تقرير: تجدد الصراع بين أرمينيا وأذربيجان يظهر تراجع النفوذ الروسي في القوقاز

دبابة روسية تقوم بدورية عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا (أرشيفية - رويترز)
دبابة روسية تقوم بدورية عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا (أرشيفية - رويترز)
TT

تقرير: تجدد الصراع بين أرمينيا وأذربيجان يظهر تراجع النفوذ الروسي في القوقاز

دبابة روسية تقوم بدورية عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا (أرشيفية - رويترز)
دبابة روسية تقوم بدورية عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا (أرشيفية - رويترز)

ساعدت روسيا في إنهاء الحرب بين أذربيجان وأرمينيا عام 2020، وقامت قواتها بمراقبة وقف إطلاق النار. لكن مع احتدام الأزمة الجديدة في القوقاز، لم تتدخل موسكو، التي تشتت انتباهها أوكرانيا وتضعفها. وحسب تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، عندما توسط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أواخر عام 2020، لإنهاء الحرب، ووضع 2000 جندي حفظ سلام روسي بين الجانبين، بدا الأمر وكأنه انتصار استراتيجي كبير لموسكو.
أعطت الصفقة لروسيا وجوداً عسكرياً في دولة ما بعد الاتحاد السوفياتي، أذربيجان، بينما عمقت اعتماد دولة أخرى، أرمينيا، على روسيا ضامناً لأمنها. وضع بوتين نفسه في موقع صانع السلام وبدا أنه يؤكد مطالبته بنفوذ روسيا الشرعي، باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على الحفاظ على الاستقرار في جميع أنحاء المجال السوفياتي السابق.
بعد عامين، اشتعل الصراع على منطقة ناغورنو كاراباخ في أذربيجان مرة أخرى، ولم تتدخل روسيا. وفي تحدٍ للوجود الروسي، يختبر الأذربيجانيون ما إذا كانت موسكو لا تزال قادرة ومصممة على فرض إرادتها على جيرانها الأصغر في خضم حربها بأوكرانيا.
منذ 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تم إغلاق الطريق الجبلي الذي يربط ناغورنو كاراباخ بأرمينيا وسط احتجاجات من قبل النشطاء الأذربيجانيين الذين يزعمون أنهم يعارضون عمليات التعدين غير القانونية في المنطقة. أيدت الحكومة الأذربيجانية الاحتجاجات. يقول الأرمن إن أذربيجان وراء الأمر وينتقدون قوات حفظ السلام الروسية لعدم إبقاء الطريق مفتوحاً.
قال فرهاد محمدوف، المحلل الموالي للحكومة في باكو، إنه «يمكن ملاحظة أن موارد روسيا في المنطقة أصبحت محدودة... روسيا أصبحت أضعف».
في ناغورنو كاراباخ، إمدادات الحفاضات والأدوية الأساسية شحيحة للغاية، لدرجة أن السكان ينشرون على «فيسبوك» بحثاً عنها، وفقاً لما ذكره تاتيف عزيزيان، وهو صحافي محلي. ابتداءً من يوم الجمعة، سيتعين على الناس تقديم بطاقات تموينية لشراء الأرز أو المعكرونة أو الحنطة السوداء أو السكر.
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إعادة تشكيل العلاقات في جميع أنحاء العالم، وربما المكان الأكثر وضوحاً هو الحدود بين أوروبا وآسيا، ما أدى إلى تقوية أيدي تركيا وإيران، وهما الآن مصدران مهمان للتجارة والأسلحة لموسكو، بينما يقوض النفوذ الروسي في القوقاز.
أرمينيا جزء من التحالف العسكري بقيادة روسيا لست دول ما بعد الاتحاد السوفياتي، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، وتستضيف قاعدة عسكرية روسية. لكن حتى الآن، لم يتخذ الكرملين أي إجراء لمساعدة حليفه.
وقال فاهان كوستانيان، مستشار وزير خارجية أرمينيا، إن «تركيز الاهتمام الكامل على أوكرانيا يجعل الوضع أكثر هشاشة ويعطي فرصة جديدة لأذربيجان لاستخدام القوة».
فازت أرمينيا في الحرب ضد أذربيجان على ناغورنو كاراباخ في أوائل التسعينات، ما منحها السيطرة على حوالي 13 في المائة من إجمالي مساحة الأراضي الأذربيجانية، بما في ذلك ناغورنو كاراباخ. استعادت أذربيجان الكثير منها عندما شنت هجوماً في عام 2020، مستفيدة من أرباحها من الغاز الطبيعي لشراء أسلحة فائقة الجودة من تركيا وإسرائيل.
انتهت الحرب الأخيرة بعد 44 يوماً بوقف إطلاق النار الذي تفاوض عليه بوتين، وتم نشر القوات الروسية لحماية الأرمن المتبقين في وحول ستيباناكيرت، أكبر مدينة في المنطقة، والطريق الذي يربطها بأرمينيا.
يتضاءل نفوذ روسيا في كلا البلدين. قال زاور شيرييف، المحلل في «كرايسس غروب» في باكو، إن الغزو الأوكراني في أذربيجان دفع الرأي العام أكثر ضد روسيا وفرقة حفظ السلام التابعة لها. في أرمينيا، يبدو الدعم العسكري الروسي أقل فائدة، حيث لم تعد روسيا مصدراً غزيراً للأسلحة - تحتاجها في أوكرانيا - إضافة إلى حرص بوتين على الحفاظ على علاقات وثيقة مع تركيا، الحليف الرئيسي لأذربيجان.
ليس واضحاً كيفية حل الأزمة الحالية، تصر أذربيجان على أنها لم تفرض حصاراً على ناغورنو كاراباخ، وأن حركة المرور الإنسانية والطبية تم السماح لها بالمرور. لكن على أرض الواقع، يبدو الوضع متردياً بشكل متزايد بالنسبة للأرمن هناك الذين تقطعت بهم السبل بسبب محدودية الغذاء والضروريات الأخرى، وعُزلوا عن أفراد الأسرة الذين كانوا في أرمينيا عندما بدأت الأزمة.
وبينما انتصرت أذربيجان في حرب عام 2020، إلا أنها لم تحقق جميع أهدافها، بما في ذلك ممر النقل إلى منطقة ناخشيفان الأذربيجانية، وهي شريحة منفصلة من الأراضي الأذربيجانية على الحدود الجنوبية الغربية لأرمينيا، التي من شأنها أن تمنح البلاد رابطاً مباشراً مع تركيا. كما تسعى إلى ممارسة سيطرة أكبر على الطريق المحظور اليوم، والمعروف باسم ممر لاتشين، بدعوى أن أرمينيا تستخدمه لنقل الألغام الأرضية بشكل غير قانوني إلى الإقليم.
تحاول روسيا إيجاد حل وسطي وسط التصعيد ويواصل الكرملين دوره في المفاوضات بين أذربيجان وأرمينيا. وتحدث بوتين مع رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان في ديسمبر (كانون الأول) في سان بطرسبرغ. في تصريحات متلفزة في لقائه مع بوتين، لاحظ باشينيان بإحباط واضح أن «ممر لاتشين ليس تحت سيطرة قوات حفظ السلام الروسية».
في الأسبوع الماضي، ذهب باشينيان إلى أبعد من ذلك في صد موسكو، حيث ألغى التدريبات العسكرية المخطط لها في أرمينيا هذا العام من قبل التحالف الذي تقوده روسيا.
ووفقاً لوكالة «أسوشيتد برس»، قال باشينيان إن «الوجود العسكري الروسي في أرمينيا لا يفشل فقط في ضمان أمنها، ولكنه يثير تهديدات أمنية لأرمينيا».
لكن المحللين يقولون إن هناك فرصة ضئيلة في أن تتمكن أرمينيا من التخلص من اعتمادها على روسيا في أي وقت قريب - وهو الأحدث في سلسلة من الدروس لدول ما بعد الاتحاد السوفياتي حول صعوبة الخروج من الظل الأمني لموسكو، خصوصاً عند عدم الاستقرار.
ومع ذلك، مع تشتت انتباه موسكو، كثف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة جهودهما للتوسط في سلام دائم وبناء نفوذهما في القوقاز. التقى باشينيان وعلييف في أغسطس (آب) الماضي وأكتوبر (تشرين الأول) الماضي في اجتماعات رتبها الاتحاد الأوروبي، واجتمع وزيرا خارجية البلدين في واشنطن في نوفمبر (تشرين الثاني).
وصف المحللون مسارات التفاوض المزدوجة بأنها غير عادية - أحدهما بقيادة روسيا والآخر بقيادة الاتحاد الأوروبي، في وقت تخوض فيه موسكو والغرب أشد صراع بينهما منذ عقود. لكن الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في جنوب القوقاز، تويفو كلار، قال في مقابلة إنه كان على اتصال بنظيره الروسي، الدبلوماسي إيغور خوفاييف، وعقد اجتماعين شخصياً معه في الخريف الماضي.
وقال كلار، «في ظل الظروف الحالية، هناك مساحة أكبر محتملة لأرمينيا وأذربيجان للتغلب فعلياً على صراعهما»، السؤال هو ما إذا كانوا قادرين على اغتنام هذه الفرصة.


مقالات ذات صلة

واشنطن تواصل وساطتها بين أذربيجان وأرمينيا

العالم واشنطن تواصل وساطتها بين أذربيجان وأرمينيا

واشنطن تواصل وساطتها بين أذربيجان وأرمينيا

واصلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وساطتها سعياً إلى تسوية على إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أذربيجان وأرمينيا، في خطوة ردت عليها موسكو بالتأكيد على أنه «لا بديل» عن وساطتها في هذه القضية.

علي بردى (واشنطن)
العالم وكالة تاس: محادثات سلام بين أرمينيا وأذربيجان قريباً

وكالة تاس: محادثات سلام بين أرمينيا وأذربيجان قريباً

نقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن أمين مجلس الأمن الأرميني قوله إن أرمينيا وأذربيجان ستجريان محادثات في المستقبل القريب بشأن اتفاق سلام لمحاولة تسوية الخلافات القائمة بينهما منذ فترة طويلة، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء. ولم يفصح المسؤول أرمين جريجوريان عن توقيت المحادثات أو مكانها أو مستواها.

«الشرق الأوسط» (يريفان)
العالم أرمينيا تدعو روسيا إلى مواصلة السيطرة على طريق حيوي في ناغورني قره باغ

أرمينيا تدعو روسيا إلى مواصلة السيطرة على طريق حيوي في ناغورني قره باغ

دعا رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان اليوم (الخميس) روسيا، الوسيط في النزاع مع أذربيجان، إلى الحفاظ على سيطرتها على طريق حيوي في منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليها، حيث أقامت باكو مؤخراً نقطة تفتيش، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. منذ وقف إطلاق النار في العام 2020، نشرت روسيا في ناغورني قره باغ كتيبة من قوات حفظ السلام لتضمن حركة المرور في ممر لاتشين، وهو الشريان الوحيد الذي يربط أرمينيا بهذه المنطقة الانفصالية ذات الغالبية الأرمينية. لكن أقامت أذربيجان الأحد الماضي نقطة تفتيش على مدخل الممر، وهو أمر غير مسبوق. وقبل ذلك، اتهمت أرمينيا باكو بقطع هذا الطريق الحيوي منذ نحو ستة أشهر.

«الشرق الأوسط» (يريفان)
العالم أرمينيا تشكو أذربيجان لمحكمة العدل الدولية

أرمينيا تشكو أذربيجان لمحكمة العدل الدولية

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، اليوم الأربعاء، أن أرمينيا قدمت شكوى لمحكمة العدل الدولية بشأن إقامة أذربيجان نقطة تفتيش عند بداية ممر لاتشين. وهذا الممر هو الطريق الوحيد الذي يربط بين أرمينيا وإقليم ناغورني قرة باغ، وهو إقليم معترف به دوليا كجزء من أذربيجان إلا أن غالبية سكانه من الأرمن. ودارت حرب خاطفة بين أرمينيا وأذربيجان، وهما جمهوريتان سوفياتيتان سابقتان تقعان في منطقة القوقاز، خريف عام 2020 للسيطرة على ناغورني قره باغ. وأدى هذا النزاع إلى هزيمة عسكرية لأرمينيا واتفاق لوقف إطلاق النار برعاية روسيا التي نشرت قوات لحفظ السلام.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم اتهامات متبادلة بين أذربيجان وأرمينيا ترفع التوتر في جنوب القوقاز

اتهامات متبادلة بين أذربيجان وأرمينيا ترفع التوتر في جنوب القوقاز

أعربت موسكو عن «قلق بالغ» بعد تعرض اتفاق وقف النار بين أرمينيا وأذربيجان إلى هزة قوية.

رائد جبر (موسكو)

العلاقة بين واشنطن ودكا «لن تتغير» مع وصول ترمب إلى البيت الأبيض

محمد يونس رئيس الحكومة المؤقتة في بنغلاديش (إ.ب.أ)
محمد يونس رئيس الحكومة المؤقتة في بنغلاديش (إ.ب.أ)
TT

العلاقة بين واشنطن ودكا «لن تتغير» مع وصول ترمب إلى البيت الأبيض

محمد يونس رئيس الحكومة المؤقتة في بنغلاديش (إ.ب.أ)
محمد يونس رئيس الحكومة المؤقتة في بنغلاديش (إ.ب.أ)

أعلن محمد يونس رئيس الحكومة المؤقتة في بنغلاديش أن عودة الجمهوري دونالد ترمب إلى البيت الأبيض لن تؤثر على العلاقات بين واشنطن ودكا

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، قال يونس في حديث لصحيفة «لوموند» الفرنسية نشر اليوم الأحد إن «الولايات المتحدة حليف بوصفها دولة. أصبح جو بايدن صديقاً. ومع وصول دونالد ترمب إلى السلطة قطع هذا الرابط، لكنني أعتقد بأن العلاقة بين بلدينا لن تتغير لأنها علاقة بين دولتين».

وأضاف الحائز على جائزة «نوبل للسلام» عام 2006، والذي يحظى بدعم قوي من الإدارة الأميركية الديمقراطية: «نريد أن نكون أصدقاء مع الجميع: الصين والهند والولايات المتحدة وباكستان».

وتابع: «مستقبلنا يعتمد على الروابط والعلاقات المتينة، وليس على الخلافات».

وتطرق يونس إلى الوضع الكارثي في بلاده عندما «تولى مقاليد الحكم» قبل ثلاثة أشهر.

وأوضح: «كان علينا أن نبدأ بتسديد القروض التي حصلت عليها الحكومة السابقة لتنفيذ مشاريع ضخمة على الرغم من استنفاد احتياطياتنا من العملات الأجنبية».

وأشار إلى أنه «بعد ثلاثة أشهر عاد النظام المصرفي إلى العمل، وزاد احتياطي البلاد من العملات الأجنبية».

وشدّد أيضاً على ضرورة توفير فرص عمل للشباب؛ لأن نصف سكان البلاد البالغ عددهم 170 مليوناً دون الـ27 عاماً.

وقال: «نريد أمة من رواد الأعمال وليس من الباحثين عن عمل».

وأضاف: «لذلك علينا إصلاح القطاع المالي لتشجيع الاستثمارات وتأسيس شركات (...) كل يوم يدخل الشباب سوق العمل بأعداد كبيرة. وإذا لم نتمكن من تأمين فرص عمل لهم فسوف يقومون بثورة جديدة».

وذكر أن الشباب في بنغلاديش مُلمون بالتكنولوجيا، بدليل أنهم «أسقطوا الحكومة» عبر تنظيم تحرك بواسطة جوالاتهم المحمولة.

وتساءل: «لماذا لا يستخدمون ذلك لتغيير الاقتصاد؟»، واعداً «بخلق مناخ موات لذلك».

وأطاحت حركة احتجاج رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة (76 عاماً) التي حكمت بنغلاديش بقبضة حديد منذ عام 2009، وفرت إلى الهند في أغسطس (آب) الماضي. وعُين محمد يونس رئيساً للحكومة بالإنابة.