بعد خمسة أيام على اقتحام أنصار الرئيس البرازيلي السابق مباني البرلمان والمقر الرئاسي والمحكمة العليا، بدأ الخناق القانوني يضيق حول جاير بولسونارو، الذي ما زال يمضي عطلته في فلوريدا، بعد أن تسلمت النيابة العامة التابعة لديوان المحاسبة الاتهامات الموجهة إليه حول دوره كمحرض على عملية الاقتحام، وطلبت حجز ممتلكاته بهدف تغطية التكاليف التي ستنجم عن تصليح الأضرار التي تسبب فيها أنصاره خلال اقتحامهم المباني الثلاثة. وتقول مصادر قانونية إنه في حال تنفيذ هذا الطلب الاحترازي، سيكون محظورا على بولسونارو وأفراد عائلته تحويل أي مبالغ مالية إلى الخارج.
وفيما تواصل السلطات القضائية والأمنية «غربلة» المعتقلين الذين يزيدون على الألف، وتحيل إلى السجن رهن المحاكمة أولئك الذين ارتكبوا أعمال العنف والتخريب، تركز التحقيقات الجارية على محورين: تحديد الجهة التي حرضت ومولت ونظمت وصول الآلاف من جميع أنحاء البلاد إلى العاصمة، والجهة التي أحجمت عن اتخاذ المبادرات أو التدابير اللازمة عندما تبين أن المقتحمين كانوا يعتزمون اجتياح المؤسسات والسيطرة عليها.
وترجح المصادر القانونية أن توجه التهم إلى بولسونارو في الحالتين، وأن يكون العقاب، في المرحلة الأولى، حرمانه من الترشح مجدداً للانتخابات، حيث إنه لم يعد يتمتع بالحصانة التي رافقته طوال ثلاثة عقود، أولاً كنائب في البرلمان، ثم كرئيس للجمهورية.
ويجمع الخبراء على أن القانون البرازيلي يفتح الباب واسعاً أمام إدانة بولسونارو بتهمة التحريض على أعمال العنف والتآمر على النظام الديمقراطي، والامتناع عمداً عن القيام بواجباته الدستورية، وأن تغريداته المتكررة على وسائل التواصل الاجتماعي كافية لتجريمه بهذه التهم، رغم تصريحاته الأخيرة بأن عملية الاقتحام حصلت خلال وجوده في الخارج. وكان القضاء قد أمر منذ يومين بإقالة حاكم العاصمة برازيليا ومدير الأمن العام؛ لتخلفهما عن القيام بواجبهما لوقف زحف المتطرفين الذين اقتحموا مجلس النواب.
وفيما يحاول لولا والحكومة الجديدة إعطاء صورة طبيعية عن الأوضاع السياسية والأمنية، رفعت الأجهزة مستوى جهوزيتها في جميع أنحاء البلاد بعد أن دعت الأحزاب والقوى اليمينية المتطرفة إلى الحشد في جميع الولايات بعد أن نشر بولسونارو على وسائل التواصل رسالة عبر الفيديو يصر فيها على أن لولا «لم ينتصر في الانتخابات»، رغم أنه عاد وحذفها بعد ساعات.
وتعيش البرازيل حالة من التوتر الشديد بعد الإعلان عن هذا الحشد والدعوة إلى التظاهر في المدن الكبرى، فيما أقفلت جميع المنافذ المؤدية إلى المباني الرسمية في العاصمة. وكان لولا قد وجه رسالة تحذيرية قال فيها إن «كل حركة ضد الديمقراطية البرازيلية ستواجه بأقسى العقوبات التي ينص عليها القانون». وتجدر الإشارة إلى أن الوضع كان متأزماً قبل الأحداث التي وقعت يوم الأحد الماضي، والتي يرجح بعض المراقبين أنها ليست سوى بداية لما يخطط له أنصار بولسونارو بدعم من بعض القيادات في القوات المسلحة. وكان الرئيس السابق قد صرح في شريط الفيديو الذي انتشر بين أنصاره بسرعة النار في الهشيم بعد ثلاثة أيام من عملية الاقتحام، قائلاً إن «الشعب لم ينتخب لولا رئيساً للجمهورية، ولم ينتصر في صناديق الاقتراع، بل هي المحكمة العليا التي حملته إلى الرئاسة».
لكن وزير الداخلية في الحكومة الجديدة صرح أمس أنه «لا توجد أي إمكانية لتكرار ما حصل يوم الأحد الماضي، وأن الذين يحاولون دفع البلاد إلى أزمة سيفشلون في مسعاهم»، مشيراً إلى أن الأجهزة اتخذت جميع التدابير والاحتياطات اللازمة بعد أن انتشرت دعوات بين أنصار بولسونارو لتنظيم مظاهرات جديدة. وتجدر الإشارة إلى أن جميع الوزراء لم يتسلموا مهامهم بعد بصورة رسمية، رغم أن لولا يجتمع يومياً مع بعض أعضاء حكومته ويكرر تغريداته على وسائل التواصل بأن الأمور تسير بشكل طبيعي، ويقول: «عدنا إلى العمل، وفي انتظارنا مهام جسيمة؛ مثل مكافحة الجوع والفقر، والبطالة والديون التي تراكمت على كاهل الأسر، فضلاً عن الأزمة التي نشبت منذ أيام، والتي لن تثنينا عن جهودنا وتنفيذ البرنامج الذي انتخبنا الشعب على أساسه».
وكان لولا قد اتصل بالرئيس الأميركي جو بايدن في اليوم التالي لعملية الاقتحام التي قام بها أنصار بولسونارو، وأكد له أنه سيزور واشنطن كما هو مقرر مطالع الشهر المقبل، أي بعد زيارة الأرجنتين وقبل زيارته الرسمية المقررة إلى الصين. كما تلقى لولا اتصالاً من المسؤول الأوروبي عن السياسة الخارجية جوزيب بوريل أعرب له فيها عن ثقة الاتحاد بمناعة المؤسسات البرازيلية، ورغبة الدول الأوروبية في إعادة تفعيل التحالف الاستراتيجي بين الطرفين.
في غضون ذلك، وبعد أن عبر العديد من النواب اليمينيين وحكام الولايات المناصرين لبولسونارو عن رفضهم للأحداث الأخيرة، ما زال البعض يتساءل حول مدى استعداد القيادات العسكرية الموالية للرئيس السابق للتجاوب مع الدعوات التي يكررها أنصاره للجيش من أجل «إنقاذ البرازيل»، وأيضاً حول الخطوات التي قد يتخذها بولسونارو الذي ترجح معلومات أنه لن يعود إلى البرازيل؛ خشية إحالته أمام القضاء ومحاكمته، وأن أولاده طلبوا الحصول على الجنسية الإيطالية؛ استناداً إلى أن والدهم متحدر من أصول إيطالية.
القضاء البرازيلي يضيّق «الخناق» على بولسونارو
اتهمه بالتحريض على اقتحام المؤسسات الحكومية... وتعزيزات أمنية في عدة ولايات تحسباً لمظاهرات جديدة لمناصريه
القضاء البرازيلي يضيّق «الخناق» على بولسونارو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة