التكية السليمانية في دمشق تغلق أبوابها «بزعم الترميم»

ترجيحات بنقل الحرفيين إلى ضاحية دمر واستثمار الموقع سياحياً

عمليات ترميم التكية (مواقع)
عمليات ترميم التكية (مواقع)
TT

التكية السليمانية في دمشق تغلق أبوابها «بزعم الترميم»

عمليات ترميم التكية (مواقع)
عمليات ترميم التكية (مواقع)

لا تزال تتفاعل قضية إغلاق سوق المهن اليدوية في التكية السليمانية التاريخية بزعم الترميم، ونفى وزير السياحة محمد رامي مارتيني صحة ما يجري تداوله عن منح الموقع الأثري (التكية السليمانية) للقطاع الخاص، وقال إنها مِلك لوزارة الأوقاف وليست لوزارة السياحة كي تتصرف بها، وأن ما يجري في التكية هو مشروع «الأكبر من نوعه في ترميم هذا المكان التراثي للمرة الأولى منذ إنشائه»، وأن أعمال الترميم الجارية منذ أكثر من 3 سنوات هدفها صونه والحفاظ عليه، مؤكداً أنه كان لا بد من إخلاء سوق المهن اليدوية، التي توجد في التكية الصغرى؛ لأن أعمال الترميم وصلت إلى هذا الجزء. وكشف أن نحو 40 حرفياً سيجري نقلهم إلى حاضنة دمر المركزية للفنون الحرفية.
وبعد شهور من المناشدات لوقف إخلاء سوق المهن في التكية السليمانية، جرى تنفيذ قرار الإخلاء قبل يومين، وشُوهد الحرفيون وهم يَحزمون بضائعهم ويغادرون وسط حالة من الحزن والقهر. وتداول السوريون عشرات الصور ومقاطع الفيديو لعمليات الإخلاء التي شملت نحو 70 محلاً كانت على مدى سنوات تبيع الهدايا التراثية والتذكارات والقطع الفنية والفضيات والحلي المشغولة بحرفية عالية.
يعود بناء التكية السليمانية في دمشق إلى عام 1554 في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني الذي أمر ببنائها على أنقاض قصر الظاهر بيبرس، وضمّت مسجداً ومدرسة الباب العالي، وأشرف على بنائها المهندس التركي الشهير معمار سنان، والمهندس الدمشقي شهاب الدين أحمد بن العطار. وتتألف من قسمين هما: التكية الكبرى، والتكية الصغرى. استخدمها الانتداب الفرنسي مقراً للقوات الفرنسية، وفي عام 1934 خُصّص جزء منها لكلية طب الأسنان، ولاحقاً استُخدمت بصفتها مدرسة شرعية.
وفي السبعينيات جرى تخصيص التكية الصغرى لإقامة سوق للمهن اليدوية والأنتيكا بهدف دعم الحرف التراثية، ومُنح الحرفيون المحالَّ بأجور رمزية، كما أقيم فيها معمل الزجاج اليدوي، وورش لصناعة الموزاييك والفضة والذهب والحلي وغيرها من الفنون الدمشقية الأخرى، إضافة لحياكة حرير البروكار.
مصادر في دمشق قالت، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المبنى متهالك فعلاً وبحاجة إلى ترميم، لكن الاهتمام بالقيمة التاريخية للمبنى وترميمه يجب ألا يقل أهمية عن الاهتمام بالحرف التراثية التي لا تزال حية ولو بالرمق الأخير. إذا جرى اقتلاع الحرفيين من سوق المهن فماذا يبقى؟».
ولفتت المصادر إلى أن أصحاب القرار لديهم باعٌ طويل في تدمير خصوصية دمشق وكل المدن السورية، فقد «سبق أن بلطوا نهر بردى وعزلوه عن البيئة ليتحول إلى مستنقع آسن بحُجة تنظيف النهر»، والآن يزعمون أنهم «قدّموا مكاناً بديلاً للحرفيين، لكن هذا البديل سيعزلهم عن حاضنتهم التاريخية ويرميهم غرب العاصمة دمشق في ضاحية حديثة بعيداً عن المقاصد السياحية الأثرية، في الوقت الذي تعاني فيها البلاد من أزمة مواصلات خانقة؛ لعدم توفر الوقود».
تقع التكية السليمانية على مدخل دمشق الغربي قريباً من شارع القوتلي ونهر بردى، وسط العاصمة دمشق، حولها المتحف الوطني ووزارة السياحة، والمديرية العامة للآثار والمتاحف. وتُعدّ من أهم المقاصد التجارية السياحية التاريخية لسهولة الوصول إليها.
ورجّحت المصادر أن يكون عزل الحرفيين في مكان بعيد قرار هدفه الضغط عليهم للالتحاق بالشركة السورية للحرف التي أطلقتها، العام الماضي، الأمانة العامة للتنمية التي تشرف عليها زوجة الرئيس أسماء الأسد، والتي افتتحت لها متاجر خاصة في أسواق دمشق التاريخية والحديثة وفي بعض المحافظات.
كما أعلنت عن عدة علامات تجارية مثل (أبهة) و(أزرق) و(ورق من دمشق) وغيرها، بحيث تشمل عشرات الحرف اليدوية السورية من القيشاني والنول اليدوي والأغباني وتطعيم الخشب والورقيات؛ بهدف جمع أكبر عدد من الحرفيين وتحويلهم إلى موظفين يعملون لصالح شركة الحرف.
ورأت المصادر أن في هذا المشروع «تدميراً للحرف، لا دعماً لها»؛ لأن الحرفي مبدع، والإبداع يحتاج إلى استقلالية وتجريب لتطوير الحرفة، وليس بوسعه أن يكون موظفاً.
وحضنت التكية السليمانية، في السنوات الماضية، حوالي 100 محل حرفي تَراجع نشاطها جراء توقف السياحة خلال فترة الحرب وتعرض التكية للقذائف. وبعد توقف العمليات العسكرية في دمشق ومحيطها توقّع من تبقّى من الحرفيين أن ينعكس ذلك عليهم بالايجاب، من حيث ترميم المكان وتنشيطه، إلا أنهم فوجئوا، في أغسطس (آب) عام 2019، بإعلان المديرية العامة للآثار والمتاحف عزمها تأهيل التكية السليمانية الآيلة للسقوط؛ وإغلاق 40 محلاً وإغلاق التكية الكبرى التي كانت متحفاً حربياً، دون توضيح الخطط المُعَدّة لهذا الترميم والهدف منه. واليوم جرى إتمام إخلاء التكية الصغرى (سوق المهن) لاستكمال مشروع الترميم، وإعادة التأهيل المتوقع الانتهاء منه عام 2025. وبعد موجة الغضب والاستنكار التي عمّت صفحات السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، خلال الشهر الأخير، نشرت وسائل إعلام محلية عدة تقارير عن «تحضير حاضنة دمر المركزية للفنون الحرفية لاستقبال حرفيي التكية السليمانية وتجهيز مشاغلهم بأحدث التجهيزات، بدعم واهتمام كبير» من وزارة السياحة واتحاد غرف السياحة والقيادة المركزية لحزب البعث ووزارة الاقتصاد وهيئة دعم وترويج الصادرات، وإن من شأن ذلك تنشيط منطقة دمر والمناطق المحيطة بها.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).