«استحداث» مجلس شيوخ في طرابلس يثير جدلاً ليبياً حاداً

وسط تخوف من تفاقم الانقسام السياسي بين شرق البلاد وغربها

لجنة إعداد «القاعدة الدستورية» التابعة للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)
لجنة إعداد «القاعدة الدستورية» التابعة للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)
TT

«استحداث» مجلس شيوخ في طرابلس يثير جدلاً ليبياً حاداً

لجنة إعداد «القاعدة الدستورية» التابعة للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)
لجنة إعداد «القاعدة الدستورية» التابعة للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)

(تقرير إخباري)
تباينت آراء سياسيين ليبيين، حول اتفاق مجلسَي: «النواب» و«الأعلى للدولة»، برئاسة: عقيلة صالح، وخالد المشري، على استحداث «مجلس شيوخ» ليكون مقره العاصمة طرابلس (غرباً)، مقابل «مجلس النواب» بشرق البلاد. وبينما وافق البعض على إنشائه واعتبروه معمولاً به في غالبية دول العالم، تخوَّف آخرون من أن يدفع هذا المقترح إلى مزيد من الانقسام السياسي بين شرق ليبيا وغربها.
واعتبرت عضو «ملتقى الحوار السياسي» الليبي، آمال بوقعيقيص، أن مقترح تقسيم غرفتي السلطة التشريعية بين مجلس للنواب في بنغازي وآخر للشيوخ في طرابلس: «تفتيت للسلطة التشريعية». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «كنا ندعو دائماً إلى وجود غرفة ثانية بالسلطة التشريعية، للحد من انفراد مجلس النواب خاصة ببعض القضايا التشريعية المهمة، ولمعرفتنا من خلال التجارب البرلمانية المتعارف عليها أن غرفتي التشريع توجدان دائماً في مدينة واحدة، وهذا ما سعينا بشدة لإقراره خلال (ملتقى الحوار السياسي)».
وتوقعت بوقعيقيص أن تكون علاقة المجلسين حال الموافقة على الفكرة «تشوبها التوتر»، كما هو الوضع الراهن بين «الأعلى للدولة» بغرب البلاد، و«مجلس النواب» في شرق البلاد، وهذا من شأنه تكريس الانقسام السياسي في البلاد، حسب بوقعيقيص التي لفتت إلى أن «وجود السلطة التنفيذية بشقيها في طرابلس، (رئيس الدولة، ورئيس الحكومة) يمثل التوازن السياسي الذي يتحدث ويطالب به المشري، ودون ذلك سيكون إهداراً لحق بنغازي».
وكان المشري قد ذكر خلال مقابلة تلفزيونية أنه توافق مع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، على «وثيقة دستورية» تتعلق بنظام الحكم، وأن السلطة التشريعية بموجبها ستتكون من غرفتين، وهما: مجلس النواب ومقره بنغازي، ومجلس الشيوخ ومقره طرابلس، لإحداث توازن سياسي، حسب تعبيره.
في سياق ذلك يرى بعض السياسيين أن المشري «تمكن من إقناع الجميع بتدشين مجلس للشيوخ، ومنحه صلاحيات تشريعية، ليكون جسماً سياسياً لا يمكن تجاوزه، وقد تتاح له فرصة رئاسته، ليستمر في تصدر المشهد السياسي»، متوقعين حصول كتلة تيار الإسلام السياسي بالمنطقة الغربية مستقبلاً على عضوية هذا المجلس الجديد، على غرار الوضع الراهن داخل المجلس الأعلى للدولة.
من جانبه، قال رئيس الهيئة العليا لـ«تحالف القوى الوطنية» توفيق الشهيبي، إن الحديث عن تقسيم غرفتي السلطة التشريعية سوف «يزيد من تأزيم المشهد»، مستبعداً توافق المجلس على «الوثيقة الدستورية»، أو الاتجاه نحو إجراء الانتخابات.
وأضاف الشهيبي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لو تم اقتسام السلطة التشريعية، فإن ذلك سيزيد من شكوى الجنوب الليبي من التهميش، كما سيعترض سكان شرق البلاد على تمتع طرابلس بالسلطة التنفيذية وغرفة تشريع»؛ معتبراً أن ليبيا «ليست في حاجة إلى مجلس شيوخ... وفي حالة الموافقة عليه، فالمتعارف عليه أن تكون الغرفتان في مدينة واحدة، وعكس ذلك لن يكون سوى عرقلة مسبقة لعمل تلك السلطة».
وتوقع الشهيبي أن «تدور ليبيا في حلقات مفرغة؛ مجلس الشيوخ سيحاول إعاقة قرارات رئيس البلاد، ولا يستطيع الأخير تنفيذ قراراته فيحيلها لمجلس النواب، ويقوم الأخير بالتشاور وربما الخلاف مع الشيوخ حولها، ثم تشكل الوفود للسفر والتفاوض، ويتبدد الوقت».
بالمقابل، أبدى رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، قبوله «مقترح إنشاء الغرفة الثانية للتشريع، والمعمول به في كثير من دول المنطقة والعالم». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الغرفة الثانية منصوص عليها بمسودة مشروع الدستور الذي أعدته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور عام 2017، وليس مقترحاً خاصاً تقدم به المشري أو صالح»؛ مبرزاً أنه «في حال إقرار (الوثيقة الدستورية) وتأسيس مجلس الشيوخ، سيكون هناك إطار دستوري يحدد بوضوح الصلاحيات والمهام المتعلقة به، بعيداً عن القضايا التشريعية التي سيضطلع بها مجلس النواب»؛ معتبراً أن هذا «قد يكون الضمان لعدم تكرار معضلة التنازع على السلطة والقرار بالبلاد، ما بين مجلسي: (النواب) و(الأعلى للدولة) في الوقت الراهن... وعلى أقل تقدير، لن يحدث تنازع حول الشرعية، ولكن حول بعض القضايا العامة التي تتطلب التنسيق والتشاور بين المجلسين».
وقلل زهيو من التخوفات حول سعي المشري لرئاسة المجلس الجديد، وقال: «آلية العضوية بهذا المجلس ورئاسته هي الانتخاب وليس التعيين، وبالتالي لا بد من أن نحترم إرادة الشعب».
كما استبعد رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني»، سيطرة تيار الإسلام السياسي على مجلس الشيوخ، قائلاً إن «غرب البلاد يضم قيادات تنتمي لتيار الإسلام السياسي، ولكنها ضعيفة وغير قادرة على الحشد».
وانتهى زهيو إلى أن «النظام الفردي الذي سيُعتمد في الترشح سيكون معقولاً في بعض الدوائر، وصعباً في دوائر أخرى، وبالتالي فقد توجد عناصر منهم بهذا المجلس، إلى جوار شخصيات من تيارات أخرى».


مقالات ذات صلة

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

شمال افريقيا المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

المنقوش تناقش في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة المعابر

بحثت نجلاء المنقوش مع نظيرها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها أمس إلى الجزائر، فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الأشخاص، بعد سنين طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا. وذكرت الخارجية الجزائرية في بيان أن الوزيرين بحثا قضايا جارية في الساحتين المغاربية والعربية، منها تطورات ملف الصحراء، والمساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال وحقن الدماء في السودان. وأكد البيان أن عطاف تلقى من المنقوش «عرضا حول آخر مستجدات العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، لإنهاء الأزمة في ليبيا».

شمال افريقيا وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

وفدان أميركي وفرنسي يبحثان في ليبيا تطوير الجيش

بحث وفدان عسكريان، أميركي وفرنسي، في ليبيا سبل إعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية المُنقسمة، بين شرق البلاد وغربها، منذ إسقاط النظام السابق، في وقت زار فيه المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني» روما، والتقى برئيسة الوزراء بالحكومة الإيطالية جورجا ميلوني، وعدد من وزراء حكومتها. وفي لقاءين منفصلين في طرابلس (غرباً) وبنغازي (شرقاً)، التقى الوفدان الأميركي والفرنسي قيادات عسكرية للتأكيد على ضرورة توحيد الجيش الليبي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

المنقوش تبحث في الجزائر الانتخابات الليبية وعودة الحركة على المعابر

بحثت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش مع نظيرها الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارة لها اليوم الخميس إلى الجزائر، في فتح المعابر البرية والنقل البحري والجوي أمام حركة التجارة وتنقل الاشخاص، بعد سنوات طويلة من الإغلاق، بسبب الأزمة السياسية والامنية في ليبيا.

المنجي السعيداني (تونس)
شمال افريقيا «حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

«حبوب الهلوسة»... «سلاح قاتل» يستهدف عقول الليبيين

لم يكن من قبيل الصدفة أن تقذف أمواج البحر المتوسط كميات متنوعة من المخدرات إلى السواحل الليبية، أو أن تتلقف شِباك الصيادين قرب الشاطئ «حزماً» من «الحشيش والكوكايين وحبوب الهلوسة»، فالبلاد تحوّلت -وفق تقرير أممي- إلى «معبر مهم» لهذه التجارة المجرّمة. وتعلن السلطات الأمنية في عموم ليبيا من وقت لآخر عن ضبط «كميات كبيرة» من المخدرات قبل دخولها البلاد عبر الموانئ البحري والبرية، أو القبض على مواطنين ووافدين وهو يروّجون هذه الأصناف التي يُنظر إليها على أنها تستهدف «عقول الشباب الليبي». غير أنه بات لافتاً من واقع عمليات الضبط التي تعلن عنها السلطات المحلية تزايُد تهريب المخدرات وتعاطيها، خصوصاً «حبوب

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا «النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

«النواب» و«الدولة» يقران آلية عمل لجنة قوانين الانتخابات الليبية

استهلّت اللجنة المُشتركة لممثلي مجلسي «النواب» و«الدولة» (6+6) المكلفة بإعداد قوانين الانتخابات الليبية، اجتماعاتها في العاصمة طرابلس بـ«الاتفاق على آلية عملها». وطبقاً لما أعلنه عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، فقد شهد الاجتماع ما وصفه بتقارب في وجهات النظر بين أعضاء اللجنة حول القوانين الانتخابية، مشيراً، في بيان مقتضب مساء أول من أمس، إلى أنه «تم أيضاً الاتفاق على التواصل مع الجهات والمؤسسات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية».

خالد محمود (القاهرة)

جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
TT

جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين لتعميق التعاون

بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي خلال لقاء رموز الجالية المصرية في الصين (الخارجية المصرية)

تشهد العاصمة بكين جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين مصر والصين، على مستوى وزيري خارجية البلدين، وذلك لتعميق التعاون، وتبادل الرؤى بشأن المستجدات الإقليمية والدولية.

ووصل وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى بكين، مساء الأربعاء، وأشارت وزارة الخارجية المصرية في إفادة لها، إلى «عقد الجولة الرابعة من آلية الحوار الاستراتيجي بين مصر والصين».

والتقى عبد العاطي، الخميس، رموز الجالية المصرية في الصين، وأبرز اعتزاز بلاده بأبناء الجاليات المصرية في الخارج؛ «نظراً لدورهم المهم في تعزيز روابط الصداقة مع مختلف الدول، بما يسهم في توطيد تلك العلاقات حكومة وشعباً، خصوصاً مع شريك اقتصادي مهم مثل الصين».

وحثّ الوزير عبد العاطي، رموز الجالية المصرية في بكين، للمشاركة في النسخة المقبلة من «مؤتمر المصريين بالخارج» في أغسطس (آب) 2025، والذي من المقرر أن يشارك فيه عدد من الوزراء، بما يجعله بمثابة «منصة للحوار المستمر بين الجاليات المصرية في الخارج والوزارات الخدمية»، وفق «الخارجية المصرية».

وتُقدر عدد الشركات الصينية العاملة في مصر بنحو 2066 شركة في قطاعات متنوعة، ويصل حجم استثماراتها إلى نحو 8 مليارات دولار، وفق تصريح لنائب رئيس الهيئة العامة للاستثمار المصرية، ياسر عباس، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 50.8 جنيه في البنوك المصرية).

الرئيس الصيني خلال استقبال نظيره المصري في بكين مايو الماضي (الرئاسة المصرية)

ووفق نائب وزير الخارجية المصري الأسبق، نائب رئيس «جمعية الصداقة المصرية - الصينية»، السفير على الحفني، فإنه «لدى مصر والصين حرص دائم على تعميق العلاقات، واستمرار التشاور فيما يتعلق بعدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، تعكس الإرادة المستمرة لتبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف بين البلدين».

وأعلن الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي، والصيني شي جينبينغ، في بكين، مايو (أيار) الماضي، عن تدشين عام «الشراكة المصرية - الصينية» بمناسبة مرور 10 سنوات على إطلاق «الشراكة الاستراتيجية الشاملة».

وأكد الحفني أن «(الحوار الاستراتيجي المصري - الصيني) يأتي في ظل مناخ إقليمي ودولي مضطرب»، عادّاً أن «الحوار ضروري بين القاهرة وبكين، من منطلق وضع الصين قوةً دولية، وعضواً دائماً بمجلس الأمن الدولي، وبهدف تنسيق المواقف بشأن التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية، والمستجدات في غزة ولبنان وسوريا والسودان ومنطقة البحر الأحمر».

وتدعم الصين «حل الدولتين» بوصفه مساراً لحل القضية الفلسطينية، ودعت خلال استضافتها الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لـ«منتدى التعاون الصيني - العربي» في مايو الماضي، إلى «عقد مؤتمر للسلام لإنهاء الحرب في غزة».

ويرى خبير الشؤون الآسيوية في المجلس المصري للشؤون الخارجية، ضياء حلمي، أن «الملفات الإقليمية، وتطورات الأوضاع في المنطقة، تتصدر أولويات زيارة وزير الخارجية المصري لبكين»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن اتساع رقعة الصراع بالشرق الأوسط، والتوترات التي تشهدها دول المنطقة، تفرض التنسيق المصري - الصيني في هذه المرحلة، وإطلاع الجانب الصيني على ما تقوم بها مصر على الصعيد السياسي، للتهدئة في المنطقة».

وأشار حلمي إلى أن هناك تقارباً في المواقف المصرية - الصينية تجاه صراعات المنطقة، وضرورة التهدئة، لافتاً إلى أن «الملفات الاقتصادية تحظى باهتمام من جانب الدولة المصرية لزيادة حجم الاستثمارات الصينية، ورفع معدلات التبادل التجاري بين الجانبين».

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين نحو 13.9 مليار دولار خلال 2023، مقابل 16.6 مليار دولار خلال عام 2022، وفق إفادة جهاز التعبئة والإحصاء المصري، في مايو الماضي.