روسيا تقدم غزوها لأوكرانيا على أنه «حرب مقدسة»

كاتدرائية العذراء في كييف كانت حتى نهاية 2022 أهم كاتدرائية في أوكرانيا تستخدم من جانب الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية المنافسة التي كانت مرتبطة لفترة طويلة ببطريركية موسكو(إ.ب.أ)
كاتدرائية العذراء في كييف كانت حتى نهاية 2022 أهم كاتدرائية في أوكرانيا تستخدم من جانب الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية المنافسة التي كانت مرتبطة لفترة طويلة ببطريركية موسكو(إ.ب.أ)
TT

روسيا تقدم غزوها لأوكرانيا على أنه «حرب مقدسة»

كاتدرائية العذراء في كييف كانت حتى نهاية 2022 أهم كاتدرائية في أوكرانيا تستخدم من جانب الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية المنافسة التي كانت مرتبطة لفترة طويلة ببطريركية موسكو(إ.ب.أ)
كاتدرائية العذراء في كييف كانت حتى نهاية 2022 أهم كاتدرائية في أوكرانيا تستخدم من جانب الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية المنافسة التي كانت مرتبطة لفترة طويلة ببطريركية موسكو(إ.ب.أ)

منذ عدة أسابيع، تحاول السلطات الروسية إضفاء بُعد ديني ومقدّس على غزوها لأوكرانيا، غير أن هذا الخطاب يحدث انقساماً حتّى داخل الكنيسة الأرثوذكسية. في إشارة إلى أهمية البعد الروحي الذي يحاول الكرملين إضفاءه على عمليته العسكرية في أوكرانيا، أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأسبوع الماضي، في تمنياته بمناسبة رأس السنة، أن «الحق الأخلاقي والتاريخي إلى جانب» روسيا. ويعكس هذا التصريح رغبة السلطات في تبديد شكوك جزء من السكان بسبب غزو القوات الروسية لبلد غالبية المؤمنين فيه من المسيحيين الأرثوذكس، كما في روسيا. وفي وقت كانت موسكو تواجه سلسلة انتكاسات عسكرية، اكتسب الخطاب الديني زخماً متزايداً منذ الخريف، بحيث صوّر مسؤولون كبار ووسائل إعلام رسمية الاجتياح الروسي على أنه «حرب مقدّسة» ضدّ الغرب الذي تعتبره موسكو منحطّاً.
مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، أكّد الرئيس السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف أن «الهدف المقدس» للهجوم هو «إيقاف سيد الجحيم». وقال حينها: «نحن نحارب أولئك الذين يكرهوننا والذين يمنعون نشر لغتنا وقيمنا وحتّى إيماننا»، معتبراً أن أعداء روسيا هم «النازيون» الأوكرانيون و«كلاب» الغرب.
إلى جانب الخطابات، يتجلّى تداخل الشؤون الدينية بالعملية العسكرية في إرسال موسكو عشرات الكهنة إلى جبهة القتال لدعم الجنود. ويقول الكاهن العسكري سفياتوسلاف تشوركانوف لوكالة الصحافة الفرنسية إن هدف هذه المهمات العسكرية هو منع الجنود من «خسارة إنسانيتهم (...) حتى لو دفعهم الوضع القائم إلى ذلك». ويضيف أن على الكاهن «أن يزرع في روح الجنود فكرة أنه يجب عدم تعذيب السجناء (...)، يجب ألا ننهب، وألا نؤذي المدنيين».
ولا يلتفت تشوركانوف شرعية الحرب، معتبراً أنه يهدف إلى الدفاع عن «القيم التقليدية» التي يعتبر كلّ من الكرملين والكنيسة الأرثوذكسية أنهما وصيّان عليها. ويتابع: «في أوكرانيا، حتى في ظروف الحرب، يُنظّمون مسيرات فخر المثليين لإظهار انتمائهم إلى القيم الغربية».
ومن أجل تعزيز أهمية هؤلاء الكهنة في سير النزاع، منح بوتين في نوفمبر لقب «بطل الاتحاد الروسي»، وهو أعلى وسام في روسيا، إلى كاهن أرثوذكسي قُتل في المعارك ويُدعى ميخائيل فاسيلييف. وعبّر رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية البطريرك كيريل أيضاً عن دعمه للنزاع، مؤكداً دعمه للـ«إخوة» الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا والذين «رفضوا» القيم الغربية. وفي عظة ألقاها نهاية سبتمبر (أيلول)، أكّد البطريرك كيريل أن الأشخاص الذين قُتلوا خلال تلبيتهم «الواجب العسكري» قدموا «تضحية تغسل كل الخطايا». ويعتبر نيكيتا أستاخوف، وهو المدير الفني لمسرح «غلاس» (الصوت) «الروحي» الأرثوذكسي الروسي الذي يعرض مسرحيات تتناول قضايا دينية، «لقد وقفت روسيا دائماً في وجه الشر». ويضيف، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية: «لن تُهزم روسيا أبداً ما دام أكثر من نصف سكانها من الأرثوذكس».
لكن هذا التدخل للكنيسة في النزاع، وارتفاع النبرة الدينية في الخطابات، لا ينالان إجماعاً في روسيا. فيعتبر الكاهن الأرثوذكسي الروسي في مدريد أندري كوردوتشكين، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، أن «خطاب الحرب المقدسة هذا يأتي مباشرة من العصور الوسطى». ويوضح أن مصطلح «الحرب المقدسة» هو «المصطلح نفسه الذي كان يستخدمه البابا أوربان الثاني، حين بارك الحملة الصليبية (التي انطلقت عام 1096)، واعداً الصليبيين بغفران خطاياهم».
ويضيف: «لكن من المستحيل أن نعود إلى الماضي (...) لا يمكن لحرب ما، وهي شكل من أشكال جريمة القتل، أن يكون لها أي معنى روحي». وأحدثت بطريركية موسكو، من خلال دعمها الصريح للعملية العسكرية في أوكرانيا، ضجةً في العالم الأرثوذكسي، وصراعاً مريراً بين الكنيستين الأرثوذكسيتين في روسيا وفي أوكرانيا، وأحدثت تباينات في صفوف الكهنة الروس؛ فمنذ الأول من مارس (آذار)، وقّع 293 كاهناً أرثوذكسياً عريضة ضدّ «الحرب بين الأشقّاء». ويقول الكاهن أندري كوردوتشكين: «ليس المجتمع (الروسي) فقط منقسماً، بل أيضاً الكنيسة والكهنة».
وعاقبت البطريركية العديد من الموقّعين على هذه العريضة، وفق ما يقول أحدهم طلب عدم الكشف عن هويته. ويوضح: «بعضهم نُقلوا من الرعيات التي خدموا فيها لسنوات واستُبدلوا بكهنة موالين للسلطة»، واصفاً الهجوم الروسي بـ«الكارثة». ويتابع: «في السنوات الأخيرة، تعززت الروابط بين السلطة الأرثوذكسية العليا والسلطة السياسية»، مضيفاً: «لقد ساعدت الدولة الكنيسة كثيراً وهذه المساعدة خلقت تبعية كبيرة».
وأقامت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية أول قداس بمناسبة عيد الميلاد في دير الكهوف المتنازع عليه في العاصمة كييف. وقبل عدة مئات من المصلين والعشرات من الصحافيين ووزير الثقافة أوليكساندر تكاشينكو، الدعوة لحضور القداس في كاتدرائية العذراء أمس السبت. كما بث التلفزيون الأوكراني القداس على الهواء مباشرة.
وحتى نهاية 2022، كانت أهم كاتدرائية في أوكرانيا تستخدم من جانب الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية المنافسة التي كانت مرتبطة لفترة طويلة ببطريركية موسكو. غير أنه لم يتم تجديد عقودها لاستخدام اثنتين من الكنائس العشر الرئيسية في الدير المدرج على قائمة مواقع التراث العالمية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونيسكو».


مقالات ذات صلة

روسيا: قصف كييف يأتي رداً على هجوم بصواريخ أميركية

أوروبا رجال الإطفاء يظهرون في موقع تعرض لهجوم صاروخي روسي على كييف (أ.ب)

روسيا: قصف كييف يأتي رداً على هجوم بصواريخ أميركية

ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن هجوماً صاروخياً أسفر عن مقتل أربعة أشخاص في كييف، خلال الليل، جاء رداً على هجوم أوكراني في وقت سابق من الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ الاستعدادات جارية لحفل تنصيب ترمب أمام مبنى الكابيتول في 12 يناير 2025 (أ.ف.ب)

ترمب في عهده الثاني: نسخة جديدة أم تكرار لولايته الأولى؟

يأمل كبار السياسيين بواشنطن في أن تكون إدارة دونالد ترمب الثانية مختلفة عن الأولى، وأن يسعى لتحقيق توازن في الحكم ومدّ غصن زيتون للديمقراطيين.

رنا أبتر (واشنطن)
أوروبا أفراد من القوات العسكرية البولندية خلال العرض العسكري لإحياء ذكرى انتصار بولندا على الجيش الأحمر السوفياتي عام 1920 في وارسو 15 أغسطس 2023 (رويترز)

كيف تستعد بولندا لإعادة التسلح الأوروبي؟

بوصفها «أفضل طالب» في حلف الناتو، تحاول بولندا إشراك شركائها في مواجهة تحدي زيادة الإنفاق الدفاعي ومواجهة التهديد الروسي، حسب تقرير لصحيفة «لوفيغارو».

«الشرق الأوسط» (وارسو)
أوروبا خلال إطلاق صاروخ «أتاكمز» الأميركي الصنع نحو مياه البحر الشرقي قبالة كوريا الجنوبية في 5 يوليو 2017 (رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا باستخدام صواريخ «أتاكمز» الأميركية مجدداً وتتوعد بالرد

قالت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، إن أوكرانيا شنت هجوماً على منطقة بيلغورود بـ6 صواريخ «أتاكمز» أميركية الصنع، الخميس.

«الشرق الأوسط» (موسكو )
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ماريندرا مودي (رويترز)

تقرير: مقتل هندي في حرب أوكرانيا يجدد التوترات بين نيودلهي وموسكو

سلطت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية الضوء على قضية الهنود الذين يقتلون خلال قتالهم مع الجيش الروسي في حربه ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

باريس بعد تهديدات ترمب: سنرد إذا تعرضت مصالحنا التجارية للضرر

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
TT

باريس بعد تهديدات ترمب: سنرد إذا تعرضت مصالحنا التجارية للضرر

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، أمس (السبت)، من أنه «إذا تعرضت مصالحنا للضرر فسوف نرد»، في وقت ينذر فيه وصول دونالد ترمب إلى السلطة في الولايات المتحدة بعلاقات تجارية ودبلوماسية عاصفة بين واشنطن والاتحاد الأوروبي.

وقال بارو في مقابلة مع صحيفة «ويست فرنس»: «من لديه مصلحة في حرب تجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا؟ الأميركيون لديهم عجز تجاري معنا، ولكن العكس تماماً من حيث الاستثمار. فكثير من المصالح والشركات الأميركية موجود في أوروبا».

وأضاف: «إذا رفعنا رسومنا الجمركية، فستكون المصالح الأميركية في أوروبا الخاسر الأكبر. والأمر نفسه ينطبق على الطبقات الوسطى الأميركية التي ستشهد تراجع قدرتها الشرائية».

ووفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، فقد حذر بارو قائلاً: «إذا تأثرت مصالحنا، فسوف نرد بإرادة من حديد».

وتابع: «يجب أن يدرك الجميع جيداً أن أوروبا قررت ضمان احترام العدالة في التبادلات التجارية. وإذا وجدنا ممارسات تعسفية أو غير عادلة، فسنرد عليها».

وقد هدد ترمب الذي يعود إلى البيت الأبيض، الاثنين، الأوروبيين بفرض رسوم جمركية شديدة جداً. وهو يتوقع خصوصاً أن يشتري الاتحاد الأوروبي مزيداً من النفط والغاز الأميركي ويقلل من فائضه التجاري مع الولايات المتحدة.