هل فقدنا القدرة على القراءة العميقة؟

دراسات حديثة تعزو السبب إلى تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال الاجتماعي

كشفت دراسة فرنسية عن تقلص الوقت المخصص للقراءة مقابل اتساع المساحة المخصصة لوسائل التواصل الاجتماعي والإصدارات الإلكترونية
كشفت دراسة فرنسية عن تقلص الوقت المخصص للقراءة مقابل اتساع المساحة المخصصة لوسائل التواصل الاجتماعي والإصدارات الإلكترونية
TT

هل فقدنا القدرة على القراءة العميقة؟

كشفت دراسة فرنسية عن تقلص الوقت المخصص للقراءة مقابل اتساع المساحة المخصصة لوسائل التواصل الاجتماعي والإصدارات الإلكترونية
كشفت دراسة فرنسية عن تقلص الوقت المخصص للقراءة مقابل اتساع المساحة المخصصة لوسائل التواصل الاجتماعي والإصدارات الإلكترونية

«القراءة مفتاح العقول وغذاء الروح»، لكن يبدو مع الانفجار المعلوماتي، ووسائل الاتصال الاجتماعي، كما تشير الدراسات الحديثة، تراجعت القراءة بشكل مريع، ولا سيما القراءة العميقة.
آخر دراسة للمعهد الوطني الفرنسي للكتاب (سي إن إل) كشفت عن تقلّص الوقت المخصّص للقراءة؛ إذ أصبح لا يتعدى الثلاث ساعات أسبوعياً مقابل اتساع المساحة المخصّصة لوسائل التواصل الاجتماعي والإصدارات الإلكترونية، التي أصبحت تفوق الثلاث ساعات ونصف الساعة يومياً. وإن كانت مثل هذه النتائج متوقعة منذ دخولنا عصر التكنولوجيا الرقمية، فإن الجديد في الدراسات الجديدة هو الكشف عن ظاهرة تراجع «القراءة العميقة»، وهي فقد القدرة على القراءة المتواصلة البطيئة التي تعتمد في المقام الأول على التمعن في المعاني والكلمات المكتوبة. فحسب نفس الدراسة 47 في المائة من الفرنسيين أجابوا بأنهم عاجزون عن القراءة بطريقة متواصلة تفوق العشر دقائق، وهم غالباً ما يفعلون ذلك وهم يتنقلون بين قنوات التلفاز أو بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وبعضهم يقرأ وهو يجيب عن الرسائل النصّية على الهواتف النقالة أو وهو يسمع الموسيقى.
هذه الظاهرة تناولتها صحيفة «سلات» في طبعتها الفرنسية في مقال بعنوان: «هل تشعر أنك أصبحت عاجزاً عن قراءة الكتب؟ إنها متلازمة شائعة». ويشرح المقال: «من الصعب التركيز في القراءة حين يكون سيل جارف من الرسائل الإلكترونية والفورية ومختلف شبكات التواصل على بعد نقرة واحدة... بمجرد أن تفتح صفحة ترى الإعلانات والروابط وكأنها تقفز في وجهك، الحضور المستمر لهذه المحفزّات يوقف نقل المعلومات بين الذاكرة الحسّية والذاكرة العاملة، ثم بين الذاكرة العاملة والذاكرة طويلة المدى». وهو ما أكده الخبراء الذين حذروا من انقراض ما يسمونه بـ«دماغ القراءة العميقة» إذا لم نتعلم الابتعاد عن ملهيات الشبكة العنكبوتية.
كان الكاتب الأمريكي نيكولاس كار أول المثقفين الذين دقوا ناقوس الخطر في كتابه «ماذا فعل الإنترنت بعقولنا؟» (الذي وصل للقائمة القصيرة لجائزة البوليتزر) حين استهل كتابه بهذه العبارات: «ينتابني في الآونة الأخيرة شعور مزعج بأن أحداً ما يعبث بعقلي، أصبحت أجد صعوبة في قراءة الكتب، تركيزي يتشتّت بعد صفحة أو صفحتين... أشعر بالقلق وأبحث عن شيء آخر أفعله، أشعر أنني أقضي وقتي في إعادة عقلي المتأخر إلى النّص... أصبحت القراءة العميقة التي كانت تأتي بشكل طبيعي صراعاً يومياً». 
نفس الملاحظة سجلتها أستاذة الأدب في جامعة ديوك كاترين هايلس التي أعربت في كتابها «القراءة والتفكير في الأوساط الرقمية» عن قلقها من انتشار هذه الظاهرة التي باتت تهدد تطور البحوث والمعرفة، حيث كتبت عن تجربتها كأستاذة: «رغم كل محاولاتي لم أنجح في جعل طلابي يقرأون ولو حتى رواية قصيرة لفولكنر… حين أطلب منهم تقديم بحث عن كاتب ما أجدهم وقد استعانوا بجوجل للاطلاع على مقاطع من مؤلفاته؛ لأنهم ببساطة عاجزون عن قراءة كتاب من أوله إلى آخره...».
ونبهت النقابة الوطنية الفرنسية للنشر هي الأخرى إلى ما آل إليه وضع القراءة العميقة، مذكرة بفوائدها في التقرير الأخير الذي نشرته على موقعها: «للقراءة العميقة فضائل كثيرة: كتطوير التفكير الخطّي، والسرد المبني على منطق التتابع، وتطوير ذاكرة الحدث، كما أنها تعزز الانتباه والتركيز وتطوير الحّس النقدي للفرد».
كل هذه الشهادات تشير بأصابع الاتهام إلى الإنترنت كمسؤول عن تراجع الكلمة المكتوبة أمام الوسائل السمعية البصرية. فالتكنولوجيا غيرت أسلوب التلقي، حيث أصبح يُعرض علينا سيل جارف من المضامين التي تستدعي قراءة سريعة سطحية ومجزأة، وبينما زادت كمية هذه المضامين التي نتلقاها نقصت نوعيتها، وأصبحنا أكثر ميلاً للمعلومات الفاقعة مع الصور ورؤوس الأقلام والتعليقات السريعة... المعلومات صارت متوفرة بكثرة لكن التعمق فيها صار سطحياً. ما تبيّن أيضاً هو أن الظاهرة تطالنا لأننا نقرأ أكثر فأكثر على الشاشات ووسائل التكنولوجيا الحديثة مقابل إهمالنا للنسخ الورقية للكتب. وهو ما أكدته دراسة علمية للباحثة النرويجية آن مانجن التي طلبت من فريقين من القرّاء تلخيص قصة قصيرة، الفريق الأول من خلال كتاب ورقي، والثاني من خلال كتاب إلكتروني يسمح بالتنقل على الإنترنت، والنتيجة أن الأشخاص الذين قرأوا النص على الورق كانوا أكثر نجاحاً في تلخيص القصّة. نفس النتيجة وصلت إليها دراسة أمريكية أخرى أجريت على 170 ألف قارئ كشفت أن المطالعة من كتاب ورقي تُنشط مناطق الدماغ من الذاكرة والكلام والمعالجة البصرية، حيث إن الشكل وغلاف الكتاب والرائحة وعدد وسمك الصفحات كل ذلك يساعد دماغنا على دمج المعلومات التي تصل إليه والاحتفاظ بها بشكل أفضل بمرور الوقت، بينما ترتبط القصص والروايات التي تُقرأ على الشاشات بتجربة حسّية أقل تحديدا، وبالتالي سيتم معالجتها وحفظها بشكل أقل.
يرى الباحث الفرنسي إيف سيتون أستاذ الأدب أن الإشكالية أكبر من وسائل التكنولوجيا الحديثة، حيث يكتب في مؤلفه «إيكولوجيا الانتباه» ما يلي: «صحيح أن التكنولوجيا مسؤولة جزئياً عن تراجع نسب القراءة فهي تجذبنا كما يجذبنا السُّكر، لكن هذا لا يعني أن علينا وقف الهواتف واللوحات الإلكترونية، لأن ما يمنعنا من الانغماس في قراءة الكتب بعمق هو محاولات جذب الانتباه التي نتعرض لها في كل لحظة... انتباهنا أصبح بمثابة سلعة نادرة تتنافس عليها الشركات من خلال المواقع والتطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات مما يخلق بيئة من الإلهاء الرقمي الدائم يصعب فيه التركيز...». إنه «التسارع» الاجتماعي والثقافي الذي تحدث عنه الفيلسوف الألماني المعاصر هرمورت روزا الذي يرى أن الإنسان المعاصر يعيش زمناً لاهثاً قلقاً متسارعاً تتجلّى انعكاساته في الثقافة وفي كل الميادين، فقد أصبحنا نميل بوضوح إلى تناول الطعام بشكل أسرع، والتواصل مع أفراد الأسرة بوتيرة أخفّ ممّا كان عليه أسلافنا. مشاهدة التلفاز، والمكالمات الهاتفيّة، والتواصل الاجتماعيّ، والمواصلات، والقيام بالأعمال الإداريّة والقراءة كلّها تحصل بسرعة متواترة بسبب التكنولوجيا التي تيسّرها.
منى أزوف الفيلسوفة والمؤرخة الفرنسية ترى أن ما أصبح يمنعنا عن القراءة هو صعوبة الحصول على الهدوء والانعزال، وحتى الضجر الذي أصبح نادراً، حيث تشرح في كتابها «في نصرة قضية الكتب» ما يلي: «حين نبدأ في القراءة ننقطع عن العالم الخارجي، بيد أن الإنسان المعاصر أصبح لا يحب هذا الشعور بأنه معزول عن محيطه...».
سنوات بعد صدور كتابه «ماذا فعل الإنترنت بعقولنا؟» لا يزال نيكولاس كار مقتنعا بأننا على بعد خطوات من زمن ما بعد القراءة، بل إنه يتنبأ باضمحلال القراءة العميقة التي ستصبح في ظرف السنوات القليلة المقبلة حكراً على النخبة فقط، وهو أيضا ما نقله الفيلسوف ماثيو كروفورد في كتابه «لماذا فقدنا العالم وكيف نستعيده؟»، حين تحدث عن سيناريو كارثي، تصبح فيه القراءة العميقة مقتصرة على قلة من الناس، ممثلاً مستقبلها بما يحدث في قاعات المطارات بين ضجيج مكبرات الصوت وشاشات الإعلانات والملهيات التكنولوجية التي تميز القاعات العامة، وبين الصالونات المخصصّة لرجال الأعمال والنخبة التي تسمح بالعمل والقراءة في هدوء وتركيز ولكن لقلّة من الناس. وسط هذه النظريات المتشائمة لا تزال بعض الأطراف تعمل جاهدة على زرع حب القراءة والكتاب، آملة في عودة قوية. جمعية «سكوت… إننا نقرأ» للمخرج أوليفيه دولاييه والأكاديمية دانيال سليناف أقنعت أكثر من ألف مؤسسة تعليمية فرنسية على تبني مراسيم متميزة تقتصر على التوقف يوميا عن كل نشاط تربوي، وتخصيص ربع ساعة للقراءة مهما كانت الظروف. في نفس الوقت سجلت الحكومة الفرنسية القراءة كـ«قضية وطنية» وشرعت في حملة توعية وطنية لتشجيع ممارستها، ولا سيما عند الصغار في المدارس ووسائل الإعلام المختلفة.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
TT

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة، وأكد أنه يعود للسينما بأحدث أفلامه «الغربان» الذي قام بتصويره على مدى 4 سنوات بميزانية تقدر بنصف مليار جنيه (الدولار يساوي 49.73 جنيه)، وأن الفيلم تجري حالياً ترجمته إلى 12 لغة لعرضه عالمياً.

وأضاف سعد خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الخميس، أنه يظهر ضيف شرف لأول مرة من خلال فيلم «الست» الذي يروي سيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وتقوم ببطولته منى زكي وإخراج مروان حامد، ومن إنتاج صندوق «بيج تايم» السعودي و«الشركة المتحدة» و«سينرجي» و«فيلم سكوير».

وعرض سعد لقطات من فيلم «الغربان» الذي يترقب عرضه خلال 2025، وتدور أحداثه في إطار من الحركة والتشويق فترة أربعينات القرن الماضي أثناء معركة «العلمين» خلال الحرب العالمية الثانية، ويضم الفيلم عدداً كبيراً من الممثلين من بينهم، مي عمر، وماجد المصري، وأسماء أبو اليزيد، وهو من تأليف وإخراج ياسين حسن الذي يخوض من خلاله تجربته الطويلة الأولى، وقد عدّه سعد مخرجاً عالمياً يمتلك موهبة كبيرة، والفيلم من إنتاج سيف عريبي.

وتطرق سعد إلى ظهوره ضيف شرف لأول مرة في فيلم «الست» أمام منى زكي، موضحاً: «تحمست كثيراً بعدما عرض علي المخرج مروان حامد ذلك، فأنا أتشرف بالعمل معه حتى لو كان مشهداً واحداً، وأجسد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، ووجدت السيناريو الذي كتبه الروائي أحمد مراد شديد التميز، وأتمنى التوفيق للفنانة منى زكي والنجاح للفيلم».

وتطرق الناقد رامي عبد الرازق الذي أدار الحوار إلى بدايات عمرو سعد، وقال الأخير إن أسرته اعتادت اصطحابه للسينما لمشاهدة الأفلام، فتعلق بها منذ طفولته، مضيفاً: «مشوار البدايات لم يكن سهلاً، وقد خضت رحلة مريرة حتى أحقق حلمي، لكنني لا أريد أن أسرد تفاصيلها حتى لا يبكي الحضور، كما لا أرغب في الحديث عن نفسي، وإنما قد أكون مُلهماً لشباب في خطواتهم الأولى».

عمرو سعد في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

وأرجع سعد نجاحه إلي «الإصرار والثقة»، ضارباً المثل بزملاء له بالمسرح الجامعي كانوا يفوقونه موهبة، لكن لم يكملوا مشوارهم بالتمثيل لعدم وجود هذا الإصرار لديهم، ناصحاً شباب الممثلين بالتمسك والإصرار على ما يطمحون إليه بشرط التسلح بالموهبة والثقافة، مشيراً إلى أنه كان يحضر جلسات كبار الأدباء والمثقفين، ومن بينهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، كما استفاد من تجارب كبار الفنانين.

وعاد سعد ليؤكد أنه لم يراوده الشك في قدرته على تحقيق أحلامه حسبما يروي: «كنت كثيراً ما أتطلع لأفيشات الأفلام بـ(سينما كايرو)، وأنا أمر من أمامها، وأتصور نفسي متصدراً أحد الملصقات، والمثير أن أول ملصق حمل صورتي كان على هذه السينما».

ولفت الفنان المصري خلال حديثه إلى «أهمية مساندة صناعة السينما، وتخفيض رسوم التصوير في الشوارع والأماكن الأثرية؛ لأنها تمثل ترويجا مهماً وغير مباشر لمصر»، مؤكداً أن الفنان المصري يمثل قوة خشنة وليست ناعمة لقوة تأثيره، وأن مصر تضم قامات فنية كبيرة لا تقل عن المواهب العالمية، وقد أسهمت بفنونها وثقافتها على مدى أجيال في نشر اللهجة المصرية.

وبدأ عمرو سعد (47) عاماً مسيرته الفنية خلال فترة التسعينات عبر دور صغير بفيلم «الآخر» للمخرج يوسف شاهين، ثم فيلم «المدينة» ليسري نصر الله، وقدمه خالد يوسف في أفلام عدة، بدءاً من «خيانة مشروعة» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» وصولاً إلى «كارما»، وقد حقق نجاحاً كبيراً في فيلم «مولانا» للمخرج مجدي أحمد علي، وترشح الفيلم لتمثيل مصر في منافسات الأوسكار 2018، كما لعب بطولة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية من بينها «يونس ولد فضة»، و«ملوك الجدعنة»، و«الأجهر»، بينما يستعد لتصوير مسلسل «سيد الناس» أمام إلهام شاهين وريم مصطفى الذي سيُعْرَض خلال الموسم الرمضاني المقبل.