توتر متصاعد بين بوركينا فاسو وفرنسا يعزز «الدور الروسي»

باريس تتأهب لانسحاب عسكري جديد من غرب أفريقيا

الكابتن إبراهيم تراوريه زعيم الانقلابيين في بوركينا فاسو بصورة تعود إلى 15 أكتوبر 2022 (أ.ب)
الكابتن إبراهيم تراوريه زعيم الانقلابيين في بوركينا فاسو بصورة تعود إلى 15 أكتوبر 2022 (أ.ب)
TT

توتر متصاعد بين بوركينا فاسو وفرنسا يعزز «الدور الروسي»

الكابتن إبراهيم تراوريه زعيم الانقلابيين في بوركينا فاسو بصورة تعود إلى 15 أكتوبر 2022 (أ.ب)
الكابتن إبراهيم تراوريه زعيم الانقلابيين في بوركينا فاسو بصورة تعود إلى 15 أكتوبر 2022 (أ.ب)

عزز توتر متصاعد بين فرنسا والمجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو، دوراً روسياً متنامياً، في المستعمرة الفرنسية السابقة (غرب أفريقيا)، خاصةً بعد أن أمهلت السلطات الجيش الفرنسي «شهراً واحداً» لمغادرة البلاد. وهو ما عده مراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فرصة لانقضاض روسي يملأ «الفراغ الفرنسي» في بوركينا سياسياً وعسكرياً، على غرار جارتها مالي.
وتدهورت العلاقات بين باريس وواغادوغو منذ الانقلاب العسكري، في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو الثاني في ثمانية أشهر، والذي مكن القائد إبراهيم تراوري من تولي منصب الرئيس الانتقالي للبلاد.
ويوم الأربعاء الماضي، علقت السلطات الحاكمة في بوركينا فاسو الاتفاق الذي ينظم منذ 2018 وجود القوات المسلحة الفرنسية على أراضيها. ووفق مصادر محلية فإن السلطات منحت الجيش الفرنسي مهلة شهر واحد لمغادرة البلاد، بموجب البنود المنظمة لحل الاتفاق.
وتواجه فرنسا القوة الاستعمارية السابقة غضبا سياسيا وشعبيا في بوركينا فاسو منذ أشهر عدة. وخرجت تظاهرات عدة كان آخرها الجمعة الماضي في واغادوغو للمطالبة بانسحاب فرنسا من هذا البلد الساحلي الذي يستضيف كتيبة من قرابة 400 فرد من القوات الخاصة الفرنسية. والثلاثاء الماضي قال الرئيس تراوري، أمام مجموعة من الطلاب إن «الكفاح من أجل السيادة قد بدأ».
ولا يعتبر الباحث السوداني المتخصص في الشأن الأفريقي محمد تورشين، الخطوة بالمفاجأة، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر متوقع منذ فترة، بل إن البعض يرى تأخرا في مغادرة القوات الفرنسية بوركينا فاسو».
وأضاف: «تقليص الدور الفرنسي كان مخططا منذ حكم بول هنري داميبا الذي استولى على السلطة في انقلاب سابق في يناير (كانون الثاني) 2022، لكنه أجل القرار، حتى أطاح به تراوري، والذي يسعى بدوره إلى بناء جبهة داخلية قوية تعزز وجوده وشعبيته داخلياً في مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية».
ولفت الخبير السياسي إلى «دور روسي» وراء هذه الخطوة، خاصةً أن القرار جاء في أعقاب زيارة أجراها تراوري إلى مالي، التي شهدت انسحابا فرنسيا عسكرياً أخيراً، وربما وجد أن «الشراكة القوية بين روسيا ومالي باتت أكثر نفعا من فرنسا»، على حد قوله متوقعا «تحركات ومواقف تدعم هذا التوجه»» في الفترة المقبلة.
وتواجه فرنسا، الحليف التقليدي لدول الساحل الناطقة بالفرنسية، ضغوطا متزايدة من منتقدين يتهمونها بممارسة استعمار جديد ويطالبون بعلاقات أوثق مع موسكو.
واعتبر رئيس الوزراء في بوركينا فاسو أبولينير يواكيمكييليم دو تامبيلا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن «بعض الشركاء» الدوليين لبلده «لم يكونوا أوفياء دائما» في مكافحة الجماعات المتشددة. وقال من دون أن يسمي دولا محددة «كيف نفسر أن الإرهاب يفسد بلادنا منذ العام 2015 في جو من اللامبالاة، إن لم يكن بتواطؤ بعض من يسمون أنفسهم شركاءنا؟ ألم نكن حتى الآن ساذجين جدا في علاقاتنا مع شركائنا؟ لا شك في ذلك».
وصرح رئيس الوزراء السبت في أعقاب لقائه السفير الروسي أليكسي سالتيكوف بأن «روسيا هي خيار عاقل في هذه الدينامية» و«نعتقد أن شراكتنا يجب أن تتعزز».
وفي انقلاب الثلاثين من سبتمبر الذي جاء بإبراهيم تراوري إلى السلطة، استهدفت تظاهرات غاضبة السفارة الفرنسية في واغادوغو رفع خلالها بعض المتظاهرين أعلاما روسية. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي أمرت السلطات العسكرية بتعليق بث إذاعة فرنسا الدولية واتهمتها بنقل «رسالة ترهيب» منسوبة إلى «زعيم إرهابي».
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية مؤخراً إنها تلقت رسالة من السلطات العسكرية تطلب تغيير السفير لوك هالاد الذي أثار الاستياء إثر تقارير عن تدهور الوضع الأمني في بوركينا فاسو.
وتعتقد الدكتورة غادة فؤاد، مديرة المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، أن الانسحاب العسكري الفرنسي المتوقع من بوركينا، يصب في مصلحة روسيا، التي تستغل التوتر الحاصل بين فرنسا ومستعمراتها السابقة في أفريقيا.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أرجعت الخبيرة في الشأن الأفريقي، هذا التوتر إلى عاملين رئيسيين، أولهما عدم إحساس القيادات الأفريقية بالعائد الاقتصادي والسياسي والأمني للتواجد الفرنسي في بلدانهم، خاصةً مع تزايد قوة ونفوذ الجماعات الإرهابية في المنطقة، وعدم وجود مردود إيجابي للشراكات الاقتصادية مع باريس.
وترزح بوركينا فاسو، إحدى أفقر الدول في أفريقيا وأكثرها اضطرابا، تحت وطأة تمرد متشدد اجتاحها من مالي المجاورة في 2015. وقتل الآلاف وفر حوالي مليوني شخص من منازلهم ما تسبب في أزمة أمنية وإنسانية كانت العام الماضي سببا في انقلابين. وأكثر من ثلث مساحة البلاد خارج سيطرة الدولة.
العامل الثاني، كما تشير فؤاد، يتعلق بدور روسيا التي عملت أخيرا على توطيد علاقتها بشكل واسع مع دول غرب أفريقيا، في ظل توجه عام بتقليل الاعتماد على فرنسا.
وتحذو بوركينا فاسو حذو جارتها مالي، حيث اضطرت باريس الصيف الماضي إلى سحب قوتها العسكرية المسماة «برخان» المرابطة في هذا البلد منذ عام 2014؛ لغرض المساعدة في محاربة واحتواء التنظيمات الإرهابية بعد أن تدهورت علاقاتها مع المجلس العسكري الحاكم في باماكو، ووصول عناصر من ميليشيات «فاغنر» الروسية إلى هذا البلد.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اتهم الرئيس الغاني نانا أكوفوادو، بوركينا فاسو بـ«التوصل إلى ترتيبات لتوظيف مجموعة (فاغنر) الروسية شبه العسكرية، على غرار ما فعلته دولة مالي».


مقالات ذات صلة

«مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

العالم «مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

«مذبحة الكرمة» تفاقم الوضع الأمني في بوركينا فاسو

بدأت بوركينا فاسو التحقيق في «مذبحة» وقعت في قرية الكرمة شمال البلاد، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، على أيدي مسلحين يرتدون زي القوات المسلحة البوركينابية. وقُتل نحو 136 شخصاً في الهجوم، الذي وقع في 20 أبريل (نيسان) واتَّهم فيه مواطنون قوات الجيش بالمسؤولية عنه، لكنّ مسؤولين قالوا إن «مرتكبي المذبحة إرهابيون ارتدوا ملابس العسكريين»، في حين ندّدت الحكومة بالهجوم على القرية، في بيان صدر في 27 أبريل، دون ذكر تفاصيل عن الضحايا، قائلة إنها «تواكب عن كثب سير التحقيق الذي فتحه المدعي العام للمحكمة العليا في واهيغويا، لامين كابوري، من أجل توضيح الحقائق واستدعاء جميع الأشخاص المعنيين»

محمد عبده حسنين (القاهرة)
العالم الحرب على الإرهاب في بوركينا فاسو... مقتل 33 جندياً و40 إرهابياً

الحرب على الإرهاب في بوركينا فاسو... مقتل 33 جندياً و40 إرهابياً

أعلن الجيش في بوركينا فاسو أن 33 من جنوده قتلوا في هجوم نفذته مجموعة إرهابية على موقع عسكري، يقع في شرق البلاد، وذلك في آخر تطورات الحرب الدائرة على الإرهاب بهذا البلد الأفريقي الذي يعاني من انعدام الأمن منذ 2015. وقال الجيش في بيان صحافي إن مجموعة من المسلحين هاجمت فجر الخميس موقعاً عسكرياً في منطقة أوجارو، شرق البلاد، على الحدود مع دولة النيجر، وحاصروا وحدة من الجيش كانت تتمركز في الموقع، لتقع اشتباكات عنيفة بين الطرفين. وأعلن الجيش أن الحصيلة تشير إلى مقتل 33 جندياً وإصابة 12 آخرين، لكنهم في المقابل قتلوا ما لا يقلُّ عن 40 من عناصر المجموعة الإرهابية التي ظلت تحاصرهم حتى وصلت تعزيزات فكت عن

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

على الرغم من إعلان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو «تعبئة عامة» لمنح الدولة «الوسائل اللازمة» لمكافحة الإرهاب، تزايدت الجماعات المسلحة في الأسابيع الأخيرة، والتي يتم تحميل مسؤوليتها عادة إلى مسلحين مرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و«داعش». وتشهد بوركينا فاسو (غرب أفريقيا)، أعمال عنف ونشاطاً للجماعات المتطرفة منذ 2015 طالها من دولة مالي المجاورة. وقتل مسلحون يرتدون أزياء عسكرية في بوركينا فاسو نحو 60 شخصاً، بحسب مصدر قضائي، الاثنين، ذكر لوكالة «الصحافة الفرنسية»، نقلاً عن جهاز الشرطة، أن «الهجوم وقع (الخميس) في قرية كارما في شمال إقليم ياتنغا»، مضيفاً أن المسلحين «استولوا» على كميات من البضائع ا

العالم بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

بوركينا فاسو: العنف يحصد مزيداً من الضحايا رغم «التعبئة العامة»

على الرغم من إعلان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو «تعبئة عامة» لمنح الدولة «الوسائل اللازمة» لمكافحة الإرهاب، تزايدت الهجمات المسلحة في الأسابيع الأخيرة، التي يتم تحميل مسؤوليتها عادة إلى مسلحين مرتبطين بتنظيمي «القاعدة» و«داعش». وتشهد بوركينا فاسو (غرب أفريقيا)، أعمال عنف ونشاطاً للجماعات المتطرفة منذ 2015 طالاها من دولة مالي المجاورة. وقتل مسلحون يرتدون أزياء عسكرية في بوركينا فاسو نحو 60 شخصاً، حسب مصدر قضائي (الاثنين) ذكر لوكالة الصحافة الفرنسية، نقلاً عن جهاز الشرطة، أن الهجوم وقع (الخميس) في قرية كارما شمال إقليم ياتنغا، مضيفاً أن المسلحين «استولوا» على كميات من البضائع المتنوعة خ

أفريقيا مقتل 60 مدنياً بهجوم في شمال بوركينا فاسو

مقتل 60 مدنياً بهجوم في شمال بوركينا فاسو

قال مسؤول من بلدة أواهيجويا في بوركينا فاسو، أمس الأحد، نقلاً عن معلومات من الشرطة إن نحو 60 مدنياً قُتلوا، يوم الجمعة، في شمال البلاد على أيدي أشخاص يرتدون زي القوات المسلحة البوركينية. وأضاف المدعي العام المحلي لامين كابوري أن تحقيقاً بدأ بعد الهجوم على قرية الكرمة في إقليم ياتنجا في المناطق الحدودية قرب مالي وهي منطقة اجتاحتها جماعات إسلامية مرتبطة بـ«القاعدة» وتنظيم «داعش» وتشن هجمات متكررة منذ سنوات. ولم يذكر البيان مزيداً من التفاصيل بشأن الهجوم، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء. وذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في مارس (آذار) أن هجمات الجماعات المسلحة على المدنيين تصاعدت منذ عام 2022 ب

«الشرق الأوسط» (واغادوغو)

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
TT

جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل 10 دقائق في العالم

نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)
نساء يشاركن في احتجاج لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة أمام بوابة براندنبورغ ببرلين (أ.ب)

قُتلت 85 ألف امرأة وفتاة على الأقل عن سابق تصميم في مختلف أنحاء العالم عام 2023، معظمهن بأيدي أفراد عائلاتهنّ، وفقاً لإحصاءات نشرتها، (الاثنين)، الأمم المتحدة التي رأت أن بلوغ جرائم قتل النساء «التي كان يمكن تفاديها» هذا المستوى «يُنذر بالخطر».

ولاحظ تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في فيينا، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في نيويورك أن «المنزل يظل المكان الأكثر خطورة» للنساء، إذ إن 60 في المائة من الـ85 ألفاً اللاتي قُتلن عام 2023، أي بمعدّل 140 كل يوم أو واحدة كل عشر دقائق، وقعن ضحايا «لأزواجهن أو أفراد آخرين من أسرهنّ».

وأفاد التقرير بأن هذه الظاهرة «عابرة للحدود، وتؤثر على كل الفئات الاجتماعية والمجموعات العمرية»، مشيراً إلى أن مناطق البحر الكاريبي وأميركا الوسطى وأفريقيا هي الأكثر تضرراً، تليها آسيا.

وفي قارتَي أميركا وأوروبا، يكون وراء غالبية جرائم قتل النساء شركاء حياتهنّ، في حين يكون قتلتهنّ في معظم الأحيان في بقية أنحاء العالم أفرادا من عائلاتهنّ.

وأبلغت كثيرات من الضحايا قبل مقتلهنّ عن تعرضهنّ للعنف الجسدي أو الجنسي أو النفسي، وفق بيانات متوافرة في بعض البلدان. ورأى التقرير أن «تجنّب كثير من جرائم القتل كان ممكناً»، من خلال «تدابير وأوامر قضائية زجرية» مثلاً.

وفي المناطق التي يمكن فيها تحديد اتجاه، بقي معدل قتل الإناث مستقراً، أو انخفض بشكل طفيف فقط منذ عام 2010، ما يدل على أن هذا الشكل من العنف «متجذر في الممارسات والقواعد» الاجتماعية ويصعب القضاء عليه، بحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي أجرى تحليلاً للأرقام التي استقاها التقرير من 107 دول.

ورغم الجهود المبذولة في كثير من الدول فإنه «لا تزال جرائم قتل النساء عند مستوى ينذر بالخطر»، وفق التقرير. لكنّ بياناً صحافياً نقل عن المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، شدّد على أن هذا الواقع «ليس قدراً محتوماً»، وأن على الدول تعزيز ترسانتها التشريعية، وتحسين عملية جمع البيانات.