استهلت أطراف الصراع الرئيسية في ليبيا العام الجديد بإشعال المزايدة على قدرة كل طرف منهم على قيادة البلاد نحو إجراء الانتخابات، وبينما اتهم رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، عبد الحميد الدبيبة، رئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة بالتدبير لـ«اتفاق مشبوه»، بهدف تأجيل الاستحقاق وتقاسم السلطة بينهما، متعهداً بإجرائه خلال العام الحالي، سرعان ما جاءه رد المجلسين، بإعلان اتفاقهما على وضع «خريطة طريق واضحة ومحددة»، يتم إعلانها لاحقاً؛ لاستكمال كل الإجراءات اللازمة لإتمام الانتخابات المرتقبة.
ومثلما خلا حديث الدبيبة من أي توضيح لمعالم خطته لإجراء الانتخابات وموعد إجرائها، خلا أيضاً البيان المشترك الذي أصدره رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، عقب اجتماعهما بالقاهرة الخميس الماضي، من أي توضيح، وهو ما جعل البعض يطلق تخوفاته وتحذيراته من تحول الانتخابات مجدداً إلى شعار يطرح للمزايدة والتوظيف السياسي لا غير.
يقول عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أحمد الشركسي، إن بيان المجلسين الصادر بالقاهرة حول الوثيقة الدستورية، الذي وصفه بـ«المبهم»، «يخلو من أي توضيح لملامح خريطة الطريق التي أشارا إليها، بل إنهما لم يحددا حتى السيناريوهات البديلة، التي سيتم طرحها إذا لم تمرر القاعدة الدستورية نهاية المطاف، وهذا يعني أنهما لا يملكان أي قدرة حقيقية للفصل في تلك البنود الخلافية، وبدلاً من الإقرار بذلك، حاولا استهلاك الحديث، في الإعلام، عن توافقهما بشأن الانتخابات، أملاً في أن يخفف ذلك من الضغوط المحلية والدولية التي تطالبهما بالإسراع في إجراء الانتخابات».
واعتبر أن بيان البعثة الأممية الأخير «يظهر بوضوح أن المجتمع الدولي غير راضٍ عما تم إنجازه من قبل المجلسين»، وقال بهذا الخصوص: «إن مواقف المجلسين واضحة للجميع، فهما يريدان فقط مرحلة انتقالية لتقاسم مقاعد حكومية جديدة، وإنجاز ملف المناصب السيادية، وإزاحة الدبيبة... والمجتمع الدولي لن ينخرط في أي تحرك إلا إذا أعلنا بوضوح توافقهما على القاعدة الدستورية»، موضحاً أن الدبيبة «يحاول مثلهما توظيف الحديث عن الانتخابات، ويتعهد بإجرائها، متناسياً أنه يمثل سلطة تنفيذية، ولا صلة له من قريب أو بعيد بالانتخابات».
من جهته، وصف الكاتب والمحلل السياسي الليبي، عبد الله الكبير، الواقع الراهن بكونه «عملية تحويل للانتخابات من استحقاق وطني، إلى مجرد شعار يوظف للمزايدة والتجاذب السياسي بين متصدري المشهد؛ مما يجهض الآمال بتحققها هذا العام أيضاً».
وقال الكبير لـ«الشرق الأوسط»: «إن مجلسي النواب والأعلى للدولة تعودا على اتهامهما بعرقلة الانتخابات، وسوف يستمران في تجاهل الانتقادات لهما من قبل الشارع الليبي، وتحركاتهما في الفترة المقبلة سترتهن فقط لمدى جدية تهديد البعثة الأممية، وبعض الدول الغربية، باللجوء لبدائل لهما إذا لم يتوصلا سريعاً لقاعدة دستورية كما أعلنا... وربما قبل ذلك، أي إذا ما اتضح للجميع أن خريطة الطريق التي أشارا إليها لا تنطوي سوى على هدف واحد، وهو إزاحة الدبيبة، وتكليف شخصيات جديدة للمناصب السيادية».
وانضم الباحث في مؤسسة «غلوبال أنيشاتيف»، جلال حرشاوي، للآراء السابقة حول وجود توافق بين رئيسي مجلسي النواب والأعلى للدولة حول رغبتهما في البقاء في السلطة لأطول مدة ممكنة، واستخدام الحديث عن إجراء الانتخابات هذا العام للإطاحة بالدبيبة.
وقال لـ«الشرق الأوسط» إن صالح والمشري «يهتمان بدرجة كبيرة بإزاحة الدبيبة قبل التحضير للانتخابات، وأن يكون هناك رئيس وزراء جديد يحل محله».
ورهن الباحث المتخصص في الشأن الليبي نجاح كل من صالح والمشري في هذا المسعى بحصولهما على دعم خارجي، موضحاً أن «تركيا تتحدث مع صالح... وربما قد يشهد العام الحالي حدوث توافق بين رئيسي المجلسين وأنقرة على استبدال حكومة جديدة بحكومة الوحدة الوطنية، ثم الاتفاق على قاعدة دستورية».
ورغم إقراره بوجود اتصالات بين الدبيبة وقائد الجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، عبر وسطاء مقربين منهما، استبعد حرشاوي ما تردد عن إجراء الدبيبة اتصالات سرية مع حفتر، بمواجهة تحالف «المشري - وصالح»، وقال بهذا الخصوص: «بكل تأكيد حفتر يرغب بالمثل في رحيل الدبيبة، ولا يهتم كثيراً بوضع الحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا... وتخوفه الرئيسي منصب الآن على القاعدة الدستورية المرتقبة، وهل ستتضمن بنداً يحظر ترشح العسكريين للرئاسة أم لا، في الانتخابات المستقبلية، وإذا سمح عقيلة صالح بحدوث ذلك فسيغضب حفتر بشدة».
في المقابل، رفض عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، تلك الاتهامات، وأكد أن التقارب الراهن بين المجلسين سيقود بالفعل إلى خريطة طريق تؤدي للانتخابات.
وتوقع في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تعتمد البعثة الأممية تلك الخريطة، ومنحى تشكيل حكومة جديدة موحدة؛ للإشراف على الاستحقاق الانتخابي، قائلاً: «البعثة، وعلى عكس ما تصدره من بيانات، مقتنعة بأن بقاء الدبيبة على رأس السلطة يعوق فعلياً إجراء الانتخابات، فالجميع يدرك أن الدبيبة يريد البقاء، والاستفادة من منصبه حتى اللحظة الأخيرة، وتسخير هذا المنصب بصلاحياته كافة؛ لخدمة حملته الانتخابية مرشحاً رئاسياً، بما يسهم في تعزيز فرص نجاحه».
هل يتمكن «النواب» و«الدولة» من تجاوز «العقبة الدستورية» لإجراء الانتخابات الليبية
(تحليل سياسي)
هل يتمكن «النواب» و«الدولة» من تجاوز «العقبة الدستورية» لإجراء الانتخابات الليبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة