«أوراق أحمد زكي»... البحث عن التراث الضائع لـ«النمر الأسود»

«أوراق أحمد زكي»... البحث عن التراث الضائع لـ«النمر الأسود»
TT

«أوراق أحمد زكي»... البحث عن التراث الضائع لـ«النمر الأسود»

«أوراق أحمد زكي»... البحث عن التراث الضائع لـ«النمر الأسود»

يسكن الفنان الراحل أحمد زكي (1946 - 2005) منطقة دافئة داخل الوجدان العربي، ليس فقط لموهبته الفذة وأفلامه الاستثنائية مثل «أرض الخوف» و«ناصر 56» و«أيام السادات» و«معالي الوزير»، ولكن أيضاً لنمط حياته الذي عانى فيه اليتم وعدم الاستقرار العائلي فيما بعد، ثم موته في سن مبكرة نسبياً بعد صراع مؤلم مع المرض.
ويعد كتاب «أوراق أحمد زكي» الصادر عن دار «كلمة» بالقاهرة للكاتبة الصحافية هانم الشربيني، أحدث محاولة للاقتراب من مجمل تجربة «النمر الأسود»، اللقب الذي اشتهر به. بدأت المؤلفة رحلة البحث عن تراث الفنان الراحل بعد أن طرحت على نفسها سؤالاً فور رحيل ابنه الوحيد هيثم: أين أوراق أحمد زكي؟ ليصبح السؤال بداية رحلة بحث عن تراثه وأصدقائه وعالمه.
ذهبت الشربيني إلى مكتب الفنان في حي الهرم، بعدما تم بيعه لأحد الأشخاص، واستعرضت تاريخ المكتب ومقتنياته، كما استعرضت أيضاً مقتنيات شقته بحي المهندسين بالجيزة ومكتبته الخاصة.
وتتوقف المؤلفة عند خطاب رسميّ وجّهه إلى مأمورية ضرائب المهن الحرّة، مطالباً بتقسيط بقية الضرائب المستحقة عليه، «حيث تم ربط ضريبة قدرها 19870 جنيها، وذلك عن النشاط المهني بدءاً من عام 1983 إلى 1990، وحيث إنني قمت بسداد مبلغ 10 آلاف جنيه من حساب الضريبة بالقسيمة، فرجاء تقسيط باقي المبلغ على 5 أقساط شهرية». ويوحي هذا الخطاب بأزمة تعامل النجم الكبير مع المال عموماً، حيث لم يكن بارعاً في ادخاره، وكان يتعرض على الدوام لأزمات مادية رغم شهرته الضخمة وأجره الكبير.
وتكشف الأوراق عن خلافات مع بعض مشاهير المشهد الثقافي والسينمائي على حد سواء؛ مثل الروائي والسيناريست صبري موسى (1932 - 2018) صاحب رواية «فساد الأمكنة»، الذي كتب السيناريو لعدة أفلام مهمة في تاريخ السينما المصرية مثل «قنديل أم هاشم» و«البوسطجي». وهناك خطاب في هذا السياق أرسله النجم السينمائي بصفته صاحب شركة إنتاج هذه المرة، والتي لم تنتج سوى فيلمين وسرعان ما عرف التعثر طريقه إليها. يقول نص الخطاب الرسمي للأديب صبري موسى: «نظراً لإخلالكم ببنود العقد المحرر بينكم وبين شركة أفلام أحمد زكي بتاريخ 29 - 6 -1984، والذي تعهدتم فيه بالقيام بكتابة سيناريو وحوار فيلم (الدخان) واتُفق على أنّ المدة المحددة لإنجاز هذا العمل الموكل إليكم لا تزيد على آخر أغسطس (آب) 1984، ولما لم نجد أي تعاون من جانبكم لإنجاز العمل حتى اليوم وما ترتب على ذلك من أضرار مادية للشركة، لذلك نُخطركم آسفين بفسخ العقد مع الاحتفاظ بكل حقوقنا المادية والأدبية».
كما تتوقف المؤلفة أمام وعد وزارة الثقافة الذي لم يتحقق حتى الآن بإنشاء متحف يضم مقتنياته. ومن أبرزها صور لكواليس أفلامه، وملابس لكثيرٍ من الشخصيات التي جسّدها، مثل بدلة الضابط التي ارتداها في فيلم «الباطنية»، وملابسه الشخصيّة التي استعان بها في تقديم بعض أدواره، مثل جلباب وعمامة عبد السميع في «البيه البواب»، وروب المحاماة لمصطفى خلف في «ضد الحكومة»، والبدلة والنظارة السوداء للضابط هشام في «زوجة رجل مهم»، وملابس عباس في «استاكوزا»، وملابسه في فيلم «سواق الهانم»، وغيرها من النظارات التي كان يحرص على اقتنائها كثيراً، وبعض أدوات الديكور الفريدة التي تمّ استيرادُها من ألمانيا والتي كانت تزيّن جدرانَ بيتِه، ولوحات تشكيلية، ومغرفة مصنوعة من الفضة، وساعات تُصدر موسيقى فريدة.
وأيضاً من ضمن المقتنيات الفريدة التي عُثر عليها في شقته ما يتعلق بتجسيد شخصية أنور السادات مثل الغليون أو «البايب» الخاص بالرئيس الراحل، والحذاء الذي ارتداه يوم استشهادِه وقد منحتْهُ إيّاه السيدة جيهان السادات خلال تصوير فيلم «أيام السادات»، وقد استعان النجم الأسمر بهذه المقتنيات في أثناء تصوير الفيلم، وكان من المقرر أن يرتدي حذاء الرئيس الراحل، ثم طلب من السيدة جيهان السادات الاحتفاظَ به فوافقتْ على طلبِه.
ومن ضمن المقتنيات التي عُثر عليها أيضاً صندوقٌ معدنيّ جمع فيه الفنان الراحل عملاتٍ قديمة، منها عملاتٌ فضيّة منذ عهد الملك فاروق، ومن أغرب ما عُثر عليه أيضاً «مغرفة» فضية كانت تستخدم ديكوراً في صالة منزله، ويبدو أنها كانت قريبة لقلبِه، حيث احتفظ بها في خزانة ملابسه، فضلاً عن عددٍ كبير من الأحذية المصنوعة يدويّاً «هاند ميد»، ألمانية الصُنع.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.