استهداف خطوط الغاز في نيجيريا يعمّق مشكلة أوروبا

خبراء توقعوا زيادة الطلب على «حقول المتوسط»

صورة لعملية ضبط موقع لسرقة النفط في نيجيريا كما نشرها حساب شركة الغاز المسال النيجيرية على «تويتر»
صورة لعملية ضبط موقع لسرقة النفط في نيجيريا كما نشرها حساب شركة الغاز المسال النيجيرية على «تويتر»
TT

استهداف خطوط الغاز في نيجيريا يعمّق مشكلة أوروبا

صورة لعملية ضبط موقع لسرقة النفط في نيجيريا كما نشرها حساب شركة الغاز المسال النيجيرية على «تويتر»
صورة لعملية ضبط موقع لسرقة النفط في نيجيريا كما نشرها حساب شركة الغاز المسال النيجيرية على «تويتر»

تلقى قطاع الطاقة الأوروبي ضربة جديدة بإعلان الشركة النيجيرية لإنتاج الغاز المسال (إل إن جي)، إلغاء تصدير عدة شحنات من الغاز، خلال شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، إضافة إلى تكهنات بإمكانية عدم القدرة على الوفاء بطلبات التصدير لشهر فبراير (شباط) المقبل، نتيجة عمل تخريبي «متعمّد» أصاب خطوط أنابيب حقول الغاز، مما أوقف الإنتاج فيها، في وقت تزايدت فيه التحذيرات من تنامي خطر ما يوصفون بـ«لصوص النفط» في أكبر دولة أفريقية مصدِّرة للطاقة، والتي تعد أحد الموارد الرئيسية لشحنات الغاز المسال إلى أوروبا، إذ أسهمت صادرات الغاز النيجيري بنحو 7% من الواردات الأوروبية خلال عام 2022.
وتوقع مراقبون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن يتسبب وقف صادرات الغاز النيجيري إلى أوروبا في مضاعفة أوجاع «القارة العجوز» خلال فصل الشتاء، خصوصاً في دول أوروبا الغربية، المستورد الرئيسي للغاز النيجيري، والتي تشهد ضغوطاً اقتصادية واجتماعية جراء وقف إمدادات الغاز الروسي على خلفية الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية على موسكو، كما توقع المراقبون أن يزداد الإقبال الأوروبي على غاز الشرق الأوسط، وبخاصة من مصر والجزائر لتعويض نقص الواردات من نيجيريا.
ونقلت وكالة «بلومبرغ» مطلع الأسبوع الحالي عن شركة «إل إن جي» وقف تصدير نحو 10 شحنات كان مقرراً تصديرها خلال النصف الثاني من الشهر الحالي، بعدما عرقلت أعمال تخريب بالخطوط الإنتاج من حقول الغاز.
وأكدت الشركة النيجيرية أنها «ستواصل مراجعة الوضع مع مورّدي الغاز، وتبذل كل الجهود للتخفيف من التأثير إلى أقصى حد»، ونقلت «بلومبرغ» عن مصادر لم تسمِّها بالشركة أن المزيد من شحنات الغاز المسال النيجيري لشهر فبراير يُمكن إلغاؤها.
ومنذ عام 2020 شهدت حوادث سرقات النفط في نيجيريا زيادات بوتيرة متسارعة، أدت إلى تراجع عملية إنتاج الغاز أيضاً، وتسببت ظاهرة السرقة في تكبد قطاع النفط في أكبر دولة أفريقية مصدّرة للنفط الخام خسائر قُدرت بـ470 ألف برميل يومياً، بما يعادل 700 مليون دولار شهرياً، وفقاً لبيانات محلية قدَّرت الخسائر الإجمالية على مدار 8 أشهر بقيمة ملياري دولار.
كما تسببت تلك السرقات التي تقوم بها عصابات منظمة، تبيع حصيلة سرقاتها بأسعار زهيدة في تراجع تصنيف نيجيريا الدولي من مركز صدارة أكبر المنتجين الأفارقة، لصالح أنغولا، بسبب عدم قدرتها على بلوغ حصص الإنتاج التي حددتها منظمة «أوبك» خلال المدة بين مارس (آذار) وسبتمبر (أيلول) من العام الماضي.
ووفقاً لجمعية كبار منتجي البترول والغاز الطبيعي في نيجيريا، تلقى المنتجون هناك، بين أكتوبر (تشرين الأول) 2021 وفبراير 2022، أقل من 5% من كميات النفط الخام التي يتم ضخها عبر خط أنابيب عبر النيجر، مع استغلال الوقود بشكل غير قانوني في نحو 150 موقعاً تنشط فيها عصابات سرقة النفط والغاز.
يقول الكاتب والمحلل السياسي النيجيري عبد السلام محمود إن تصاعد خطر عصابات سرقة النفط والغاز المسال «باتت في صدارة التحديات الأمنية التي تكافح نيجيريا من أجل احتوائها في الآونة الأخيرة»، مشيراً إلى أن خطر تلك العصابات وتأثيرها الضار على الاقتصاد النيجيري «لا يقل عن خطر جماعات إرهابية مثل (بوكو حرام)».
وأضاف محمود لـ«الشرق الأوسط» أن تكرار جرائم السرقة والتخريب أدى في السنوات الأخيرة إلى انخفاض سريع في إنتاج نيجيريا من النفط والغاز، وهو ما دفع البنك الدولي إلى إعلان أن نيجيريا «لديها أكبر عجز بين الدول المنتجة للنفط خلال الآونة الأخيرة»، بعجز قدره 500 ألف برميل يومياً.
ويُعرب المحلل السياسي النيجيري عن اعتقاده بأن استمرار خطر عصابات السرقة في نيجيريا «سيؤدي إلى تقويض قطاع الطاقة بأكمله»، لافتاً إلى أن كثيراً من الشركات تتعرض لخسائر يومية جراء تلك الجرائم، واستمرار مثل تلك الجرائم سيدفع تلك الشركات إلى مراجعة قرارات الاستثمار في نيجيريا التي تمثل صادرات النفط والغاز بالنسبة بها مورداً لا غنى عنه، لا سيما في مع ارتفاع الأسعار وزيادة الطلب العالمي.
ودافع محمود عن الجهود المبذولة من جانب الجيش النيجيري في حماية خطوط نقل النفط والغاز، مؤكداً أنه «يتعامل بجدية مع المجرمين والأشخاص الذين يساعدون ويحرضون على سرقة الذهب السائل لنيجيريا»، لكنه أضاف أن هذه الجهود تحتاج إلى دعم أكبر خصوصاً في المناطق القبلية والقروية التي تمر بها خطوط النقل، وتتعرض فيها للتخريب بغرض السرقة.
وشكّلت الواردات من نيجيريا نحو 7% من إمدادات الغاز المسال إلى أوروبا، العام الماضي، وفقاً لبيانات جمعتها منصة «بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس».
ووفقاً لبيانات منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول «أوابك» لعام (2021)، بلغ حجم صادرات الغاز المسال النيجيري إلى أوروبا 9 ملايين طن، لتحل في المرتبة الرابعة بين كبار مصدري الغاز المسال إلى أوروبا، بعد أميركا وقطر وروسيا.
ويرى الدكتور أحمد قنديل رئيس وحدة العلاقات الدولية، ورئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن أنباء توقف شحنات الغاز النيجيري المسال إلى أوروبا «يمثل خبراً سيئاً على الأوروبيين الذين يتعطشون في فصل الشتاء لكل برميل نفط ومتر مكعب من الغاز»، على حد وصفه.
ويضيف قنديل لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الضربة العنيفة لقطاع الطاقة في أوروبا ستؤدي إلى زيادة الطلب على الغاز المسال من الشرق الأوسط، لا سيما من مصر والجزائر، أقرب الأسواق المصدرة للغاز من أوروبا، في محاولة لتعويض سريع للنقص المتوقع بسبب توقف الإمدادات النيجيرية.
وأعرب قنديل كذلك عن توقعه أن يلقي التوقف الطويل لإمدادات الغاز المسال النيجيرية إلى أوروبا بظلاله على الأسعار الحالية، في ظل تنامي الطلب بصورة واضحة خلال فصل الشتاء البارد في أوروبا لتوفير احتياجات التدفئة لقطاعات واسعة من السكان، وكذلك توفير احتياجات القطاع الصناعي من الطاقة.
ولم يستبعد الخبير المختص بقطاع الطاقة أن يفاقم الضغط على قطاع الطاقة الأوروبي من الاعتراضات الشعبية في الكثير من دول أوروبا الغربية على وجه الخصوص، والتي تعاني جراء نقص إمدادات الطاقة وتمثل المستهلك الأول للنفط والغاز النيجيري، وتشهد تنامي الانتقادات الموجهة إلى العقوبات الغربية بحق روسيا، والتي تحولت في واقع الأمر إلى عقاب لمواطني تلك الدول الأوروبية.


مقالات ذات صلة

المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

العالم المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

المعلومات المضللة حول الانتخابات تشوه سمعة المؤسسات في نيجيريا

كشفت موجة المعلومات المضللة التي تستهدف حاليا لجنة الانتخابات وقضاة المحكمة العليا في نيجيريا، وهما الجهتان المسؤولتان عن الفصل في الانتخابات الرئاسية، عن تشويه سمعة المؤسسات في أكبر بلد في إفريقيا من حيث عدد السكان، وفقا لخبراء. في حين أن الانتخابات في نيجيريا غالبا ما تتميز بشراء الأصوات والعنف، فإن الإخفاقات التقنية والتأخير في إعلان النتائج اللذين تخللا انتخابات 25 فبراير (شباط)، أديا هذه المرة إلى انتشار المعلومات المضللة. وقال كيمي بوساري مدير النشر في منظمة «دوبابا» لتقصّي الحقائق إن تلك «مشكلة كبيرة في نيجيريا... الناس يسخرون من تقصّي الحقائق.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
العالم 8 تلميذات مخطوفات يفلتن من خاطفيهن بنيجيريا

8 تلميذات مخطوفات يفلتن من خاطفيهن بنيجيريا

تمكنت 8 تلميذات خطفن على طريق مدرستهنّ الثانوية في شمال غربي نيجيريا من الإفلات من خاطفيهن بعد أسبوعين، على ما أعلنت السلطات المحلية الأربعاء. وأفاد صامويل أروان مفوض الأمن الداخلي بولاية كادونا، حيث تكثر عمليات الخطف لقاء فدية، بأن التلميذات خطفن في 3 أبريل (نيسان).

«الشرق الأوسط» (كانو)
الاقتصاد هل تنجح نيجيريا في القضاء على ظاهرة «سرقة النفط»؟

هل تنجح نيجيريا في القضاء على ظاهرة «سرقة النفط»؟

بينما يعاني الاقتصاد النيجيري على كل المستويات، يستمر كذلك في تكبد خسائر تقدر بمليارات الدولارات نتيجة سرقة النفط الخام.

العالم مخيمات انتقالية للمتطرفين السابقين وضحاياهم في نيجيريا

مخيمات انتقالية للمتطرفين السابقين وضحاياهم في نيجيريا

يبدو مخيم الحج للوهلة الأولى شبيهاً بسائر مخيمات النازحين في شمال نيجيريا؛ ففيه تنهمك نساء محجبات في الأعمال اليومية في حين يجلس رجال متعطّلون أمام صفوف لا تنتهي من الخيم، لكن الفرق أن سكان المخيم جهاديون سابقون أو أشخاص كانوا تحت سيطرتهم. أقنعت الحكومة العناصر السابقين في تنظيم «بوكو حرام» أو تنظيم «داعش» في غرب أفريقيا بتسليم أنفسهم لقاء بقائهم أحراراً، على أمل وضع حد لحركة تمرد أوقعت عشرات آلاف القتلى وتسببت بنزوح أكثر من مليوني شخص منذ 2009. غير أن تحقيقاً أجرته وكالة الصحافة الفرنسية كشف عن ثغرات كبرى في آلية فرز المقاتلين واستئصال التطرف التي باشرتها السلطات بعد مقتل الزعيم التاريخي لحرك

«الشرق الأوسط» (مايدوغوري)
العالم «قضية مخدرات» تثير الجدل حول الرئيس النيجيري المنتخب

«قضية مخدرات» تثير الجدل حول الرئيس النيجيري المنتخب

أثارت تغريدات لمنصة إعلامية على موقع «تويتر» جدلاً في نيجيريا بعد أن نشرت أوراق قضية تتعلق باتهامات وُجهت من محكمة أميركية إلى الرئيس المنتخب حديثاً بولا أحمد تينوبو، بـ«الاتجار في المخدرات»، وهو ما اعتبره خبراء «ضمن حملة إعلامية تديرها المعارضة النيجيرية لجذب الانتباه الدولي لادعاءاتها ببطلان الانتخابات»، التي أُجريت في فبراير (شباط) الماضي. والاثنين، نشرت منصة «أوبر فاكتس (UBerFacts»)، التي تعرّف نفسها على أنها «منصة لنشر الحقائق الموثقة»، وتُعرَف بجمهورها الكبير على موقع «تويتر»، الذي يقارب 13.5 مليون متابع، وثائق ذكرت أنها صادرة عن محكمة أميركية (متاحة للجمهور العام) في ولاية شيكاغو، تقول


أوروبا تستعد لوصول ترمب... أسوأ كابوس اقتصادي بات حقيقة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
TT

أوروبا تستعد لوصول ترمب... أسوأ كابوس اقتصادي بات حقيقة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)

كانت التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو مصدر قلق لبعض الوقت، ولكن منذ فوز ترمب بالرئاسة ساء الوضع بشكل كبير، مع ازدياد المخاوف بشأن الآثار السلبية المحتملة لسياساته الاقتصادية في الأمد القريب.

ومع ازدياد الغموض حول سياساته المقبلة في مجالات التجارة وتغير المناخ، يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تراجع الاستثمار وتباطؤ النمو في أوروبا. فاندلاع حرب تجارية محتملة بين الولايات المتحدة وأوروبا قد يوجِّه ضربة قوية إلى قطاعات حيوية مثل صناعة السيارات والأدوية والآلات، وفق صحيفة «نيويورك تايمز».

إضافةً إلى ذلك، فإن الحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكري في ظل الشكوك حول الضمانات الأميركية لأمن أوروبا ستزيد الضغط على الموازنات الوطنية وتفاقم العجز المالي.

كما أن موقف الرئيس المنتخب الأكثر تصادمية تجاه الصين قد يضع أوروبا أمام خيار صعب بين الانحياز لأحد الجانبين ومواجهة عواقب اقتصادية.

وقال كبير الاقتصاديين في بنك «آي إن جي» الهولندي، كارستن بريزسكي: «أسوأ كابوس اقتصادي لأوروبا أصبح حقيقة»، محذراً من أن هذه التطورات قد تدفع منطقة اليورو نحو «ركود كامل» العام المقبل.

وتتعاظم الضغوط على ألمانيا وفرنسا، أكبر اقتصادين في أوروبا، في ظل التوترات السياسية الداخلية، مما يجعل من هذه الضربة الاقتصادية تحدياً كبيراً في توقيت غير مناسب.

أعلام ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي أمام مقر المستشارية في برلين (رويترز)

ألمانيا تحت ضغط مزدوج

وفي اليوم الذي أُعلن فيه فوز ترمب، أقدم المستشار الألماني أولاف شولتس، على حل حكومته الائتلافية، بسبب خلافات حادة حول أولويات الإنفاق والعجز. في وقت تواجه ألمانيا، التي تعاني بالفعل من ركود للسنة الثانية على التوالي، تحديات اقتصادية متفاقمة مع إدارة ترمب المقبلة. فقد تأثر اقتصادها بشدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدى إلى توقف تدفق الغاز الروسي الرخيص، وهو عنصر أساسي في نجاح الصناعة الألمانية.

واجهت ألمانيا ضغوطاً على جبهتين. فقد أعلنت شركة «فولكسفاغن»، أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا وأكبر جهة توظيف في ألمانيا، أنها قد تضطر إلى إغلاق بعض مصانعها وتسريح العمال. كما أن المنافسة المتزايدة من السيارات الكهربائية الصينية بدأت تؤثر في مبيعات القطاع في أوروبا والخارج.

ويشعر الزعماء الأوروبيون بضغط الاختيار بين التعامل مع الصين ومواجهتها. ففي الشهر الماضي، صوّتت الحكومة الألمانية ضد خطة الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات جمركية تصل إلى 45 في المائة على السيارات الكهربائية الصينية، بينما امتنعت دول أخرى، مثل إسبانيا، عن التصويت. ورغم ذلك، تم تمرير الخطة.

وستعقّد التعريفات الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة وأوروبا، الوضع، حيث تعد الولايات المتحدة أكبر سوق لصادرات السيارات الألمانية، التي شكلت نحو 13 في المائة من إجمالي 3.1 مليون سيارة صدَّرتها ألمانيا في عام 2023.

وقد يُعد تصريح ترمب خلال حملته الانتخابية عن فرض «ثمن باهظ» على الاتحاد الأوروبي لعدم شراء ما يكفي من الواردات الأميركية، إلى جانب تهديده بفرض تعريفات جمركية شاملة تتراوح بين 10 و20 في المائة، نقطة انطلاق محورية للمفاوضات المستقبلية. ومع ذلك، حتى المحللون الذين يتوقعون أن يتبنى ترمب خطوات أكثر تحفظاً، يشيرون إلى أن فرض الرسوم الجمركية المستهدفة على صناعة السيارات يعد أمراً محتملاً بشكل كبير.

وقالت رئيسة الاتحاد الألماني لصناعة السيارات، هيلدغارد مولر، إن «الكثير من الأوروبيين لم يدركوا تماماً ما يعنيه الجمع بين الجيوسياسة والسياسة الاقتصادية».

سيارات مخصصة للتصدير تقف بمحطة بميناء «يانتاي» في مقاطعة شاندونغ بالصين (رويترز)

التعريفات الجمركية تطول قطاعات أخرى

ستمتد التعريفات الأميركية لتشمل قطاعات أخرى مثل شركة «نوفو نورديسك» الدنماركية التي تصنع دواء «أوزيمبيك»، إلى جانب مجالات الأغذية، والجبن، واللؤلؤ، والمواد الكيميائية، والمفاعلات النووية، والزجاج، والأحذية، وغيرها في 24 دولة.

وحذرت نائبة مدير «بزنس يوروب»، لويسا سانتوس، من أن التعريفات ستؤدي إلى زيادة التكاليف وإعاقة الاستثمار.

وقالت: «ما زلنا نأمل في مراجعة هذه التعريفات بسبب أهمية العلاقات الاقتصادية بيننا وبين الولايات المتحدة».

وفي عام 2022، بلغت قيمة الاستثمارات الأوروبية المباشرة في الولايات المتحدة نحو 2.4 تريليون دولار، مما أسهم في خلق أكثر من 3.4 مليون وظيفة أميركية.

حالياً، يبلغ متوسط التعريفات الجمركية الأميركية على واردات الاتحاد الأوروبي نحو 3 إلى 4 في المائة.

وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تدفع الرسوم الجمركية الأميركية الأعلى على الصين، وهي أحد وعود ترمب التجارية، الشركات الصينية إلى توسيع أسواقها خارج الولايات المتحدة، مما يزيد المنافسة مع المنتجين الأوروبيين في أسواقهم المحلية والدولية.

وقد يلجأ بعض الشركات الأوروبية إلى إنشاء أو توسيع منشآت الإنتاج في الولايات المتحدة، ولكن أي منشأة تعتمد على المواد المستوردة من الصين ستواجه ارتفاعاً في التكاليف.

قطاع الطاقة المتجددة في خطر

قالت «فيستاس»، وهي شركة دنماركية وتعد أكبر شركة لصناعة توربينات الرياح في العالم، إنها بدأت بالفعل في زيادة إنتاجها في مصنعين لها في الولايات المتحدة في ولاية كولورادو. وجاء أكثر من 40 في المائة من طلباتها من الأميركيتين في الأشهر الثلاثة التي انتهت في سبتمبر (أيلول).

وقال الرئيس التنفيذي للشركة، هنريك أندرسن، في مكالمة مع محللي الصناعة الأسبوع الماضي: «لقد أصبح العالم مختلفاً من حيث التعريفات الجمركية». وأضاف أن «فيستاس» اضطرت بالفعل إلى التعامل مع التعريفات التي فُرضت خلال إدارة ترمب الأولى وإدارة بايدن، وقال: «لهذا السبب تحاول استبعاد مزيد ومزيد من الأحجام ومزيد من المكونات ذات الأصل الصيني عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة».

التعريفات الجمركية ليست المشكلة الوحيدة التي تواجهها صناعة الرياح. فخلال حملته الانتخابية، تعهد ترمب بوقف مشاريع الرياح البحرية في «اليوم الأول».

وتعمل شركة «أورستد» الدنماركية -واحدة من كبرى الشركات العالمية في مجال الطاقة الريحية- على بناء مشروعي «ثورة الرياح» في نيو إنغلاند و«صن رايز ويند» في نيويورك.

وعبر الرئيس التنفيذي لشركة «أورستد»، مادس نيبر، عن أمله في أن تسهم الحاجة إلى كميات هائلة من الكهرباء النظيفة لدعم مراكز البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على هذه المشاريع.

وأضاف: «إنها صناعة تُبنى من الصفر، وهي مدعومة بقوة من ولايات الشمال الشرقي، حيث البدائل لتوريد الطاقة، خصوصاً الطاقة الخضراء، صعبة».

كما قال ترمب إنه يريد وقف بعض مشاريع الطاقة الخضراء التي استفادت من حزمة السياسات الصناعية متعددة المليارات التي أقرها الكونغرس في عام 2022.

عرض عام لمزرعة الرياح البحرية «والني إكستينشن» التي تديرها شركة «أورستد» قبالة سواحل بلاكبول في بريطانيا (رويترز)

المستقبل الاقتصادي لأوروبا

كانت الحاجة إلى استجابة منسقة محور اجتماع الاتحاد الأوروبي في بودابست الأسبوع الماضي.

وقال رئيس وزراء إيطاليا السابق، ماريو دراغي، الذي قدم تقريراً حول تنافسية أوروبا، إن «الشعور بالإلحاح أصبح أكبر من ذي قبل».

ودعا دراغي إلى زيادة الاستثمارات العامة السنوية بمقدار 900 مليار دولار لتمكين أوروبا من عكس ركودها الاقتصادي والتنافس بشكل أفضل مع الولايات المتحدة والصين.

والأهم الآن، كما قال، هو تكثيف الجهود لربط اقتصادات الاتحاد الأوروبي بسوق رأس مال موحد، وإصدار ديون مشتركة، وهي مقترحات أثارت خلافات.

وقالت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، في الاجتماع: «لا تسألوا ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة من أجلكم؟ بل اسألوا ما الذي يجب أن تفعله أوروبا من أجل نفسها؟». وأضافت: «يجب على أوروبا إيجاد توازن. نحن نعرف ما يجب علينا فعله».

وفي نهاية الاجتماع، تبنى القادة إعلاناً يَعِدون فيه بتكثيف تنافسية أوروبا.

لكن ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادراً على تحويل هذه التصريحات إلى واقع، يبقى سؤالاً بلا إجابة نظراً إلى التفكك السياسي المتزايد داخل أوروبا وصعود الأحزاب اليمينية التي تشكك في منح بروكسل مزيداً من السلطة.