حسين الحسيني... «حارس مرمى الطائف» وأمين مداولاته

رئيس البرلمان الراحل عُرف بوسطيته ودبلوماسيته

المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز مستقبلاً الحسيني في جدة في أكتوبر 1989 (غيتي)
المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز مستقبلاً الحسيني في جدة في أكتوبر 1989 (غيتي)
TT

حسين الحسيني... «حارس مرمى الطائف» وأمين مداولاته

المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز مستقبلاً الحسيني في جدة في أكتوبر 1989 (غيتي)
المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز مستقبلاً الحسيني في جدة في أكتوبر 1989 (غيتي)

لم يكتسب رئيس البرلمان اللبناني الراحل حسين الحسيني لقب «حارس مرمى الطائف»، من غير أن يكون حافظ أسراره، وأمين مناقشاته، وكاتم خلافات اللبنانيين في مباحثاته. بات «عراب الاتفاق» بفضل قدرته على تدوير الزوايا في زحمة الخلافات اللبنانية في سنوات الحرب، وصلة الوصل بين الأقطاب والأطراف المتنازعة، قبل توقيع الاتفاق في عام 1989، الذي بات وثيقة الوفاق الوطني اللبناني.
وينظر كثيرون إليه بوصفه «عراب» اتفاق الطائف وأبرز المدافعين عن استكمال تطبيقه، كما السياسي الذي دفع نحو تطوير النظام السياسي في لبنان «بما يضمن وطنية الدولة ومؤسساتها»، كما يقول عارفوه. وكان غيابه في الشهر الماضي عن منتدى «الطائف» الذي رعته سفارة المملكة العربية السعودية في قصر الأونيسكو في بيروت، يعود إلى وضعه الصحي الذي تفاقم، حتى رحل أمس عن عمر يناهز الـ86 عاماً، بعد مسيرة سياسية طبعتها محطات عدة؛ أبرزها دوره الرائد في اتفاق الطائف.
والاتفاق الذي رعته السعودية واستضافت اللبنانيين الذين تناقشوا حتى توصلوا إلى الاتفاق في سبتمبر (أيلول) 1989، أنهى 15 عاماً من الحرب الأهلية في لبنان، التي اندلعت في عام 1975، وخضعت لعدة مراحل تخللها الغزو الإسرائيلي في عام 1982، ومغادرة منظمة التحرير من لبنان، وانقسمت بيروت بين شرقية وغربية. يقول مواكبو تلك المرحلة إنه بمجرد الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق في الساعة الحادية عشرة ليلاً من يوم الأحد في 30 سبتمبر، بدأ السكان بإزالة السواتر الترابية، وأخلت بعض الميليشيات حواجزها، وهو ما يؤشر إلى أهمية الاتفاق وانعكاساته على أوضاع اللبنانيين في ذلك الوضع، وتداعياته الإيجابية عليهم.
منذ عام 1989، كان الحسيني يحتفظ بمحاضر المناقشات، وأقفل عليها في خزناته، ومنع نشرها. كثيراً ما تمت مطالبته بنشرها، لكنه امتنع. يقول عارفوه إن المداولات التي شهدت سجالات ونقاشات عميقة على النقطة والفاصلة في مدينة الطائف السعودية في عام 1989، احتفظ بها منعاً لنكء الجراح، أو إثارة أي أزمات سياسية لا تقدم أي غرض سوى السجالات. فما كُتب قد كُتب، وتم توثيق النقاط المتفق عليها بين الأطراف في وثيقة الوفاق الوطني التي باتت دستور لبنان.
بهذا المعنى، لطالما كان أميناً على الوحدة الوطنية. دبلوماسيته واعتداله، أهّلاه ليكون صلة الوصل بين الأقطاب في ذلك الوقت ومدوّر الزوايا بين خلافاتهم، أما نظافة كفه وحياده عن الأطراف المتحاربة في ذلك الوقت، فجعلاه محل ثقة اللبنانيين من كل الأطراف. أما «وطنيته وأمانته»، حسبما جاء في بيانات نعيه الأربعاء، فجعلتاه حريصاً على ألا تعكر أي سجالات «لا طائل منها» صفو العلاقات اللبنانية التي تكرست دستورياً بين الطوائف، وميزت لبنان لجهة العيش المشترك بين أبنائه على مختلف انتماءاتهم، وعززت نموذج لبنان كوطن نهائي لجميع أبنائه.
وقد يكون ملف المداولات، أبرز الأسئلة التي تكررت في السنوات الـ15 الأخيرة، وغالباً ما وجهت الأسئلة للحسيني عن أسبابها. كان رئيس مجلس النواب الراحل حاسماً في الرفض، على ما يقول عارفوه من سياسيين لبنانيين. وحين وُجه السؤال للوزير الأسبق خالد قباني قبل أسابيع في لقاء تلفزيوني، قال قباني إنه يمتلك نسخة عن المداولات، كونه كان أمين سر اللقاءات إلى جانب الحسيني، لكنه أكد أن الحسيني كان حاسماً بعدم نشرها، مشدداً على أنه يلتزم برغبة الرئيس الراحل، «لأنه الأمين عليها».
غير أن الحسيني لم يحز هذا الدور، كجامع للأقطاب، لولا تجربته التي اتسمت بالاعتدال والدبلوماسية. كان رجل حوار، ولم ينخرط في الحرب اللبنانية كطرف رغم أنه كان من المشاركين في تأسيس «حركة أمل» عام 1973، وتولى رئاستها بعد تغييب مؤسسها الإمام السيد موسى الصدر ما بين 1978 و1980.
وانتخب الحسيني نائباً عن دائرة بعلبك - الهرمل في منطقة البقاع (شرق) لخمس دورات متتالية أولها في عام 1972 حتى استقالته من البرلمان عام 2008. وأعلن في عام 2018 عزوفه عن خوض الاستحقاقات النيابية، ما شكّل عملياً نهاية مسيرته السياسية. وترأس مجلس النواب في خضم الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1984 و1992.
ويُعرف عن الحسيني رصانته ودبلوماسيته واعتدال مواقفه وابتعاده عن المناكفات التي طبعت المشهد السياسي في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، وانعكست مراراً شللاً في المؤسسات والعمل الحكومي. وبفقده «يخسر لبنان والعالم العربي قامة من قامات التشريع والإنسانية والدبلوماسية الراقية»، حسبما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
TT

وزير الدفاع السوري لنظيره الإيراني: نحن في القارب نفسه

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

قال وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، إن سوريا ودول محور المقاومة في «القارب نفسه» وعلى «الجبهة نفسها» يقاتلون إسرائيل، وإن «التعاون المشترك» سيجعلهم أقوى في مواجهة «المحور المتغطرس»، وفق ما أفادت به وسائل إعلام إيرانية قالت إن وزير الدفاع السوري هنأ، في اتصال هاتفي اليوم الأحد، نظيره الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، بتعيينه وزيراً للدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية.

وفي حين لم تشر وسائل الإعلام السورية الرسمية إلى خبر الاتصال بين الوزيرين حتى إعداد هذا التقرير، فقد أفادت وكالة «مهر» الإيرانية بأن الوزير الإيراني أكد دعم بلاده «إرساء الأمن واحترام وحدة الأراضي السورية»، مشيراً إلى القواسم المشتركة بين البلدين، لا سيما دعم سوريا محور المقاومة، لافتاً إلى أنه «يجب تنفيذ الاتفاقيات بين البلدين؛ بما في ذلك نتائج زيارتكم إلى طهران».

اللجنة الاقتصادية المشتركة السورية - الإيرانية في دمشق خلال أبريل الماضي (سانا)

يُذكر أن وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، زار طهران في مارس (آذار) الماضي في ظل ازدياد احتمالات توسع الحرب مع إسرائيل وتصعيد الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية التي تستهدف القوات الموالية لـ«الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله».

وعلق الوزير الإيراني، العميد عزيز نصير زاده، على نتائج الزيارة الماضية من وزير الدفاع السوري إلى طهران، بالقول: «سوف يتوسع التعاون بسرعة أكبر».

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

كما عبر الوزير الإيراني عن أسفه لعدم رؤية بلاده «أي رد فعل مناسب من المجتمع الدولي تجاه جرائم الكيان الصهيوني»، مشدداً على أنه يجب أن يستمر التعاون بين إيران وسوريا، وأن هذا «التعاون سيؤدي حتماً إلى هزيمة الكيان الصهيوني».

ونقلت «مهر» عن وزير الدفاع السوري تطلعه إلى استمرارية العلاقات بإيران، وبذل القوات المسلحة في البلدين «مزيداً من الجهود بما يتماشى مع أهداف البلدين». وقال: «نحن معكم، وعلى الجبهة نفسها. إن أمن البلدين واحد»، وإن «محور المقاومة في القارب نفسه، ويقاتلون كيان الاحتلال الذي ارتكب كثيراً من الجرائم ضد الإنسانية في غزة وسوريا واليمن». وشدد على أن التعاون المشترك «سيجعلنا أقوى في مواجهة هذا المحور المتغطرس» متمنياً تطوير هذا التعاون والاتفاقيات، والاستمرار على «هذا المنوال في مواجهة قوى الشر» وفق «مهر».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

الاتصال الهاتفي بين وزيرَي الدفاع الإيراني والسوري، جاء بعد ساعات من تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن «موسكو مهتمة بتطبيع العلاقات بين النظام السوري وتركيا»، مؤكّداً أنّ «اجتماعاً جديداً سيُعقد في المستقبل القريب».

ورأت مصادر متابعة في دمشق أن «طهران، ومع كل تطور إيجابي تحققه موسكو فيما يخص ملف التقارب السوري ـ التركي، تبعث برسائل تؤكد نفوذها في سوريا، وتذكّر الجانب السوري بـ(وجوب تنفيذ الاتفاقيات المشتركة وتسديد الديون المستحقة عليه)، في نوع من الضغوط على دمشق حتى لا تمضي في ملف التقارب بعيداً عن المصالح الإيرانية».

منطقة البوكمال نقطة استراتيجية للمسلّحين المُوالين لإيران شرق سوريا (أ.ف.ب)

ولفتت المصادر إلى أن ضغوطاً قوية تمارَس على دمشق من الحليفين: الروسي؛ للدفع باتجاه التقارب مع تركيا، والإيراني؛ للتريث واستثمار هذا الملف في إعادة صياغة التوازنات في المنطقة؛ لا سيما مع الجانب الأميركي.

ورجحت المصادر تصدير دمشق موقفين لحليفيها: الأول إظهار التجاوب مع مساعي موسكو وبث رسائل إيجابية تجاه التقارب مع تركيا، والموقف الثاني يهادن الضغوط الإيرانية ويظهر التمسك بثبات الموقف من «محور المقاومة» والالتزام بسياساته، وإظهار التريث تجاه التقارب مع تركيا.

ولفتت المصادر إلى ما سبق أن تناولته وسائل إعلام عربية عن «زيارة سرية من رئيس الأركان السوري، العماد عبد الكريم محمود إبراهيم، إلى إيران دون إبلاغ الرئيس بشار الأسد، وذلك في الأسبوع الأول من أغسطس (آب) الماضي. ورغم خطورة تلك المعلومات، فإنه لم يصدر رد فعل من دمشق؛ بل جرى تجاهلها تماماً. وهذا يضعنا أمام احتمالين: إما وجود انقسام داخل القيادة في سوريا، وإما هي (عملية توزيع أدوار، وتصدير مواقف عدة للتحايل على ضغوط الحليفين)».

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً