نفت بوركينا فاسو وجود أي علاقة تربطها بمجموعة «فاغنر» الروسية، بعد تقارير تحدثت عن تعاقد البلد الأفريقي مع المجموعة الخاصة الروسية كبديل للقوات الفرنسية، التي منحتها مهلة شهر واحد للانسحاب من أراضيها، إثر قرار من جانب واحد بإنهاء اتفاق للتعاون العسكري موقّع بين البلدين منذ 2018.
جاء النفي على لسان وزيرة خارجية بوركينا فاسو أوليفيا روامبا، خلال لقاء أمس (الاثنين) مع توماس أوليكني، المبعوث الخاص لجمهورية التشيك إلى منطقة الساحل، الذي زار بوركينا فاسو «حاملاً رسالة صداقة ودعم لبوركينا فاسو في كفاحها ضد الإرهاب».
ولكن الدبلوماسي التشيكي عبّر، في الوقت ذاته، عن مخاوف بلاده من تعاون محتمل بين بوركينا فاسو ومجموعة «فاغنر» الروسية، وهو ما تحدثت عنه تقارير عديدة خلال الأشهر الماضية، خاصة في ظل التقارب المتزايد بين بوركينا فاسو وروسيا منذ انقلاب 30 سبتمبر (أيلول) 2022 الذي حمل النقيب إبراهيم تراوري إلى سدة الحكم».
خلال المباحثات، رحبت وزيرة خارجية بوركينا فاسو بمبادرة جمهورية التشيك، وأضافت أنه «في اللحظات الصعبة يمكننا أن نميّز أصدقاءنا الحقيقيين». وفي سياق ردها على مخاوف المبعوث التشيكي، نفت وزيرة الخارجية بشكل قاطع وجود أي اتصالات مع مجموعة «فاغنر»، حسب ما جاء في برقية صادرة عن وزارة خارجية بوركينا فاسو.
وحسب المصدر نفسه، فإن روامبا في حديثها مع الدبلوماسي التشيكي قالت: «نحن مؤمنون بالحلول المحلية لمواجهة انعدام الأمن. إن مجموعة المتطوعين للدفاع عن الوطن التي شكلناها هي (فاغنر) بوركينا فاسو». وتشير الوزيرة بذلك إلى مجموعات مسلحة محلية يبلغ عدد أفرادها 50 ألف مسلح، شكلتها السلطات في بوركينا فاسو من متطوعين تلقوا تدريبات سريعة، وجرى تسليحهم للدفاع عن قراهم ومدنهم، تحت إشراف الجيش وقوات الأمن، فيما يشبه تجربة «الصحوات» في العراق قبل سنوات.
وتأتي تصريحات وزيرة الخارجية كأول نفي رسمي لوجود علاقة تربط بلدها بمجموعة «فاغنر» الروسية، رغم أن تقارير عديدة تحدثت مؤخراً عن وجود عناصر من المجموعة الروسية الخاصة في البلاد من أجل دعم الانقلابيين في تثبيت أركان حكمهم، ومساعدتهم في مواجهة المجموعات الإرهابية التي يُعتقد أنها تسيطر على أكثر من 40 في المائة من مساحة البلاد.
وبالفعل خلال انقلاب سبتمبر (أيلول) الماضي رُفعت أعلام روسيا، وارتفعت أصوات بطرد الفرنسيين واستبدال الروس بهم، فيما تحدث الحكام الجدد لبوركينا فاسو عن رغبتهم في تنويع شراكاتهم العسكرية، كما رحب رئيس مجموعة «فاغنر» ومؤسسها يفغيني بريغوجين بالانقلاب العسكري، وقال في تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، إن النقيب إبراهيم تراوري «ابن شجاع ومخلص لوطنه».
في غضون ذلك، قام رئيس الوزراء البوركينابي كيلم دو تامبيلا بزيارة «سرية» إلى موسكو مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلن عنها بعد نهايتها، وقيل إنها ستساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين، دون الكشف عن تفاصيل أكثر حول لقاءات رئيس الوزراء مع المسؤولين الروس.
وأمام هذه التطورات، قال رئيس غانا نانا أكفو آدو، خلال القمة الأمريكية - الأفريقية التي انعقدت بواشنطن ديسمبر الماضي، إن لديه معلومات تؤكد أن بوركينا فاسو عقدت اتفاقاً مع مجموعة «فاغنر» الروسية، وأضاف أن قادة بوركينا فاسو منحوا «فاغنر» رخصة استغلال منجم للذهب في منطقة جنوبي البلاد، مقابل خدماتها العسكرية.
وبدا واضحاً في الآونة الأخيرة، الحضور القوي للشركات الروسية في بوركينا فاسو، خاصة تلك العاملة في مناجم الذهب، إذ تعد شركة «نورد غولد» الروسية أكبر مستثمر أجنبي في مناجم ذهب بوركينا فاسو، حيث تستغل 3 مناجم. وفي شهر ديسمبر الماضي منحتها السلطات رخصة جديدة لاستغلال منجم رابع، مدة صلاحيتها أربع سنوات، وفق تقارير نشرتها صحف محلية».
وإن كانت سلطات بوركينا فاسو تنفي الاتفاق مع «فاغنر»، فإنها لا تخفي إعجابها بتجربة دولة مالي المجاورة، التي أنهت العام الماضي اتفاق التعاون العسكري مع فرنسا وطردت 1500 جندي فرنسي كانوا على أراضيها، واستبدلت بهم مقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، وعقدت صفقات شراء أسلحة روسية شملت مروحيات ومقاتلات، تسلمت آخر دفعة منها الأسبوع الماضي.
السيناريو نفسه تكرر في بوركينا فاسو، وإن بتفاصيل مختلفة، فقد توترت العلاقات الدبلوماسية بين واغادوغو وباريس منذ انقلاب سبتمبر الماضي، لدرجة أن سلطات بوركينا فاسو طلبت من فرنسا استبدال سفيرها في واغادوغو، ورحّلت مواطنين فرنسيين مؤخراً بتهمة «التجسس»، كما أوقفت بث إذاعة فرنسا الدولية في البلاد بعد اتهامها بـ«الشحن وإثارة الفتنة»، ووجهت إنذاراً قبل يومين إلى قناة «فرنسا 24»؛ بسبب تغطيتها لمطالبة بوركينا فاسو بانسحاب القوات الفرنسية.
من جانبها، ظلت فرنسا تحذر من حملة دعائية معادية لها في منطقة الساحل الأفريقي، وخاصة في بوركينا فاسو، تقول إن خلفها روسيا ووسائل إعلام ومجموعات موالية لها، إلا أن حالة غضب عارمة تجتاح الشارع في بوركينا فاسو تجاه فرنسا؛ إذ تتهم بعدم الجدية في القضاء على الإرهاب الذي يضرب البلد منذ 2015.