العراق: توقيع أضخم عقد مع «سيمنس للطاقة» الألمانية... هل يقلق أميركا؟

السوداني يعد بمراجعة وضع قوات التحالف الدولي في البلاد

المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في برلين أول من أمس (أ.ف.ب)
المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في برلين أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

العراق: توقيع أضخم عقد مع «سيمنس للطاقة» الألمانية... هل يقلق أميركا؟

المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في برلين أول من أمس (أ.ف.ب)
المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في برلين أول من أمس (أ.ف.ب)

(تحليل إخباري)
في الوقت الذي يتجه فيه العراق لتوقيع أضخم عقد في مجال الطاقة مع شركة «سيمنس للطاقة» الألمانية، المنافس الأكبر لشركة «جنرال إلكتريك» الأميركية، تعهد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بمراجعة وضع قوات التحالف الدولي في العراق. وتباينت الآراء في العراق حول تأثيرات هذه القرارات، على العلاقات مع الولايات المتحدة، فبينما يرى البعض أن الاتجاه إلى ألمانيا، يخدم سياسات أميركا ولا يقلقها، باعتبار أن ألمانيا حليف لواشنطن، يرى آخرون أن الدور الألماني كان مهما في سياق الحرب على الإرهاب في العراق. وقال المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء في بيان له إن «وزارة الكهرباء وقعت مذكرة تفاهم مشتركة مع شركة «سيمنس للطاقة»، في مراسم جرت في العاصمة الألمانية برلين». وأضاف البيان أن «مذكرة التفاهم تنطوي على جملة من الفقرات الأساسية التي تشكل خريطة عمل لتطوير منظومة الكهرباء في العراق». وأوضح البيان أنه «في ضوء المذكرة، تعمل شركة سيمنس بالتنسيق مع وزارة الكهرباء، على وضع خطة متكاملة لمنظومة الكهرباء بشكل عام، تتضمن حلولاً للمشاكل، كما تقوم الشركة بإنشاء محطات توليد جديدة».
وأشار إلى أن «مذكرة التفاهم تضمنت تقديم «سيمنس للطاقة» دراسة متكاملة للعراق، تتضمن الكيفية التي تتم بها الاستفادة من الغاز المصاحب في دعم وزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية، كما تضمنت توقيع اتفاقية طويلة الأمد لصيانة وتأهيل الوحدات العاملة في العراق التي أنشأتها «سيمنس للطاقة»، فضلاً عن تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، وهي الطاقة الشمسية وحركة الرياح، وإنشاء محطات تحويل في عموم مناطق العراق، إلى جانب تطوير وتأهيل كوادر وزارة الكهرباء ونقل الخبرات».
وفي انتظار ما إذا كان البرلمان العراقي سيصادق على مذكرة التفاهم لتصبح اتفاقية ملزمة التطبيق من قبل الحكومة، فإن المراقبين السياسيين يرون أن توقيع هذه المذكرة مع «سيمنس للطاقة» يعد من أهم الخطوات التي أقدم عليها السوداني، لا سيما في ظل المنافسة الشديدة بين الشركات الألمانية والأميركية للفوز بعقود ضخمة في مجال الطاقة في العراق، وهو ما لم يتحقق طوال السنوات العشرين الماضية.
وفي هذا السياق، يؤكد القيادي في ائتلاف دولة القانون الوزير السابق جاسم محمد جعفر، أن الاتفاقية الجديدة بين الحكومة العراقية و«سيمنس للطاقة» الألمانية ستواجه ضغوطا أميركية جديدة.
وقال جعفر في تصريح صحافي أمس السبت، إن «توقيع مذكرة تفاهم واتفاقية طويلة الأمد مع «سيمنس للطاقة» الألمانية خطوة بالاتجاه الصحيح، إلا أنها ستواجه من جديد ضغوطاً أميركية لأجل عدم المضي بها، كما حصل لمذكرات تفاهم أبرمتها الحكومات السابقة ولم تستطع تنفيذها لأسباب سياسية».
وأضاف أن «المضي في تنفيذ مذكرة التفاهم مع «سيمنس للطاقة» المتخصصة في مجال الكهرباء بحاجة إلى توحيد الإرادة السياسية الوطنية في مواجهة الضغوط الأميركية، خاصة وأننا نعرف أن هناك ثلاث قوى منقسمة في التوجه، منها ما هي مع الولايات المتحدة الأميركية قلباً وقالباً، وأخرى ضد الأميركيين متمثلة بقوى المقاومة، وثالثة لا مع ولا ضد، وهي قوى ما زالت غير مؤثرة». ولفت جعفر إلى أن «خطوة حكومة السوداني الأخيرة بتوقيع المذكرة ربما حصلت على ضوء أخضر من الأميركيين لعمل الشركة في العراق، وبمحدودية».
إلى ذلك، أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن العراق لا يحتاج إلى قوات قتالية، وأن وضع مستشاري التحالف الدولي يخضع للدراسة.
وقال السوداني في مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس: «نثمن الدعم العسكري والأمني الألماني للعراق في حربه على داعش، ونؤكد أن أجهزتنا الأمنية بكامل صنوفها قادرة على ردع الإرهاب، ووصلت إلى مرحلة الجاهزية لحفظ الأمن في عموم البلاد».
واضاف أن «العراق اليوم لا يحتاج إلى قوات قتالية، فما هو موجود هو فريق استشاري للتدريب والدعم المعلوماتي»، مشيراً إلى أن «وجود فرق المستشارين للتحالف الدولي يخضع حالياً للمراجعة من قبل الأجهزة الأمنية، لتحدد بشكل مهني وفني حجم البعثات التدريبية ونوعية المهام، والمدة التي تحتاج إليها القوات الأمنية حتى تتمكن من تطوير قدراتها».
ويقول رئيس «مركز التفكير السياسي» الدكتور إحسان الشمري في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا أتوقع أن تمثل هذه الزيارة استفزازاً للولايات المتحدة، ذلك أن جزءاً من سياسة بايدن هي ترميم علاقاته مع حلفائه الأوروبيين، وبالتالي ستكون هذه الزيارة جزءاً من عملية فسح المجال أمام التعاون بين حلفاء أميركا، والعراق، مع وجود منافسة بين شركتي جنرال إلكتريك الأميركية و«سيمنس للطاقة» الألمانية، لكن لن تصل هذه المسألة إلى أن تكون نقطة خلاف مع حكومة السوداني.
وأضاف الشمري أنه «ربما تكون هذه الزيارة جزءاً من استراتيجية أميركية تتمثل في إبعاد العراق عن إيران حين تكون هناك شركات غربية تعمل على تطوير الكهرباء في العراق وقطاع الطاقة بكل صنوفها».
وأكد أن «محاولة ترسيخ فكرة أن الاتفاق مع «سيمنس للطاقة» سيؤدي إلى غضب أميركي تعقبه تظاهرات إنما هي اعتقاد خاطئ رسخته قوى سياسية كانت ترى أن الاتفاق مع الصين هو الذي أدى إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي، وهذا غير صحيح تماماً». من جهته، يرى الخبير السياسي والأمني فاضل أبو رغيف أن «الدور الألماني كان مهماً في حسم الحرب ضد داعش، لأنه كان جزءاً من آلية التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب»، مبيناً أن «هذا الدور كان يقتصر على التدريب والتجهيز والتسليح، خصوصاً أنه تم تسليح إقليم كردستان بما يلزم لمقاتلة التنظيم الإرهابي». وأوضح أبو رغيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «إعلان رئيس الوزراء أن وضع قوات التحالف يخضع لمراجعة هو أمر طبيعي، لوجود كثير من الأمور من بينها إعطاء دور لقوات حلف الناتو، لكن يبقى الدور الألماني، وكذلك الفرنسي، من الأدوار المهمة التي يقدرها العراق». أما رئيس «المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية» الدكتور معتز محيي الدين، فيقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «ألمانيا لها بالفعل دور كبير في مجال تدريب القوات العراقية لمحاربة الإرهاب، فضلاً عن تزويد العراق بالأسلحة وسواها».
وأضاف محيي الدين أن «هناك مئات من الألمان، رجالاً ونساءً وأطفالاً، موجودون في مخيم الهول في الجانب السوري، وهذا أمر مهم جداً تطرق إليه السوداني مع الجانب الألماني، فضلاً عن أن هذا الموضوع يجب أن يُحل ضمن إطار القانون الألماني والقانون العراقي، إذ إن القانون العراقي لا يحبذ تسليم عائلات عناصر (داعش) لعدم وجود أدلة، فضلاً عن ضلوعهم في عمليات القتل والتعذيب لمواطنين عراقيين أثناء احتلال (داعش) الأراضي العراقية».
وأوضح أن «النقطة الأخرى المهمة هي أن العراق يحتاج إلى وجود بعض قوات التحالف الدولي في العراق، وهو دليل على أن العراق وحده ليس قادراً على محاربة تنظيم داعش».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

المشرق العربي الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

الأمم المتحدة تحث دول جوار العراق على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث

حثت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق، جينين هينيس بلاسخارت، أمس (الخميس)، دول العالم، لا سيما تلك المجاورة للعراق، على مساعدته في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث التي يواجهها. وخلال كلمة لها على هامش فعاليات «منتدى العراق» المنعقد في العاصمة العراقية بغداد، قالت بلاسخارت: «ينبغي إيجاد حل جذري لما تعانيه البيئة من تغيرات مناخية». وأضافت أنه «يتعين على الدول مساعدة العراق في إيجاد حل لتأمين حصته المائية ومعالجة النقص الحاصل في إيراداته»، مؤكدة على «ضرورة حفظ الأمن المائي للبلاد».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

رئيس الوزراء العراقي: علاقاتنا مع الدول العربية بلغت أفضل حالاتها

أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن علاقات بلاده مع الدول العربية الشقيقة «وصلت إلى أفضل حالاتها من خلال الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدولة العراقية»، مؤكداً أن «دور العراق اليوم أصبح رياديا في المنطقة». وشدد السوداني على ضرورة أن يكون للعراق «هوية صناعية» بمشاركة القطاع الخاص، وكذلك دعا الشركات النفطية إلى الإسراع في تنفيذ عقودها الموقعة. كلام السوداني جاء خلال نشاطين منفصلين له أمس (الأربعاء) الأول تمثل بلقائه ممثلي عدد من الشركات النفطية العاملة في العراق، والثاني في كلمة ألقاها خلال انطلاق فعالية مؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيماوي والأسمدة والإسمنت في بغداد.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

السوداني يؤكد استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»

أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استعداد العراق لـ«مساندة شركائه الاقتصاديين»، داعياً الشركات النفطية الموقّعة على جولة التراخيص الخامسة مع العراق إلى «الإسراع في تنفيذ العقود الخاصة بها». جاء ذلك خلال لقاء السوداني، (الثلاثاء)، عدداً من ممثلي الشركات النفطية العالمية، واستعرض معهم مجمل التقدم الحاصل في قطاع الاستثمارات النفطية، وتطوّر الشراكة بين العراق والشركات العالمية الكبرى في هذا المجال. ووفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء، وجه السوداني الجهات المختصة بـ«تسهيل متطلبات عمل ملاكات الشركات، لناحية منح سمات الدخول، وتسريع التخليص الجمركي والتحاسب الضريبي»، مشدّداً على «ضرورة مراعا

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

مباحثات عراقية ـ إيطالية في مجال التعاون العسكري المشترك

بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروسيتو العلاقات بين بغداد وروما في الميادين العسكرية والسياسية. وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي بعد استقباله الوزير الإيطالي، أمس، إن السوداني «أشاد بدور إيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب، والقضاء على عصابات (داعش)، من خلال التحالف الدولي، ودورها في تدريب القوات الأمنية العراقية ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو)». وأشار السوداني إلى «العلاقة المتميزة بين العراق وإيطاليا من خلال التعاون الثنائي في مجالات متعددة، مؤكداً رغبة العراق للعمل ضمن هذه المسارات، بما يخدم المصالح المشتركة، وأمن المنطقة والعالم». وبي

حمزة مصطفى (بغداد)

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
TT

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)

في تسجيل مصور مدته نحو دقيقة، يروي شاب يمني أنه تم التغرير به وبزملائه الذين يظهرون معه في الفيديو، للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات أمنية خاصة، ليجدوا أنفسهم في جبهات الحرب الروسية مع أوكرانيا.

وأبدى الشاب الذي غطى وجهه، وزملاؤه رغبتهم في العودة إلى اليمن، ورفضهم أن يقتلوا كما قُتِل زملاؤهم.

وتكشّف، أخيراً، كثير من التفاصيل حول تجنيد القوات المسلحة الروسية لمئات الرجال اليمنيين للقتال في أوكرانيا، من خلال عملية تهريب غامضة، تبين وجود كثير من أوجه التعاون المتنامية بين موسكو والجماعة الحوثية في اليمن.

كما كشفت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية في تقرير لها، الأحد الماضي، عن تفاصيل تحويل مئات الرجال اليمنيين إلى مقاتلين في صفوف الجيش الروسي، من خلال «عملية تهريب غامضة».

وفي هذه التسجيلات تتكشف جوانب من تفاصيل ما تمارسه مجموعة من المهربين الحوثيين الذين يستغلون الظروف الاقتصادية الصعبة لليمنيين لتنفيذ حملة تجنيد للمئات منهم، وإرسالهم للقتال إلى جانب القوات الروسية، وتعمل هذه المجموعة من داخل اليمن ومن دول عربية أخرى، بالتعاون مع آخرين داخل الأراضي الروسية.

وتسهل الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية في اليمن قبل نحو عشرة أعوام، تجنيدَ كثير من الشباب اليمنيين الذين نزحوا خارج البلاد وفشلوا في البحث عن فرص عمل أو الوصول إلى دول أوروبا، سواء بالهجرة الشرعية أو غير الشرعية لتقديم طلبات لجوء.

وتمكن السماسرة من تجنيد المئات من هؤلاء وإرسالهم للقتال في روسيا، وفق ما أكدته مصادر مقربة من عائلاتهم وأخرى في الحكومة اليمنية.

وفي مقطع مصور آخر، يظهر مجموعة من الشبان اليمنيين، ويذكر أحدهم أنهم كانوا يعملون في سلطنة عمان، وأن شركة للمعدات الطبية تابعة للقيادي الحوثي عبد الولي الجابري أغرتهم بالحصول على عمل لدى شركة روسية في المجال الأمني وبرواتب مجزية.

مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

ويضيف: «غرورا بنا بأنهم سيدفعون رواتب شهرية تعادل 2500 دولار لكل فرد، وعند وصولنا إلى المطار في روسيا، استقبلنا مندوبون عن وزارة الدفاع الروسية، وأبلغونا أنه سيتم توظيفنا حراسَ أمن في منشآت».

وبعد يومين من وصولهم، تم إرسالهم إلى معسكرات للتدريب، حيث يجري إعدادهم للقتال منذ شهرين، ولم يتقاضوا من الرواتب التي وُعِدوا بها سوى ما بين 185 دولاراً و232 دولاراً (ما بين 20 إلى 25 ألف روبل فقط).

ويؤكد الشاب أن الروس أخذوا 25 من زملائه إلى الجبهات، وأن هؤلاء جميعاً لقوا مصرعهم؛ إما داخل العربات التي كانوا يستقلونها، أو داخل المباني التي كانوا يتمركزون فيها، بينما هو وبقية زملائه ينتظرون، بقلق، نقلهم من موقع وجودهم في معسكر قريب من الحدود الأوكرانية، إلى الجبهات. وطالب الحكومة اليمنية بالتدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

شركة أدوية للسمسرة

لكن أحد اليمنيين، واسمه أحمد، وهو على معرفة بإحدى المجموعات التي تم تجنيدها، يوضح أنه وأصدقاء له حذروا هؤلاء الشبان من الذهاب إلى روسيا؛ لأن هناك حرباً قد يتورطون فيها، إلا أنهم ردوا عليه بأنهم قادرون على الفرار إلى أوروبا لطلب اللجوء كما فعل المئات من اليمنيين سابقاً، حين وصلوا إلى روسيا البيضاء، ومن هناك تم تسهيل نقلهم إلى الأراضي البولندية.

أحد الشباب اليمنيين داخل عربة عسكرية روسية وتفيد المعلومات بمصرعه داخل العربة (فيسبوك)

وبحسب ما أفاد به أحد أعضاء الجالية اليمنية في روسيا لـ«الشرق الأوسط»، فإن سماسرة يقومون بإغراء شبان يمنيين للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات مقابل رواتب تصل إلى 2500 دولار شهرياً، ويتم نقل الراغبين إلى عواصم عربية؛ منها مسقط وبيروت ودمشق، ليجري نقلهم إلى الأراضي الروسية.

ويتابع أنه، وبعد وصولهم، تم إدخالهم معسكرات للتدريب على الأسلحة، بزعم أنهم موظفون لدى شركة أمنية، لكنهم بعد ذلك يرسلون إلى جبهات القتال في أوكرانيا، حيث يوجد شبان عرب من جنسيات أخرى ذهبوا إلى روسيا للغرض نفسه.

ويقدر ناشطون وأفراد في الجالية اليمنية في روسيا بأن هناك نحو 300 شاب يمني يرفضون الذهاب إلى جبهات القتال ويريدون العودة إلى بلدهم، وأن هؤلاء كانوا ضحية إغراءات بسبب الظروف الاقتصادية التي يعيشها اليمن نتيجة الحرب المستمرة منذ عشرة أعوام.

وطبقاً لأحد الضحايا الذين نشروا أسماء وأرقام المتورطين في هذه العملية، فإن أبرز المتهمين في عمليات التجنيد، عبد الولي الجابري، وهو عضو في البرلمان التابع للجماعة الحوثية، ويساعده في ذلك شقيقه عبد الواحد، الذي عينته الجماعة مديراً لمديرية المسراخ في محافظة تعز.

القيادي الحوثي الجابري المتهم الرئيسي بتجنيد الشبان اليمنيين خلال زيارة صالح الصماد رئيس مجلس الحكم الحوثي السابق له بعد إصابته في المعارك (إعلام حوثي)

وتضم المجموعة، وفقاً لهذه الرواية، شخصاً يدعى هاني الزريقي، ومقيم في روسيا منذ سنوات، ومحمد العلياني المقيم في دولة مجاورة لليمن.

تخفّي السماسرة

ويتهم اثنان من أقارب المجندين الجابري ومعاونيه بترتيب انتقال المجندين من اليمن إلى البلد المجاور، ومن هناك يتم إرسالهم إلى موسكو، بحجة العمل لدى شركات أمنية خاصة، وأن هؤلاء السماسرة يحصلون على مبالغ بين 10 إلى 15 ألف دولار عن الفرد الواحد.

وانتقل القيادي الحوثي الذي يدير الشركة أخيراً إلى مكان غير معروف، وبدّل أرقام هواتفه وانقطع تواصله مع الضحايا، بعد انتشار مقاطع مسجلة لمناشداتهم الحكومة اليمنية التدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

وعينت الجماعة الحوثية الجابري، إلى جانب عضويته بالبرلمان التابع لها، قائداً لما يسمى بـ«اللواء 115 مشاة»، ومنحته رتبة عميد، بينما صدر بحقه حكم إعدام في عام 2020 من محكمة في مناطق سيطرة الحكومة، كما أن ابن أخيه، جميل هزاع، سبق وعُيِّن في اللواء نفسه، في منصب أركان عمليات، وهو حالياً عضو ما يسمى مجلس الشورى التابع للجماعة.

ولا تقتصر مهام سماسرة التجنيد على إرسال شبان من اليمن للقتال في روسيا، بل تتضمن تجنيد عدد من اليمنيين المقيمين هناك للقتال في صفوف الجيش الروسي.

وأُعْلِن منتصف العام الحالي عن مقتل الدبلوماسي اليمني السابق في موسكو، أحمد السهمي، في إحدى الجبهات، حيث كان يقاتل إلى جانب القوات الروسية، وبحسب رواية زملاء له، أنه وبعد انتهاء فترة عمله، أقدم على المشاركة في القتال من أجل الحصول على راتب يمكنه من مواجهة التزاماته لعائلته وأطفاله.

ومنذ شهر، كرّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشاب اليمني، سعد الكناني، الذي قُتل في جبهة لوغانسك، وكان قد حصل على الجنسية الروسية قبل فترة قصيرة من التحاقه بالقتال في صفوف القوات الروسية.