه رومانياً ويهودياً كان تحت خطر مضاعف من جراء الغزو الألماني».
استحضار ذلك السياق التاريخي الإثني يكتسب مشروعيته حين نتذكر أن غولدمان اختار لبحثه جماعة دينية عانت من الرفض وواجهت الاضطهاد في صور طرد من المؤسسة الدينية التي تنتمي إليها بسبب رؤيتها التي عدتها المؤسسة هرطقة تسيء للكاثوليكية. اختيار غولدمان للجماعة المعروفة بالجانسينيين Jansenists التي ظهرت أواسط القرن السابع عشر وامتدت حتى القرن الثامن عشر، ودراسته لعلاقة أفكار تلك الجماعة بالفكر الفلسفي للفيلسوف الفرنسي باسكال ومسرحيات راسين في القرن السابع عشر، يطرحان أسئلة حول رؤية غولدمان نفسه لانتماءاته هو تطبيقاً لأطروحته النقدية نفسها. فإذا كان الفكر والأدب يتأثران بالآيديولوجيات والأوضاع الدينية والاجتماعية المحيطة بهما، كما هي أطروحة غولدمان البنيوية التكوينية، فمن المشروع طرح التساؤل حول علاقة الفكر النقدي والفلسفي الذي يتبناه الناقد بالمؤثرات الآيديولوجية والاجتماعية والسياسية المحيطة به أو الكامنة في خلفيته.
يقول غولدمان إن رؤية الجانسينيين الفرنسيين كما تتمثل في أعمال باسكال وراسين، إلى جانب الفلسفة الكانطية في ألمانيا، هي رؤية مأساوية تأسست على الوعي بالمخاطر المحتملة من الانسياق وراء الفكر الإمبيريقي والعقلاني الذي أشاعته التوجهات العلمية التجريبية، كما عند فرانسيس بيكون، إلى جانب فلسفات ديكارت وجون لوك وغيرهما. ذلك الوعي المأساوي نتاج جماعة محددة وعت المخاطر المحيطة، ولنا أن نقرأ ذلك الوعي في سياق الظروف التي عاشها غولدمان نفسه، ففي كتابه «الإله الخفي» نجده يقول: «في فرنسا القرن السابع عشر وألمانيا القرن الثامن عشر أدى صعود الفكر العلمي وكفاءته التقنية الأعلى حتماً والمصاحبة له، إلى جانب صعود العقلانية والأخلاق النسبية، إلى إطلاق باسكال صرخته التحذيرية في (الأفكار) وكانط لفلسفته النقدية». هنا مرة أخرى كان الفكر المأساوي هو الذي أدان العلامات التي أشارت إلى أزمة عميقة في علاقة الإنسان بالعالم وبغيره من بني الإنسان كما أشارت إلى المخاطر الناجمة عن – أو بالأحرى التي كانت على وشك أن تنتُج عن – تقدم الإنسان عبر طريق بدا وما يزال يبدو للكثيرين غنياً وواعداً بالكثير.
صرخة باسكال يمكن أن تكون صرخة غولدمان، وصعود العقلانية والإمبيريقية في القرنين السابع عشر والثامن عشر يمكن أن يكون صعود النازية وما تأسست عليه من آيديولوجيات عنصرية وعلموية. لم يكن اختيار الحركة الجانسينية مجرد اختيار تاريخي فلسفي أو نتيجة لمجرد الإعجاب بباسكال أو راسين، وإنما كان إبرازاً لحركة تمرد فكري داخل الكنيسة الكاثوليكية وصرخة تحذير تجاه خطر قادم. ذلك التمرد وتلك الصرخة، صرخة جماعة إثنية، وتحذير مفكر ينتمي إلى تلك الجماعة في خضم تطورات خطيرة، تم ذلك الاختيار في أثناء تصاعدها وبين نتائجها.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

«غوغل» تُحذِّر موظفيها حاملي التأشيرات الأميركية من السفر الدولي

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

«غوغل» تُحذِّر موظفيها حاملي التأشيرات الأميركية من السفر الدولي

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أفاد موقع «بيزنس إنسايدر» نقلاً عن رسالة بريد إلكتروني داخلية، ​بأن شركة «غوغل» التابعة لمجموعة «ألفابت» نصحت بعض الموظفين الذين يحملون تأشيرات أميركية بتجنب السفر الدولي، بسبب تأخير في السفارات.

وجاء في التقرير الذي نقلته «رويترز»، أن البريد الإلكتروني الذي أرسله مسؤول ‌في الشركة يوم ‌الخميس، حذَّر ​الموظفين ‌الذين سيحتاجون لختم التأشيرة لدخول الولايات المتحدة مجدداً من مغادرة الدولة؛ لأن أوقات التعامل مع التأشيرات صارت مطولة.

ووفقاً ⁠للتقرير، جاء في المذكرة أن بعض ‌السفارات والقنصليات الأميركية تشهد ‍تأخيرات في ‍مواعيد التأشيرات تصل إلى 12 ‍شهراً، محذرة من أن السفر الدولي «ينطوي على خطر البقاء لفترة طويلة خارج الولايات المتحدة».

وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترمب هذا الشهر عن زيادة التدقيق مع المتقدمين للحصول ⁠على تأشيرات «إتش-1بي» للعمالة من ذوي المهارات العالية، بما في ذلك فحص حسابات وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي سبتمبر (أيلول)، نصحت شركة «ألفابت» المالكة لـ«غوغل» موظفيها بشدة بتجنب السفر الدولي، وحثت حاملي تأشيرة «إتش-1بي» على البقاء في الولايات المتحدة، ‌وفقاً لرسالة بريد إلكتروني اطلعت عليها «رويترز».


وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي عن عمر 72 عاماً

سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية
سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية
TT

وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي عن عمر 72 عاماً

سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية
سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية

توفيت الفنانة المصرية سمية الألفي صباح اليوم (السبت)، عن عمر يناهز 72 عاماً بعد صراع مع المرض.

ونعت نقابة المهن التمثيلية المصرية، في حسابها الرسمي عبر «فيسبوك»، الألفي، مقدمة التعازي لأسرتها.

وكانت الألفي أعلنت في مايو (أيار) 2023 تعافيها من مرض السرطان.

وكان آخر ظهور للألفي في أكتوبر (تشرين الأول) في كواليس فيلم «سفاح التجمع» من بطولة نجلها أحمد الفيشاوي، حسبما نشر مؤلف ومخرج الفيلم محمد صلاح العزب.

سمية الألفي كما ظهرت في كواليس فيلم «سفاح التجمع» (صفحة المؤلف محمد صلاح العزب)

وكانت سمية الألفي قد أعلنت إصابتها بمرض السرطان في عام 2017، وسافرت للعلاج في ألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة الأميركية.

الألفي كما ظهرت في فيديو من تصوير نجلها أحمد بعد الإعلان عن تعافيها من السرطان منذ عامين

وُلدت سمية الألفي في 23 يوليو (تموز) 1953 بمحافظة الشرقية، وحصلت على ليسانس الآداب (قسم اجتماع) قبل أن تدخل عالم الفن من خلال مسلسل «أفواه وأرانب» (1978).

وتزوجت الألفي بالفنان فاروق الفيشاوي من عام 1979 حتى 1992، وأنجبا ابنيهما أحمد وعمر. وتزوجت الألفي بعد ذلك بالملحن مودي الإمام، والمخرج جمال عبد الحميد، والمطرب مدحت صالح.

سمية الألفي مع فاروق الفيشاوي (الصفحة الرسمية للفنان أحمد الفيشاوي بـ«إنستغرام»)

وبدأت الألفي مشوارها الفني في أواخر السبعينات، لكن نجوميتها التي حظيت بها جاءت في الثمانينات والتسعينات، بعد أن قدمت أدواراً مهمة في «ليالي الحلمية» و«بوابة الحلواني» و«الراية البيضا».

سمية الألفي لها صورة واحدة على حسابها في «إنستغرام»

ونعت الألفي الفنانة شريهان في تغريدة عبر موقع «إكس».

وقدمت الألفي أكثر من 100 عمل بين السينما والمسرح والتلفزيون؛ إذ شاركت الألفي في عدد من الأعمال الدرامية مثل «العطار والسبع بنات» أمام نور الشريف، و«كناريا وشركاه» أمام فاروق الفيشاوي، وآخر ظهور لها كان ضيفة شرف في فيلم «تلك الأيام» الذي قام ببطولته نجلها الفنان أحمد الفيشاوي في عام 2010.


«طعم السعودية»... مطبخ وسياحة وثقافة في برنامج واحد

من التسوّق مروراً بالطهو وصولاً إلى التذوّق يغطّي البرنامج مراحل إعداد الطبق (شركة الإنتاج)
من التسوّق مروراً بالطهو وصولاً إلى التذوّق يغطّي البرنامج مراحل إعداد الطبق (شركة الإنتاج)
TT

«طعم السعودية»... مطبخ وسياحة وثقافة في برنامج واحد

من التسوّق مروراً بالطهو وصولاً إلى التذوّق يغطّي البرنامج مراحل إعداد الطبق (شركة الإنتاج)
من التسوّق مروراً بالطهو وصولاً إلى التذوّق يغطّي البرنامج مراحل إعداد الطبق (شركة الإنتاج)

​دار برنامج «طعم السعودية» دورةً كاملة حول المملكة، وعاد بحكاياتِ أطباقٍ دخلت تاريخ البلاد وأضحت رمزاً للتراث المحلّي. بعفويّته وأسلوب تقديمه البسيط، استطاع الشيف هشام باعشن نقل الصورة والفكرة وحتى الرائحة الزكيّة عبر الشاشة، إلى كل منزلٍ سعودي وعربي من خلال منصة «شاهد»، التي تعرض البرنامج ذات الحلقات الـ15 والإيقاع السريع والسلس.

في كل حلقة، يزور المُشاهدون إحدى مناطق المملكة ويتعرّفون على طريقة إعداد أشهر أطباقها التقليدية؛ من الكبيبة، والرقش، والصياديّة، مروراً بالمليحية والمرقوق، وليس انتهاءً بالجريش والكليجة.

يخرج «طعم السعودية» عن النمط السائد في برامج الطهي، إذ ينضمّ إلى الشيف هشام زميلة أو زميلٌ له من المنطقة المقصودة ليُشرف على إعداد الطبق ويمنحَ تقييمه في ختام الحلقة. ولا تقتصر خصوصية البرنامج على هذه الثنائية في التقديم؛ بل تنسحب على هويته العامة التي تدمج ما بين المطبخ التقليدي، والسياحة المناطقية، والثقافة التراثية والمجتمعية.

لا يتحدّث الشيف هشام باعشن عن مجرّد برنامجٍ قدّمه؛ بل عن حلمٍ حققه، ففي حوار مع «الشرق الأوسط»، يقرّ الطاهي المعروف والمدوّن السعودي بأنّ «طعم السعودية» شكّل «نقلة نوعيّة ومحطة محوريّة» في مسيرته المهنية.

يتحدّث الشيف هشام باعشن عن نقلة نوعية في مسيرته (شركة الإنتاج)

هو الذي استقلّ السيارة وتنقّل بين شمال المملكة وجنوبها مروراً بوسطِها، استمتع بتلك الرحلة لأنه تعرّف من خلالها على مناطق في بلده لم يكن قد زارها سابقاً. «اكتشفت نكهاتٍ جديدة مع طهاةٍ هم الأفضل في مجالهم ومناطقهم»، يقول باعشن.

أما الطبيعة والتضاريس المتنوّعة ما بين صحراء، وبحر، وأشجار، وجبال، وصخور شاهقة، ومساحات خضراء، فلم تشكّل مفاجأةً ومتعة بصريّة للشيف فحسب؛ بل كذلك لمشاهديه.

لا يقتصر البرنامج على مطبخ السعودية بل يشكّل لمحة سياحية وثقافية (شركة الإنتاج)

أتاح «طعم السعودية» فرصة التعرّف على الخصائص الجغرافية لكل منطقة، بعيداً عن التنميط والأفكار السائدة. «لن أنسى تبوك وطبيعتها الجميلة، ولا الجوّ البارد والاخضرار في الباحة»، يعلّق باعشن. ولحائل حصة كذلك من انبهاره، «أما أبها فجمال لا يُضاهى، ومواسم الورد والمطر فيها لا مثيل لها في العالم».

يضيء الرئيس التنفيذي لشركة «Full Stop» المنتجة لـ«طعم السعودية» فهد الأحمد، على الأبعاد الإنسانية التي ركّز عليها البرنامج. «ليس الأمر مجرّد وصفة طبق أو جولة سياحية، فنحن بحثنا عن القصة والبشر والحس الإنساني المحيط بذاك الطبق»، يشرح الأحمد لـ«الشرق الأوسط». أما إنتاجياً، فكانت الأولوية للجودة العالية ولصورة تليق بـ«شاهد»، وفق ما يوضح الأحمد. «لكن في الوقت ذاته، أخذنا في الاعتبار بساطة التنفيذ وعدم البهرجة والتلميع»، وهذا خيارٌ يُحاكي المحتوى الواقعي للبرنامج، وما اعتادت أن تراه عين المُشاهد مؤخراً من خلال الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي.

العفويّة في التقديم أحد مفاتيح نجاح البرنامج (شركة الإنتاج)

لم يأتِ اختيار الشيف هشام باعشن صدفةً، فإضافةً إلى كونه عالماً في مجاله وصانع محتوى محترفاً، فهو يتقن لعبة الكاميرا ويعرف كيف يتعامل معها، وفق تعبير الأحمد. كما أنه يملك شبكة علاقات واسعة في مجال الطهي، ما أتاح له اختيار أفضل الطهاة على امتداد الخريطة السعودية.

نراه يقود سيارته ويتحدّث عبر كاميرا الهاتف إلى متابعيه، واصفاً ما يشاهد من مناظر خلّابة، ثم يصل إلى محطته، حيث يبحث عن الشيف الزميل ويتفقان على الوصفة التي سيعدّها باعشن. بعد ذلك، يتوجّه إلى السوق، حيث يبتاع مكوّنات الطبق، لينتقل لاحقاً إلى التحضير، يليه التذوّق والتقييم.

في كل منطقة سعودية يعدّ الشيف هشام الطبق التقليدي الخاص بها (شركة الإنتاج)

يحصل كل ذلك من دون تدريبٍ ولا نصوصٍ مُعدّة مسبقاً، ويؤكد الشيف هشام في هذا السياق، أن «الارتجال كان سيد الموقف، ما حصّنني بالراحة لإظهار شخصيتي العفوية كما هي». يضيف: «الأمر الوحيد المتفق عليه مسبقاً، كان أن ننسى أنّ أمامنا كاميرا، وأن نتصرف بطبيعية».

تلك البنية البسيطة حرص فريق عمل البرنامج على أن تتّسم بخصوصية عربية، فلا تكون مقتبسة عن برامج الطهي الغربية. ولا مانع بالتالي من إعادة تطبيق تلك الرؤية على مطابخ عربية أخرى في مواسم جديدة، وفق ما يشير الأحمد.

لكن قبل النُّسَخ العربية، من المحتمل كذلك أن يعود «طعم السعودية» بموسمٍ ثانٍ. بما أنّ أرض المملكة شاسعة، ومطبخها متنوّع كثيراً، فبالتأكيد لا تكفي 15 حلقة لتغطيته (المطبخ) كاملاً.

يخضع الطبق الذي يعدّه الشيف هشام لتقييم أبرز طهاة المنطقة (شركة الإنتاج)

انتقى البرنامج أبرز الأكلات التقليدية التي تمثّل المناطق، تماشياً مع إعلان «هيئة فنون الطهي السعودية» عن الأطباق التي ترمز إلى كل منطقة. وافتتاحية «طعم السعودية» كانت مع طبق المرقوق «إرث المطبخ النجدي» وأشهر أطباق الرياض. أما في القصيم، فكانت المحطة مع حلوى الكليجة التقليدية تحت إشراف الشيف «أم صالح»، وقد شكّل الأمر تحدياً بالنسبة للشيف بما أنه يحترف طبخ الأطباق المالحة، وليس الحلويات.

أما التحدّي الأكبر فكان في منطقة الباحة مع خبز المقنّاة الذي يُعدّ من بين أثمن خبز في العالم. يعلّق باعشن قائلاً إن «تحضير هذا الخبز كان أشبه بالعمل على لوحة فنية، وهي تجربة زادت فخري بالمطبخ السعودي».

طبق الجريش السعودي التقليدي رمز مطبخ الرياض (شركة الإنتاج)

لا يتردد الشيف بالقول إن «طعم السعودية» أضاف إلى خبرته ومعارفه المطبخية، ونقلَه إلى مستوى آخر. والأهم، وفق ما يقول، أنه أتاح له «ردّ بعض الجميل للأرض التي ربّتني وأطعمتني من خيراتها». وإذ يبدي استعداده لدورةٍ مطبخيّة جديدة حول السعودية، يختم الشيف هشام باعشن بالإفصاح: «وقعت في حب بلدنا من أول وجديد. ممنون جداً لهذه الرحلة».