رسام الكاريكاتير برنارد الحاج: ليس بالضحك وحده يحيا لبنان

رسام الكاريكاتير اللبناني برنارد الحاج (الشرق الأوسط)
رسام الكاريكاتير اللبناني برنارد الحاج (الشرق الأوسط)
TT

رسام الكاريكاتير برنارد الحاج: ليس بالضحك وحده يحيا لبنان

رسام الكاريكاتير اللبناني برنارد الحاج (الشرق الأوسط)
رسام الكاريكاتير اللبناني برنارد الحاج (الشرق الأوسط)

وجد رسّام الكاريكاتير اللبناني برنارد الحاج في برلين بعضاً من بيروتِه، مع فارق أن العاصمة الألمانية متصالحة مع ماضيها ومع الندوب التي خلّفها على الجدران وفي النفوس.
تحت اسم «The Art of Boo» ينشر الحاج رسومَه على «إنستغرام» منذ عام 2016، وفي خلال 2018 انتقل للنشر أسبوعياً في صحيفة «لوريان لو جور» اللبنانية الناطقة بالفرنسية.
في خريف 2019، وبالتزامن مع الحراك المطلبي الذي شهدَه لبنان، خرج اسم «The Art of Boo» إلى الضوء، وحصد انتشاراً واسعاً؛ نظراً لجرأته وأسلوبه المختلف. أرّخ للأحداث على طريقته ورسم شعار «ثورة 2019». احتفى ببيروت التي يحلم بها، إلى أن أتى تفجير المرفأ عام 2020 لينسف مباني المدينة ومعها الكثير من آماله.
بعد أشهر، حمل ذكرياته البيروتية وأقلامه وفنجان القهوة اللبناني التراثي، وطار إلى حياة جديدة. في حديث مع «الشرق الأوسط» يقول الحاج عن تلك الهجرة القسرية: «صحيح أنني قدّمت على فيزا واشتريت بطاقة السفر واستقللتُ الطائرة إرادياً، لكني أعتبر أنني طُردت من بلدي».


"بيروت، أنتِ أجمل ذكرياتي" (برنارد الحاج)
فرض الانتقال إلى مدينة جديدة تحوّلاً في موضوعات الرسم، فتراجعت اليوميات اللبنانية كأزمة الدولار والكهرباء والمصارف، مفسحةً المجال أمام أفكار أكثر عموميةً؛ كالصحة النفسية والسلوكيات الاجتماعية والروابط العائلية. يوضح الحاج: «عندما وصلت إلى برلين استصعبت رسم الواقع اللبناني كما كنت أفعل سابقاً؛ لأني تجرّدت من انطباعاتي الخاصة المُستقاة من عَيشي في بيروت. هنا صارت وجهة نظري ترتكز إلى مصادر كوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وأصدقائي وعائلتي. أنظر إلى لبنان الآن من زاوية مختلفة، وهذا يساعدني بوصفي فناناً لتقديم رؤية جديدة للوضع في بلدي».
يؤمن الحاج بالتطوّر، ولا يرغب بالبقاء عالقاً في الدائرة المفرغة للسياسة واليوميات اللبنانية، حيث المشاكل تكرر نفسها. «منحت التجربة في الصحيفة بُعداً جديداً لرسوماتي، وعززت المقاربة السياسية لديّ. أما اليوم، فقد صارت وتيرة النشر في (لوريان لو جور) شهرية. ربما ما أرسم حالياً ما عاد يلمس اللبنانيين المقيمين في لبنان كما كان يفعل سابقاً، لكني متمسّك بقناعتي بأنني لن أقدّم ما يتوقعه الناس مني. أريد فقط أن أعبّر عن نفسي».
القاسم المشترك بين رسوم برنارد الحاج عن لبنان وتلك التي يتطرق فيها إلى موضوعات عامة، هو حس التهكّم والسخرية. عندما تسأله عن منبع هذا المزاج الثابت في كل أعماله، يستشهد بالكاتب اللبناني وجدي معوّض قائلاً: «الطفولة سكّين مزروع في الحلق». يتوقف قليلاً ثم يوضح الفكرة أكثر: «كلٌ منا تقريباً اختبر (تروما trauma) في صغره، وكلٌ منا تعامل معها على طريقته. أنا عبّرت من خلال الفكاهة الساخرة والكوميديا السوداء. هذا كان العلاج (catharsis) بالنسبة لي».

- هل لديكم برامج رعب في لبنان؟
- نشرة أخبار الثامنة مساءً.

من بين الفنانين والكتّاب الذين تأثّر بهم الحاج، يذكر: أوسكار وايلد، وجورج كارلن، وتوم وايتس، وبيل هيكس، ورسّام الكاريكاتير اللبناني بيار صادق… لكن مَن يقف في رأس لائحة المُلهمين، ليس سوى أستاذه في المدرسة الذي يدين له بما هو عليه اليوم. «كنت محظوظاً به»، يقول. ويتابع: «لاحظ صمتي وحزني وانعزالي عندما كنت مراهقاً أتخصص في فنون الغرافيكس. اقترح عليّ الكثير من الكتب والأفلام، وقدّم لي أجمل نصيحة تلقيتها في حياتي: «بس تكون زعلان ومش قادر تحكي، طلّعهم على الورق»… أنقذني من احتمالات كان من الممكن أن أنحرف باتجاهها».
في أعمال الحاج، يفوق النص الرسمَ أهميةً. لا تكتمل صورته من دون جملةٍ لمّاحة أو صاعقة بسخريتها. عن صقل جملته يقول: «تغيّر مفهوم الكاريكاتير عالمياً مع مرور الزمن. تبدّلت الخطوط العريضة وبات الارتكاز يميل أكثر إلى النص أو الجملة المرافقة للرسم. منذ بداياتي، لم أمنح الرسم المجهود ذاته الذي منحته للنص».


من الخطوط المشتركة بين رسوم الحاج، أن شخصياته متشابهة، لا ملامح محددة لها. أما السياسيون فيتميّزون عن المواطنين العاديين بالبدلة وربطة العنق، وبالبطن المنتفخ. لدى الرسّام تبريرٌ للملامح المموّهة: «أولاً، لا أريد تكريم سياسيي لبنان من خلال إعطائهم ملامح ورسمهم؛ هم فاسدون لكنهم بشعون كذلك، من الداخل والخارج. ثانياً، عدم تحديد الملامح يحميني قانونياً فلا طاقة لديّ على السجالات القضائية. ثالثاً، عدم تحديد الملامح يُبقي تركيز القرّاء منصباً على النص أكثر من الصورة».
يرى الحاج في الضحك والقدرة على إضحاك الناس نوعاً من المقاومة، وتحدّياً لمَن يحاول تحطيم الناس جسدياً ومعنوياً. لكن ليس بالضحك وحده يحيا لبنان: «الضحك في الإطار الذي وُضعنا فيه كان فعل مقاومة»، يقول الحاج متابعاً: «هذا كان رأيي في البداية، لكن المفهوم تغيّر قليلاً عندما أتيت إلى برلين. اكتشفت أننا -نحن اللبنانيين- لم نفعل سوى الضحك، في الوقت الذي كان يجب أن نعمل أكثر على التنظيم والتخطيط بالتوازي مع الضحك». رغم ذلك، هو يحب أن يُذكَر على أنه استطاع أن يرسم بسمة على وجوه الناس. أما أجمل تعليق يتلقّاه من متابعيه فهو: «رسوماتك تضيء يومي».


مع أن الرسوم التي ينشرها ما عادت مرتبطة مباشرةً بلبنان، إلا أن وطنه يلاحقه إلى غربته الألمانية؛ إذ يعمل الحاج حالياً على مشروع يتمحور حول الأزمة اللبنانية، بمبادرة من «الجمعية اللبنانية للتاريخ»، بالتعاون مع جمعية «forumZFD» الألمانية. يوضح الحاج: «نحاول تحويل الأزمة إلى ما يشبه خريطة نفسية كاريكاتورية، لفهم ما أوصل اللبنانيين إلى ما هم عليه من إحباط وانهيار نفسي». ويضيف: «أجمل ما في المشروع الذي سيبصر النور في الصيف، أنني وللمرة الأولى اقتنعت بتوظيف حس الفكاهة الخاص بي باللهجة اللبنانية، وليس باللغة الإنجليزية. وها أنا أخوض التجربة على أمل أن أكون سلساً، وأن أشارك بطريقة أو بأخرى في كتابة جزء من تاريخ لبنان».
بالموازاة، يستعد الحاج لنشر كتابه الثالث الذي يروي فيه يومياته في لبنان بين «ثورة 2019»، وحتى هجرته إلى ألمانيا. ينضح عنوان الكتاب بما فيه من معاناة: «Malaise: Diaries from the Paris of the Middle East – انزعاج: يوميات من باريس الشرق الأوسط». من برلين الغائمة، يحاول طيّ صفحة الانزعاج تلك، علّه يبصر الشمس في آخر النفق.


مقالات ذات صلة

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

يوميات الشرق بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

بعد 18 عام زواج... زوجة كيفين كوستنر تتقدم بطلب للطلاق

تقدمت كريستين باومغارتنر، الزوجة الثانية للممثل الأميركي كيفين كوستنر، بطلب للطلاق، بعد زواجٍ دامَ 18 عاماً وأثمر عن ثلاثة أطفال. وذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن الانفصال جاء بسبب «خلافات لا يمكن حلُّها»، حيث تسعى باومغارتنر للحضانة المشتركة على أطفالهما كايدين (15 عاماً)، وهايس (14 عاماً)، وغريس (12 عاماً). وكانت العلاقة بين كوستنر (68 عاماً)، وباومغارتنر (49 عاماً)، قد بدأت عام 2000، وتزوجا عام 2004.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

متحف «المركبات» بمصر يحيي ذكرى الملك فؤاد الأول

افتتح متحف المركبات الملكية بمصر معرضاً أثرياً مؤقتاً، اليوم (الأحد)، بعنوان «صاحب اللقبين فؤاد الأول»، وذلك لإحياء الذكرى 87 لوفاة الملك فؤاد الأول التي توافق 28 أبريل (نيسان). يضم المعرض نحو 30 قطعة أثرية، منها 3 وثائق أرشيفية، ونحو 20 صورة فوتوغرافية للملك، فضلاً عن فيلم وثائقي يتضمن لقطات «مهمة» من حياته. ويشير عنوان المعرض إلى حمل فؤاد الأول للقبين، هما «سلطان» و«ملك»؛ ففي عهده تحولت مصر من سلطنة إلى مملكة. ويقول أمين الكحكي، مدير عام متحف المركبات الملكية، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعرض «يسلط الضوء على صفحات مهمة من التاريخ المصري، من خلال تناول مراحل مختلفة من حياة الملك فؤاد».

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

وضع تسلسل كامل لجينوم «اللبلاب» المقاوم لتغير المناخ

قام فريق بحثي، بقيادة باحثين من المعهد الدولي لبحوث الثروة الحيوانية بكينيا، بوضع تسلسل كامل لجينوم حبة «فول اللبلاب» أو ما يعرف بـ«الفول المصري» أو «الفول الحيراتي»، المقاوم لتغيرات المناخ، بما يمكن أن يعزز الأمن الغذائي في المناطق المعرضة للجفاف، حسب العدد الأخير من دورية «نيتشر كومينيكيشن». ويمهد تسلسل «حبوب اللبلاب»، الطريق لزراعة المحاصيل على نطاق أوسع، ما «يجلب فوائد غذائية واقتصادية، فضلاً على التنوع الذي تشتد الحاجة إليه في نظام الغذاء العالمي».

حازم بدر (القاهرة)
يوميات الشرق «الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

«الوثائقية» المصرية تستعد لإنتاج فيلم عن «كليوباترا»

في رد فعل على فيلم «الملكة كليوباترا»، الذي أنتجته منصة «نتفليكس» وأثار جدلاً كبيراً في مصر، أعلنت القناة «الوثائقية»، التابعة لـ«الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بمصر»، اليوم (الأحد)، «بدء التحضير لإنتاج فيلم وثائقي عن كليوباترا السابعة، آخر ملوك الأسرة البطلمية التي حكمت مصر في أعقاب وفاة الإسكندر الأكبر». وأفاد بيان صادر عن القناة بوجود «جلسات عمل منعقدة حالياً مع عدد من المتخصصين في التاريخ والآثار والأنثروبولوجيا، من أجل إخضاع البحوث المتعلقة بموضوع الفيلم وصورته، لأقصى درجات البحث والتدقيق». واعتبر متابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي هذه الخطوة بمثابة «الرد الصحيح على محاولات تزييف التار

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

مؤلفا «تحت الوصاية» لـ«الشرق الأوسط»: الواقع أصعب مما طرحناه في المسلسل

أكد خالد وشيرين دياب مؤلفا مسلسل «تحت الوصاية»، أن واقع معاناة الأرامل مع «المجلس الحسبي» في مصر: «أصعب» مما جاء بالمسلسل، وأن بطلة العمل الفنانة منى زكي كانت معهما منذ بداية الفكرة، و«قدمت أداء عبقرياً زاد من تأثير العمل». وأثار المسلسل الذي تعرض لأزمة «قانون الوصاية» في مصر، جدلاً واسعاً وصل إلى ساحة البرلمان، وسط مطالبات بتغيير بعض مواد القانون. وأعلنت شركة «ميديا هب» المنتجة للعمل، عبر حسابها على «إنستغرام»، أن «العمل تخطى 61.6 مليون مشاهدة عبر قناة (DMC) خلال شهر رمضان، كما حاز إشادات عديدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي». وكانت شيرين دياب صاحبة الفكرة، وتحمس لها شقيقها الكاتب والمخرج خالد د

انتصار دردير (القاهرة)

إسبانيا تجبر السياح على كشف المعلومات الشخصية بموجب قانون جديد

فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)
فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)
TT

إسبانيا تجبر السياح على كشف المعلومات الشخصية بموجب قانون جديد

فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)
فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)

تحذر بعض التقارير من مطالب «الأخ الأكبر» في إسبانيا، بما في ذلك كشف الزوار الأرصدة المصرفية، ولكن هذه المطالب تبدو غير مبررة، حسب صحيفة «الإندبندنت» البريطانية. ومع انخفاض درجات الحرارة في المملكة المتحدة، يستعد كثير من الناس للسفر إلى الجنوب في منتصف الشتاء القارس، وتصبح إسبانيا البلد الأكثر شعبية بين المصطافين البريطانيين. ولكن بداية من يوم الاثنين المقبل، 2 ديسمبر (كانون الأول)، سيواجه السياح مزيداً من الإجراءات البيروقراطية عند التدقيق في أماكن إقامتهم أو استئجار سيارة. وينص قانون إسباني جديد - يهدف إلى تحسين الأمن - أنه يتعين على مقدمي الخدمات جمع كثير من المعلومات الجديدة من المصطافين. وتشعر وزارة الدولة لشؤون الأمن بالقلق إزاء سلامة المواطنين الإسبانيين، وتقول: «إن أكبر الهجمات على السلامة العامة ينفذها النشاط الإرهابي والجريمة المنظمة على حد سواء، في كلتا الحالتين مع طابع عابر للحدود الوطنية بشكل ملحوظ».

وتقول الحكومة إن الأجانب متورطون في «التهديدات الإرهابية وغيرها من الجرائم الخطيرة التي ترتكبها المنظمات الإجرامية». وترغب السلطات في متابعة من يقيم في أي المكان، ومراجعة التفاصيل الشخصية استناداً إلى قواعد بيانات «الأشخاص المعنيين». وكثيراً ما سجلت الفنادق بعض التفاصيل الشخصية، ولكن الحكومة تعمل على تمديد قائمة البيانات المطلوبة، وتريد أيضاً أن يسجل الأشخاص المقيمون في أماكن الإقامة بنظام «إير بي إن بي» أنفسهم.