«الوزاري الأوروبي» بين خيار التصعيد ضد طهران والتخوف من التبعات

(تحليل إخباري)

بوريل على هامش اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
بوريل على هامش اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
TT

«الوزاري الأوروبي» بين خيار التصعيد ضد طهران والتخوف من التبعات

بوريل على هامش اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)
بوريل على هامش اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل نوفمبر الماضي (إ.ب.أ)

يلتئم مجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي في بروكسل صباح الاثنين المقبل برئاسة جوزيب بوريل، مسؤول الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد، وعلى جدول أعماله، النظر في القرارين اللذين صوّت عليهما البرلمان الأوروبي في اجتماعه الأربعاء الماضي في مدينة استراسبورغ.
وينص الأول على إدراج المرشد الإيراني علي خامنئي، والرئيس إبراهيم رئيسي، والمدعي العام الإيراني، وجميع كيانات «الحرس الثوري» على قائمة العقوبات وذلك في إطار السلة الرابعة منها التي يتهيأ وزراء الخارجية الأوروبية لفرضها على طهران. والثاني، يتناول إدراج «الحرس الثوري» وما يتفرع عنه من تنظيمات على اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية.
وحتى اليوم، وحدها الولايات المتحدة تعد «الحرس» تنظيماً إرهابياً، تُضاف إليها كندا التي أصدرت قانوناً يمنع القيادات الإيرانية المختلفة وعلى رأسهم مسؤولو «الحرس» من دخول أراضيها كما تفرض عليهم عقوبات مختلفة.
وحتى اليوم، فرض الاتحاد ثلاث مجموعات من العقوبات أبرزها ما أُقر في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي حيث استهدف بعقوباته 150 شخصية وهيئة «منهم وزير الداخلية، وقادة القوى الأمنية، والحرس الثوري، والتلفزة...» الذين جُمِّدت أصولهم ومُنعوا من الدخول إلى بلدان الاتحاد الـ27.
ومن العقوبات الإضافية طرد إيران من لجنة المرأة التابعة للأمم المتحدة وتحريم تصدير معدات حساسة يمكن أن تساعد النظام في عمليات القمع التي يصفها الاتحاد بـ«الوحشية».
بيد أن مَن وما يستهدفه البرلمان الأوروبي يُدخل العلاقة بين طهران والمجموعة الأوروبية في حالة من التوتر الشديد التي يمكن أن تكون لها انعكاساتها على أكثر من صعيد.
ولهذا سببان: الأول، أنها تستهدف الشخصيتين الرئيسيتين في الجمهورية الإسلامية وهما المرشد علي خامنئي الذي له اليد العليا على الشؤون الاستراتيجية في إيران، ورئيس الجمهورية الذي يليه أهمية. ومعنى فرض العقوبات عليهما أنه سيكون من المستحيل لاحقاً أن يتعاطى الاتحاد الأوروبي معهما لأن العقوبات تعني تجميد أصولهما «إذا كانت لهما أصول في الاتحاد» ومنعهما من الدخول إلى أراضيه. وهذا يعني حالة من القطيعة الدبلوماسية المستقبلية بين الطرفين، وبالتالي دفع التوتر الموجود راهناً بينهما إلى أبعاد جديدة. أما بالنسبة إلى «الحرس الثوري»، الذي يعد درع النظام في الداخل وذراعه الضاربة في الخارج، فإن وضعه على اللائحة الإرهابية يعني منع التعاملات المصرفية والمالية والتجارية معه مباشرةً أو مع الهيئات المرتبطة به أو التي قد يلجأ إلى إيجادها لاحقاً. يضاف إلى ذلك تجميد «وربما» مصادرة موجوداته وعزله ومنع التواصل معه تحت طائلة القانون.
وتجدر الإشارة إلى أن مسألة رفع العقوبات الأميركية عن «الحرس الثوري» كانت إحدى العُقد الرئيسية التي أجهضت التوصل إلى اتفاق حول إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والغرب.
والسبب في ذلك أن «الحرس» يمثل، وفق التقديرات المتوافرة، إضافةً إلى وزنه الأمني في الداخل والخارج، ما لا يقل عن نصف الاقتصاد الإيراني «شركات ومؤسسات وهيمنة على القطاع النووي والتسليح...»، وبالتالي فإن جعله منظمة إرهابية على مستوى ثاني أكبر اقتصاد في العالم وفي نظر 27 دولة أوروبية التي يمكن إضافة بريطانيا إليها، سيعني توجيه ضربة موجعة للنظام ولاقتصاده.
ومن المفيد الإشارة إلى أن الرغبة في المزيد من معاقبة إيران ليس مصدرها فقط الإعدامات والقمع وأعداد الضحايا المدنيين وكل ما تمارسه السلطات منذ أربعة أشهر، بل أيضاً الدور الذي تلعبه في الحرب الروسية على أوكرانيا من خلال تزويدها بمئات المسيّرات. وتفيد معلومات استخبارية في باريس بأن ما لا يقل عن 500 مسيّرة من طراز «شاهد» تصل إلى روسيا من إيران أسبوعياً.
بالنظر إلى ما سبق، يمكن فهم ردة الفعل الإيرانية التي جاءت على لسان كثيرين من المدنيين والأمنيين وعلى رأسهم وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان الذي نبّه أمس، في إطار اتصال هاتفي مع بوريل، من «العواقب السلبية» المترتبة على قرارات أوروبية كهذه. وجاء في بيان صادر عن الخارجية الإيرانية أن عبداللهيان «انتقد بشدة النهج المتوتر والانفعالي للبرلمان الأوروبي»، وعده سلوكاً «غير مدروس وخاطئاً». وبرأيه، فإن الاتحاد «يطلق بذلك النار على قدمه». وعسكرياً، جاء الرد من هيئة الأركان التي أصدرت أمس، بياناً نبّهت فيه من تأثير القرار الأوروبي على «الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي ويجب على البرلمان الأوروبي أن يكون مدركاً لهذه العواقب».
يمكن النظر لردود الأفعال على أنها «استباقية» وغرضها ثني وزراء الخارجية الأوروبيين عن تبني نهج البرلمان أو على الأقل التأثير على عدد منهم ،لحملهم إما على رفض القرار البرلماني وإما على تأجيل اتخاذ القرار. والمعروف أن إجراءات من هذا النوع تفترض الإجماع بين الأعضاء الـ27، كما تتطلب موافقة اللجنة القانونية داخل الاتحاد على تدبيرٍ من هذا النوع. ثم إن هناك مجموعة عناصر يتعين توافرها للتمكن من وضع «الحرس الثوري» على اللائحة الإرهابية. وأشار وزير خارجية فنلندا قبل يومين إلى «وجود جدل» بين الأوروبيين بشأن ملف «الحرس»، مؤكداً في الوقت عينه الحاجة إلى «رد حازم» على قمع السلطات. وذهب نظيره السويدي في الاتجاه عينه عندما عدّ فرض عقوبات «ثقيلة» على «الحرس» أكثر فائدة من ضمه إلى لائحة الإرهاب. وفي المقابل، فإن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أعربت أول من أمس، من دافوس، عن «تفهمها ودعمها» لمطلب البرلمان وهي بذلك تجاري وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك التي تعد الأكثر حماسة على هذا الصعيد. من هنا، فإن اعتبار وضع اسم «الحرس» على لائحة الإرهاب أمراً مكسوباً يعد رهاناً غير مضمون ويعني النظر فيما سيحصل في الأيام القليلة التي تفصلنا عن اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين لرصد اتجاه الريح.
يبقى السؤال: ما الذي يمكن أن تكون عليه ردة الفعل الإيرانية؟ من الناحية النظرية، يمكن افتراض أن الرد الإيراني سيتناول مزيداً من التشدد في الملف النووي الموجود راهناً في البراد، وذلك من ثلاث جهات: الأولى، إبقاء المفاوضات مع الغربيين بشأن إعادة إحياء اتفاق العام 2015 حيث هي، أي في الطريق المسدود. والثانية، التشدد في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المواقع الثلاثة غير المعلنة سابقاً التي عُثر فيها على آثار جزيئات نووية مخصبة. والثالثة، مضاعفة جهود التخصيب بنسب عالية «60 في المائة وما فوق» خصوصاً في موقع «فوردو» بالغ التحصين ما سيشكّل ورقة ضغط على الغربيين بشكل عام. ثم إن إجراءً أوروبياً كما يطلبه البرلمان سيكون من تبعاته دفع إيران إلى الالتصاق أكثر فأكثر بروسيا ومدها بأسلحة أخرى غير المسيّرات كالصواريخ مثلاً التي تمتلك منها إيران كميات ونماذج كثيرة. وثمة من يرى أن التدبير الأوروبي في حال إقراره سيدفع النظام الإيراني إلى مزيد من التشدد والقمع في الداخل والعمل على زعزعة الاستقرار في جواره الإقليمي بوجه خاص وهو ما يستشف بوضوح من بيان هيئة الأركان الإيرانية.
بين الرغبة في إبراز العضلات الأوروبية من جهة والتخوف من التبعات من جهة ثانية، ستدور مناقشات وزراء الخارجية. وما سيخرج من مداولاتهم سيدل على الاتجاه الذي ستسلكه العلاقات الأوروبية - الإيرانية في الأشهر والسنوات المقبلة.


مقالات ذات صلة

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

المشرق العربي اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

اليوم الثاني لرئيسي في دمشق... فلسطيني

في اليوم الثاني لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا، التقى وفداً من الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق، بحضور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان. وأكد رئيسي، خلال اللقاء الذي عقد في القصر الرئاسي السوري أمس (الخميس)، أن بلاده «تعتبر دائماً القضية الفلسطينية أولوية في سياستها الخارجية». وأكد أن «المقاومة هي السبيل الوحيد لتقدم العالم الإسلامي ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «المبادرة، اليوم، في أيدي المجاهدين والمقاتلين الفلسطينيين في ساحة المواجهة».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

باريس تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

نددت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع علم بنما في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

منظمات تندد بـ«إصرار» فرنسا «على رغبتها بترحيل» إيرانيين

قالت منظمات غير حكومية إن فرنسا احتجزت العديد من الإيرانيين في مراكز اعتقال في الأسابيع الأخيرة، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ الحكومة «تصر على رغبتها في ترحيلهم إلى إيران» رغم نفي وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وكتبت منظمات العفو الدولية، و«لا سيماد»، و«إيرانيان جاستس كوليكتيف» في بيان الأربعاء: «تواصل الحكومة إبلاغ قرارات الترحيل إلى إيران مهددة حياة هؤلاء الأشخاص وكذلك حياة عائلاتهم». واعتبرت المنظمات أن «فرنسا تصرّ على رغبتها في الترحيل إلى إيران»، حيث تشن السلطات قمعاً دامياً يستهدف حركة الاحتجاج التي اندلعت إثر وفاة الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني في سبتمبر (أيلول)، أثناء احتجازها لدى شرط

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قاآني: انتقمنا جزئياً لسليماني بطرد القوات الأميركية من المنطقة

قال مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، إسماعيل قاآني، إن قواته انتقمت جزئيا من القوات الأميركية بطردها من المنطقة، مضيفا في الوقت نفسه «القدس ليست الهدف النهائي وإنما هدف وسط»، مشددا على ضرورة أن تجد إيران موقعها في انتقال القوة من الغرب إلى الشرق. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن قاآني قوله خلال اجتماع الجمعية العامة لطلاب الحوزات العلمية في قم إن «أميركا وإسرائيل وحتى الناتو و... تقوم بالتعبئة لتخريب إيران». وقال قاآني «مثلما قال المرشد فإن إيران من المؤكد لن تبقى بعد 25 عاماً، وهم (الإسرائيليون) يستعجلون ذلك».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)

إيران تعتقل مغنية بثت حفلاً على «يوتيوب» دون حجاب

عناصر من الشرطة الإيرانية (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الشرطة الإيرانية (أرشيفية - رويترز)
TT

إيران تعتقل مغنية بثت حفلاً على «يوتيوب» دون حجاب

عناصر من الشرطة الإيرانية (أرشيفية - رويترز)
عناصر من الشرطة الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اعتقلت السلطات الإيرانية مغنية بعد أن أدت حفلاً افتراضياً على «يوتيوب»، حسبما أفاد محامٍ.

وقال ميلاد بناهيبور، المحامي الإيراني، إن باراستو أحمدي (27 عاماً)، اعتُقلت في مدينة ساري، عاصمة محافظة مازندران الشمالية، يوم السبت.

يوم الخميس، أقامت السلطة القضائية قضية تتعلق بأداء باراستو أحمدي في الحفل؛ حيث غنت مرتدية فستاناً أسود طويلاً بلا أكمام ولا ياقة ودون حجاب، وكان برفقتها 4 موسيقيين ذكور.

ونشرت باراستو أحمدي حفلها على «يوتيوب» قبلها بيوم، قائلة: «أنا باراستو، فتاة تريد أن تغني للناس الذين تحبهم. هذا حق، الغناء لأرض أحبها بشغف». وقد تمت مشاهدة الحفل الافتراضي أكثر من 1.4 مليون مرة.

قال بناهيبور، لوكالة «أسوشييتد برس»: «للأسف، لا نعرف التهم الموجهة ضد باراستو أحمدي، أو من اعتقلها، أو مكان احتجازها، لكننا سنتابع الأمر من خلال السلطات القانونية».

وأضاف أن اثنين من الموسيقيين في فرقة أحمدي، هما سهيل فقيه نصيري وإحسان بيرغدار، اعتُقلا في طهران يوم السبت.

شهدت إيران احتجاجات في عام 2022 بعد وفاة مهسا أميني (22 عاماً)، بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق في البلاد بسبب عدم ارتدائها الحجاب.