تستعد رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيت بورن، لكشف خطة الحكومة لإصلاح قانون نظام التقاعد، وذلك في مؤتمر صحافي مرتقب اليوم في مقر رئاسة الحكومة، فيما يرجح المراقبون أن تكون فرنسا قد دخلت مرحلة من المطبات الهوائية العنيفة. وتكمن المشكلة في أن الخطة الحكومية سترفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، الأمر الذي يلقى معارضة جذرية من النقابات على اختلاف مشاربها ومن أحزاب المعارضة باستثناء حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل الذي أبدى رئيسه إريك سيوتي استعداده للتصويت لصالح «إصلاح عادل».
بيد أن الحكومة وإن كانت قادرة على تجميع أكثرية برلمانية للتصويت لصالح خطتها، تخاطر بقيام جبهة عريضة سوف تلجأ إلى الشارع للتعبير عن رفضها لما تراه «إجحافاً» بحق فئات واسعة من المواطنين. وسبق لحكومة في أثناء ولاية ماكرون الأولى وكانت برئاسة إدوار فيليب في العام 2018، أن سعت لشهور إلى إصلاح قانون التقاعد، إلا أنها فشلت في تحقيق توافق واسع. وسُحب مشروعها من التداول بعد وصول موجة «كوفيد - 19» إلى فرنسا. وتجدر الإشارة إلى أن العهد المشار إليه عانى من حركة «السترات الصفراء» الاحتجاجية التي اتخذت لشهور طابعاً عنيفاً وجاءت احتجاجاً على رفع أسعار المحروقات وتطورت إلى المطالبة بخفض الضرائب وإعادة فرض ضريبة الثروة ورفع الرواتب وغيرها من المطالب الاجتماعية - الاقتصادية. ويوم السبت الماضي، نزل «السترات السفراء» مجدداً إلى الشوارع. غير أن التعبئة جاءت ضعيفة. وتتخوف السلطات من تراكم المظالم ومن تداخلها، وهو الأمر الذي حذّرت منه مذكرة أعدّتها الاستخبارات الداخلية وكشفت مضمونها القناة الإخبارية التلفزيونية «بي إف إم».
يتذكر المراقبون والمحللون السياسيون أن رئيس الحكومة الأسبق الاشتراكي ميشال روكار، كان يكرر أن إصلاح قانون التقاعد «سيقضي على خمس حكومات» قبل أن يتحقق. وهو لم يخطئ في توقعاته إذ ما زالت مسألة إصلاح القانون المذكور تُطرح بشكل شبه دائم. ويرى ماكرون، ومعه رئيسة الحكومة والوزراء المعنيون، أن الدافع «ليس الإصلاح من أجل الإصلاح بل إنقاذ نظام التقاعد» الذي يعاني بسبب ارتفاع معدل العمر ليس في فرنسا وحدها بل في جميع الدول الصناعية المتقدمة، وبالتالي يتعين إطالة أمد مساهمات الموظفين والعاملين لتغطية نفقات التقاعد.
وسعت الحكومة، وسط موجة الغلاء المستفحل، خصوصاً الطاقة من الكهرباء والغاز والمشتقات النفطية، والمواد الغذائية، والتضخم الذي ينخر رواتب ومدخرات المواطنين خصوصاً الشرائح الأكثر هشاشة، إلى احتواء النقمة الشعبية من خلال منح مساعدات مالية لفئات محددة أو تأطير أسعار الكهرباء لعدد من المهن منها المخابز. إلا أن تدهور أوضاع المالية العامة بسبب الكلفة الضخمة التي تحملتها الميزانية العامة زمن جائحة كوفيد وفي الأشهر الماضية للتخفيف من وطأة أسعار المشتقات النفطية، تفرض عليها في الوقت الحاضر خفض مساعداتها بنسبة كبيرة.
وبالنظر إلى ما سبق ووفقاً لما تُظهره استطلاعات الرأي التي تبين أن نسبة 68 في المائة من الفرنسيين تعارض خطط الحكومة، وبالنظر للتوافق القائم بين النقابات الأكثر تمثيلاً على معارضة مشروع القانون الذي سيُقرّ في جلسة لمجلس الوزراء في 23 الجاري، فإن الاحتجاجات الشعبية ستكون على أشدها. واجتمع ممثلو ثماني نقابات رئيسية، اليوم، للاتفاق على خطة تحرك جماعية ستشمل المظاهرات والمسيرات والإضرابات. وتتخوف الحكومة من الإضرابات خصوصاً في قطاع النقل العام (القطارات والمترو والحافلات...) الذي سينضم إلى إضراب الأطباء العموميين وقطاعات مهنية أخرى. ومن المرتقب أن يُقرر أول يوم للإضراب في الساعات القليلة المقبلة إنْ في 14 الجاري أو في 24 منه، أي بعد أن تكون الحكومة قد أقرت مشروع القانون الذي سيُرفع إلى البرلمان في نهاية الشهر.
كذلك، فإن حزب «فرنسا المتمردة» دعا منذ اليوم إلى مسيرة يوم 21 يناير (كانون الثاني). وحذر رئيس نقابة «القوة العاملة» فريديريك سويو المعارض لهذه الإصلاحات على غرار كل المنظمات النقابية والمعارضة السياسية باستثناء اليمين، من أنه «إذا كان إيمانويل ماكرون يريد جعل ذلك أُم إصلاحاته، فبالنسبة إلينا ستكون أُم المعارك».
من جانبها، قالت الرئيسة الجديدة لحزب الخضر مارين توندلييه: «سيدور النقاش» في الشارع في مواجهة إصلاح «عقائدي» و«مناهض للمجتمع» و«يخدم طبقة» الميسورين، مضيفة أن «الحكومة ستقوم بكل شيء لثنينا عن الذهاب للتظاهر مع قمع قوي».
النقابات الفرنسية تعتزم خوض «أم المعارك» بوجه خطة إصلاح قانون التقاعد
النقابات الفرنسية تعتزم خوض «أم المعارك» بوجه خطة إصلاح قانون التقاعد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة