كيف اقتربت مصر من إعلان «القضاء على الإرهاب»؟

السيسي أكد التحضير لـ«احتفالية كبرى» في شمال سيناء

مدبولي يتفقد مشروعات في العريش والشيخ زويد (الحكومة المصرية)
مدبولي يتفقد مشروعات في العريش والشيخ زويد (الحكومة المصرية)
TT

كيف اقتربت مصر من إعلان «القضاء على الإرهاب»؟

مدبولي يتفقد مشروعات في العريش والشيخ زويد (الحكومة المصرية)
مدبولي يتفقد مشروعات في العريش والشيخ زويد (الحكومة المصرية)

(تحليل إخباري)
أثار الحديث المتكرر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأن «مصر نجحت بنسبة كبيرة في (القضاء على الإرهاب)»، تساؤلات حول الخطوات التي اتخذتها مصر لمكافحة «الإرهاب»، خاصة مع إعلان الرئيس المصري أخيراً، أن «مصر سوف تقوم بتنظيم احتفالية كبيرة في العريش ورفح والشيخ زويد بشمال سيناء».
وعانت محافظة شمال سيناء المصرية خلال السنوات الماضية من تنظيمات «متشددة». وتشنّ قوات الجيش والشرطة المصرية عملية أمنية كبيرة في شمال ووسط سيناء منذ فبراير (شباط) عام 2018 لتطهير المنطقة من عناصر «تكفيرية» موالية لتنظيم «داعش» الإرهابي، وتُعرف العملية باسم «المجابهة الشاملة سيناء 2018».
وتشهد أرض سيناء حالياً العديد من المشروعات التنموية، ومنها، إعادة البنية التحتية والمرافق الكاملة لمدن سيناء، كما شهدت الفترة الماضية زيارات متعددة لوزراء ومسؤولين. وقال السيسي أخيراً، إن «طائرة رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، كانت أول طائرة تهبط في مطار العريش منذ 7 أو 8 سنوات». وأضاف «لم يكن في مقدورنا إقامة (احتفالية) حينما كانت العريش ورفح على تلك الحالة التي كانت تشهدهما قبل 7 سنوات».
ما تحدث عنه الرئيس المصري يشير إلى ما تشهده سيناء من استقرار وهدوء بعد سنوات من محاربة «الإرهاب»، حيث شهدت في ديسمبر (كانون الأول) عام 2017 استهداف مطار العريش أثناء تفقد وزيرَي الدفاع والداخلية الأوضاع الأمنية للمدينة. وأفاد بيان للجيش المصري حينها، بأن «ضابطاً قُتل وأصيب اثنان آخران جراء استهداف مطار العريش بمحافظة شمال سيناء بقذيفة، أثناء زيارة وزيرَي الدفاع والداخلية للأوضاع الأمنية في المدينة». وزار مدبولي ومعه 7 وزراء شمال سيناء منتصف الشهر الحالي. وقال مدبولي، إن «الدولة المصرية بكل أجهزتها بذلت جهداً هائلاً لتطهير سيناء من (الإرهاب) ونزع جذوره، والعمل في الوقت نفسه على إقامة مشروعات تنموية». وأضاف «نقف الآن في أمان، ونتحرك في الطرق والميادين في سيناء، بعد حجم هائل من التضحيات بذلتها الدولة المصرية». ولفت مدبولي إلى أنه «رأى خلال الزيارة آثار (الهجمات الإرهابية) التي كانت تحدث على منشآت حكومية أو على كمائن أمنية، وآثار إطلاق الرصاص على وجهات المباني».
الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلامية، عمرو عبد المنعم، ذكر، أن «(الاحتفالية) التي أعلن الرئيس السيسي عنها في شمال سيناء، تُثبت أننا اقتربنا (بشكل كبير) من القضاء على التحديات الأمنية في رفح والشيخ زويد والعريش». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «(الاحتفالية) ليست وليدة خطة قادمة؛ بل خطة تم تنفيذها وفق منهجيات العمليات الأمنية والاستراتيجيات العسكرية، التي ساهمت فيها الأجهزة الأمنية في مصر». وسقط خلال عمليات مكافحة «الإرهاب» في سيناء العديد من الضحايا من الشرطة والجيش المصري. وأكد السيسي خلال الاحتفال بالذكرى الـ71 لعيد الشرطة (الاثنين)، أن «مصر دفعت ثمناً كبيراً في مواجهة (الإرهاب) ليس أموالاً، بل دماً ومصابين وشهداء». ووفق محافظ شمال سيناء، محمد عبد الفضيل شوشة، فإن «الرئيس السيسي أولى اهتماماً كبيراً بتنمية سيناء بالكامل وتطهيرها من (الإرهاب)، وبالفعل بدأت عملية التنمية الشاملة في إطار خطة وضعتها الدولة المصرية بالتوازي مع الحرب على (الإرهاب)». وتؤكد الحكومة المصرية تبنيها «رؤية شاملة» للتعمير في شبه جزيرة سيناء، خلال السنوات الثماني الماضية، بعد القضاء على «بؤر الإرهاب». وتشدد الحكومة على أن «التنمية في سيناء تقع على رأس أولويات القيادة السياسية في البلاد بوصفها قضية أمن قومي لا مجال للتهاون فيها»، لافتة إلى «الجهود المتواصلة لإعادة صياغة شكل وملامح وأوجه الحياة على أرض الفيروز، عبر الاستغلال الأمثل لمقوماتها، وتحسين البنية التحتية، وتنفيذ مشروعات تنموية وعمرانية وخدمية واستثمارية». ووجّه الرئيس المصري خلال اجتماع عسكري رفيع بحضور كبار قادة الجيش، في مايو (أيار) الماضي، بـ«قيام عناصر إنفاذ القانون باستكمال تطهير بعض المناطق في شمال سيناء من العناصر (الإرهابية) و(التكفيرية)، وكذلك الاستمرار في تنفيذ جميع الإجراءات الأمنية التي تسهم في القضاء على (الإرهاب) بجميع أشكاله».
هنا أشار عبد المنعم، إلى أن «خطة الدفاع عن سيناء، ساهمت فيها قبائل سيناء»، موضحاً أن «العناصر (المتشددة) استهدفت في وقت سابق شيوخ القبائل في سيناء تحت دعاوي تعاونهم مع قوات الأمن المصري»، لافتاً إلى أن «التنظيمات (الإرهابية) استغلت في السابق عدم وجود تنمية في سيناء، وقامت باستقطاب الشباب إليها، لكن قامت مصر بوضع خطة في سيناء مبنية على (استراتيجية) واضحة المعالم تشمل إلى جانب البعد الاقتصادي أبعاداً اجتماعية، حيث تضمنت إنشاء جامعات ومستشفيات ومساكن». وذكرت الحكومة في إفادة، أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أنه «تم وجارٍ تنفيذ مشروعات تنموية في سيناء تتجاوز قيمتها 700 مليار جنيه (الدولار بـ29.84 جنيه)، كما تم ضخ مبلغ 358.1 مليار جنيه كاستثمارات عامة في مشروعات بمدن القناة وسيناء في الفترة من 2013 وحتى 2022».
ومنذ عام 2017، نفذ مسلحون «متشددون» هجمات متفرقة ضد عدد من شيوخ القبائل التي تناصبهم العداء، كما أعلن «اتحاد قبائل سيناء» تعاونه مع قوات الأمن المصرية في عمليات لملاحقة العناصر (الإرهابية) خلال السنوات الماضية».


مقالات ذات صلة

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

شمال افريقيا هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

هل يحد «الحوار الوطني» من «قلق» المصريين بشأن الأوضاع السياسية والاقتصادية؟

حفلت الجلسة الافتتاحية لـ«الحوار الوطني»، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أكثر من عام، برسائل سياسية حملتها كلمات المتحدثين، ومشاركات أحزاب سياسية وشخصيات معارضة كانت قد توارت عن المشهد السياسي المصري طيلة السنوات الماضية. وأكد مشاركون في «الحوار الوطني» ومراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أهمية انطلاق جلسات الحوار، في ظل «قلق مجتمعي حول مستقبل الاقتصاد، وبخاصة مع ارتفاع معدلات التضخم وتسببه في أعباء معيشية متصاعدة»، مؤكدين أن توضيح الحقائق بشفافية كاملة، وتعزيز التواصل بين مؤسسات الدولة والمواطنين «يمثل ضرورة لاحتواء قلق الرأي العام، ودفعه لتقبل الإجراءات الحكومية لمعالجة الأز

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

السيسي يبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي المصري

عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اجتماعاً، أمس (الخميس)، مع كبار قادة القوات المسلحة في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمتابعة دور الجيش في حماية الحدود، وبحث انعكاسات التطورات الإقليمية على الأمن القومي للبلاد. وقال المستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، في إفادة رسمية، إن «الاجتماع تطرق إلى تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على الأمن القومي في ظل الظروف والتحديات الحالية بالمنطقة». وقُبيل الاجتماع تفقد الرئيس المصري الأكاديمية العسكرية المصرية، وعدداً من المنشآت في مقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية. وأوضح المتحدث ب

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

مصر: ظاهرة «المقاتلين الأجانب» تهدد أمن واستقرار الدول

قالت مصر إن «استمرار ظاهرة (المقاتلين الأجانب) يهدد أمن واستقرار الدول». وأكدت أن «نشاط التنظيمات (الإرهابية) في أفريقيا أدى لتهديد السلم المجتمعي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

حادث تصادم بمصر يجدد الحديث عن مخاطر «السرعة الزائدة»

جدد حادث تصادم في مصر الحديث بشأن مخاطر «السرعة الزائدة» التي تتسبب في وقوع حوادث سير، لا سيما على الطرق السريعة في البلاد. وأعلنت وزارة الصحة المصرية، (الخميس)، مصرع 17 شخصاً وإصابة 29 آخرين، جراء حادث سير على طريق الخارجة - أسيوط (جنوب القاهرة).

منى أبو النصر (القاهرة)
شمال افريقيا مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

مصريون يساهمون في إغاثة النازحين من السودان

بعد 3 أيام عصيبة أمضتها المسنة السودانية زينب عمر، في معبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على


الجزائر: المعارضة الإسلامية تدعو لـ «مصالحة شجاعة» وتحذر من «الانتقام»

اجتماع لقيادات «حمس» الإسلامية (إعلام حزبي)
اجتماع لقيادات «حمس» الإسلامية (إعلام حزبي)
TT

الجزائر: المعارضة الإسلامية تدعو لـ «مصالحة شجاعة» وتحذر من «الانتقام»

اجتماع لقيادات «حمس» الإسلامية (إعلام حزبي)
اجتماع لقيادات «حمس» الإسلامية (إعلام حزبي)

دعا حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي الجزائري المعارض الرئيس عبد المجيد تبون إلى إطلاق «حوار شامل يفضي إلى مصالحة»، مشدداً على أن الجزائريين «تجاوزوا الحدود في رفض بعضهم البعض، كما بلغنا الذروة في تصنيف وإطلاق الأحكام العدائية»، في إشارة إلى وضع بعض الأفراد أو الجماعات في خانات جاهزة، ومغلقة، بناءً على مواقفهم السياسية، أو آرائهم، أو انتماءاتهم، ثم التعامل معهم على هذا الأساس دون نقاش، أو فهم للسياق.

وأكد نائب رئيس الحزب، المعروف اختصاراً بـ«حمس»، أحمد صادوق، في منشور طويل عبر الإعلام الاجتماعي، نشره الثلاثاء وتناول فيه الحاجة إلى «مصالحة وطنية شاملة وشجاعة»، أن «بعض المسؤولين، في مستويات مختلفة، ساهموا في إذكاء هذا الوضع (السيئ)، من خلال إجراءات، ومواقف تتطلّب المراجعة، والتصحيح»، من دون توضيح من يقصد، لكن يفهم من كلامه أنه يقصد تصريحات وتعليقات وزارية مرتبطة بالشأن العام، لم تلقَ التفاعل الإيجابي المرجو، وأثارت نقاشاً، وانتقادات واسعة على المنصات الرقمية. وينطبق الأمر هذا بشكل خاص على وزير التجارة الخارجية والداخلية.

أحمد صادوق (يمين) نائب رئيس «حركة مجتمع السلم» (إعلام حزبي)

ولفت صادوق إلى أن الرئيس أعلن في وقت سابق عن تنظيم «حوار وطني لمناقشة مختلف الملفات الوطنية»، حيث تعهد بتنفيذ المسعى نهاية سنة 2025، أو بداية 2026. وقال قيادي الحزب الإسلامي بهذا الخصوص: «مع اقتراب نهاية السنة، يبدو أن السياق الوطني والإقليمي بات مناسباً لإطلاق هذا الحوار الجامع، في ظل تحديات متسارعة تفرض المناقشة، والتشاور، وتبادل وجهات النظر، بما يخدم الوطن، والمواطن، ويُفضي إلى إجراءات تعزّز الأمن القومي، والوحدة الوطنية، والسيادة، والسكينة المجتمعية».

وبحسب صادوق: «ينبغي أن يكون للحوار رؤية واضحة، وثمرة مرجوة. وأعتقد أن أهم ما نحتاجه في هذه المرحلة تعميق التقارب بين الجزائريين، والتصالح فيما بينهم، وإعلان التوبة التامة عن خطاب الكراهية، ومنطق الانتقام... نحن بحاجة إلى آلية حوار معلنة، تهدف إلى استيعاب النقد الفوضوي المنتشر في الفضاءات العامة، والإلكترونية، بدل أن يتحوّل إلى قطيعة، أو عزوف جماعي يؤثر سلباً على الحياة السياسية».

«ارتفاع منسوب التذمر»

وفق المسؤول الثاني في «حمس»، فقد لوحظ في الفترة الأخيرة «ارتفاع منسوب التعبير عن الاستياء، وعدم الرضا الذي يتغذّى في الغالب من خطاب الكراهية، والتحريض، والتنمر، خاصة حين يترافق مع ضعف الاتصال المؤسساتي للسلطات، وعجزها عن التجاوب المسؤول مع القضايا المستجدّة المثيرة للجدل في الرأي العام». ولحل هذا الإشكال قال صادوق: «بالحوار نستعيد ثقة الجزائريين، الذين لا تزال آمالهم معلّقة على توجّهات وقرارات المسؤولين، الذين انتخبوهم، أو سلّموهم زمام أمورهم، منتظرين تحسّن أوضاعهم الاجتماعية، وتحقيق حقوقهم المشروعة في العيش الكريم، والخدمات المناسبة، والسكن اللائق، والعمل، والتداوي، والتربية الإيجابية لأبنائهم، والتمتع بالحريات، والمشاركة السياسية، والمجتمعية في بناء وطنهم، ونهضته، والعيش الآمن بعيداً عن الخوف من الحاضر، والمستقبل».

وتابع صادوق موضحاً أن الشعوب «تُقاد بالتحفيز، والعدالة، والكرامة، والنزاهة، أما الإكراه، والقمع، واستعمال منطق القوة فلا يُنتج إلا نفاقاً، وتملّقاً، وحقداً، سرعان ما ينفجر عند أول اضطراب»، لافتاً إلى أن الرئيس «فتح قنوات تواصل مع الأحزاب، واستقبل أغلبهم، ونظّم جلسة حوار وطني، لكنها لم تُفضِ إلى مخرجات عملية ملموسة».

جولة حوار الرئاسة مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)

ونظم تبون «جلسات حوار وتشاور» مع الأحزاب السياسية بداية عام 2025، واستقبل قادة بعض الأحزاب مثل «التجمع الوطني الديمقراطي» و«حمس» و«جبهة المستقبل»، واستمع إلى انشغالاتهم. كما ترأس في مايو (أيار) 2024 اجتماعاً مع رؤساء الأحزاب السياسية الممثّلة في المجالس المنتخبة الوطنية، والمحلية، بهدف «تعزيز الحوار، والمشاركة في الشأن السياسي في إطار تنفيذ تعهداته الانتخابية بخصوص التشاور، والتواصل المنتظم مع الطبقة السياسية»، حسبما أوردته الصحافة.

وأوضح صادوق أن «الفرصة تبدو اليوم مواتية للرئيس عبد المجيد تبون لتتويج مسار العمل السياسي، بإطلاق مصالحة وطنية شاملة، وجامعة، حيث وجب على الجميع امتلاك الشجاعة لتقديم التنازلات اللازمة لنجاحها... مصالحة لا تستثني أحداً من أبناء الوطن في الداخل، والخارج، إلا من ثبت تورّطه في الخيانة العظمى، والعمالة، والفساد الكبير». في إشارة إلى معارضين في الخارج تتهمهم السلطات بـ«العمالة، والتبعية للأعداء»، خصوصاً انفصاليي «حركة الحكم الذاتي في القبائل» الذين يقيم معظمهم في فرنسا. كما يعني هذا الكلام بعض الناشطين السياسيين الذين تطالب الجزائر من دول غربية بتسليمهم، من بينهم ضابط الجيش سابقاً هشام عبود، واليوتيوبر أمير بوخرص.

اليوتيوبر المعارض أمير بوخرص (متداولة)

وشدد صادوق على إطلاق «مصالحة شجاعة تُعيد الاعتبار لفكرة التنازل المتبادل من أجل الوطن، وتؤسس لرؤية وطنية طويلة المدى، تستنهض الكفاءات، وتُعيد الأمل للشباب، وتُصلح البيئة الداخلية حتى تصبح جاذبة، وآمنة، ومستقرة»، مؤكداً أنه «كلما تأخرنا في ذلك، ازدادت تكلفة الاستدراك، وربما ضاعت فرص ثمينة قد لا يعيدها التاريخ».


محنة المهاجرين في موريتانيا تتفاقم بعد اتفاق «الأوروبي» لضبط الحدود

يضطر المهاجرون الوافدون إلى موريتانيا للاشتغال في وظائف صعبة بأجور هزيلة لتأمين رحلتهم السرية نحو أوروبا (رويترز)
يضطر المهاجرون الوافدون إلى موريتانيا للاشتغال في وظائف صعبة بأجور هزيلة لتأمين رحلتهم السرية نحو أوروبا (رويترز)
TT

محنة المهاجرين في موريتانيا تتفاقم بعد اتفاق «الأوروبي» لضبط الحدود

يضطر المهاجرون الوافدون إلى موريتانيا للاشتغال في وظائف صعبة بأجور هزيلة لتأمين رحلتهم السرية نحو أوروبا (رويترز)
يضطر المهاجرون الوافدون إلى موريتانيا للاشتغال في وظائف صعبة بأجور هزيلة لتأمين رحلتهم السرية نحو أوروبا (رويترز)

غادر مختار ديالو بلده مالي في عام 2015، وهو يحلم بالوصول إلى أوروبا بقارب من موريتانيا إلى جزر الكناري الإسبانية. لكن بعد مرور عقد من الزمن، وجد نفسه عالقاً في نواكشوط، يعمل لساعات طويلة في صناعة الطوب، محاولاً تفادي حملة الشرطة التي قلَّصت تدفق الزوارق الصغيرة غير النظامية، التي تقطع مسافة 970 كيلومتراً تقريباً خلال نحو ثمانية أيام.

حملة مكثفة ضد المهاجرين

يقول مهاجرون وجماعات حقوقية إن نشاط الشرطة في موريتانيا تصاعد بشكل كبير ومكثف، منذ توقيع البلاد اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي، مطلع العام الماضي، للحد من الهجرة غير النظامية. وقالت وزارة الداخلية الإسبانية إن قوات الأمن الموريتانية اعترضت نحو 13500 زورق في الطريق إلى جزر الكناري منذ بداية عام 2024، موضحة أن عدد الوافدين إلى الأرخبيل انخفض بنسبة 59 في المائة في عام 2025 حتى أكتوبر (تشرين الأول) مقارنة بالعام السابق. وقد كشفت معلومات قدمتها الحكومة الموريتانية إلى منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن عدد مَن جرى ترحيلهم من موريتانيا زاد إلى المثلين... إلى نحو 28125 شخصاً في الأشهر الستة الأولى من عام 2025، مقارنةً بإجمالي عددهم العام الماضي.

المهاجر مختار ديالو مع أسرته الصغيرة (رويترز)

يقول ديالو (42 عاماً) في تصريحات لوكالة «رويترز» إن حملة الشرطة بدأت بعد شهر رمضان، في أواخر مارس (آذار) من العام الحالي. وأوضح أنه لا توجد زوارق تغادر الآن، وأن الشرطة ألقت القبض على العديد ممن عرفهم ورحَّلتهم، مضيفاً: «منذ أن بدأت الشرطة إعادة الناس إلى بلدانهم، أصبح كل شيء على غير ما يرام».

بدورها، تقول جماعات حقوق الإنسان إن كثيراً من المهاجرين يُرحَّلون دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، ولم تردّ السلطات الموريتانية على طلب للتعليق. تأتي هذه الحملة عقب ثلاث زيارات من رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانتشيز، إلى نواكشوط خلال العامين الماضيين لبحث سبل وقف تدفقات المهاجرين السريين إلى جزر الكناري الإسبانية.

من زيارة سابقة لوفد إسباني إلى نواكشوط لبحث تدفقات الهجرة السرية إلى جزر الكناري (الشرق الأوسط)

ووفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، انخفض عدد القوارب المقبلة من موريتانيا خلال العام وحتى 16 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي إلى 61 في المائة ليصل إلى 133 قارباً، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. ويُعد الاتفاق مع موريتانيا نموذجاً آخر لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي في مراقبة الحدود مع دول العبور، إلى جانب اتفاقات مماثلة مع تونس ومصر.

في المقابل، كشفت المفوضية الأوروبية أن موريتانيا حصلت على 210 ملايين يورو (247 مليون دولار) لدعم إدارة الهجرة وتقديم مساعدات إنسانية للاجئين، إضافة إلى تعزيز فرص العمل وريادة الأعمال. وتُعد هذه أكبر مساهمة مالية، منذ بدء التعاون بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا قبل عقدين في ملف الهجرة.

معاناة المهاجرين في موريتانيا

يعمل ديالو ليلاً لمدة 15 يوماً في كل مرة بأحد المواقع على مشارف نواكشوط، وينام خلال النهار مع ثلاثة رجال آخرين في كوخ خشبي بسقف من الحديد المموّج على أسرَّة من الطوب يعدونها ليلاً لتجنب ارتفاع درجات الحرارة.

حملة مكثفة للشرطة الموريتانية لضبط المهاجرين السريين (رويترز)

يقول ديالو إنه مع استمرار حملات الشرطة، لا يزور زوجته وأطفاله الثلاثة في وسط العاصمة باستمرار، مؤكداً أنه لا يزال يحلم بأوروبا، لكن ضمان مكان على متن قارب صغير إلى جزر الكناري يكلف نحو 2700 دولار، في حين أن دخله اليومي لا يتعدى سبعة دولارات فقط. ورغم ذلك يؤكد أن العودة إلى مالي ليست خياراً مطروحاً «لأنه يمكننا هنا تدبير القليل من المال. أما هناك، فهناك حروب ولا توجد وظائف». (الدولار يساوي 0.8504 يورو). وتخوض الحكومة المالية التي يقودها الجيش حرباً ضد جماعة متشددة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، تُعرف باسم «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين».

لاجئون فروا من بلدهم مالي نحو موريتانيا بعد تصاعد هجمات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المتشددة (أ.ب)

وعبَّر مراقبون عن مخاوفهم من أن تفرض هذه الجماعة سيطرتها على البلاد؛ فيما أوضح محمد لمين خطاري، مدير مرصد أطلس الساحل للهجرة، أن موريتانيا باتت تستضيف نحو 500 ألف مهاجر من مالي، يشكلون الآن أكبر مجموعة من المهاجرين بسبب الصراع.

تمويل أوروبي لوقف تدفقات المهاجرين

تقول لورين سايبرت، الباحثة في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، إن كثيراً من تمويل الاتحاد الأوروبي ذهب إلى تعزيز الحملة ضد المهاجرين، مضيفة: «عندما تغض الطرف، وتتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها تلك القوات، فهذا يعني في الأساس دفع الأموال لهذه الدول للقيام بأعمال قذرة». وسجل تقرير أعدته المنظمة في أغسطس (آب) عن المهاجرين أكثر من 70 حالة انتهاك لحقوق الإنسان، منها الضرب والتعذيب والاغتصاب من قبل قوات موريتانية. ولم ترد السلطات الموريتانية على طلب «رويترز» للتعليق على هذه الاتهامات، ولم يتسن للوكالة التحقق مما ورد في هذا التقرير بشكل مستقل.

جل الوافدين إلى موريتانيا يتخدون شواطئها طريقاً للعبور إلى أوروبا (أ.ف.ب)

ورداً على سؤال حول هذه التهم، قالت المفوضية الأوروبية إن حماية حقوق الإنسان للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء «محور تركيز جميع برامج الاتحاد الأوروبي الخاصة بالهجرة»، مؤكدة أنها تراقب برامجها من خلال التقارير الواردة من الشركاء وبعثات التحقق الميداني.

من جانبها، قالت وزارة الداخلية الإسبانية، في بيان، إن مدريد نشرت 40 من قوات الشرطة والحرس المدني في موريتانيا، مزودين بزوارق دورية بحرية وطائرة هليكوبتر ومركبات للطرق الوعرة، وطائرة مراقبة وسفينة عابرة للمحيط، مؤكدة أن قوات الأمن الإسبانية تمارس عملها دوماً «مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان».

مسألة وقت

يقول المالي موسى كولونجو إنه بالكاد تمكن من العمل سائقاً لمركبة أجرة، منذ أن بدأت الشرطة في اتخاذ إجراءات صارمة ضد المهاجرين. وكان موسى يأمل أن يكسب المال في موريتانيا ليدفع مقابل حجز مكان على متن قارب متجه إلى أوروبا، لكنه يجد نفسه الآن عالقاً هناك، وغير قادر على تحمل تكاليف مواصلة رحلته أو العودة إلى بلده، وأيضاً بسبب حملات الشرطة المكثفة. وبهذا الخصوص يقول كولونجو (38 عاماً): «إنهم في الشوارع كل يوم، يوقفون الجميع، حتى اللاجئين».

المهاجر المالي مختار ديالو بعد يوم طويل من العمل في مصنع لإنتاج الطوب (رويترز)

ومع توقُّف العبور من موريتانيا تقريباً، قال حسن ولد المختار، المحاضر في أنثروبولوجيا الهجرة بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، إنها مسألة وقت فقط قبل أن تظهر مسارات بحرية للهجرة أشد خطورة، مؤكداً أن هناك بالفعل تقارير عن قوارب تنطلق من مناطق بعيدة، مثل جامبيا وغينيا وجنوب موريتانيا والسنغال. ووفقاً لبيانات «الصليب الأحمر»، فقد وصلت سبعة قوارب فقط إلى جزر الكناري من موريتانيا خلال الأشهر الستة الماضية، بينما وصل 21 قارباً من جامبيا وغينيا.


الأمم المتحدة: أكثر من ألف قتيل في هجوم «الدعم السريع» على مخيم للاجئين في أبريل

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

الأمم المتحدة: أكثر من ألف قتيل في هجوم «الدعم السريع» على مخيم للاجئين في أبريل

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الخميس، أنّ أكثر من ألف مدني قُتلوا في هجوم شنّته «قوات الدعم السريع» خلال أبريل (نيسان) الماضي في مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور السودانية.

وأشارت المفوضية، في تقرير، إلى «مجازر وعمليات اغتصاب وأعمال عنف جنسي أخرى وتعذيب وخطف» ارتُكبت خلال الهجوم الذي نفذته «قوات الدعم السريع» من 11 إلى 13 أبريل. وبحسب المفوضية «قُتل ما لا يقل عن 1013 مدنياً»، وفق ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية». وانقطعت الكهرباء عن مدن رئيسية في السودان، بينها الخرطوم وبورتسودان، ليل الأربعاء الخميس، إثر قصف جوي بمسيّرات استهدف محطة توليد كهرباء رئيسية في جنوب البلاد، وفق ما أفاد شهود عيان «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال مسؤول في محطة توليد الكهرباء إن اثنين من عناصر الدفاع المدني قُتلا في أثناء محاولتهما إخماد حريق اندلع عقب الغارة الأولى التي اتهم «قوات الدعم السريع» بتنفيذها.

عائلات سودانية نازحة من الفاشر تتواصل مع عمال الإغاثة خلال توزيعهم الإمدادات الغذائية بمخيم العفد الذي أُنشئ حديثاً في الضبعة بولاية شمال السودان (أ.ب)

كما أفاد شهود برؤية ألسنة اللهب والدخان تتصاعد من مدينة عطبرة بولاية نهر النيل في شرق السودان، الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني، الذي يخوض معركة مستمرة ضد «قوات الدعم السريع».

وأمس، قُتل 8 أشخاص بضربة نفّذتها طائرة مسيّرة في قرية في جنوب السودان، وذلك خلال فرارهم من كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» منذ 18 شهراً، ووقع الهجوم في قرية الكوركل على بعد نحو 50 كيلومتراً إلى الشمال من كادوقلي.

وقال شاهد عيان فرَّ مع النازحين لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «قصفت مسيّرة نازحين من كادوقلي في أثناء محاولتهم مغادرة المدينة عند وصولهم لقرية الكوركل». بعدما أحكمت سيطرتها على إقليم دارفور في غرب البلاد، تتركّز عمليات «قوات الدعم السريع» على إقليم كردفان الذي يضم 3 ولايات غنية بالنفط والذهب والتربة الخصبة. ومن شأن توسُّع سيطرة «قوات الدعم السريع» في مناطق دارفور وكردفان تقسيم السودان فعلياً إلى محورين شرقي وغربي، إذ تسيطر هذه القوات على غرب السودان وقسم من الجنوب، بينما يحتفظ الجيش بسيطرته على شمال البلاد وشرقها.

وتعاني كادوقلي من توقف شبكة الاتصالات وضعف الإنترنت. وقال مصدر في برنامج الأغذية العالمي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن الوضع «سيئ للغاية»، مشيراً إلى أن كثيراً من السكان يحاولون مغادرتها، إلا أن الأوضاع الأمنية تجعل ذلك محفوفاً بالمخاطر. بين يومي الاثنين والثلاثاء، غادر 460 شخصاً كادوقلي وفق المنظمة الدولية للهجرة. ووصل نحو 1850 نازحاً من جنوب كردفان، غالبيتهم نساء وأطفال، في الأيام الـ10 الأخيرة إلى ولاية النيل الأبيض المجاورة الخاضعة لسيطرة الجيش، بعدما «فرّوا من هجمات قوات الدعم السريع على مناطق مدنية»، وفق ما أفاد مسؤول محلي، الأربعاء. أدّت هذه الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 إلى سقوط عشرات آلاف القتلى ونزوح الملايين، وتسبّبت بـ«أسوأ أزمة إنسانية في العالم»، وفق الأمم المتحدة.