فوتوغرافية روسية تعيد اكتشاف المباني المهجورة في مصر (صور)

رحلتها التوثيقية بدأت منذ 17 عاماً وأثمرت كتاباً مصوراً

الفنانة الروسية - (الجامعة الأميركية بالقاهرة)
الفنانة الروسية - (الجامعة الأميركية بالقاهرة)
TT

فوتوغرافية روسية تعيد اكتشاف المباني المهجورة في مصر (صور)

الفنانة الروسية - (الجامعة الأميركية بالقاهرة)
الفنانة الروسية - (الجامعة الأميركية بالقاهرة)

تأثرت المصورة الفوتوغرافية الروسية زينيا نيكولسكايا بالبنايات القديمة بمدينة سانت بطرسبرغ، التي تم تأسيسها عام 1703-، كميناء مهم وقاعدة بحرية، لدرجة أنه أُطلق عليها لقب «نافذة على أوروبا» من قبل مؤسسها بطرس الأكبر، ولا تزال كذلك. وتوصف بأنها «أكثر مدينة روسية يغلب عليها طابع البناء الأجنبي».
واجتذبت الطرز المعمارية المتنوعة والفريدة بمصر، نيكولسكايا التي لاحظت تشابهاً بين الكثير من مباني القاهرة، ومدينة سانت بطرسبرغ، لدى زيارتها لمصر لأول مرة في بداية الألفية الجديدة، حيث بنى مهندسون ومعماريون أوروبيون مباني عدة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والجزء الأول من القرن العشرين، قبل أن تقرر إنجاز مشروع توثيقي عن هذه القصور المنسية التي ذكّرتها بطفولتها في روسيا.

مدخل فيلا بحي غاردن سيتي بالقاهرة

وتقول نيكولسكايا لـ«الشرق الأوسط»: «أثناء زيارتي للقاهرة لأول مرة، كان لدي شعور دائم بأنني كنت هنا من قبل؛ فالمدينة بدت مثل سانت بطرسبرغ مأهولة بالغرباء».
وذّكر حال المباني المنسية والقصور المهجورة في مصر، الفوتوغرافية الروسية وكأنها في مدينتها الأم (سانت بطرسبرغ)، فبينما كانت روسيا تمر بالكثير من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية، فإن الهندسة المعمارية المنسية والمباني المهجورة الجميلة شكلت جزءاً من طفولتها، على حد تعبيرها.
وتؤكد أن «هذا الاهتمام في البداية كان مجرد فضول، ولكن مع الوقت أصبح مهمة بعد أن أدركت أن هذه المباني كادت تختفي».

أحد البنوك القديمة

وشهدت القاهرة ومدن كبيرة أخرى في مصر طفرة إنشائية كبرى بين عامي 1860 و1940 ميلادياً، أدت إلى بناء قصور غير تقليدية ومبانٍ فخمة كثيرة، مزجت بين الكثير من الأساليب المعمارية، من بينها Beaux - Arts وArt Deco التي تأثرت بمواد التصميم المحلية، لكن هذه المباني عانت من الإهمال لعقود وأصبحت غير مأهولة بالسكان.
وفي عام 2006، بدأت المصورة الروسية - السويدية زينيا نيكولسكايا الحاصلة على جائزة في فن التصوير، عملية توثيق وتصوير هذه المباني المهجورة في نحو 30 موقعاً في المدن المصرية المختلفة؛ منها القاهرة، والإسكندرية، والأقصر، والمنيا، وبورسعيد، وضمت صور هذه المباني في الإصدار الأول من كتاب «تراب... العمارة المصرية المنسية» الصادر عن دار نشر الجامعة الأميركية بالقاهرة، الذي نفد عقب طرحه في عام 2012 بفترة وجيزة، ليصبح من الكتب النادرة لهواة جمع الكتب، بحسب وصف الجامعة الأميركية بالقاهرة.

غلاف الكتاب

ووفق نيكولسكايا، فإن «النسخة الجديدة من الكتاب ترصد حالة البنايات المعمارية المهجورة في مصر وأهميتها، إذ تتنوع ملكية المباني العتيقة التي صورتها ما بين عامة وخاصة، جامعة بين ازدواجية متشابكة من الغبار أو التراب باعتباره المادة التي تغلف المدينة والتي من خلالها يتم تتبع مرور الوقت على الأشياء الحضارية، وكذلك كاستعارة عن تسجيل الزمان لهذه التغييرات وتشكيلة لذكريات الماضي والوقت الحالي».
وتتضمن الطبعة الجديدة والموسعة من الكتاب صوراً من الإصدار الأول للكتاب، بالإضافة إلى صور إضافية جديدة التقطتها نيكولسكايا بين عامي 2013 و2021. وتتضمن أيضاً مقالات غير منشورة سابقاً بقلم كل من هبة فريد، المالكة المشاركة لغاليري «تنتيرا» والمهندس المعماري والمخطط العمراني عمر نجاتي، المؤسس المشارك في منصة «بحث» في مجال التصميم الحضاري.
وتشير الفوتوغرافية الروسية إلى أن مهمة توثيق المباني المهجورة في مصر لم تكن سهلة: «بالطبع، سأكتب كتاباً إضافياً عن ذلك يوماً ما، لأن حالة هذه المباني محيرة للغاية، وبشكل عام، لا يقدر الناس تهالك المباني، لذلك كان من الصعب دائماً شرح ما أفعله، كما أن التصوير الفوتوغرافي دائماً ما يثير القلق»، على حد تعبيرها.
وتؤكد نيكولسكايا أن «قصر السكاكيني، القابع بوسط القاهرة، كان أكثر مبنى أثار دهشتها وإعجابها، بالإضافة إلى أول مكان وطئته قدمها، وهو قصر سراج الدين».

قصر سعيد حليم بالقاهرة

وتشير المصورة الروسية إلى أن «هناك الكثير من الطرق لإحياء هذه المباني، من بينها تحويل المباني التراثية إلى أماكن ثقافية، فأصدقائي في السويد ولاتفيا على سبيل المثال يقومون بذلك بالاتفاق مع الحكومة وإدارة المدن، اللتين كانتا على استعداد لعقد اتفاقات خاصة مع المؤسسات الثقافية مقابل تجديد المباني، بإيجار رمزي يساوي دولاراً واحداً، لكن لا يزال الوضع تجارياً في مصر للغاية وقد نفقد بعضاً من هذه المباني إذا انتظرنا جمع الأموال اللازمة لتجديد المباني»، على حد تعبيرها.
وتكشف نيكولسكايا أن «لديها مشروعاً فوتوغرافياً جديداً في مصر، لكن ما زال الوقت مبكراً للإعلان عنه».

أحد القصور المهجورة بالمنيل

وأعلنت وزارة الثقافة المصرية أخيراً انتهاءها من توثيق 400 مبنى تراثي يقع معظمها وسط محافظة القاهرة وشرقها، استعداداً لضمها للأرشيف القومي للمباني التراثية ذات الطابع المعماري المتميز، الذي يُشرف على إعداده الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، برئاسة المهندس محمد أبو سعدة.
ويعد الأرشيف القومي للمباني التراثية «أحد أهم المشروعات التي أطلقتها الوزارة مؤخراً بهدف حصر المباني التراثية، وتوثيقها وحمايتها، ما يساعد في الحفاظ على تلك الكنوز للأجيال القادمة»، بحسب وصف وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني.


مقالات ذات صلة

«مشروع توثيقي» لمصري يفوز بجائزة من «وورلد برس فوتو»

يوميات الشرق «مشروع توثيقي» لمصري يفوز بجائزة من «وورلد برس فوتو»

«مشروع توثيقي» لمصري يفوز بجائزة من «وورلد برس فوتو»

«هنا الأبواب لا تعرفني» عنوان المشروع، الذي فاز به المصور المصري الشاب محمد مهدي في المسابقة الدولية للتصوير الفوتوغرافي «وورلد برس فوتو» لعام 2023.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق «الإسماعيلية التسجيلي» يُبرز مسيرة سينمائيين مصريين

«الإسماعيلية التسجيلي» يُبرز مسيرة سينمائيين مصريين

يحتفي «مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة» خلال دورته اﻟ24. بمسيرة 2 من السينمائيين المصريين، وهما مدير التصوير السينمائي دكتور محمود عبد السميع، والناقد والمؤرخ محمود علي، اللذين جمعهما توثيق السينما، حيث وثقها عبد السميع بالكاميرا عبر أفلامه، بينما وثقها علي بالقلم عبر كتب وموسوعات عن تاريخ السينما، واستهل المهرجان أولى فاعلياته بإقامة ندوة لكل منهما ظهر اليوم (الأربعاء). وأكد مدير التصوير السينمائي عبد السميع، خلال الندوة، أنه «كلما كانت اللقطة التي يتم تصويرها واقعية جنح الفيلم إلى التوثيق». وقال إن «الصورة يجب أن تبقى في خدمة المضمون في الفيلم التسجيلي بعيداً عن الجماليات».

انتصار دردير (الإسماعيلية)
يوميات الشرق مسعود هانتشر ممسكاً بيد ابنته إرماك البالغة 15 عاماً المتوفاة تحت الأنقاض جراء الزلزال في كهرمان ماراش (أ.ف.ب)

حملة تضامن مع رجل تركي ينشر صورته ممسكاً بيد ابنته المتوفاة تحت الأنقاض

حرّكت صورة مسعود هانتشر ممسكاً بيد ابنته المتوفاة تحت الأنقاض، عقب الزلزال العنيف الذي ضرب تركيا يوم 6 فبراير (شباط)، العالم بأسره، واستتبعت حملة من التضامن مع هذا الرجل المحطم، كما روى لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». بعد نحو 3 أسابيع على هذه الكارثة الطبيعية التي أودت بأكثر من 44 ألف شخص في تركيا، غادر هانتشر، وهو والد لأربعة أطفال، من بينهم إرماك (15 عاماً) التي قضت مدفونة تحت أنقاض مبنى من 8 طوابق، بلدته كهرمان مراش، في جنوب شرقي تركيا، ليستقر في أنقرة. وقال: «لقد فقدت أيضاً والدتي وإخوتي وأبناء إخوتي في الزلزال. لكن دفن ولدك لا نظير لمأساويته...

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
يوميات الشرق الفريق المنظم لمهرجان «ما بين بين» خلال الإعلان عن فقراته (من المركز البريطاني)

مهرجان «ما بين بين» مساحات من الإبداع تضيء بيروت

حزم المجلس الثقافي البريطاني أمره في ما يخص تنظيمه للنشاطات الفنية، فقد قرر أن يشارك فيها بعد أن كان ينظمها ويشرف عليها فقط. وفي مؤتمر صحافي عقد في مركز «ستايشن» الثقافي، أعلن مارك معركش مدير الفنون في المجلس المذكور عن هذا التبديل. وأطلق في المناسبة مهرجان «ما بين بين» (in between) الثقافي والفني. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «الفنون حاضرة دائماً في نشاطات المجلس الثقافي البريطاني. لكن منذ نحو سنة ونيف أعدنا النظر بالاستراتيجية الخاصة بنا. ففي السابق كنا نعتمد على دعم مادي يوزع على شركائنا في الحقل الثقافي من دون أن يكون لنا أي دور مباشر فيه.

يوميات الشرق بنايات تعكس وجه السودان القديم (الشرق الأوسط)

مباني الخرطوم المهجورة تعود إلى الحياة عبر الصور

«سودانية بكتوريل التصويرية» هو واحد من برامج كثيرة لإحياء بنايات تعكس وجه السودان القديم، عبر توثيق لمبانيه المهجورة والأثرية التي أشرفت على الاندثار، بإعادة قراءتها للأجيال القادمة والحاضرة عبر الصورة. وتقول ريم حسين (مهندسة) صاحبة الفكرة: «إن المبادرة منبثقة من حب السودان.

سهام صالح (الخرطوم)

«غوغل» تُحذِّر موظفيها حاملي التأشيرات الأميركية من السفر الدولي

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

«غوغل» تُحذِّر موظفيها حاملي التأشيرات الأميركية من السفر الدولي

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أفاد موقع «بيزنس إنسايدر» نقلاً عن رسالة بريد إلكتروني داخلية، ​بأن شركة «غوغل» التابعة لمجموعة «ألفابت» نصحت بعض الموظفين الذين يحملون تأشيرات أميركية بتجنب السفر الدولي، بسبب تأخير في السفارات.

وجاء في التقرير الذي نقلته «رويترز»، أن البريد الإلكتروني الذي أرسله مسؤول ‌في الشركة يوم ‌الخميس، حذَّر ​الموظفين ‌الذين سيحتاجون لختم التأشيرة لدخول الولايات المتحدة مجدداً من مغادرة الدولة؛ لأن أوقات التعامل مع التأشيرات صارت مطولة.

ووفقاً ⁠للتقرير، جاء في المذكرة أن بعض ‌السفارات والقنصليات الأميركية تشهد ‍تأخيرات في ‍مواعيد التأشيرات تصل إلى 12 ‍شهراً، محذرة من أن السفر الدولي «ينطوي على خطر البقاء لفترة طويلة خارج الولايات المتحدة».

وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترمب هذا الشهر عن زيادة التدقيق مع المتقدمين للحصول ⁠على تأشيرات «إتش-1بي» للعمالة من ذوي المهارات العالية، بما في ذلك فحص حسابات وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي سبتمبر (أيلول)، نصحت شركة «ألفابت» المالكة لـ«غوغل» موظفيها بشدة بتجنب السفر الدولي، وحثت حاملي تأشيرة «إتش-1بي» على البقاء في الولايات المتحدة، ‌وفقاً لرسالة بريد إلكتروني اطلعت عليها «رويترز».


وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي عن عمر 72 عاماً

سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية
سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية
TT

وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي عن عمر 72 عاماً

سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية
سمية الألفي كما ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية

توفيت الفنانة المصرية سمية الألفي صباح اليوم (السبت)، عن عمر يناهز 72 عاماً بعد صراع مع المرض.

ونعت نقابة المهن التمثيلية المصرية، في حسابها الرسمي عبر «فيسبوك»، الألفي، مقدمة التعازي لأسرتها.

وكانت الألفي أعلنت في مايو (أيار) 2023 تعافيها من مرض السرطان.

وكان آخر ظهور للألفي في أكتوبر (تشرين الأول) في كواليس فيلم «سفاح التجمع» من بطولة نجلها أحمد الفيشاوي، حسبما نشر مؤلف ومخرج الفيلم محمد صلاح العزب.

سمية الألفي كما ظهرت في كواليس فيلم «سفاح التجمع» (صفحة المؤلف محمد صلاح العزب)

وكانت سمية الألفي قد أعلنت إصابتها بمرض السرطان في عام 2017، وسافرت للعلاج في ألمانيا وسويسرا والولايات المتحدة الأميركية.

الألفي كما ظهرت في فيديو من تصوير نجلها أحمد بعد الإعلان عن تعافيها من السرطان منذ عامين

وُلدت سمية الألفي في 23 يوليو (تموز) 1953 بمحافظة الشرقية، وحصلت على ليسانس الآداب (قسم اجتماع) قبل أن تدخل عالم الفن من خلال مسلسل «أفواه وأرانب» (1978).

وتزوجت الألفي بالفنان فاروق الفيشاوي من عام 1979 حتى 1992، وأنجبا ابنيهما أحمد وعمر. وتزوجت الألفي بعد ذلك بالملحن مودي الإمام، والمخرج جمال عبد الحميد، والمطرب مدحت صالح.

سمية الألفي مع فاروق الفيشاوي (الصفحة الرسمية للفنان أحمد الفيشاوي بـ«إنستغرام»)

وبدأت الألفي مشوارها الفني في أواخر السبعينات، لكن نجوميتها التي حظيت بها جاءت في الثمانينات والتسعينات، بعد أن قدمت أدواراً مهمة في «ليالي الحلمية» و«بوابة الحلواني» و«الراية البيضا».

سمية الألفي لها صورة واحدة على حسابها في «إنستغرام»

ونعت الألفي الفنانة شريهان في تغريدة عبر موقع «إكس».

وقدمت الألفي أكثر من 100 عمل بين السينما والمسرح والتلفزيون؛ إذ شاركت الألفي في عدد من الأعمال الدرامية مثل «العطار والسبع بنات» أمام نور الشريف، و«كناريا وشركاه» أمام فاروق الفيشاوي، وآخر ظهور لها كان ضيفة شرف في فيلم «تلك الأيام» الذي قام ببطولته نجلها الفنان أحمد الفيشاوي في عام 2010.


«طعم السعودية»... مطبخ وسياحة وثقافة في برنامج واحد

من التسوّق مروراً بالطهو وصولاً إلى التذوّق يغطّي البرنامج مراحل إعداد الطبق (شركة الإنتاج)
من التسوّق مروراً بالطهو وصولاً إلى التذوّق يغطّي البرنامج مراحل إعداد الطبق (شركة الإنتاج)
TT

«طعم السعودية»... مطبخ وسياحة وثقافة في برنامج واحد

من التسوّق مروراً بالطهو وصولاً إلى التذوّق يغطّي البرنامج مراحل إعداد الطبق (شركة الإنتاج)
من التسوّق مروراً بالطهو وصولاً إلى التذوّق يغطّي البرنامج مراحل إعداد الطبق (شركة الإنتاج)

​دار برنامج «طعم السعودية» دورةً كاملة حول المملكة، وعاد بحكاياتِ أطباقٍ دخلت تاريخ البلاد وأضحت رمزاً للتراث المحلّي. بعفويّته وأسلوب تقديمه البسيط، استطاع الشيف هشام باعشن نقل الصورة والفكرة وحتى الرائحة الزكيّة عبر الشاشة، إلى كل منزلٍ سعودي وعربي من خلال منصة «شاهد»، التي تعرض البرنامج ذات الحلقات الـ15 والإيقاع السريع والسلس.

في كل حلقة، يزور المُشاهدون إحدى مناطق المملكة ويتعرّفون على طريقة إعداد أشهر أطباقها التقليدية؛ من الكبيبة، والرقش، والصياديّة، مروراً بالمليحية والمرقوق، وليس انتهاءً بالجريش والكليجة.

يخرج «طعم السعودية» عن النمط السائد في برامج الطهي، إذ ينضمّ إلى الشيف هشام زميلة أو زميلٌ له من المنطقة المقصودة ليُشرف على إعداد الطبق ويمنحَ تقييمه في ختام الحلقة. ولا تقتصر خصوصية البرنامج على هذه الثنائية في التقديم؛ بل تنسحب على هويته العامة التي تدمج ما بين المطبخ التقليدي، والسياحة المناطقية، والثقافة التراثية والمجتمعية.

لا يتحدّث الشيف هشام باعشن عن مجرّد برنامجٍ قدّمه؛ بل عن حلمٍ حققه، ففي حوار مع «الشرق الأوسط»، يقرّ الطاهي المعروف والمدوّن السعودي بأنّ «طعم السعودية» شكّل «نقلة نوعيّة ومحطة محوريّة» في مسيرته المهنية.

يتحدّث الشيف هشام باعشن عن نقلة نوعية في مسيرته (شركة الإنتاج)

هو الذي استقلّ السيارة وتنقّل بين شمال المملكة وجنوبها مروراً بوسطِها، استمتع بتلك الرحلة لأنه تعرّف من خلالها على مناطق في بلده لم يكن قد زارها سابقاً. «اكتشفت نكهاتٍ جديدة مع طهاةٍ هم الأفضل في مجالهم ومناطقهم»، يقول باعشن.

أما الطبيعة والتضاريس المتنوّعة ما بين صحراء، وبحر، وأشجار، وجبال، وصخور شاهقة، ومساحات خضراء، فلم تشكّل مفاجأةً ومتعة بصريّة للشيف فحسب؛ بل كذلك لمشاهديه.

لا يقتصر البرنامج على مطبخ السعودية بل يشكّل لمحة سياحية وثقافية (شركة الإنتاج)

أتاح «طعم السعودية» فرصة التعرّف على الخصائص الجغرافية لكل منطقة، بعيداً عن التنميط والأفكار السائدة. «لن أنسى تبوك وطبيعتها الجميلة، ولا الجوّ البارد والاخضرار في الباحة»، يعلّق باعشن. ولحائل حصة كذلك من انبهاره، «أما أبها فجمال لا يُضاهى، ومواسم الورد والمطر فيها لا مثيل لها في العالم».

يضيء الرئيس التنفيذي لشركة «Full Stop» المنتجة لـ«طعم السعودية» فهد الأحمد، على الأبعاد الإنسانية التي ركّز عليها البرنامج. «ليس الأمر مجرّد وصفة طبق أو جولة سياحية، فنحن بحثنا عن القصة والبشر والحس الإنساني المحيط بذاك الطبق»، يشرح الأحمد لـ«الشرق الأوسط». أما إنتاجياً، فكانت الأولوية للجودة العالية ولصورة تليق بـ«شاهد»، وفق ما يوضح الأحمد. «لكن في الوقت ذاته، أخذنا في الاعتبار بساطة التنفيذ وعدم البهرجة والتلميع»، وهذا خيارٌ يُحاكي المحتوى الواقعي للبرنامج، وما اعتادت أن تراه عين المُشاهد مؤخراً من خلال الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي.

العفويّة في التقديم أحد مفاتيح نجاح البرنامج (شركة الإنتاج)

لم يأتِ اختيار الشيف هشام باعشن صدفةً، فإضافةً إلى كونه عالماً في مجاله وصانع محتوى محترفاً، فهو يتقن لعبة الكاميرا ويعرف كيف يتعامل معها، وفق تعبير الأحمد. كما أنه يملك شبكة علاقات واسعة في مجال الطهي، ما أتاح له اختيار أفضل الطهاة على امتداد الخريطة السعودية.

نراه يقود سيارته ويتحدّث عبر كاميرا الهاتف إلى متابعيه، واصفاً ما يشاهد من مناظر خلّابة، ثم يصل إلى محطته، حيث يبحث عن الشيف الزميل ويتفقان على الوصفة التي سيعدّها باعشن. بعد ذلك، يتوجّه إلى السوق، حيث يبتاع مكوّنات الطبق، لينتقل لاحقاً إلى التحضير، يليه التذوّق والتقييم.

في كل منطقة سعودية يعدّ الشيف هشام الطبق التقليدي الخاص بها (شركة الإنتاج)

يحصل كل ذلك من دون تدريبٍ ولا نصوصٍ مُعدّة مسبقاً، ويؤكد الشيف هشام في هذا السياق، أن «الارتجال كان سيد الموقف، ما حصّنني بالراحة لإظهار شخصيتي العفوية كما هي». يضيف: «الأمر الوحيد المتفق عليه مسبقاً، كان أن ننسى أنّ أمامنا كاميرا، وأن نتصرف بطبيعية».

تلك البنية البسيطة حرص فريق عمل البرنامج على أن تتّسم بخصوصية عربية، فلا تكون مقتبسة عن برامج الطهي الغربية. ولا مانع بالتالي من إعادة تطبيق تلك الرؤية على مطابخ عربية أخرى في مواسم جديدة، وفق ما يشير الأحمد.

لكن قبل النُّسَخ العربية، من المحتمل كذلك أن يعود «طعم السعودية» بموسمٍ ثانٍ. بما أنّ أرض المملكة شاسعة، ومطبخها متنوّع كثيراً، فبالتأكيد لا تكفي 15 حلقة لتغطيته (المطبخ) كاملاً.

يخضع الطبق الذي يعدّه الشيف هشام لتقييم أبرز طهاة المنطقة (شركة الإنتاج)

انتقى البرنامج أبرز الأكلات التقليدية التي تمثّل المناطق، تماشياً مع إعلان «هيئة فنون الطهي السعودية» عن الأطباق التي ترمز إلى كل منطقة. وافتتاحية «طعم السعودية» كانت مع طبق المرقوق «إرث المطبخ النجدي» وأشهر أطباق الرياض. أما في القصيم، فكانت المحطة مع حلوى الكليجة التقليدية تحت إشراف الشيف «أم صالح»، وقد شكّل الأمر تحدياً بالنسبة للشيف بما أنه يحترف طبخ الأطباق المالحة، وليس الحلويات.

أما التحدّي الأكبر فكان في منطقة الباحة مع خبز المقنّاة الذي يُعدّ من بين أثمن خبز في العالم. يعلّق باعشن قائلاً إن «تحضير هذا الخبز كان أشبه بالعمل على لوحة فنية، وهي تجربة زادت فخري بالمطبخ السعودي».

طبق الجريش السعودي التقليدي رمز مطبخ الرياض (شركة الإنتاج)

لا يتردد الشيف بالقول إن «طعم السعودية» أضاف إلى خبرته ومعارفه المطبخية، ونقلَه إلى مستوى آخر. والأهم، وفق ما يقول، أنه أتاح له «ردّ بعض الجميل للأرض التي ربّتني وأطعمتني من خيراتها». وإذ يبدي استعداده لدورةٍ مطبخيّة جديدة حول السعودية، يختم الشيف هشام باعشن بالإفصاح: «وقعت في حب بلدنا من أول وجديد. ممنون جداً لهذه الرحلة».