فتحت صالة الحجاج الغربية في جدة مساء أول من أمس (الأحد)، بمعمارها المميز، أبوابها، لاستقبال زوار من نوع آخر، ليسوا حجاجاً أو معتمرين، بل جمهور متذوق للفنون حضروا ليشهدوا افتتاح أول «بينالي للفنون الإسلامية» في العالم يحمل عنوان «أول بيت». وبما أن جدة هي البوابة المؤدية إلى مكة المكرمة، فكان من المنطقي أن تحتضن صالة الحجاج الشهيرة بتصميمها العريق من تنفيذ شركة «سكيدمور، أووينغز وميريل» في عام 1981، الذي فاز بجائزة آغا خان للعمارة عام 1983، ذلك الملتقى.
وتحت تلك القباب العملاقة للصالة التي تستدعي للذاكرة خيام الحجاج في منى وعرفات، وجد الزائرون أنفسهم أمام مبانٍ ضخمة مربعة الشكل وممرات متعرجة من الحجر تناثرت بينها الأعمال الفنية المختلفة لفنانين عرب وعالميين. وقبل إطلاق الحفل، علا صوت موسيقى أغنية «طلع البدر علينا» التي استقبل بها الأنصار الرسول الكريم أثناء هجرته من مكة إلى المدينة، كأنما تداعب مشاعر الحاضرين وعواطفهم لتثير الحنين والألفة في قلوبهم.
وعلى مرمى البصر، نلمح طائرة للخطوط السعودية هبطت بالقرب من موقع الصالة لتطل على الجمهور، كأنها انتهت للتو من نقل فوج من الحجاج القادمين من كل فج عميق لتأدية مناسك دينهم. الطائرة ليست كباقي الطائرات التي تهبط على مدرجات المطار القريب منا، بل كانت قديمة من طراز «بوينغ 777»، تحمل شعار الخطوط السعودية القديم، ظهرت كأنها تشارك بعد تقاعدها في استقبال جمهور البينالي الأول للفنون الإسلامية. الشعار والزخارف على ذيل الطائرة وجسمها؛ يعودان للسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وقد رسمت عليها بمناسبة الاحتفال بمرور 75 عاماً على إطلاق الخطوط السعودية. لفتت الطائرة أنظار كثير من الجمهور المنتظر لفتح صالات البينالي وثارت الأسئلة حولها، وبدا أن تحية الخطوط السعودية للبينالي قد وصلت وأثارت حماسة الواقفين أكثر مما ينتظرهم داخل قاعات العرض.
في ناحية نرى ما يشبه المسجد القديم في تصميمه، كأنه سافر إلينا من عهد الصحابة، وقد صمم البناء على نسق المسجد الذي أقامه الرسول الكريم في المدينة المنورة. البناء مصنوع من سعف النخيل المنسوج وبلا سقف، كأنه استنساخ للمساجد الأولى في الإسلام. وجذب البناء عدداً من الزائرين ليقيموا فيه صلاة المغرب في مشهد تجلت فيه بساطة التصميم وعمقه.
في ليلة الافتتاح ووسط جمع كبير من المسؤولين والفنانين، كانت هناك أيضاً شخصيات من العاملين في مجال الفنون الإسلامية من أنحاء العالم. الجولة الأولى في الغاليري الأول الذي حمل اسم «القبلة» تناثرت فيه كلمات الإعجاب والانبهار، فعلق هارتفيغ فيشر، مدير المتحف البريطاني، معبراً عن انبهاره بالأعمال الفنية التي رآها حتى الآن. «رائع جداً» هو التعليق الذي تردد على لسان فينيشيا بورتر، الخبيرة والباحثة في المتحف البريطاني، والتعليق نفسه الذي سمعته من سارة بلمبلي خبيرة الفن الإسلامي في «دار كريستيز».
في صالة «القبلة»، انطلق الأذان ليصاحب الزائرين إلى داخل القاعة، لينطلقوا بعدها لمعاينة بعض الأعمال الفنية المعاصرة التي تناولت مفهوم القبلة والكعبة في الإسلام. الممتع في الأمر هو تجاور تلك التفسيرات الحديثة مع قطع تاريخية، مثال على ذلك، سجادات الصلاة الأثرية التي علقت على أحد الجدران وقابلتها سجادات حديثة الصنع، مطرّزة بالخرز ومزركشة بالألوان. ذلك المزج والتجاور بدوا منطقيين جداً، كأنهما الحاضر يومئ للتاريخ ويستكمل ما بدأه.
وأمام عمل الفنان البريطاني إدريس خان، دارت أحاديث بين بعض الضيوف مع الفنان، كل منهم يسأله عن عمله وتفاصيله، في حين رأى البعض في عرض مقابل لعمل خان وهو لمجموعة من الشواهد الأثرية، حالة من الدهشة والتأمل في أحاسيس عميقة بالفقد والإيمان والإعجاب بقطع فنية سافرت من تاريخها البعيد في مقبرة المعلا بمكة المكرمة، لتصل إلى صالة الحجاج هنا. تنوعت الأعمال التالية لفنانين سعوديين مثل مهند شونو، وناصر السالم، وأيمن يسري، والتقت مع قطع لها تاريخ مثل باب الكعبة من عهد الملك عبد العزيز، وأعمدة المسجد الحرام من العصر العباسي.
النظرة الأولى لبعض معروضات البينالي تفتح الشهية لرؤية ما تحتويه باقي القاعات والصالات، ولنا معها لقاءات مقبلة.
طائرة الحجاج ترحب بزائري «بينالي الفنون الإسلامية» في جدة
طائرة الحجاج ترحب بزائري «بينالي الفنون الإسلامية» في جدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة