طهران تفاقم أزمة نقص الوقود في سوريا

أمام الأسد مجال أقل للمناورة مع انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا

سوريون يصطفون أمام محطة وقود في ديسمير الماضي (أ.ف.ب)
سوريون يصطفون أمام محطة وقود في ديسمير الماضي (أ.ف.ب)
TT

طهران تفاقم أزمة نقص الوقود في سوريا

سوريون يصطفون أمام محطة وقود في ديسمير الماضي (أ.ف.ب)
سوريون يصطفون أمام محطة وقود في ديسمير الماضي (أ.ف.ب)

قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إن طموحات إيران في أن تصبح وسيطاً بارزاً للطاقة بمنطقة الشرق الأوسط، تلقت ضربة جديدة هذه المرة من قبل اقتصادها المتعثر الذي يُقوض قدرة طهران على توفير النفط الرخيص لحلفائها مثل سوريا.
واعتبر التقرير المنشور يوم الأحد، أن إيران استخدمت المال والنفط المخصوم (من العقوبات) في حملة لتوسيع نفوذها بسوريا، غير أن مسؤولين إيرانيين أبلغوا نظراءهم السوريين، في الأسابيع الأخيرة، بحسب مصادر مطلعة للصحيفة، أن عليهم دفع مبالغ إضافية مقابل شحنات النفط مع بلوغ الطلب ذروته في فصل الشتاء، ما يُضاعف السعر الحالي إلى مستوى سعر السوق الذي يزيد على 70 دولاراً للبرميل.
كما طلبت طهران من دمشق سداد ثمن النفط مُقدماً، رافضة الطلبات الجديدة لتسليمه «على أساس الائتمان»، واعتبرت المصادر أن هذا الطلب سيزيد من اضطرابات الاقتصاد السوري الذي يعتمد على إيران في أكثر من نصف احتياجاته النفطية. ونتيجة لذلك، تعاني سوريا أسوأ نقص في الوقود منذ بداية الحرب الأهلية، وفقاً للمحللين.
ويصطف سكان العاصمة يومياً لساعات بالقرب من محطات الوقود المعطلة. وارتفعت تكاليف النقل، ما أدى إلى إجهاد الاقتصاد المنهك مع ارتفاع أسعار السلع. وقد أغلقت الحكومة الشهر الماضي، بعض المكاتب الإدارية لعدة أيام توفيراً للطاقة. وتغلق كثير من المصانع أبوابها في الوقت الذي تكافح فيه بُغية العثور على وقود لتشغيل المولدات الكهربائية في ظل شح الكهرباء.
أما أسوأ الفئات المتضررة فهم الفقراء، فمن الناحية التاريخية كانت الأسر السورية تعتمد على الوقود لتشغيل مدافئها، لكن الأسعار ارتفعت بمقدار خمسة أضعاف في العام الماضي. ما يجعل الأمر لا يمكن تحمله بالنسبة لأغلب الأسر التي تعاني بالفعل من التضخم المتصاعد، وهبوط العملة المحلية إلى مستويات قياسية من الانخفاض الشهر الماضي. ومع ازدياد الغضب بسبب نقص الوقود، خرج بعض الناس إلى الشوارع للاحتجاج، على الرغم من المخاوف من قمع الحكومة.
وتعهد حسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني، خلال لقائه مع الأسد يوم السبت في دمشق، بالحفاظ على علاقات قوية مع سوريا، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية في كلا البلدين. وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إيرنا)، أن الجانبين بحثا مشروعاً لتوليد الطاقة، بيد أنهما لم يشيرا إلى إمدادات النفط.
واعتبر التقرير أنه من غير المرجح أن تتحسن الأمور في دمشق «ما لم يحدث تغيير في آفاق إيران». ومع اقتران العقوبات الدولية ضد إيران بمعدل تضخم يبلغ 50 في المائة، فمن غير المرجح أن يحدث ذلك قريباً. وقال حامد حسيني، الناطق باسم اتحاد مُصدري النفط والغاز والمنتجات البتروكيماوية في طهران، للصحيفة: «نحن نعاني من ضغط كبير الآن. ولا يوجد سبب وجيه للبيع إلى سوريا بأسعار منخفضة».
وفي حين أن حجم النفط الذي أرسلته طهران إلى دمشق في الربع الأخير من 2022 كان مماثلاً لما كان عليه الأمر في العام السابق، فإن طهران رفضت زيادة المعروض لتلبية الطلب المرتفع في سوريا. وقد استنفد خط الائتمان سريعاً، ذلك الذي كان يسمح لسوريا بالسداد في وقت لاحق، بعد أن رفعت إيران السعر من مستوى 30 دولاراً للبرميل، كما قال المطلعون على الأوضاع ودفع إيران إلى فرض رسوم مُقدمة على حليفتها.
وفي ظل استمرار فرض العقوبات على مبيعات النفط الإيرانية بعد توقف محادثات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 في العام الماضي، تفرض إيران تخفيضات كبيرة على نفطها إزاء معظم عملائها. لكن من المرجح أن تحصل على مزيد من السوق المفتوحة بأكثر مما كانت تدفعه سوريا حتى وقت قريب.
وتستقبل سوريا في المعتاد شحنتين على الأقل من النفط الإيراني شهرياً، غير أن الناقلة المقبلة لن تغادر إيران إلى سوريا حتى أوائل مارس (آذار)، ما يُشكل فترة توقف تبلغ 11 أسبوعاً، وفقاً لشركة بيانات السلع «كبلر».
واعتبر تقرير الصحيفة الأميركية أن الأسد، نجح بدعم من موسكو وطهران في استعادة السيطرة على جانب كبير من سوريا من قوات المعارضة وتنظيم «داعش». لكن مع تدمير البنية التحتية في أجزاء كبيرة من البلاد، وصراع الاقتصاد لأجل التعافي لما يزيد على عقد من الزمان من الحرب المستمرة، فإن سوريا بحاجة ماسة إلى مساعدات خارجية. وكان من المتوقع أن تقدم روسيا وإيران، على الأقل، بعضاً من تلك المساعدات مع الاستفادة من العقود المربحة لإعادة الإعمار، وتنمية الموارد الطبيعية السورية، من بين قطاعات الاقتصاد الأخرى.
ورغم أن سوريا تنتج أيضاً بعض النفط الخام، فإن قوات المعارضة الكردية تسيطر على حقول النفط في شمال شرقي البلاد. وتعطلت الإمدادات النفطية من هناك خلال الشهور الأخيرة بعد أن نفذت تركيا ضربات ضد الجماعات الكردية المسلحة المتمركزة في تلك المنطقة.
ومع انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، ومحاولة إيران تحقيق الاستقرار في اقتصادها، يبدو أن الأسد أمامه مجال أقل للمناورة، وقد يبحث في نهاية المطاف عن المساعدة من الدول المجاورة الغنية بالنفط، كما يقول المحللون، بما في ذلك خصوم إيران البارزون في الخليج.


مقالات ذات صلة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

أبو الغيط: لا أعلم إن كانت سوريا ستعود للجامعة

قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إنَّه «لا يعلم ما إذا كانت سوريا ستعود إلى الجامعة العربية أم لا»، وإنَّه «لم يتسلَّم بصفته أميناً عاماً للجامعة أي خطابات تفيد بعقد اجتماع استثنائي لمناقشة الأمر».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

سوريا وإيران: اتفاق استراتيجي طويل الأمد

استهلَّ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أمس، زيارة لدمشق تدوم يومين بالإشادة بما وصفه «الانتصارات الكبيرة» التي حقَّقها حكم الرئيس بشار الأسد ضد معارضيه. وفي خطوة تكرّس التحالف التقليدي بين البلدين، وقّع رئيسي والأسد اتفاقاً «استراتيجياً» طويل الأمد. وزيارة رئيسي للعاصمة السورية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، عندما زارها الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، قبل شهور من بدء احتجاجات شعبية ضد النظام. وقال رئيسي، خلال محادثات موسَّعة مع الأسد، إنَّه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها (سوريا) حكومة وشعباً»، مضيفاً: «حقَّقتم الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

أنقرة تستبق «رباعي موسكو» بمطالبة دمشق بموقف واضح تجاه قضايا التطبيع

استبقت تركيا انعقاد الاجتماع الرباعي لوزراء خارجيتها وروسيا وإيران وسوريا في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي في إطار تطبيع مسار العلاقات مع دمشق، بمطالبتها نظام الرئيس بشار الأسد بإعلان موقف واضح من حزب «العمال الكردستاني» والتنظيمات التابعة له والعودة الطوعية للاجئين والمضي في العملية السياسية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
العالم العربي درعا على موعد مع تسويات جديدة

درعا على موعد مع تسويات جديدة

أجرت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا (جنوب سوريا) اجتماعات عدة خلال الأيام القليلة الماضية، آخرها أول من أمس (الأربعاء)، في مقر الفرقة التاسعة العسكرية بمدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، حضرها وجهاء ومخاتير ومفاوضون من المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية سابقاً وقادة من اللواء الثامن المدعوم من قاعدة حميميم الأميركية. مصدر مقرب من لجان التفاوض بريف درعا الغربي قال لـ«الشرق الأوسط»: «قبل أيام دعت اللجنة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة درعا، ممثلةً بمسؤول جهاز الأمن العسكري في درعا، العميد لؤي العلي، ومحافظ درعا، لؤي خريطة، ومسؤول اللجنة الأمنية في درعا، اللواء مفيد حسن، عد

رياض الزين (درعا)
شمال افريقيا مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

مشاورات مصرية مع 6 دول عربية بشأن سوريا والسودان

أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالات هاتفية مع نظرائه في 6 دول عربية؛ للإعداد للاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب بشأن سوريا والسودان، المقرر عقده، يوم الأحد المقبل. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، في إفادة رسمية، الخميس، إن شكري أجرى اتصالات هاتفية، على مدار يومي الأربعاء والخميس، مع كل من وزير خارجية السودان علي الصادق، ووزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية العراق فؤاد محمد حسين، ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ووزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، ووزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف. وأضاف أن «الاتصالات مع الوزراء العرب تأتي في إطار ا

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

حملة في صنعاء لابتزاز مُصنِّعي الأكياس البلاستيكية

عناصر حوثيون يتجولون في أحد مصانع الأكياس البلاستيكية في صنعاء (إعلام حوثي)
عناصر حوثيون يتجولون في أحد مصانع الأكياس البلاستيكية في صنعاء (إعلام حوثي)
TT

حملة في صنعاء لابتزاز مُصنِّعي الأكياس البلاستيكية

عناصر حوثيون يتجولون في أحد مصانع الأكياس البلاستيكية في صنعاء (إعلام حوثي)
عناصر حوثيون يتجولون في أحد مصانع الأكياس البلاستيكية في صنعاء (إعلام حوثي)

لم تكد الجماعة الحوثية تنتهي من استهداف مصانع الدواء، والمياه المعدنية، والعصائر والمشروبات الغازية، حتى بدأت في صنعاء تنفيذ حملة ميدانية لاستهداف مصانع ومعامل الأكياس البلاستيكية، ضمن مساعيها المستمرة للتضييق على اليمنيين، وجباية مزيد من الأموال تحت مسميات غير قانونية.

أفصحت مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إطلاق جماعة الحوثي حملة واسعة طالت بالتعسف والابتزاز والإغلاق عدداً من مصانع ومعامل الأكياس البلاستيكية في صنعاء، بذريعة تسجيل مخالفات وعدم الالتزام بالتعليمات.

عنصر حوثي أثناء إغلاقه مصنع أكياس بلاستيكية في صنعاء (إعلام حوثي)

وأغلقت الحملة، التي أشرفت عليها ما تسمى «الهيئة العامة لحماية البيئة» الخاضعة للجماعة، أكثر من 5 مصانع أكياس بلاستيكية في مديرية معين بصنعاء، مع الاستمرار في استهداف ما تبقى من المصانع ببقية المناطق والتي يزيد عددها على 48 مصنعاً ومعملاً.

وكانت حملات الجباية الحوثية دفعت الكثير من مُلاك الشركات والمصانع والتجار وأصحاب المهن المتوسطة والأصغر إلى التهديد بإغلاق متاجرهم ووقف أنشطتهم التجارية، احتجاجاً على السلوك الانقلابي الذي يطالهم في كل مرة لنهب أموالهم تحت ذرائع واهية.

وتحدث شهود في صنعاء عن مداهمة مشرفين حوثيين مسنودين بدوريات أمنية عدة منشآت تعمل بصناعة الأكياس البلاستيكية بصنعاء، حيث مارسوا أساليب استفزازية وابتزازية ضد مُلاك المصانع والعاملين فيها، بحجة وجود مخالفات.

وأقر الانقلابيون عبر وسائل إعلامهم بإغلاق 5 مصانع أكياس بلاستيكية، قبل أن يقوموا بأخذ ما أسموها عينات من الأكياس للتأكد من مدى مطابقتها للاشتراطات.

دفع إتاوات

في حين تَزْعُم الجماعة الحوثية بأن حملتها الاستهدافية لمصانع البلاستيك تأتي للحفاظ على البيئة من التلوث، يتحدث عدنان، اسم مستعار لمالك مصنع استهدفته الجماعة، عن أن عناصرها وافقوا بعد ساعات من إغلاق مصنعه على السماح بإعادة فتحه مقابل دفع مبلغ مالي.

ويؤكد عدنان أن الاستهداف الحوثي لمصنعه ليس له أي علاقة بالبيئة والتلوث، ويقول إن ذلك يندرج ضمن الأساليب والطرق التي اعتادت الجماعة على ابتكارها لتبرير جرائم الاقتحام والإغلاق.

معمل لتصنيع الأكياس البلاستيكية استهدفه الحوثيون بحملات الجباية (فيسبوك)

ويشير إلى أن الجماعة لا تتحدث عن إيجاد حلول لأي مخالفات أو اختلالات تزعم اكتشافها في المصانع، بل تركز بالدرجة الأولى على دفع الإتاوات مقابل إعادة فتح ما قامت بإغلاقه من تلك المصانع.

وعلى وقع تلك الانتهاكات وحملات التنكيل الحوثية المتواصلة، ندد ناشطون اقتصاديون في صنعاء بالتعسف الجديد ضد مُلاك المنشآت الصناعية الرامي إلى استكمال إحلال الجماعة طبقة تجار جديدة من عناصرها.

وحذر الناشطون من التضييق المستمر للجماعة ضد من تبقى من العاملين بمختلف القطاعات التجارية والصناعية والحرفية في صنعاء وبقية المناطق المختطفة، وهو ما سيفاقم معاناة اليمنيين ويزيد أسعار مختلف السلع والمنتجات بما فيها الأساسية.

وسبق لجماعة الحوثي أن ضاعفت خلال السنوات الماضية حجم الإتاوات والجبايات المفروضة على مُلاك المصانع والشركات، وسنَّت تشريعات غير قانونية رفعت بموجبها الرسوم الضريبية والجمركية والزكوية؛ بغية تغطية نفقات حروبها من جانب، بالإضافة إلى تكوين ثروات لقادتها ومشرفيها.