«نسيت أن أكبر»... مخزون الطفولة وذاكرة الشريط السينمائي

معرض للفنانة السعودية نور هشام السيف في القاهرة

المعرض يستضيفه غاليري النيل بالقاهرة
المعرض يستضيفه غاليري النيل بالقاهرة
TT

«نسيت أن أكبر»... مخزون الطفولة وذاكرة الشريط السينمائي

المعرض يستضيفه غاليري النيل بالقاهرة
المعرض يستضيفه غاليري النيل بالقاهرة

في معرضها «نسيت أن أكبر» تجوب الفنانة السعودية نور هشام السيف، رحلة في نسيج الذاكرة التي لا تنفصل لديها عن السينما والفن، وهو ما عبّرت عنه في مشروعها البصري الذي يتم عرضه في غاليري «النيل» بالقاهرة، ويستمر حتى 25 يناير (كانون الثاني) الجاري.
تبدو أشرطة الفيديو وما تحمله من لاصقات بأسماء أفلام كلاسيكية عربية وأجنبية من المفردات البصرية اللافتة في المعرض، حيث تمتزج في تكوينات طفولية تعيدنا لعنوان المعرض الذي يبدو فيه النسيان مرادفاً للذوبان في سنوات النشأة والتكوين الأولى التي تقول الفنانة السعودية إنها كانت وثيقة الارتباط بعالم السينما «عالم أشرطة الفيديو كان أكبر رفاهية موجودة لدى جيلي، وكان شغفي الأول أكثر من اهتمامي بالدمى أو ألعاب الأطفال الأخرى، كنت أغوص في مشاهدة الأفلام، ولم تكن علاقتي بها علاقة تلقٍّ عابرة»، كما تقول صاحبة المعرض في حديثها مع «الشرق الأوسط».

شرائط الفيديو من مفردات المعرض

تبدو السينما منبعاً كلاسيكياً يفجر داخل اللوحات طاقات لونية وفانتازية لافتة، فتأخذ الفنانة نور هشام السيف أبطالها الكلاسيكيين إلى قاطرتها الخيالية لتصنع كادراتها السينمائية الخاصة بلمسات تشكيلية بألوان الأكريليك: «اخترت مشاهد من أفلام ارتبطت بذاكرتي، وأعدت إحياءها بأسلوب معاصر كأنني أستدعي تلك الشخصيات إلى عالمي، وأحياناً أذهب أنا إلى هذا العالم»، موضحة أن «هذا الاستغراق في السينما، جعلني أشعر بأنني أعيش وأفكر عبر مساري الواقع والخيال، كأن لي قدماً في الواقع وقدماً أخرى في الخيال، فلو حجّمنا الخيال لما استطعنا أن نبدع».

الفنانة  السعودية استلهمت من تاريخ السينما كادرات فنية

في إحدى لوحات المعرض يبدو كأن أبطال فيلم «كليوباترا» الأيقوني قد حلّوا في لوحات المعرض في أدوار عصرية، يستعينون فيها بالتكنولوجيا وإن كانوا لا يزالون يحتفظون بلفتاتهم التاريخية لا سيما الملابس، فيما تُطل فنانات من الشريط السينمائي المصري في لوحات المعرض في كادرات تبدو كأن صاحبة المعرض تمنحهم أدواراً تمثيلية جديدة من خلالها، مثل الفنانة الراحلة هند رستم.

رؤية فانتازية معاصرة لفيلم «كليوباترا»

وتبدو الاستعارة من الذاكرة السينمائية في المعرض حالة وجدانية تعبر في ثنايا التفاصيل الفنية التي اختارتها الفنانة السعودية، والتي تعتبر أن ملخصها هو حالة الحنين للماضي التي تختلف بالنسبة لها عن التفكير في الماضي بشكل عام «ذاكرتنا تكون انتقائية حينما نكون في حالة نوستالجيا، وهي تلك الذكريات التي تُشعرنا بالمتعة والدفء، وليس التفكير في الماضي بشكل عام، لأن الماضي هو بمجموع جماله وأفراحه وقبحه وكل تناقضاته».
وتضيف: «أعبر في المعرض عن فكرة الحنين إلى الماضي والفرق بينه وبين الغرق في الماضي، ومفهوم الحنين مرتبط لديّ ارتباطاً مباشراً بالذاكرة السينمائية».

نور هشام السيف مع عدد من زوار المعرض

يضم المعرض 31 لوحة أغلبها من الأحجام الكبيرة، ويعتبر معرض «نسيت أن أكبر» مشروعاً بحثياً ممتداً بدأت الفنانة نور هشام السيف العمل عليه منذ عام 2016، وتقول: «الذاكرة الانفعالية لديّ مرتبطة بشكل مباشر بالسينما أكثر من أي مخزون بصري آخر» حسبما تصف، ويبدو كأن ملامح السينما الممتدة من الستينات للتسعينات في معظمها، معكوسة بعين الذاكرة الطفولية، بكادراتها وإضاءاتها، وحتى فانتازيا الطرح التي لا تخلو من مفردات ألعاب الطفولة التي تتراوح بين ألعاب أطفال الكلاسيكية بيوت الدمى والخيول الخشبية، وصولاً للألعاب الافتراضية التي تصنع بها الفنانة مفارقات بين أزمنة الطفولة وفلسفتها الخاصة عن الحنين.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
TT

مهرجان للفيلم الأوروبي في العاصمة طرابلس لكسر حاجز الانقسام

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)
بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي المشارك في مهرجان الفيلم الأوروبي بطرابلس (السفارة الفرنسية)

بعيداً عن التكلس السياسي الذي تعانيه ليبيا، انطلق في العاصمة طرابلس مهرجان للفيلم الأوروبي تحت إشراف بعثة الاتحاد الأوروبي إلى البلاد، بالتعاون مع الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، في خطوة تستهدف توسيع الشراكة الثقافية وكسر حاجز الانقسام، من خلال تجميع الليبيين بالثقافة والفن.

وتشارك في النسخة الأولى من المهرجان، التي انطلق الأحد، 5 سفارات أوروبية عاملة في ليبيا، بأعمال يتم عرضها للجمهور مجاناً لمدة 5 أيام، تنتهي الخميس المقبل. وعبّر سفير بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، نيكولا أورلاندو، عن سعادته لافتتاح أول مهرجان سينمائي ليبي - أوروبي في طرابلس، إلى جانب الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون، وسفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا ومالطا وإسبانيا. وعدّ هذا الحدث «علامة فارقة في الشراكة الثقافية بين ليبيا والاتحاد».

ويعرض مساء اليوم (الاثنين) فيلم «راعي البقر من الحجر الجيري» المقدم من سفارة مالطا، بقاعة الهيئة العامة للسينما والمسرح في شارع الزاوية بطرابلس، التي دعت الجمهور للاستمتاع بمشاهدته.

البوستر الترويجي لفيلم «فتاة عادت» الإيطالي (إدارة المرجان)

وبجانب الفيلم المالطي، فإن العروض المفتوحة للجمهور تتضمن، وفق ما أعلنت إدارة المهرجان، ورئيس بعثة الاتحاد، «طفلة عادت» من إيطاليا، و«قصر الحمراء على المحك»، إسباني، ويعرض الثلاثاء، ثم «كليو» (ألمانيا) الذي يعرض للجمهور الأربعاء، على أن يختتم المهرجان بفيلم «عاصفة» الفرنسي.

ولوحظ أن الدول المشاركة في المهرجان حرصت على تروّج الأعمال المشاركة، من هذا المنطلق دعا المركز الثقافي الفرنسي والسفارة الفرنسية في ليبيا الجمهور الليبي لحضور الفيلم الفرنسي الذي أخرجه كريستيان دوغواي، وقالا في رسالة للجمهور الليبي: «نحن في انتظاركم لتشاركونا هذه اللحظة السينمائية الاستثنائية».

جانب من افتتاح مهرجان الفيلم الأوروبي في طرابلس (البعثة الأوروبية إلى ليبيا)

وكان رئيس هيئة السينما والمسرح والفنون، عبد الباسط بوقندة، عدّ مبادرة الاتحاد لإقامة المهرجان «خطوة إيجابية في مسار الشراكة بين ليبيا، متمثلة في هيئة السينما والمسرح والفنون، والاتحاد الأوروبي والدول الخمس المشاركة».

وأضاف بوقندة، في كلمة الافتتاح، الذي بدأ الأحد بعرض الأفلام، أن المناسبة «تفتح آفاقاً واسعة في مجالات السينما كواحدة من أهم أنواع التواصل بين الشعوب ومرآة عاكسة لكثير من القضايا الاجتماعية والإنسانية والثقافية التي تسهم بفاعلية في توعية الناس، وتدفع بهم تجاه الارتقاء والإحساس بالمسؤولية».

بوستر فيلم «عاصفة» الفرنسي (السفارة الفرنسية لدى ليبيا)

وخلال مراسم الافتتاح، عُرض فيلم «شظية» الليبي الذي أنتج في الثمانينات، من تأليف الأديب الليبي المعروف إبراهيم الكوني، ويحكي قصة معاناة الليبيين مع الألغام التي زرعت في صحراء ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها كثير من المواطنين في مدن ومناطق مختلفة من البلاد.

وبجانب العروض السينمائية في ليبيا، تُجمّع الفنون في ليبيا عادةً من فرقت بينهم السياسة، ويحشد المسرح على خشبته ممثلين من أنحاء البلاد، كانت قد باعدت بينهم الآيديولوجيات في زمن ما، يحكون جميعاً أوجاعهم عبر نصوص ولوحات إبداعية، ويفتحون نوافذ جديدة للتلاقي والحوار بعيداً عن النزاع والانقسام السياسي.

وسبق أن تعطلت الحركة الفنية المسرحية في ليبيا، مُتأثرة بالفوضى الأمنية التي شهدتها ليبيا عقب اندلاع ثورة «17 فبراير» التي أسقطت نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. لكن مع الاستقرار النسبي الذي تشهده ليبيا يظل الرهان على الفن في اختبار الانقسام السياسي، الذي ضرب البلاد، لتوحيد الليبيين.